}
عروض

بورخيس: عن هوامش سيرة تكاد تكون بلا نهاية

دارين حوماني

31 يناير 2021
يعترف خورخي لويس بورخيس (1899-1986) بشجاعة تامة بأخطائه التي ارتكبها في حياته الأدبية في كتابه "هوامش سيرة" الذي قدّمه سنان أنطون مؤخرًا إلى المكتبة العربية عن طريق دار الجمل، وكان بورخيس قد نشره لأول مرة في مجلة "ذا نيويوركر" بتاريخ 19 أيلول/ سبتمبر 1970 بتوقيعه وتوقيع صديقه المقرّب ومترجمه إلى الإنكليزية لسنوات طويلة نورمان دي جيوفاني.
ولا يمكن اعتبار هذا الكتاب سيرة ذاتية كاملة عن بورخيس فهو كما يقول "هوامش"؛ إنه شذرات من سيرته، كتب فيه عن كل ما هو أول في حياته، وكيف تطوّرت ميوله واهتماماته الأدبية، مارس فيه النقد الذاتي على أعماله، حتى أنه اعتبر أن الكثير من كتاباته الأولى يجب أن تُنسى. وهو الذي انتقد اعترافات جان جاك روسو لكنه دافع عن فن السيرة الذاتية منذ أن كتب دراسة عن الشاعر الأرجنتيني إيفارستو كارييغو في عام 1930 يقول فيها: "أن يحاول رجل إثارة ذكريات رجل آخر لا تنتمي إلا لثالث هو تناقض واضح؛ لتحقيق هذا التناقض بلا مبالاة هو القرار البريء وراء أي سيرة ذاتية".
يقسّم بورخيس السبعين عامًا من حياته إلى خمسة فصول، "العائلة، أوروبا، بوينس آيرس، النضج، سنوات مزدحمة". "العائلة" هي المكان الذي وُلد فيه بورخيس "بين شارعيّ سويباجا وإيزميرالدا"، وهي جاره الشاعر كاريبغو الذي كان "أول" شاعر أرجنتيني استكشف الإمكانيات الأدبية التي كانت في ذلك المكان. والعائلة هي زوج خالة والده المهندس الإيطالي اليهودي خورخي سواريز الذي كان "أول" من جاء بعربات الترامّ التي تجرّها الخيول إلى الأرجنتين. والعائلة هي أيضًا جدّته التي "اعتذرت لأنها استغرقت وقتًا طويلًا قبل أن تموت" وجدّه الذي لقي حتفه في الحرب الأهلية في عام 1874 برصاص "ريمنغتون"، وكانت هذه "أول" مرة تُستخدم فيها بنادق "ريمنغتون" في الأرجنتين، يقول بورخيس عن ذلك: "يروق لي أن يكون اسم الشركة التي تحلق ذقني كل صباح هو ذات الاسم لتلك التي قتلت جدي". أما والده خورخي غييرمو بورخيس وهو من أم إنكليزية فكان ذكيًا في نظر الابن "ومثل كل الرجال الأذكياء، حنونًا جدًا" ومحاميًا ومدرّسًا لعلم النفس باللغة الإنكليزية، وفوضويًا في فلسفته من أتباع سبينوزا، وكتب رواية بعنوان "الزعيم" ونشر ترجمات لرباعيات عمر الخيام ومسرحية بعنوان "محو اللاشيء"، وكتب سونيتات. ويحدّثنا بورخيس عن والده كيف علّمه قوّة الشعر، وأعطاه أول دروس في الفلسفة ومبادئ المثالية، وعلّمه ألّا يأخذ الكون وتصوّره للأشياء كأمر مسلّم به. وباستخدام رقعة الشطرنج شرح له مفارقة زينو، أخيل والسلحفاة، واستحالة الحركة، وكيف يتمّ تقسيم المساحات التخييلية للذاكرة إلى أجزاء لا نهائية؛ أصبحت لعبة رقعة الشطرنج هذه فيما بعد لعبة بورخيس الأدبية، فقد لعبها مرارًا في القصائد والقصص القصيرة والمقالات التي يتشابه فيها الواقع والخيال.
وأما الأم ليونور بورخيس فقد علّمت ابنها الإحساس بالصداقة، وحين أُصيب بالعمى كانت "صديقة متفهّمة وغفورة"، وتولّت القراءة له وكتابة ما يمليه عليها، وهي التي قامت بترجمة "الكوميديا الانسانية" لوليام سارويان، وكرّمتها جمعية الأرمن بعد ذلك، كما قامت بترجمة العديد من الكتب لميلفيل وفرجينيا وولف وفوكنر وأُسنِدت هذه الترجمات لبورخيس.
ربما كان على صاحب "مكتبة بابل" أن ينتظر عشرات السنين ليتمكّن من الكتابة عن طفولته التي كانت "بلا أصدقاء طفولة"، وكان يشعر بالعار لأنه لا يمكن أن يكون ضابطًا في البحرية، كما كان معظم أهله، فقد كان هزيلًا ويستخدم النظّارات، ولا يخرج من المكتبة، يقول: "كنتُ شخصًا مولعًا بالكتب، لا رجل أفعال.. ولم أشعر أني أستحقّ أي حب"، ويضيف "ولو طُلب مني أن أذكر أهم حدث في حياتي لقلتُ إنه وجود مكتبة أبي". لكن الحدث الأهم، كما نراه نحن، هو ترجمة بورخيس لقصة "الأمير السعيد" لأوسكار وايلد إلى الإسبانية وهو في عمر التسع سنوات، فقد أتقن الإنكليزية والإسبانية، ونُشرت القصة المترجمة في جريدة "إيل بايس"، وكان بورخيس قد كتب "أول" قصة في عمر السبع سنوات و"كانت قطعة غبية"، كما يصفها هو.
ويذكر بورخيس "أول" رواية قرأها كاملة هي "هكلبري فن" لمارك توين، وفي مكتبة والده التي تحتوي آلاف الكتب سيكتشف الطفل وبوقت مبكر عالما شاسعا من الأدب والفكر، وسيعثر على مفاتيح للتجربة والإدراك وعلى تعبيرات لغوية وحوارات متخيّلة مع الكتّاب وشخصياتهم ورموزهم. قرأ بورخيس في تلك الغرفة "دون كوخيته" كما قرأ لتوماس هيوز وإدغار آلن بو وآخرين، وأما كتاب "ألف ليلة وليلة" فقرأه مختبئًا في السطح فقد كان ممنوعًا "لأنه مليء بما كان يُعتبر فحشًا". وكان الأدب تقليدًا متوارثًا في عائلة والد بورخيس فقد كان عمّه خوان لافينور من "أوائل شعراء الأرجنتين"، يقول بورخيس عنه.



استحواذ والت ويتمان
إلى "أوروبا" العام 1914 وصلت العائلة لعلاج الوالد من العمى، وتحديدًا جنيف. هناك ارتحل بورخيس لسبع سنوات بين اللغات والآداب، اللاتينية والفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية. لكل لغة كيمياء وموسيقى بين أصابع بورخيس، "الألمانية جميلة، ربما أجمل من الأدب الذي أنتجته"، وهو بذلك يعارض غوته الذي اعتبر أن اللغة الألمانية أسوأ لغة في العالم، وأما "الفرنسية ففيها أدب حسن لكنني أعتقد أن اللغة قبيحة". ينتقل بورخيس ليخبرنا عن الشعراء الذين استحوذوا عليه في تلك الفترة، ومنهم والت ويتمان الذي اعتبره "الشاعر الأوحد" معتبرًا أن كل شعراء العالم كانوا محض مراحل للوصول إلى ويتمان، وأن عدم تقليده كان برهانًا على الجهل. وهناك كتب "أولى" سونيتاته بالإنكليزية والفرنسية، لكن بورخيس سيجد أن "السونيتات الإنكليزية كانت تقليدًا سيّئًا لوردزورث، والفرنسية ببياختها كانت تقليدًا للشعر الرمزي". في إسبانيا العام 1919 لن يشعر بورخيس بعودته إلى البلد الأم "لم نكن نحن الأرجنتيين نعتبر أنفسنا أسبان"، لكنه سينشر هناك أول قصيدة له "أغنية للبحر" وظهرت في جريدة "غريسيا" في 31 كانون الأول/ ديسمبر 1919، ويعترف بورخيس بشجاعة "بذلتُ كل جهودي في القصيدة كي أكون والت ويتمان.. أيها البحر .. كلانا يتوق للنجوم.."، ولا يكتفي بورخيس بالاعتراف بتأثّره بويتمان، بل يسخر من نفسه "اليوم قلّما أرى البحر بتوق، أو أراني أتوق للنجوم".

 والت ويتمان 














في إشبيلية سيتعرّف بورخيس على "الغلاة" وهم مجموعة أدبية تشكّلت حول "غريسيا" و"الذين لم يكن لديهم علم بوجود شيء اسمه الأدب الإنكليزي"، وفي مدريد سيلتقي بـِ"ماضي أوروبا" الأديب رافائيل كانسينوس- آسينس وسيعتبر ذلك "الحدث الأعظم". كان كانسينوس يتزعّم حركة أدبية تحتقر كل شيء ذي طابع إسباني، ودأب بورخيس على الالتقاء بهم كل سبت، وهناك بدأ يشعر بمتعة الحوارات الأدبية. وفي إسبانيا سيعمد بورخيس إلى إتلاف كتاب "المزامير الحمر" الذي كتبه هناك وهو قصائد تمتدح الثورة الروسية، وكتاب آخر عبارة عن مقالات في الأدب والسياسة "أوراق المحتال" الذي لم يجد ناشرًا له فأتلفه إثر عودته إلى الأرجنتين في عام 1921، ولا يتردّد بورخيس وهو يكتب: "أتساءل الآن لماذا كان اسمه "أوراق المحتال"، كنتُ لا أزال فوضويًا وملحدًا ومتأثّرًا بالروائي بييو باروها".



رحل بورخيس "المنذور إلى الكونية" في عام 1986 بعد ستة عشر عامًا من نشر هذا الكتاب تاركًا لنا آخر نصائحه وأمنياته، "الفشل والشهرة لا أهمية لهما،
ما أبحث عنه هو الطمأنينة والصداقة وأن أُحِبّ وأُحَبّ"!


 
وكما كان لقاؤه بكانسينوس هو الحدث الأهم في أوروبا كان لقاؤه بالفيلسوف الأرجنتيني ماسيدونيو فرنانديز عند العودة إلى "بوينس آيرس"، التي ألهمته لكتابة "أول" عمل نُشر له وهو "حماسة بوينس آيرس"، فقد شعر عند عودته أنها أصبحت كبيرة جدًا و"تكاد تكون بلا نهاية"؛ يقول بورخيس عن كتابه الأول: "في ذلك الوقت قلّدتُ إسبانيا القرن السابع عشر، أشعر أن طوال حياتي أعدتُ كتابة ذلك الكتاب"، ويصف كتاباته الأخرى في ذلك الوقت بالسخافات "لا يسعني إلا أن أندم على تماديّ المبكر، أحاول أن أتناسى تلك الفترة المحرجة من حياتي". ويصف بورخيس شغفه بلقاء ماسيدونيو أسبوعيًا "كان يحيي أسبوعي كله"، واعتبر أنه كان قبل اللقاء به قارئًا ساذجًا، "كانت هبته الكبرى لي أنه جعلني أقرأ بشكّ". كانت الفترة بين 1921 و1930 فترة نشاط عظيم في حياة بورخيس؛ أراد أن يختزل أكوام الكلمات التي حملها على كتفيه من أوروبا، فكتب ونشر سبعة كتب بحماس وكأنه يعيد اكتشاف بوينس آيرس من جديد، وأسّس ثلاث مجلات، وكانت "أول" مجلة هي "بريسما"، كما ساهم بشكل مستمرّ باثنتي عشر دورية، وأسّس مع عدد من أصدقائه الشعراء مجلة تمثّل الجيل الأدبي الجديد أطلقوا عليها اسم "بروا". يصف بورخيس تلك المرحلة: "كانت هذه السنوات سعيدة جدًا بسبب الصداقات التي كانت فيها، كان الإخلاص هو ما يدفعنا، شعرنا أننا نجدّد الشعر والنثر، وحاولت ككلّ الشباب أن أكون تعيسًا أكثر ممّا ينبغي"، وفي تثمين للصداقة يُنهي بورخيس عودته إلى بوينس آيرس فيقول: "لا أجد أي تعاطف في نفسي مع ذلك الشاب المتزمّت والدوغمائي الذي كنتُه، مع ذلك فإن أولئك الأصدقاء ما زالوا أحياء وقريبين جدًا مني، الصداقة هي الشغف الأرجنتيني الذي يمكن التعويل عليه".


تفضيل كتابة القصة
"النضج" هو القراءات التي بدأ يجدها الأفضل، فابتعد عن الروايات مفضّلًا القصة، وهو كتاباته التي بدأ يعترف بها ولا يسخر منها. كان قد كتب "أول" قصة "رجل زاوية الشارع" ونشرها باسم مستعار في عام 1927 في جريدة "كريتيكا" التي كان يترأس تحرير ملحقها الأسبوعي، "مع أن القصة اشتهرت لدرجة محرجة، أراها اليوم متكلّفة ومصطنعة وشخصياتها مزيفة، فلم أعتبرها نقطة البداية، إنها تقف هناك، كنزوة". ويضيف بورخيس أن البداية الحقيقية لمسيرته القصصية هي "تاريخ العار" التي كتبها بين العامين 1933 و1934. ثم ينتقل إلى "أول" وظيفة له في مكتبة البلدية في عام 1937 حيث أمضى تسع سنوات "من التعاسة الصرفة"، كان عليه أن يُفهرس الكتب، وأن يتلقّى مكافآت من وقت لآخر، يصفها بورخيس: "كانت هذه العطايا الصغيرة من الأعالي تُبرز وجودي التافه والقاحل". ولكنه في عام 1946 سيُعاقب بسبب تأييده للحلفاء في الحرب العالمية الثانية ليصبح مسؤولًا عن تفتيش الدواجن في الأسواق العامة فيتقدّم باستقالته.
قبل ذلك بسنوات في ليلة عيد الميلاد من عام 1938، العام الذي توفي فيه والده، سيتعرّض لحادث، "خفتُ على سلامة عقلي"، لم يكن ذلك بسبب مكوثه في السرير لشهر كامل، بل من خوفه بعدم قدرته على الكتابة بعد ذلك وأن يكون قد انتهى فكريًا، كان يبكي حين تقرأ أمه له القصص، يقول لها: "إنني أبكي لأنني لا أفهم". لكن بورخيس سيقتحم بعد ذلك عالم القصة بشكل مذهل فيكتب من قبو مكتبة البلدية أو من على سطحها "بيير مينارد، كاتب دون كيخوته" و"مكتبة بابل" وقصصا أخرى سيجمعها كلّها في اثنين من أهمّ أعماله "حكايات" و"الألف".
بعد مكتبة البلدية ستبدأ سلسلة طويلة من المحاضرات عن الأدب الأميركي والإنكليزي والمتصوّفة الفرس والصينيين والشعر القروسطي الألماني، سيلقيها بورخيس رفقة أمه من بلد لآخر "استمتعتُ بالعمل، شعرتُ أنه يبرّر وجودي"، ولا يتردّد بورخيس في وصف شعوره الأول عند إلقاء المحاضرة "الأولى" في حياته: "التحدّث على الملأ كان فوق طاقتي.. كنت أظنّ أن المحاضرة الأولى ستكون نهاية العالم وأن ما سيتبعها سيكون الأبدية، وبأعجوبة مرّت المحاضرة الأولى بسلام". وسيمرّ بورخيس على كتابته المشتركة مع الكاتب أدولفو بيوي-كاساريس "أعتقد أن الكتابة المشتركة تتطلّب التخلّي عن الأنا والغرور"، كتبا سوية عددًا من السيناريوهات والروايات البوليسية، ويعدّ بورخيس ذلك التعاون أحد الأحداث الرئيسية في حياته. في عام 1955 سيُعيَّن مديرًا للمكتبة الوطنية، وكان ذلك أقصى حلمه. أما الحدث الذي اعتبره بورخيس الأهمّ فهو تعيينه لأستاذية الأدب الإنكليزي والأميركي في جامعة بوينس آيرس في عام 1956، "طوال حياتي كنتُ أُؤهّل نفسي لهذا المنصب دون أن أعي ذلك"، كان الأدب الإنكليزي بالنسبة لبورخيس الأغنى في العالم، وكانت جولاته داخل هذا الأدب شخصية وحميمية "مثل النظر إلى الغروب أو الوقوع في الحب"، يقول بورخيس. في تلك الفترة تمكّن العمى من عينيّ القارئ الأكثر عمقًا وتخييلًا؛ كان العمى المتوارث قد تسلّل إلى عيني بورخيس منذ الصغر، ويتحدّث بورخيس عن ذلك قائلًا: "مفارقة الله الرائعة في أن يهبني، في نفس الوقت، ثمانية آلاف كتاب والظلمة"، ويضيف عن أثر ذلك: "واحدة من نتائج عماي هو قيامي بهجر الشعر الحرّ لصالح الأوزان الكلاسيكية".

لا يمكن اعتبار هذا الكتاب سيرة ذاتية كاملة عن بورخيس فهو كما يقول "هوامش"؛
إنه شذرات من سيرته، كتب فيه عن كل ما هو أول في حياته،
وكيف تطوّرت ميوله واهتماماته الأدبية



"سنوات مزدحمة" هي التي تراكمت شهرته فيها منذ عام 1961، وبرفقة أمه تنقّل أستاذًا زائرًا ومحاضرًا بين دول العالم وحصل فيها على الجوائز. لكن بورخيس، الذي كان طوال حياته مهتمًّا بالثقافة اليهودية، لم يتنبّه لآلام الفلسطينيين والشتات الذي لحق بهم خلال زيارته للقدس وتل أبيب بدعوة من الحكومة الإسرائيلية في عام 1969، يقول: "كانت عشرة أيام من الإثارة، وعدتُ من هناك مقتنعًا أنني كنتُ في أقدم الأمم وأصغرها، وأنني عدتُ من أرض حيّة ويقظة للغاية، وأثناء الحرب الإسرائيلية- العربية قبل سنوات (1967)، وجدتني أنحاز وبسرعة وأكتب قصيدة عن النصر".. ويمكن أن نجد هذا التحيّز الواضح في كتاب "مع بورخيس- مساء عادي في بوينس أيرس" لويليس بارنستون، يقول له فيه: "طوال حياتي حاولتُ أن أكون يهوديًا، وأن أكون جديرًا بالقابالا".. فهو بالتالي لم يكن يفرّق بين اليهودية والصهيونية.  


لا تزرعوا البذرة قبل الأوان

 يذكر بورخيس أن "أول" رواية قرأها كاملة هي "هكلبري فن" لمارك توين













بعد واحد وسبعين عامًا من حياة "آخر المرهفين" دوّن بورخيس هذه الهوامش موثّقًا "أول" كل شيء، فبسطها لنا كمن يصحّح لنا وللتاريخ كيف علينا أن نكتب، أن نهدأ قبل الكتابة، أن نكون أكثر اقترابًا من اللغة والأدب والأشياء والوجوه المغلقة والحكايات المدفونة، أن نعرّيها بهدوء وبحبّ، وأن لا نزرع البذرة قبل الأوان لأنها لن تنمو. ويمكن أن نقرأ هوامش أخرى من حياته تقرّبنا من صوته الحميمي العميق المساوي للكون في عدد من الكتب منها كتاب ويليس بارنستون وكتاب "مع بورخيس" لألبرتو مانغويل.
رحل بورخيس "المنذور إلى الكونية" في عام 1986 بعد ستة عشر عامًا من نشر هذا الكتاب تاركًا لنا آخر نصائحه وأمنياته، "الفشل والشهرة لا أهمية لهما، ما أبحث عنه هو الطمأنينة والصداقة وأن أُحِبّ وأُحَبّ". وسيصف بنفسه هذا الكتاب مستعيدًا ما كتبه في كتابه "الخالق": "في آخر صفحات الكتاب تحدّثتُ عن رجل يحاول أن يرسم صورة للكون.. ولكنه اكتشف في لحظة موته أنه رسم وجهه هو، وقد تكون هذه الحال مع كل الكتب، وبالتأكيد هذا الكتاب بالذات".  

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.