}

بناءُ القَلعة

ناصر الرباط ناصر الرباط 4 نوفمبر 2014
بدأ صلاحُ الدين الأيوبي بعد دخولِه العاصمة بفترةٍ وجيزةٍ، في مشروعٍ دفاعيٍ طموح. فأمر ببناءِ جدار يحيطُ بمدينتي القاهِرة والفِسطاط، وفي بناء حصنٍ صخريّ، عن طريقِ قطعِ جزءٍ من جبلِ المقطّم ليصبحَ نقطةَ دفاعٍ قوّية.

ومثلما فعل في مشروعِ التحصينات الأبسط السابِق عام 1171، فقد كلّف بهاء الدين قراقوش بالإشرافِ على المشروعِ الجديد. 

ويرى المؤرخون المعاصرون منطِقاً في جمعِ المدينتين داخلَ جدارٍ واحدٍ. وذكر صلاح الدين، أن الدفاعَ عن منطقة محاطةٍ بجدارٍ واحدٍ أسهل من الدفاعِ عن منطقتين، فهي تحتاجُ إلى حاميةٍ واحدة.

من الواضح أنّ الدرسَ المُستقى من غزو أمالريك عام 1169، ومن حرقِ الفِسطاط، كانا لا يزالان ماثليْن في ذاكرةِ صلاحِ الدين الأيوبي، وكانَ من ضمن الدوافع التي ساهمتْ في قرارِه بتحصينِ الفِسطاط. ولم يذكرْ أيّ من المؤرخين، الشبهَ بين هذه الخطّة وخطّةٍ سابقةٍ لفيزير شوار، الذي أمر ببناءِ جدارٍ حول الفِسطاط عندما سمعَ باستعدادِ أمالريك لغزو مصر عام 1168. 

المقريزي هو الوحيدُ الذي ذكرَ ذلك الحدث. وكان لشوار سببٌ في التفكيرِ في بناءِ دفاعات حول الفِسطاط، لا سيّما بعد العمليات العسكرية عام 1167، عندما أحاطَ شيركوه بالقاهرة، ووصلَ إلى الجنوب ممّا أثبتَ أن بقاءَها في طريقِ الغُزاة القادمين من الشمال لا يساعدُ على حمايةِ النواحي الجنوبية منها. 

لم يكن لشوار الوقتَ الكافي لإكمالِ بناءِ الجدار، فلجأ إلى حلٍ يائسٍ؛ أخلى الفِسطاط ثمّ أحرقها عند اقترابِ جيشِ أمالريك. ذكر المقريزي أسماءَ ومواقعَ ثماني بواباتٍ نسبَها إلى شوار، دُمّرت ثلاثٌ منها في القرن الثالث عشر.

ومن اللافت أن المقريزي ذكرَ اثنتين من تلك البوابات هما؛ بابُ الصفا وبابُ القنطرة مرّة أخرى، ضمن قائمةِ البوابات التي بناها قراقوش بعد عام 1176. ومن الصعب إثبات ما إن كان ما فعله قراقوش، هو ترميمُ البوابات القديمة بدلاً من بناء بوابات جديدة.

على كل حال، من الواضح أنّ مشروع صلاح الدين، كانَ يختلفُ عمّا سبقه، حيث إنه جمعَ بين جدرانِ المدينتين. وأدّى ذلك إلى توحيدِهما على مدى ثلاثة قرون تلتْ، وهي نتيجةٌ لا بدّ أنها كانتْ متوقعة منذ البداية.

بعد إنهاء صلاح الدين الأيوبي، الخلافةَ الفاطمية واعتلائه العرش، احتاج إلى مركزٍ جديدٍ لحكومته. وكانت "دار الوزارة" مرتبطة إلى حدّ كبيرٍ بالأسرة المعزولة، وبآخر منصب له شخصيًا باعتباره الثاني في الترتيب، لا الأوّل.

كما احتاج إلى مساحةٍ أكبر لحاشيته المتزايدة، بعد تقسيم قصورِ الفاطميين على أمرائه. أصبح لدى صلاح الدين مجموعات كبيرة من جنود مماليك الناصرية. وأرادَ أن تكون القلعة سكنًا له وثكنات لجيشِه أيضًا، إضافةً إلى تعزيز صورته كسلطانٍ ومؤسّس لنظامٍ جديد. 

ربما سلك في ذلك مسلك من سبقه من حكّام مصر المسلمين، الذين بنوا مراكز جديدة. إذ عندما هزم عمر بن العاص مصر عام 640، كان يسكن موقع العاصمة المستقبلية لمصر المسلمة، عددٌ قليلٌ من السكّان، وتحرسها قلعة بابيلون الرومانية، التي أطلقَ عليها العربُ اسم قصر الشام في ما بعد.

وأسّس عمر بن العاص مدينته مِصر عام 642، وقسّمها بين مجموعاتٍ مختلفةٍ من القبائل التي تكوّن جيشه وأسماها الفِسطاط.


ترجمة: جعفر مسعد


مقالات اخرى للكاتب

عمارة
17 فبراير 2015
عمارة
4 نوفمبر 2014

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.