}
عروض

"التضليل الإعلامي لدى تنظيم الدولة"..في فهم سيكولوجيا الإعلام المتشدّد

صدام الزيدي

7 يوليه 2022



ضمن إصدارات وزارة الثقافة والسياحة في العراق، صدر حديثًا عن دار المأمون للترجمة والنشر في بغداد، كتاب بعنوان "التضليل الإعلامي لدى تنظيم الدولة" وهو أول ترجمة عربية لكتاب نيل كريشان أغرول، أنجزتها المترجمة والأكاديمية العراقية خالدة حامد. يقع الكتاب في 308 صفحات، وهو أحد إصدارات "مبادرة ترجمة مئة كتاب" التي أطلقتها وزارة الثقافة والسياحة العراقية، مؤخرًا. 

ووفقًا للمترجمة حامد، هذا هو أول كتاب في المكتبة العربية في (حقل الطب النفسي الثقافي) يُحلل ثقافة وسيكولوجيا الإقناع التي يُوظفها تنظيم الدولة عبر تحليل خِطابه الإعلامي، وسيُشكِل إضافة حقيقية في هذا المجال. ولعلّ مزيته هذه مردّها إلى تخصص مؤلف الكتاب وتعمقه في الطب النفسي الثقافي وعلم النفس الثقافي والأنثروبولوجيا النفسية ما جعله يعكف على مراجعة وتحليل مئات المقالات والخطابات ومقاطع الفيديو والأناشيد والوثائق الرسمية باللغتين الإنكليزية والعربية مميطًا اللثام عن ثقافة دموية تخلّقت وانتشرت فصارت بصمة للتنظيمات المتشددة مثل (تنظيم الدولة).

في العموم، يبحث مؤلف الكتاب وهو باحث شاب وبروفيسور متخصص في الطب النفسي الثقافي عن إجابات لأسئلة محورية: لماذا ينجح الإعلام المتشدد في دفع الآخرين للعنف؟ وما أنواع رد الفعل المعرفي (الإدراكي) التي يرغب المتشددون بتوليدها؟ وكيف نتمكن من تطوير أدوات تحليل إعلام الجماعات المتشددة عمومًا، في سياق الحاجة الملحة اليوم إلى فهم سيكولوجيا الإعلام المتشدد وتحليل الهوية الثقافية للجماعات المتشددة: "غايتي من تأليف هذا الكتاب، تحليل الآليات السيكولوجية التي يتبناها إعلام (تنظيم الدولة) لتحقيق الإقناع، وتحليل الهوية الثقافية للتنظيم والجماعات التي سبقته".

في البدء، يتحرى أغرول الملامح البارزة في نشأة تنظيم الدولة والتنظيمات التي سبقته من خلال تحليل واعٍ ودقيق لعينة من النصوص، يختارها بعناية، مرتبًا الفصول بحسب الأطوار التي مرّ بها تنظيم الدولة لتسليط الضوء على التغيرات التي طرأت على ثقافته وسيكولوجيته والأساليب الإعلامية التي انتهجها في مختلف مراحله: "جماعة التوحيد والجهاد"؛ "القاعدة في العراق"؛ "مجلس شورى المجاهدين"؛ "الدولة الإسلامية في العراق"؛ "داعش"، ثم مرحلة "الدولة الإسلامية". وفي الفصل الثاني، يحاول تفسير الكيفية التي تمكن بها الزرقاوي من التأسيس لهوية ثقافية وسيكولوجية جديدة لجماعة التوحيد والجهاد (وضحها المؤلف مستندًا إلى نظرية التمثّل الاجتماعي) في كلمتين للزرقاوي ومقاطع الفيديو وبعض الأناشيد. 

ويقارن الفصل الثالث نصوصًا من جماعة التوحيد والجهاد وتنظيم القاعدة قبل (وبعد) اندماجهما، لتعريفنا بالتحولات التي طرأت على اللغة وأنساق المعاني والممارسات والرموز المشتركة التي وظّفها التنظيم خلال سيرورة مثاقفة الجماعتين لتأسيس تنظيم القاعدة في العراق. أما الفصل الرابع، ففيه يحلل المؤلف عددًا من الوثائق ومقاطع فيديو لتحديد هوية الجماعة المشتركة لمجلس شورى المجاهدين. وفي الفصل الخامس، يعرض التحول الذي طرأ على هوية تنظيم "دولة العراق الإسلامية"، ثم، في الفصل السادس، يبين انتشار هوية "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، بتحليل عدد من مقاطع الفيديو التي تُصوّر الحياة في أثناء الحرب الأهلية السورية. ويُظهِر المؤلف، في الفصل السابع، الكيفية التي أدّى بها انتشار هوية داعش المتشددة إلى تفكيك العائلات بسبب المعاناة الاجتماعية. أما الفصل الثامن (وهو الأخير) فيُفصِح عن اختصاص المؤلف الذي يحاول توظيفه للترويج لخطاب مضاد للإرهاب، فضلًا عن المشورة النفسية التي يعرضها للمرضى المحتملين عبر طرح استبيانات.

وتمثل فصول الكتاب (متبوعةً بلائحة مصادر تحتلّ 30 صفحةً) دفعة مهمة في حقل الصحة العقلية الثقافية، في اتجاه مزيد من الكشف الذي قد تتولد عنه، وفقًا للمترجمة حامد، قاعدة أدلّة مهمة يمكن توظيفها في المقارنة بين مختلف الجماعات المتشددة وغير المتشددة، على نحوٍ سيفيد الباحثين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ومكافحة الإرهاب والدراسات الأمنية.

وتلفت المترجمة الانتباه، إلى أن المؤلف كان لديه مفهوم مغلوط حينما اعتمد في كتابه المصطلح التالي: (تنظيم الدولة الإسلامية)؛ بينما كان الأحرى به حذف كلمة (الإسلامية)، ليس في عنوان كتابه فحسب، إنما في العنوان والمضمون على السواء، وهنا تتبرأ المترجمة من هفوة كبيرة سقط فيها المؤلف، ذلك لأن (تنظيم الدولة) بنشاطه الذي ينبذه ويرفضه المسلمون، لا يمت بأي صلة لمقومات وأسس وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف... غير أن المترجمة في سياق مهني بحت، تنبه القارئ، أنها حرصت على تقديم ترجمة حرفية للكتاب دون تدخل يفضي إلى حذف كلمة (الإسلامية)، التي أثارت حفيظتها فعلًا...

من صفحة المترجمة خالدة حامد  على الفيسبوك



"
أنا الضحية"..

ولأن المؤلف يستند في تحليله ومادة كتابه على مئات المقالات والخطابات والصور المنشورة في النوافذ الإلكترونية لـ(تنظيم الدولة) كان على المترجمة أن تتبّع كمًا كبيرًا من هذا المحتوى المرعب الذي يغذي فكرة الإرهاب. ففي سياق كلمة لها في مفتتح الكتاب، ثمة عنوان فرعي "أنا الضحية"، توضح فيه أنه كان لزامًا عليها مشاهدة مقاطع الفيديو كلها لتتأكد من دقة ترجمة النص الأصلي الذي اتخذه المؤلف مادةً لسردٍ تعلو لغته أصوات كثيرة، تحفز في الذاكرة مشاعر الاحتقار والاشمئزاز تارةً والألم والمرارة تارة أخرى. 

ومما كتَبَته المترجمة: "مرأى الطفلة الصغيرة المرعوبة تنظر إليّ بعينين مغرورقتين بالدموع وهي تستنجد بأبيها بعد أن ركل الجنود الأميركان باب بيتهم وأخرجوه مكبلًا، والطفل مبتور اليد ينظر إليّ بعينين يائستين، والنساء اللاتي أهينت كرامتهن، وبراء الكبيسي الشاب الوسيم المهذب الجالس تحت شجرة يتكلم بهدوء، وأبو معاوية الشمالي المرِح بدعابته وظُرفه وهو يمازح المصور قبل لحظات من تحوله إلى أشلاء هو وسيارته المفخخة، و(أبو عمارة) الفتى اليافع الذي لفّه أبوه بحزام الموت ليودعه إلى حيث حتفه". وهنا تطلق حامد صرخة مدويةً: أي عقيدة نكراء يحملها هؤلاء فتدفع بهم إلى تقديم فلذات أكبادهم أضاحي للشيطان؟!".

وتستطرد حامد في التدوين لتجربتها في ترجمة هذا الكتاب، متحدثةً عن تجربة تختلف تمامًا عما سبق لها من تجارب ترجمية - من الإنكليزية إلى العربية والعكس- في النظرية الثقافية ونحو ذلك... ذاهبةً إلى القول إنها عاجزة عن إيصال تجربتها -هذه تحديدًا- إلى القارئ، بالكلمات: "ولهذا أجدني لا أتفق مع عالم الاجتماع (غوفمان)، الذي يقول إن الإنسان يستطيع بكل سهولة التكلم عن تجربته الشخصية ويوصلها للآخرين".

وتتابع: كانت رحلة من الألم والدموع والمعاناة؛ تجربة مؤلمة بالمقاييس كلها. بين مشهدٍ وآخر كنت أترك الترجمة وأجهش بالبكاء. منذ طفولتي كنت أتحاشى مناظر الدم والألم. كنت أتقصد التماهي مع عالم أحلم به وأسعى لأن أكون جزءًا منه؛ عالمٌ نحيا فيه معًا، نتسامح ونتشارك في كل شيء، عالمٌ يكون فيه الجميع أحرارًا. كبرتُ ووجدت أن حلمي لم يتعدَ حدود الكلمة نفسها: حلمُ طفلة!... هذا الحلم عاود الظهور وأنا أترجم هذا الكتاب. بتُّ أشعُر أن ظلام التوحش أطبقَ على العالم كلما شاهدت أحد مقاطع الفيديو التي جعلها المؤلف مادةً لكتابه، أو قرأت حروف الظلاميين يتخذُ فيها من السيف مِزولةً تحدد اتجاهه. الحَرف، مثلما يقول النفّري، يسري حيثُ القصد؛ سينٌ سيف أو سينٌ سلام. كنت أنحني على نفسي أتقصاها فأجدها منحنية على ذاتها تتحسس الألم.. كان عليّ أن أتوقف عن إكمال ترجمة الكتاب نهائيًا ولا أعود أو أن أستمر وأنا أنوء بحمل هذا العبء؛ شعور بالمسؤولية والعجز وتأنيب الضمير لأني أحيا حياةً طيبة بينما غيري يعيش المعاناة.


ويرتفع سقف الرعب، لدى المترجمة، لتعترف بلغة صادقة مرعوبة، عن وقوعها ضحيةً لـ"الاضطراب التواسطي"، الذي يتكلم عنه المؤلف، حينما صارت شاهد عيان على ما جرى للضحايا الحقيقيين، بينما تقف عاجزة عن فعل أي شيء لدفع الظلم عنهم أو لتقديم المساعدة لهم: "تعصفُ بي مشاعر متضاربة ممزوجة بالحزن والإحباط والاكتئاب بأني جزءٌ من عالمٍ غير عادل ومخيف".

ونشير إلى أن مؤلف الكتاب، نيل كريشان أغرول، الطبيب النفسي الثقافي الهندوسي الأميركي، يعمل أستاذًا للطب النفسي في جامعة كولومبيا، وباحثًا في معهد نيويورك للطب النفسي، وهو متخصص بالطب النفسي الثقافي. وله مؤلفات وأبحاث مهمة في شؤون الإرهاب، منها كتاب عنوانه "إمارة طالبان الافتراضية" صدر في عام 2016. ويتفاجأ من يبحثون عنه في الصفحات العربية على شبكة الانترنت (في غوغل) بعدم العثور على أي تعريف به، ولذلك يعد كتاب خالدة حامد الترجمي أول ترجمة عربية له، ونافذة أولى عنه بالعربية.

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.