}

المزادات كمصادر للتاريخ البصري الفلسطيني.. صور ووثائق انتفاضات الثلاثينيات

هاني حوراني هاني حوراني 11 أبريل 2022
اجتماع المزادات كمصادر للتاريخ البصري الفلسطيني.. صور ووثائق انتفاضات الثلاثينيات
صور ثورات فلسطين في أحد الألبومات المعروضة في المزاد

[هنا الحلقة الثالثة، وقبل الأخيرة، من هذه المقالة التي تقدم قراءة في مزاد علني عبر الإنترنت أقامته مؤسسة كرستيز الشهيرة Christies عام 2017 على مجموعة ضخمة من المقتنيات التي تركها وراءهم ضباط وجنود بريطانيون كانوا قد خدموا في الجيش البريطاني في فلسطين، أو في قوة البوليس الفلسطيني التابع لحكومة الانتداب البريطانية. وقد نشرت الحلقة الأولى منها يوم 10 مارس/ آذار الماضي، ونُشرت الحلقة الثانية يوم 29 مارس/ آذار الماضي]

تشكل مجموعة الصور والمواد المختلفة التي تعود لعقد الثلاثينيات الكتلة الأبرز من مزاد كرستيز الخاص بفلسطين، ما بين الحرب العالمية الأولى والنكبة الفلسطينية (1918 ـ 1948).
في مقدمة هذه المجموعة ألبوم صور فوتوغرافية حمل تاريخ 1934، وضم 87 صورة، تتراوح قياساتها ما بين (45×68) ملم، وبين (67×115) ملم. ومعظمها مترافق مع تعليقات. يعود هذا الألبوم إلى أحد موظفي الخدمة المدنية البريطانية، ويتضمن عشر صور فوتوغرافية لتظاهرة يافا الشهيرة في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1933، والتي حشدت أعدادًا ضخمة من المتظاهرين من يافا، ومدن فلسطينية أخرى، للاحتجاج على تزايد أعداد المهاجرين اليهود لفلسطين، وللتنديد بالسياسات البريطانية. وقد اشتهرت صور هذه التظاهرة التي بدأت سلمية، قبل أن تتصدى لها قوات البوليس بالقوة والعنف المفرط، ما أدى إلى وقوع أعداد كبيرة من القتلى والجرحى بين المتظاهرين، في مقدمتهم رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الفلسطيني، موسى كاظم الحسيني، الذي توفي بعد أشهر قليلة، متأثرًا بالإصابات التي لحقت به على يد البوليس.

صورة لتظاهرة يافا، 1933


إضافة إلى صور تظاهرة يافا (1933)، ضم الألبوم 16 صورة أخرى تظهر مشاهد عدة للفلسطينيين وهم يحتفلون بالصيام في رمضان في أماكن مختلفة من فلسطين، ومن أبرزها صورة لمشاهد الإفطار الجماعي في إحدى ساحات القدس الشريف. هذا إلى جانب صور أخرى تظهر مشاهد سياحية، من مناطق فلسطينية مختلفة.




تقول كرستيز في وصفها لصور الألبوم بأنها "نادرة"، وإن أكثر من نصف صوره قد التقطت على يدي صاحبه، وهو موظف مدني بريطاني، ولعله عضو في الفوج الأسكتلندي Gordon Highlanders، كما يبدو من ملابس أحد الأشخاص الظاهرين في صور الألبوم، مرتديًا الملابس الرسمية للفرقة المذكورة.


"متاعب الجيش البريطاني في فلسطين"
تحت عنوان مثير هو "متاعب الجيش البريطاني في فلسطين"، عرضت كرستيز للمزاد العلني ألبوم صور، يضم 64 صورة فوتوغرافية تعود إلى عام 1938. تصف كرستيز المحتوى الرئيسي للألبوم بأنه "العصيان العربي" للأعوام (1936 ـ 1939)، حيث تبرز الصور الخراب الذي ألحقه الثوار الفلسطينيون بالعديد من مرافق البنية التحتية، مثل الجسور وخطوط سكة الحديد، إضافة إلى العربات العسكرية التابعة للجيش البريطاني نفسه.

صورة شاحنة عسكرية بريطانية احترقت بعد مرورها على لغم أرضي زرعه الثوار


من ضمن الصور الـ 64 التي يضمها الألبوم، كانت هناك 30 صورة تظهر أشكال التدمير التي أحدثتها عمليات الثوار الفلسطينيين بخطوط سكة الحديد، وكيف أدت إلى خروج القطارات عن مسارها، جراء الألغام المزروعة على أيدي الثوار. كما تظهر أيضًا بقايا العربات العسكرية المدمرة، والتابعة للحرس الأيرلندي والفوج الملكي الأسكتلندي وفوج الفرسان الحادي عشر.
كما يظهر تصفح عينة صور الألبوم المذكور، المنشورة على موقع المزاد على شبكة الإنترنت، شاحنة يهودية مدمرة بالكامل بلغم أرضي في سبتمبر/ أيلول 1938، وكانت جزءًا من قافلة سيارات. أيضًا ضم الألبوم صورة لعربة عسكرية تابعة للحرس الأيرلندي وجدت مدمرة في منطقة سيلة الظهر، وفي صورة ثالثة يظهر أحد الألغام المحلية المصنوعة من صفائح قديمة، وعثر عليها قبل انفجارها في محطة قطارات القنطرة. هذا إلى جانب صور لقوافل سيارات عسكرية بريطانية، وأخرى لمعسكرات أقامها البريطانيون في جبال نابلس إبان ثورة 1936.

صورة لمعسكر بريطاني أقيم في جبال نابلس ليتمكن الجنود من التحرك سريعًا لملاحقة الثوار في المنطقة، إبان ثورة (1936 ـ 1939)


ألبوم ثانٍ يتعلق بصور "الجيش البريطاني والثورة العربية" (الفلسطينية) في السنوات (1937 ـ 1938)، قالت "كرستيز" بأنه يعود إلى عضو غير محددة هويته في أحد فروع خدمات الجيش الملكية (Royal Army Service Corps)، (1937 ـ 1938)، ويضم 24 صورة فوتوغرافية، معظمها بقياس (60×90) ملم، ترجع لعامي (1937 ـ 1938). كما يتضمن الألبوم صورًا ملتقطة في مدن فلسطينية مختلفة أبرزها القدس، الخليل، بيت لحم، يافا، حيفا، ومستعمرة ريشون لتسيون (Rishon Lezion)، مع تعليقات على جوانب الصور.
يوفر الألبوم، حسب وصف "كرستيز"، صورًا ناطقة عن "المتاعب التي واجهت الجيش البريطاني في فلسطين إبان الثورة العربية". فالألبوم يتضمن صورًا عديدة عن نتائج تفجيرات الألغام المزروعة على السيارات العسكرية البريطانية؛ عمليات البحث عن المشبوهين؛ "العصاة"؛ مخربي سكة حديد فلسطين. صورتان من الألبوم تظهران ضحايا الإصابات في تلك التفجيرات، وكذلك في 33 صورة من الألبوم حملت عنوان "جثث/ Stiffs"، بعضها يعود إلى زملاء في الخدمات العسكرية الملكية.
ويضم الألبوم صورًا للحياة العسكرية، ورحلات واحتفالات بعيد تتويج الملك جورج السادس.


الجيش البريطاني والتمرد العربي

صورة تظهر قوة من الجيش البريطاني تأمر سكان أحد البيوت بإفراغ الأثاث منه قبل نسفه، بدعوى تعاون أصحاب المنزل مع الثوار


ألبوم آخر يعود لسنوات (1936 ـ 1939)، حمل عنوان "الجيش البريطاني والتمرد العربي" (The British Army & The Arab Rebellion)، ويضم 71 صورة مختلفة المقاييس. تصف كرستيز الألبوم بأنه يضم مجموعة من الصور، العديد منها ذات حجم كبير، أخذت خلال فترة "التمرد العربي". ومن المحتمل أن تعود إلى أحد أفراد (1 St Battalion Essex Regiment) خلال السنوات (1936 ـ 1939). وعلى ما يبدو أن أهم خمس صور فوتوغرافية في الألبوم هي تلك التي تظهر تفريغ أحد بيوت الفلسطينيين من الأثاث ونسفه من قبل البريطانيين، وهو الأسلوب الذي استخدم من قبل الجيش البريطاني لإخضاع السكان، والذي لا يزال يستخدم حتى الآن من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.



صور العقاب الجماعي

سكان إحدى القرى الفلسطينية يراقبون عملية هدم بيوتهم على أيدي الجيش البريطاني





تضم مجموعة الصور الفوتوغرافية التي تحمل اسم (Pte G. Wilson)، 100 صورة، تنسب إلى سنة 1938، وهي السنة التي شهدت تصاعدًا استثنائيًا في عمليات الثوار، وقابلها تزايد عمليات القمع والانتقام الجماعي من سكان القرى والمدن الفلسطينية المشاركة في الثورة.
تعرف كرستيز هذه المجموعة بأنها ألبوم جيد من الصور لفلسطين إبان الثورة العربية، وهي بقياس (56×80) ملم، وتعرف كرستيز صاحب الألبوم وهو ج. ولسون، بأنه كان موظفًا مدنيًا في الجيش البريطاني، في الفوج الملكي الأسكتلندي (Royal Scots Regiment)، وأنه ربما تم استدعاؤه إلى فلسطين إبان الثورة، حاله حال الوحدات المشتركة ما بين البوليس الفلسطيني والجيش البريطاني، التي تلقت التدريب على قمع التمرد الفلسطيني.
يضم ألبوم (Pte. G. Wilson) صورًا لعمليات تدمير ممتلكات القرى العربية، كنوع من العقاب الجماعي لها. إضافة إلى صور لعمليات الثوار الفلسطينيين ضد السكك الحديدية، والعربات العسكرية البريطانية.



الدروس البريطانية من ثورة 1936
كراس تحت عنوان "ملاحظات حول الدروس التكتيكية المستنبطة من ثورة فلسطين لعام 1936" (القدس، 1937)، كان أيضًا من المطبوعات المطروحة في مزاد كرستيز.
وقد صدرت هذه المطبوعة عن سلاح الجو الملكي لفلسطين وشرقي الأردن، في عام 1937، وهي بقياس (208×330) ملم، بعدد نسخ محدودة لا تتعدى 150 نسخة.
تصف كرستيز النسخة المعروضة للمزاد العلني من الكراس أعلاه بأنها وثيقة سرية صادرة عن سلاح الجو الملكي، وهي توضح الدروس التي تمّ تعلمها من الخبرة البريطانية في الرد على "التمرد" العربي، والذي استهدف مستخدمي ومعدات سلاح الجو والسيارات المسلحة التابعة للسلاح (R.A.F). وقد اُلحقت بالوثيقة ثلاثة ملاحق تقدم تفاصيل الهجمات العسكرية التي قام بها الثوار الفلسطينيون.

صورة لشاحنة يهودية مدمرة بلغم أرضي زرعه الثوار (سبتمبر/ أيلول 1938)


مطبوعات بريطانية ويهودية
ضم المزاد مجموعة متنوعة من المنشورات، بعضها صادر عن حكومة الانتداب، مثل الإنذار الموجه إلى سكان مدينة القدس خارج الأسوار، والذي يدعوهم إلى ملازمة بيوتهم طوال اليوم، ويحمل توقيع ر. ن. أوكنور، بتاريخ 19 أكتوبر/ تشرين الأول 1938.

صورة عن الإنذار البريطاني


وكذلك المنشور الصادر عن وكيل السكرتير العام، روبرت سكوت، القائم بأعمال إدارة الحكومة، يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1945، والذي يحذر من حمل السلاح والمتفجرات، أو استعمال العنف والمقاومة المسلحة. ويذكر أن هذين المنشورين نشرا باللغات الإنكليزية والعربية والعبرية. ومن ناحية أخرى، عرض المزاد ما وصف بإحدى المطبوعات النادرة باللغة الإنكليزية صادرة عن منظمة ليهي اليمينية المتطرفة، وهي تتضمن مذكرة مرفوعة إلى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (UNSCOP)، مؤلفة من 55 صفحة، تعرض فيها رؤيتها للحل في فلسطين.




نشرة "فلسطين وشرقي الأردن" في المزاد

صورة لغلاف العدد الأول من نشرة "فلسطين وشرقي الأردن"


من ضمن المطبوعات القليلة الصادرة عن مؤسسات عربية، والتي وضعت من قبل كرستيز للبيع بالمزاد العلني، نشرة "فلسطين وشرقي الأردن"، وهي نشرة صحافية أسبوعية صدرت باللغة الإنكليزية، عن شركة المطبوعات العربية بالقدس، التي تعود إلى فؤاد سابا، مدقق الحسابات المعروف.





شمل المزاد 85 عددًا من النشرة المذكورة، يجمعها مجلد واحد، يغطي فترة صدورها التي استمرت لمدة ثلاث سنوات تقريبًا (1936 ـ 1938).
وصفت "فلسطين وشرقي الأردن" نفسها بأنها نشرة أسبوعية تعنى بالشؤون السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية في فلسطين وشرقي الأردن والأجزاء الأخرى من العالم العربي.


صورة لغلاف أحد أعداد أسبوعية "فلسطين وشرقي الأردن"


وقالت كرستيز في تعريف النشرة المطروحة للمزاد، بأنها "نسخة نادرة من النشرة الأسبوعية الصادرة بالإنكليزية، والتي تعبر عن وجهة النظر العربية". وقد ميزت المطبوعة نفسها برسومها الكاريكاتورية الساخرة، والتي اعتبرت مناهضة للصهيونية. وتعرضت الأسبوعية إلى مضايقات متكررة من السلطات الانتدابية، حيث أوقفت مرتين عن الصدور، في كل مرة لمدة ثلاثة أشهر متواصلة، وفي المرة الثالثة أوقفت عن الصدور لستة أشهر.



بطاقات بريدية عن فلسطين تعود للعشرينيات والثلاثينيات

نماذج من البطاقات البريدية التي حملت صورًا لشخصيات فلسطينية بملابسها التقليدية


طرحت كرستيز عددًا ضخمًا من البطاقات البريدية المجمعة في ألبوم واحد، وقد صدرت هذه البطاقات خلال عقدي العشرينيات والثلاثينيات، تتضمن مشاهد مختلفة من فلسطين، وكذلك صورًا شخصية لفلسطينيين بملابسهم التقليدية.




يصل عدد البطاقات البريدية إلى 452 بقياس (90×140) ملم، نحو نصفها بطاقات ملونة. تصف كرستيز المجموعة بـ"المدهشة"، وقد طبعت في بلدان مختلفة، لا سيما بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، الولايات المتحدة، إضافة إلى فلسطين نفسها، على يد شركة "بالفوت" الشهيرة.
وتوفر هذه البطاقات فكرة تاريخية هامة عن هوية فلسطين الوطنية والثقافية في زمن الانتداب البريطاني.
كذلك طرحت كرستيز مجموعة ضخمة أخرى من البطاقات البريدية الفلسطينية للبيع، وهي من إنتاج قسم التصوير في "الأميركان كولوني" في القدس. وتعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي.
تتألف المجموعة من 144 بطاقة بريدية، بقياس (85×135) ملم، حسب وصف كرستيز، وتتضمن صورًا شديدة الوضوح. وتنبع أهميتها، حسب تعبير كرستيز، من كونها تظهر تشكل أمة فلسطينية ناجزة.
وهناك مطبوعة باللغة العربية تحمل توقيع ديفيد بن غوريون تحت اسم "نشرات الوكالة اليهودية" حول المفاوضات العربية اليهودية، رقم 5، وهي صادرة في القدس، في ديسمبر/ كانون الأول 1937.

غلاف كراس يعرف بالجامعة العبرية في القدس (يونيو/ حزيران 1939)


هذه المطبوعة التي طرحتها كرستيز في مزادها العلني الخاص بفلسطين كانت عبارة عن مطوية من 8 صفحات (138×195 ملم)، يلخص فيها بن غوريون "الاتصالات التي وقعت ما بين المجتمعات العربية واليهودية إبان الثورة الفلسطينية الكبرى".
وقد عرضت المطوية المذكورة مع كراس آخر مطبوع باللغة العربية يعرف بـ"الجامعة العبرية بالقدس الشريف"، صادر في يونيو/ حزيران 1939، (230×152 ملم). وقد كتب المقدمة رئيس الجامعة العبرية، وأعد الكتيب للناطقين بالعربية من طلبة الجامعة، والذين "يزداد عددهم يومًا بعد يوم"، بحسب الكراس المذكور.


*رسام وباحث في الفنون البصرية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.