}
عروض

"فلسطين في الفضاء الصهيوني": بين الأبارتهايد والتهويد

مليحة مسلماني

12 يونيو 2024




في كتاب "فلسطين في الفضاء الصهيوني"، ينقل الكاتب والمترجم الفلسطيني السوري محمود الصبّاغ، عن الإنكليزية إلى العربية، إحدى عشرة مقالة ودراسة لكتّاب وباحثين إسرائيليين في مجالات مختلفة، فضمّ الكتاب مواضيع متنوعة منها: عبرنة المكان، والإثنوقراطية، والصهيونية العمّالية، والصهيونية الدينية، إضافة إلى الاستيطان، والتخطيط الجيوسياسي، والقدس في السياسات الإسرائيلية. ويتمثل الرابط المشترك بين فصول الكتاب في كونها تُبرز في شموليتها الخصائص المميّزة للنظام الاستعماري في فلسطين، وللحركة الصهيونية باعتبارها حركة اجتماعية سياسية، نظّرت لنفسها كحركة اشتراكية أيضًا، غير أن المترجم يرى أن إسرائيل هي "في الحقيقة، مجتمع فاشي على نحو ما، منذ ولادتها، ومناهضة للاشتراكية..." وذلك لاندماج الاقتصاد السياسي الإسرائيلي في العلاقات الرأسمالية الإقليمية والعالمية في سياق حربه الاستعمارية ضد الوجود الفلسطيني.

يذكر محمود الصباغ في تمهيده للكتاب أن هناك حاجة لتقديم قراءات دقيقة "للواقع المتناقض في الفضاء المستعمَر في فلسطين"، ما يتطلب بدوره العمل على مراجعات ملحّة، للمفاهيم والحقائق المتعلقة بهذا الواقع؛ لما يمثله ذلك من ضرورة اجتماعية وإنسانية وفكرية، ولاشتراك تلك المفاهيم والأفكار في بناء الذات الإنسانية "كحقيقة قائمة ضمن الوجود الإنساني وليس خارجه". وهو يقدم قراءة نقدية تفكيكية للأيديولوجيا الصهيونية وتناقضاتها الفكرية البنيوية والهوياتية، بين اتجاهات دينية وعلمانية وقومية واشتراكية، وللسياسات الاستعمارية بمختلف تشعباتها الاستيطانية والعنصرية والتهويدية.

يذكر أن الصبّاغ ترجم ثلاثة كتب أخرى صدرت حديثًا عن "دار صفحات للدراسات والنشر" في دمشق، هذه الكتب هي: "علم الآثار السياسي والنزعة القومية المقدسة" لتيري أوستيغارد، و"البحث عن إسرائيل: مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرائيل الكتابية"، وهو مجموعة مقالات ودراسات للباحثيْن يسرائيل فنكلشتين وعميحاي مزار، وأخيرًا كتاب "الأركيولوجيا بين العلم والأيديولوجيا... البحث عن أورشليم" لكاترينا غالور.
هذا المقال يستعرض بعض الدراسات التي جاءت في كتاب "فلسطين في الفضاء الصهيوني".

عبرنة المكان كصناعة ثقافية

تتناول الدراسة الأولى في الكتاب، وهي للكاتبيْن موعاز عزرياهو وأرنون غولا، أحد أهم التمثلات الاستعمارية على الصعيدين الجغرافي والثقافي، وهي إعادة تسمية المشهد المكاني في فلسطين، وتاريخ تشكيل "الخارطة العبرية لإسرائيل" بعد النكبة وحتى الستينيات من القرن الماضي. يرى الكاتبان أن الحركة الصهيونية سعت، عقب قيام إسرائيل، إلى تشكيل خارطتها العبرية من خلال "تدبير مؤسساتي عبّر عن أسلوبٍ ومَلْمَحٍ ثقافي صهيوني لبناء الأمّة من أجل استعادة الطبوغرافيا العبرية للأرض". وكان لعملية إحياء اللغة العبرية، التي بقيت مهيمنة على الأيديولوجيا والمخيلة الصهيونيتيْن، دور هام في عملية عبرنة المشهد المكاني في فلسطين، وبذلك حلّت الأسماء العبرية محلّ الأسماء العربية، التي اعتبرت بدورها، ومن المنظور الصهيوني، أسماء أجنبية. ويلعب تشكيل "خارطة قومية عبرية" دورًا وظيفيًا يتمثل في التأكيد على الهوية اليهوديّة للدولة، وذلك عبر المزج بين الجوانب الثقافية والإقليمية للسيادة اليهودية على أرض فلسطين.

تبحث الدراسة في مأسسة عملية العبرنة، وذلك عبر استكشاف طريقة "الهيئة الحكومية للأسماء"، التي أُنشئت عام 1951 لتكون مسؤولة عن "عبرنة الخارطة القومية"، واندماجها مع "أكاديمية اللغة العبرية"، التي كان من بين مهامها تحديد البدائل العبرية للأسماء العربية، بما في ذلك الأسماء الخاصة بالحيوانات والنباتات. كما تتناول الدراسة، الجوانب الأيديولوجية التي شرعنت وسهّلت عمل اللجنة. في حين يقدّم الجزء الأخير، تقييمًا لمدى نجاح مشروع العبرنة هذا، وانعكاساته على الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

تخلص الدراسة إلى أن عملية إعادة تسمية المشهد المكاني في فلسطين (العبرنة) هي "من الأسس الرمزية للأمة الإسرائيلية"، فهي ليست مجرد عملية نسخ أو ترجمة، بل تم السعي إلى كتابة نصّ عبري جغرافي ثقافي، عبر دمج لغة المشهد المكاني في فضاء الثقافة العبرية، ودمج الأفكار الصهيونية في الممارسات المكانية والحياة اليومية، وبذلك "كانت الخارطة العبرية النصّ الأوّليّ للتجديد الصهيوني"، وهي نص رسمي يؤكد على الهوية اليهودية للدولة. وتذكر الدراسة أن هناك حوالي 7000 اسم عبري تم اعتمادها بصورة تامة حتى عام 1992.

الإثنوقراطية والتهويد

في دراسة عنوانها "الإثنوقراطية": تهويد إسرائيل/ فلسطين" يحاول أورن يفتحئيل تقديم وجهة نظر مفاهيمية جديدة يمكن عبرها تفسير الطريقة التي تشكّل فيها النظام الإسرائيلي كنظام "إثنوقراطي". وفي سياق تعريفه للنظم الإثنوقراطية، يرى يفتحئيل أنه لا يمكن اعتبارها نظمًا سلطوية ولا ديمقراطية، بل هي "نظم تعبّر عن دول تحتفظ بحكومة منفتحة نسبيًا، لكنها تفسح المجال لمجموعة إثنية محددة للاستيلاء غير الديمقراطي على البلاد وعلى النظام السياسي الحاكم"، وهنا يكمن الفارق المفاهيمي بين الأنظمة الإثنوقراطية والأنظمة الديمقراطية؛ فالأنظمة الإثنوقراطية تفتقر إلى وجود بنية ديمقراطيّة، وإن كانت تعمل على إظهار العديد من السمات الديمقراطية،  كما تميل هذه الأنظمة إلى خرق المبادئ الديمقراطية الرئيسية، مثل حقوق المواطنة المتساوية والاقتراع العام، والحماية من استبداد الأغلبية.

يسلط الكاتب الضوء على الأفكار والمفاهيم والسياسات التي تم بموجبها تصنيع الإثنوقراطيّة الإسرائيليّة، مع التركيز على هدف المشروع الصهيوني الرئيسي المتمثل في التهويد، ما أدى إلى خلق بنية سياسيّة ومؤسساتيّة تقوض التصور الشائع بأن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية في آن واحد. وهو يرى أن النسق التنظيري لفحوى النظام الإثنوقراطي يرتكز على ثلاث عمليات تاريخية سياسية رئيسية أدى اندماجها إلى إنشاء الإثنوقراطية الإسرائيلية؛ العملية الأولى: هي تشكيل مجتمع استيطاني (كولونيالي) عبر الهجرات اليهودية إلى فلسطين بهدف تغيير البنية الإثنية للبلاد. والثانية: النزعة الإثنوقونية التي تعدّ، بوصفها مجموعة من الأفكار والممارسات، واحدة من أعظم القوى التي شكلت الجغرافيا السياسية في العالم بعامة، وجغرافيا إسرائيل/ فلسطين بخاصة. والعملية التاريخية الثالثة هي: "المنطق الإثني لرأس المال"، والذي ارتبط ببداية الرأسمالية وآثارها الإثنية والاجتماعية، ويتضافر عنصرا المجتمع الاستيطاني والقومية الإثنية "من أجل خلق منطق محدّد لتدفق رأس المال، والتنمية، وتشكيل الطبقات" وما ينتج عن ذلك من تجزّؤ إثني لسوق العمل والتنمية، ويخلق بنية إثنية قومية، بحيث يتم استبعاد السكان الأصليين من الوصول إلى رأس المال أو التنقل داخل سوق العمل، فيبقون محاصرون كطبقة دنيا.

يخلص الكاتب إلى أن العلاقات الإثنية في إسرائيل قابلة للمقارنة مع الإثنوقراطيات الأخرى، ولكن لا يمكن مقارنتها بالديمقراطيات الغربية الليبرالية، كما هو شائع في الأدبيات البحثية أو الخطاب الشعبي الإسرائيلي. ويرى أن مشروع التهويد يمثل "جوهرًا وراثيًا" لفهم النظام السياسي الإسرائيلي، ذلك أنه لم يساهم في تشكيل الصراع اليهودي الفلسطيني فحسب، بل صاغ أيضًا العلاقات بين الأشكناز والمزراحيم وكذلك بين اليهود العلمانيين والأرثوذكس. ويقول إن الأسس القانونية والسياسية للدولة اليهودية "خلقت بنية مشوّهة تضمن استمرار الاستيلاء الإثنيّ  الأحادي على دولة ثنائية الإثنية". كما يرى أنه تم الترويج لصورة إسرائيل الديمقراطية على يد جميع الباحثين تقريبًا في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية.

يتساءل الكاتب: "كيف يمكن للدوائر المستنيرة التي تصف نفسها بالديمقراطية أن توائم الحساب "اليهودي والديمقراطي" مع استمرار عملية التهويد؟" ويقترح استعارة يشبّه فيها الخطاب الإسرائيلي اليهودي ببرج مائل، مثل برج بيزا، فبمجرد دخول الشخص إلى البرج، سيبدو له غير مائل، لأن شبكته الهيكلية الداخلية متعامدة ومتوازية تمامًا. يقول يفتحئيل "وبالمثل، تكون حالة الخطاب الانطوائي حول الدولة اليهودية والديمقراطية: فبمجرد الدخول إلى هذا الخطاب، فسوف يقبل معظم اليهود الطابع اليهودي للدولة كنقطة انطلاق غير إشكالية، مثل أرضية البرج المائل. ومن هذا المنظور، يبدو التهويد طبيعيًا ومبررًا ــ أو ربما لا يظهر على الإطلاق".

الجغرافيا الاستعمارية في القدس

في حين يعتبر الإسرائيليون "القدس الموحدة" "فضاءًا عمرانيًا ثابتًا وموضوعًا مفترضًا للسيادة الإسرائيلية وللتطلعات الإثنية/ القومية، يرى حاييم يعقوبي في دراسته "التخوم والحدود... ملاحظات على الجغرافيا السياسية في القدس" أن القدس صُنعت عن طريق الممارسات الجيوسياسية، وليس عبر الاحتلال العسكري فحسب، بل عبر سياسة التخطيط والهندسة الديموغرافية وإنتاج الجغرافيات المتخيّلة. وهو يحاول مناقشة التخطيط في القدس على ضوء الأدب المتنامي للجغرافيا السياسية.


يقدم يعقوبي مقاربة تستهدف تقديم لمحة موجزة عن تخطيط القدس كأداة لتشكيل الجغرافيا الاستعمارية للمدينة، ذلك أن العلاقات بين السلطة والتخطيط تتم عبر تغيير كبير يتزامن مع تصاعد النزعة القومية. ويُعتبر التخطيط، منذ القرن الثامن عشر، حقلًا لمظهر سياسي جديد، تبرز فيه الدولة "كمؤسسة تفرض نظامًا إقليميًا واجتماعيًا وسياسيًا وإدراكيًا، يقولب القواعد والأحكام عن طريق آليات الهيمنة والإقصاء والإدماج". 

بدأت تطرأ التغييرات الكبيرة على جغرافيا وديموغرافيا القدس منذ عام 1948، كما أحدثت الحرب تحولات على التنمية العمرانية في المدينة بشكل كبير. أما حرب 1967، فتمثل نقطة التحول المكانية الكبيرة للظروف الجيوسياسية الإسرائيلية، فقد احتلت إسرائيل القدس الشرقية ضمن أراضٍ أخرى احتلتها، وأصدرت تشريعات من أجل تطبيق القانون الإسرائيلي على القدس الشرقية. ونتيجة لذلك ضمت إسرائيل الأراضي الفلسطينية وأعلنت القدس عاصمة لها. وكانت السياسة الإسرائيلية تستهدف تخطيط القدس وفقًا لتصورٍ سياسيٍّ لها كمدينة استعمارية، ما رسّخ وبشكل مستمر مشروع التهويد.

يوضح الكاتب استخدام إسرائيل لقوتها العسكرية وسلطتها الاقتصادية لنقل الحدود والتخوم، ومنح وإنكار الحقوق والموارد، وتحويل السكان، وإعادة تشكيل الأراضي المحتلة بهدف ضمان السيطرة اليهودية. ويرى أن إسرائيل نفّذت فيما يتعلق بالقدس الشرقية استراتيجيتين تكميليتين؛ بناء طوق خارجي ضخم حول الأحياء اليهودية، واحتواء كل ما يشتمل على التنمية العمرانية الفلسطينية، من خلال هدم المساكن ومنع الهجرة إلى المدينة. كما شجعت سياسةُ استغلال الأراضي في القدس على التوسع اليهودي مع تقييد النمو الفلسطيني في المدينة. وفي أعقاب انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، قامت إسرائيل بتحويل المشهد المكاني في المنطقة من جانب واحد من خلال بناء جدار الفصل العنصريّ، وقامت بتنفيذ سياسات تقيّد التنمية الفلسطينية والحقوق والحركة.

يستند الكاتب في تحليلاته على مبدأ التخطيط والممارسات الجيوسياسية المتأصلة في السياسات المكانية الاستعمارية الإسرائيلية نحو القدس. ويرى أن المنطق الاستعماري حافظ على هيمنته، وخلق أجهزة جديدة للسيطرة عبر التشريعات والتخطيط والتصميم. وعادة ما ترتبط هذه التقنيات بمصطلحات تشير إلى "التقدم"، ولكن، وكما يقول، يتم التلاعب بهذه المفاهيم من أجل تحقيق السيطرة المكانية والديموغرافية الإثنية القومية في المدينة.

الأبارتهايد الزاحف

في دراسة بعنوان"من شارون إلى شارون: التخطيط المكاني ونظام الفصل العنصري في إسرائيل/ فلسطين" يرى أورن يفتحئيل أن تاريخ التخطيط المكاني الإسرائيلي يتمثل بشخص أرييه شارون وأرئيل شارون، لما كان لهما من أثر كبير على الجغرافيا السياسية والعسكرية والقانونية في فلسطين؛ فقد لعب كل منهما دورًا قياديًا في التخطيط الإسرائيلي لتعزيز استراتيجية مكانية متماثلة على مدى عقود ما بعد النكبة.

وبهدف الوصول إلى تصور عن التخطيط المكاني في فلسطين، باعتباره وسيطًا بين القوى المهيمنة والمضطهدة في عملية اجتماعية متواصلة للإنتاج المكاني، يستخدم الكاتب المقاربة ما بعد الكولونيالية، وكذلك مقاربات غرامشي ولوفيفر، للبرهان على أن الاستراتيجية المكانية كانت "أساسًا حاسمًا لنظام جديد يعيد صياغة المجتمع والفضاء ويحدد العناصر الرئيسية للمواطنة، مثل السلطة والمُلكية، والتنقل، والحقوق". وبذلك شكلت استراتيجية التخطيط المكاني الشارونية دعامة مركزية للنظام الإثنوقراطي الإسرائيلي، وذلك من خلال عملية شرعنة مهنيّة للجغرافيا المخطط لها "للفصل واللاتكافؤ"، والذي أصبح جزءًا من البنية التحتية لعملية "الأبارتهايد الزاحف" كما يسمّيه.

يرى الكاتب أن التخطيط يعتبر وسيطًا بين السلطة والفضاء، وهو  ساحة تُترجم فيها مبادئ النظام إلى خطط ومؤسسات وخطاب وتغيير مكاني. وتنضم الدراسة إلى حقل من الأعمال النقدية القليلة التي تدرس كيفية استخدام التخطيط المكاني كأداة للسيطرة والتنظيم وإخضاع الأقليات، التي غالبًا ما تسمى "الجانب المظلم" للتخطيط. ويستلهم الكاتب أعمال عدد من المفكرين النقديين في مجالات  التخطيط والدراسات العمرانية والجغرافيا القانونية، الذين يركزون على العملية الديناميكية للاستيلاء والتوسع، إذ يصبح التخطيط المكاني أداة لتكريس أنماط العلاقة الإثنوقراطية والاستعمارية وتطبيعها ومأسستها، وذلك بين النخبة أو الجماعات المسيطرة، والأقليات وجماعات السكان الأصليين.

وضمن هذا السياق الجيوسياسي، يحدد الكاتب مجموعة من المبادئ التوجيهية التي تعتبر جوهر الاستراتيجية المكانية التي قادها الشارونان. ومن هذه المبادئ: الاستيطان عبر إنشاء المستوطنات اليهودية، والتوسع باستمرار الاستيلاء على أراضي جديدة. والأثننة، وهي "نقل الفضاء للأيدي اليهودية مع حصر الفلسطينيين في جيوب منعزلة".

يخلص الكاتب إلى أن المبادئ الاستراتيجية للتخطيط المكاني أدت مع مرور الوقت إلى عملية "أبارتهايد زاحف" في فلسطين، أي "ترسيخ وضعية مؤسّسية لـ "الفصل واللاتكافؤ" على أساس الإثنية". وهو أبارتهايد لأنه، وكما يقول، لا يوجد مصطلح أفضل في معجم العلوم الاجتماعية لوصف الفضاء المكاني السياسي الذي يصنف سكانه، بحكم القانون وبحكم الأمر الواقع، وفقًا للهوية الإثنية/ العرقية.  

أما كونه "زاحفًا"، فلأنه لا يوجد إعلان رسمي عن نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد)، فما زالت حالة عدم المساواة تعتبر "مؤقتة" من وجهة نظر قضائية ورسمية، خاصة فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية والمناطق البدوية. يضاف إلى ذلك إجراءان متوازيان يميزان الطبيعة الزاحفة للخطة في عبورها للخط الأخضر، وهو استمرار أسرلة الأراضي الفلسطينية، ما يخلق فضاءًا يهوديًا موحدًا يشمل إسرائيل وقرابة نصف الضفة الغربية. فضلًا عن البنية التحتية للنقل والأمن اللذين يربطان بشكل مباشر بين اليهود فقط، أي الأجزاء اليهودية من الضفة الغربية وإسرائيل نفسها. إضافة إلى سياسات السيطرة على الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك القيود المفروضة على التخطيط والبناء، وهدم المنازل، والقيود المفروضة على التنقل، والزواج، وحرية التعبير.

كما يرى الكاتب أن سياسات السيطرة على الفلسطينيين داخل إسرائيل تشبه تلك المتّبعة في الأراضي المحتلة منذ 1967، وإن كان الفلسطينيون في إسرائيل يتمتعون بحرية مدنية وسياسية أكثر مما يتمتع به نظراؤهم في أراضي 67، إلا إن هناك تزايدًا في سياسات التمييز ضدهم واستبعادهم من الدولة الإسرائيلية. وهكذا، ترسخت الحالة الاجتماعية المنفصلة والمتدرجة على الصعيد المؤسسي على جانبي الخط الأخضر، حيث لا يتمتع الفلسطينيون في كلا الجانبين بأية سلطة لوقف هذه العملية البنيوية.

يرى يفتحئيل أنه برز في السنوات الأخيرة حيّز إثني/ عرقي يشبه نظام جنوب أفريقيا ما قبل عام 1994، فأنشأت المبادئ الاستراتيجية جغرافيا تفصل الفضاءات في كل جوانب الحياة تقريبًا على أساس الهوية، وأدى هذا إلى ظهور ثلاث مجموعات هوياتية مكانية أساسية هي: اليهود، والفلسطينيون في إسرائيل، وأخيرًا الفلسطينيون في الأراضي المحتلة (منذ 1967).

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.