}

غزّة السُّفْليّة: عن الأنفاق والأساطير وميكانيزْمات البقاء

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 5 أكتوبر 2024
إناسة غزّة السُّفْليّة: عن الأنفاق والأساطير وميكانيزْمات البقاء
شهداء الأنفاق
يعود "بعل" عند الكنعانيين، أو "تموز" (دموزي) عند أبناء حضارات ما بين النهريْن/ وادي الرافديْن (السومريون والأكديون والبابليون والآشوريون والكلدانيون وغيرهم)، من رحلته السنوية إلى العالم السُّفليّ بعد أن يهزم آلهة الموت والقَحْط واليَباب هناك، يعود إلى العالم الأرضيّ لِيعلن ابتداء موسم الخصب السنويّ. منذ ذلك الزمان البعيد، وربما قبله، بدأت علاقة الإنسان بالأرض تحته. وللأرضِ تحتَنا طبقاتٌ عددها ثلاث بحسب العلم الذي قد يكون زادها إلى سبعٍ بعد أن توفّرت للعلماء معلومات واكتشافات جديدة جعلته يزيد عددها. وهي سبع بحسب الكتب الدينية، ففي الآية 12 من سورة "الطلاق" يقول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}.
وفي حين قد تصل المسافة وصولًا إلى النواة الداخلية لِكوكبنا إلى أزيَد من ستة آلاف كيلومتر، فإن علاقة الإنسان العملية والتّفاعلية مع الأرض تحته لا تتعدى بضعة كيلومترات معدودة؛ يحفر لِبناء نفق للحربِ أو للهروبِ من السّجن، يمهّد قبرًا، يصنع سردابًا (سراديب باريس على سبيل المثال)، يحاولُ فَهْمَ آلية عمل الزلازل، يؤسّس لتشييدِ بُنيان، يمدّ طرقًا للسياراتِ والقطاراتِ في الجبال وتحتَ الأرض، يغوصُ ليستخرجَ نفطًا، أو معدنًا، أو يزرعَ ألغامًا.
في الاتجاهيْن، يرسل البشر شعاعَ أبصارِهم وإبصارِهم؛ نحو السماء حيث يخْتلسون النظر، أو يرفعون أكفّ الدعاء، أو يراقبون النجوم والكَواكب، ويتأمّلون حركتها وهي تجوب السماء من الشرق إلى الغرب، ونحو الأرض تحتَهم التي لم ينتبهوا إلى أسرارها إلا بعد أن شاهدوها من الفضاء حيث الأقمار الصناعية وصور المراكب العائدة من القمر. جبالٌ وغاباتٌ وبِحارٌ وتِلالٌ وسُهولٌ ووديَانٌ وصحَاري وكهوفٌ ومنحدراتٌ وملامحُ لها أوّل وليس لها آخِر. انتباه شدّ الناس إلى أرضهِم أكثر، حرّضهَم نحو مزيدٍ من النَّبشِ في تفاصيلها، واكتشافِ مُمْكِناتِ باطِنها، وقد لاحَ لهُم أنهُم هَضموا ظاهرَها.
في غزّة التي حفرت تاريخها الجديد منذ عام مضى، أخذت العُلاقة بالأرضِ القداسةَ نفسها التي يقيمها أهلُها مع السماء. وبقدرِ ما يرجون نصرًا يأتيهم من السماء، وفرجًا يجود بهم عليهم ربّهم جلّ في عُلاه، فإنهم يُعِدّون على الأرض تحتَهم، وبما هو أبعد من تحتِهم، ما استطاعوا من قوّة ورِباط، ويهيّؤون كل أسباب هذا النصر. وبما أن النصر في مفهوم حرب العصابات (أو الحروب غير التقليدية)، هو عدم الهزيمة والانْدحار أمام العدوّ المعتدي الغاشم، فإن كل أسلوب يتيح للمقاومِ عدم التعرّض للهزيمة يصبح مشروعًا، بما في ذلك حفر آلاف الأنفاق وبما يصل إلى مئات الكيلومترات، خصوصًا عندما تفرض عليك تضاريسُ أرضكَ ذلك، فلا جبال في غزّة إلا رجالها؛ أرض تجاورُ البحر رمليةٌ في معظمِها، بقليلٍ من التلالِ المُقتصرةِ على نصفِها الشماليّ، بكثيرٍ من الانكشاف إلى فُضوليي العيون المجرّدة، فما بالك بمن يملكون كلَّ أدوات التجسّس، وأحدثَ تقنيات التلصّص؟
كان لا بد، إذًا، من أن يواجه المقاومون في غزّة هذه الحقائق بكثيرٍ من قَدْحِ العقول و(تشْمير) الزّنود، فالاستسلامُ لوقائعِ الميدان لم يكن، ولا مرّة، في واردِهم، ورفْعُ الراياتِ البيضاءِ ليس خيارًا مطروحًا فوق كل طاولاتِ عَصْفِ ذهونِهم.

ضوء في آخر النفق 

بناء على ما تقدّم تمخّضت رؤى الفصائل الغزّية المقاومة (ومعظم أبناء القطاع يحملون روح المقاومة)، عن مدّ هذه المتاهة الإعْجازية من سلسلةِ الأنفاقِ تحت غزّتهم عنوان عزّتهم.
أنفاقٌ بدأت فكرتها مطالع ثمانينيات القرن الماضي، حينها كانت، بمعظمِها، أنفاقًا غير قتالية بل حياتية اجتماعية ضرورية مثل الماء والهواء في قطاع فصلوا جزءًا منه بين رفح فلسطينية وأخرى مصرية، فتقطّعت السبل بأُسرٍ وعائلاتٍ وأبناء دم واحد وعمومة ممتدة بين شطريْن لا يفصلهما سوى حاجز سياسيّ براغماتيّ تآمريّ في قطاعٍ تشكّل الأسرةُ روحَه والتّرابط أنفاسَه.

"مترو غزّة"
تُوصف أنفاق غزّة بأنها "مدينة تحت الأرض"، و"وجهُ غزّة الآخر"، "غزّة السُّفلى"، أمَّا الاحتلال فيسمّيها "مترو غزّة"، ويشبّهها بـ"مصيدة الموت"، حيث الوقوع فيها آخر ما يتمناه جنوده. أنفاقٌ لا يعرف أسرارَها ولا يُدرك خَباياها إلا المقاومون. وعلى مدى سنينِ حفرِها، والتوسّع فيها بِالمبنى وَالمعنى (طولًا وعَرضًا وارتفاعًا ومسافاتٍ وتجليّات)، أقام المقاومون معها علاقةً جدليةً وشائجيّةً شائِكة؛ فَهُم من جهة يرتبطون بها ويثقون، فهي حاميةُ مشروعِهم، وحافظةُ سلامة عتادِهم، وحاضنةُ ليالي تهجّدهم وإعدادِهم خِطط صمودِهم ودروبَ تحريرهِم أرضَ أجدادِهم، ومن جهةٍ ثانيةٍ مانعةُ الشمسِ عنهم، ومبعدتُهم عن أُسرهِم وفلذاتِ أكبادهِم وحضنِ أمهاتهِم، وصدرِ آبائهم، ويومياتٍ عاديةٍ يتمتّع بها غيرُهم.





في 18 حزيران/ يونيو 2024، أجرى موقع "متراس" مقابلة مع أحد أبطال الأنفاق، فإذا بحديثهِ يشعُّ إيمانًا وصلابةً وصبرًا وحكمةً وشَجى إنسانيًا يشلعُ الأرواح: "لقد مضى على وجودي في النفق أشهر طويلة فأنا هنا منذ الساعات الأولى لانطلاق طوفان الأقصى. من يمْكث في نفق كل هذه المدّة، لا بد أن يتعرّض لأمراضٍ وآفاتٍ ومشكلاتٍ صحية، منها افْتقاد ضوء الشمس، لكننا، وبحمد الله، نحتسب ذلك لأجل الله، ولقد تلقينا التدريبات المناسبة والمُعايشة الميدانية لمثلِ هذه الظروف الصعبة. المجاهد في النفق يعيش حياة القرب من الله والزّهد في هذه الدنيا وزخْرفها الفاني. الحياة في النفق ترسم لنا معالم الطريق، وفي جوفهِ رائحة الأرض الممزوجة برائحة العزّة والكرامة، وحين نسير فيه فإننا نطوي المسافة بين الأقصى وفلسطين. الطعام والشراب في النفق يكون بالقدر الذي يُعين المجاهد على أداء مهامِهِ وواجباتِه، ونحن جزء من أبناء شعبنا العظيم، عانيْنا ونُعاني من شحّ الطعام والشّراب، لكننا نتقاسمُ الّلقمة، ونصبِرُ على الجوع، ونهضمُ العذابات في سبيل الله. أكثر من يخاف عليك، ويبحث عنك في كل بُقعة وزاويةٍ من هذه الأرض، هم أهلُك وزوجتُك وأولادُك، وكأيِّ إنسان فإنني أحنّ لهم وأشتاق لقربهِم، وأتلمّس أخبارَهم، وأتألّم لِمصابِهم، فقد استشهد والدي رحمه الله، وكذلك أخي، وأصيب عدد من عائلتي، لكننا نحتسب ذلك عند ربنا. الذي يصبّرني هو حبي لله وللجهاد في سبيله، وما يزيد من صبري وثَباتي قول ربّنا تعالت قدرتُه {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم}".
فأيّ وضوحِ بوصلةٍ يهيّئ لهذا الشاب المقاوِم الثابتِ المحتسبِ المُقْبِلِ غيرِ المُدْبِرِ كلَّ هذا الهديرِ الطالعِ من أعمق تباريحِ الهدوء، وأجلّ واجهاتِ القُبول، وأعْلى معاريجِ اليقين؟  
تقول الكاتبة إسراء سيّد في مقالها "القتال تحت الأرض... التاريخ الطويل والمعقّد لِحروب الأنفاق" المنشور في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 2023، في موقع "نون بوست"، إن "غزّة الصغرى" صُمّمت "لِتجتاز اختبار الزمن، وتؤدي بفاعلية أدوارًا لوجستيّة من إدارةِ معارك وتخْزين عَتاد، وأدوارًا هجوميّة تتمثّل في التّوغل داخل الأراضي المحتلة، إضافة إلى أسْرِ الجنود وصدِّ الاجْتياحات البريّة، وأُخرى دفاعية، أبرزها الاحتجابُ عن أنظمة التجسّس وطيران الاسْتطلاع الصهيونيّ. والنّتيجة، شبكةٌ عنكبوتيةٌ مُحكمة البِناء على درجة عالية من التعقيد والتّجهيز، جرى تعزيزها بقضبانٍ خرسانيةٍ وحديديّة، وبعضُها كبير بِما يكفي لاستيعابِ شاحنة". 

تاريخٌ مُمتد...
أنفاق غزّة ليست نبتًا شيطانيًا في استراتيجيات الحروب. فمنذ آلاف السنين تعاملت الجيوش مع الأنفاق بوصفها استراتيجيةَ دفاع، أو تكتيكَ هجوم، أو وسيلةَ تَوارٍ، أو دربَ وصول. في هذا السياق يشير مؤرخون إلى أن حفر الأنفاق يعود إلى أكثر من 4000 عام ماضية، عندما كان الآشوريون يقتربون من أسوار المدن قدر الإمكان ويحاولون تقويضَ أساسها، ونظرًا لأن الحفر كان يستغرق وقتًا طويلًا وكانوا يتعرّضون خلال ذلك للاستهدافِ من أعلى، فقد أدركوا أن النهج الأكثر أمانًا هو إنشاء نفقٍ طويلٍ من مسافة أبعد وصولًا لتلك الأسوار.

نفق معارضة سورية في غوطة دمشق 


قبل ذلك بآلافٍ وآلافٍ من الأعوام، لاذَ الإنسان الأوّل بِالمُغُرِ والكهوفِ لِيَحمي نفسه من ضَواري الكوكب والكَواسر حولَه. الكهف في حِضن الجبل هو نفقٌ صغير. شروخُ الأرضِ أنفاقٌ مجازيّة. المساحةُ بين ثلاث صخورٍ نفقٌ أو يكاد؛ صخرتان على كلِّ جانب وثالثةٌ تحتالُ على الواقع فتغْدو سقفًا.
هل استخدم اليهود الأنفاق يومًا ما من تاريخهِم الملتبَسِ غيرِ المتّفقِ عليه؟ مؤيدو سردية قيامِهِم بثورةٍ كبرى ضد الرومانيين يقولون بذلك محدّدين زمن حفرهم الأنفاق بِالفترة ما بين سنة 66 إلى 70 ميلادية. الرومانيون واليونانيون حفروا الأنفاق، الفرس أيضًا. وكما حاول العدو الصهيوني إغراق أنفاق غزّة بالماء أو الغاز أو أي وسيلة يمكن أن تقوّضها، فإن الفرس، وخِلال حصارهِم حوالي عام 256 ميلادية، لِمدينة دورا يوروبوس (أو أوربوس) الرومانية، وبعدما اكتشفوا أن الرومان حفروا نفقًا دفاعيًا حولَ المدينة، ملأوا النفق بدخانٍ سامٍ مصنوعٍ من الكبريت والقَار لخنقِ الجنود الموجودين داخلَه، فكان أوّل استخدامٍ معروفٍ لحربِ الغاز.
تواصَلت صناعةُ التاريخ، وتواصل حفْرُ الأنفاق؛ وفي عام 1203، وأثناء حصار الفرنسيين لِقلعة شاتو جيلارد التي بناها الملك الإنكليزي ريتشارد قلب الأسد، واجه الجنود الفرنسيون ثلاثة جدران دفاعية قوية، وتمكّنوا في النهاية من اختراقها عن طريق حفر الأنفاق التي أوصلتهم إلى مجرى مرحاض غير خاضع للحراسة يسمح بدخول القصر.
إلى ذلك لعبت الأنفاق أدوارًا حاسمة في الحربيْن الكونيّتين (خط "ماجينو" وغيره)، وصولًا إلى أنفاق الفيتناميين الأحرار التي دوّخت كل بلطجةِ أميركا، وشكّلت عاملًا حاسمًا في هزيمةٍ مذلّةٍ لرأسِ (زعْرنةِ) الاستعمار بوجههِ المقنّع بِدعاوى ديمقراطيةٍ كاذبة في الثلث الأخير من القرن الذي مضى وَانقضى. الكوريون الشماليون أعجبتهم معجزة الأنفاق الفيتناميّة فحفروا أنفاقًا وصلت بِمعظمها إلى قلب سيئول عاصمة (شقيقتها) الجنوبية. الأفغان وطالبان ومعهم مقاتلو "القاعدة" وزعماؤها أمطروا جبال "طورا بورا" وغيرها بأنفاقٍ دوّخت الأميركان مرّة أُخرى.





"داعش" لم تفوّت، بدورها، فرصة الاستفادة من الأنفاق، فكان لها ذلك في الموصل التي اغتصبوها سنين عددا. بين أنفاق "داعش" وأنفاق غزّة مسافة لا  تقاس بأدواتِ القياس المتريّة، بل بتباينِ الوجهاتِ والخياراتِ، بوضوحِ علاقة المقاوم الغزّي مع السماء، والتباسِها، أو انعدامِها عند (الداعشيّ) مغسول الدماغ. أنفاق "داعش" عالمٌ سفليٌّ يجول به "موت" ومن ورائه، أو أمامه، أو فوقه، "يهوه" و"يهودا" ويصولون.

أنفاق الكائنات...
كثيرٌ من حشرات النبات يحفرون أنفاقًا لِمراحل نموّهم من البيضة إلى اليرقة إلى العذريّة داخل أوراق الشجر، أو داخل سيقانها (عِذقها أو جَريدها عند الحديث عن النخيل على سبيل المثال). أما الخُلْد فهو ابن أنفاق بِامتياز. ومن حيوانات الأنفاق إلى ذلك (معظمها من الثديّات): الغوفَر الجيبي Gopher (من القوارض الثديّة)، السّرقاط، زُبابة الفيل Elephant shrew، وهو من أسرع الثديّات الصغيرة، غُرَيْر العسل  Honey Badger، أرماديللو (المدرّعات الصغيرة)، الثعلب خفّاشيّ الأُذنيْن وغيرها الكثير.
ما بين الأنفاق الشعيريّة الرقيقة جدًا داخل أوراق الشّجر، وبينَ أنفاقٍ تمتدّ لِمئات الكيلومترات، بعضها بعرض مترين وارتفاع ثلاثة أمتار، وبِما يتّسع، حتى، لِشاحنةٍ كما هي حال أنفاق المقاومة اللبنانية على سبيل المثال، أو أنفاق فصائل المعارضة السورية التي حفروها في الغُوطة قبل أن يتركوها مُرغمين، مساحةٌ من التأمّل في كيف توظِّف الكائناتُ من بشرٍ وحيواناتٍ، مجسّاتِ البقاء، وميكانيزْماتِ الدفاع عن الوجود.

النفق والمقاوم... ثنائية الصمود 


لا يغيب الشاب الساكن أعماقَ الأنفاقِ عن مخيلَتي... مقاوِمٌ مغوارٌ يعلم أن الحرب حين تضع أوزارها فلن يجد أباه ليقبّل طُهْرَ يديه... لن يصرخ "آخ" طالبًا عَوْنَ أخيه... أخالُهُ يعانق ضوء الشمس الذي لاح في آخر النفق... يصدح مع الشاعر مروان محمد الخطيب: "أحسنتم في صُنْعِ الأنفاقْ... مَرْقَىً وسماءً للإشراقْ". يصدح فتأتي، على عَجَلٍ، غزّة:
"تأتي غزَّةُ في أمواجِ البحرِ
تضيءُ القدسُ،
كمئذنةٍ بين الشفتيْنْ...
يرسمُ فرسًا...
من ياقوتِ الفجرِ...
ويدخلُ...
كالإسكندرِ ذي القرنيْنِ.
يخلعُ أبوابَ التاريخِ،
وينهي عصرَ الحشّاشينَ،
ويقفلُ سوقَ القوَّادين،
ويقطعُ أيدي المرتزقينَ،
ويلقي تركةَ أهلِ الكهفِ،
عن الكتفينْ...
في لحظاتٍ...
تحبلُ أشجارُ الزّيتونِ،
يدرُّ حليبٌ في الثدييْنْ...
يرسمُ أرضًا في طبريّا
يزرعُ فيها سنبلتيْنْ
يرسمُ بيتًا فوقَ الكرملْ،
يرسمُ أمًّا... تطحنُ بُنًّا عندَ البابِ،
وفنجانيْنْ...
وفي لحظاتٍ... تهجمُ رائحةُ الليمونِ،
ويولدُ وطنٌ في العينيْنْ
يرمي قمرًا من عينيهِ السوداويْنِ،
وقد يرمي قمريْنْ...
يرمي كرّاسات الرسمِ
وفرشاةَ الألوانْ
تصرخُ مريمُ: "يا وِلْداهُ..."
وتأخذهُ بينَ الأحضانْ.
يسقطُ ولدٌ
في لحظاتٍ...
يولدُ آلافُ الصّبيانْ
يكسفُ قمرٌ غزّاويٌ
في لحظاتٍ...
يطلعُ قمرٌ من بيسانْ
يدخلُ وطنٌ للزنزانةِ،
يولدُ وطنٌ في العينيْن...
ينفضُ عن نعليهِ الرملَ...
ويدخلُ في مملكةِ الماء.
يفتحُ نفقًا آخرَ.
يُبدعُ زمنًا آخرَ.
يكتبُ نصًا آخرَ.
يكسرُ ذاكرةَ الصحراءْ".
يسأل الشاب مرايا النفقِ المتأهّبِ لتحريرِ فلسطين: هل كان نزار قبّاني وهو يحضّر "دكتوراه شرف في كيمياء الحجر"، يقرأ من كيف الغيب عن نفقٍ لا يشبه أنفاق الخُلْدِ؟ هل كان يستشرفُ مجدَ أنفاقِنا؟ هل كان يبشّر بخصبِنا الطالع من "بَعل" مثل محاصيل بَعْليّة... لا يجفّ في صدور أمّهاتِنا "الِّلبا"؟    

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.