}

دنيس جونسون ديفز، رحيل رائد ترجمة الأدب العربي للإنكليزية

محمود حسني محمود حسني 25 مايو 2017
هنا/الآن دنيس جونسون ديفز، رحيل رائد ترجمة الأدب العربي للإنكليزية
دنيس جونسون ديفز مع الطيب صالح
بعد شهر من تمامه الـ 95 عامًا، توفي يوم الاثنين المترجم والمستعرب البريطاني دنيس جونسون ديفز، في شقته بحي الدقي، القاهرة. ودفن بالفيوم قرب بيته هناك، بحسب رغبته.

ولد ديفز في كندا عام 1922، وقضى طفولته المبكرة بين مصر والسودان وأوغندا وكينيا، حيث أرسل بعدها إلى إنكلترا وهو في الثانية عشرة من عمره.

يقول في إحدى حواراته: "لم أحب الحياة في إنكلترا يومًا. كان الطقس البارد من الأسباب الرئيسية لعدم تأقلمي  مع الحياة هناك".

التحق في منتصف الثلاثينيات بجامعة كامبردج لدراسة اللغة العربية، لكن المستوى الدراسي للغة العربية بها لم يكن مرضيًا له، فتركها وعمل في الفترة من عام 1941 حتى 1945 في هيئة الإذاعة البريطانية BBC، حيث كانت مرحلة احتكاك بالعرب واللغة العربية بعد دراسته الأكاديمية. وفي عام 1945 عمل مترجما في المجلس البريطاني في القاهرة. ومنذ هذه اللحظة، بدأ تواصل دنيس الفعلي مع العالم العربي وآدابه وكتّابه. حيث حضر مجالس الأدباء وتعرف على توفيق الحكيم ومحمود تيمور ونجيب محفوظ.


ترك القاهرة عام 1949، وانتقل إلى بغداد وهناك تعرف إلى مثقفين عرب آخرين، مثل: جبرا إبراهيم جبرا وتوفيق صايغ وبلند الحيدري وعبد السلام العجيلي، ولكنه انشغل بترجمة "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي.

لم تكن عملية نشر الأدب العربي المترجم إلى الإنكليزية سهلة في ذلك الوقت. فلم يقبل الناشرون في بريطانيا أو الولايات المتحدة بسهولة، حيث تحكمت فيهم صورة استشراقية عن انعدام وجود ثقافة لدى العرب، فما بالك بالكتابة والأدب.


في الستينيات، أسس دنيس مجلة "أصوات" الرائدة في الأدب العربي بلندن. وبحلول عام 1967، كان قد جمع أول مجلد من القصص القصيرة الحديثة من العالم العربي.

دنيس هو أحد أهم المترجمين الذين قدموا الأدب العربي إلى القارئ الغربي، وقد وصل ما ترجمه من الأدب العربي لأكثر من ثلاثين مجلداً احتوت مزيجا من الإبداعات القصصية والروائية العربية، وقد وصفه كل من نجيب محفوظ وإدوارد سعيد برائد الترجمة من العربية إلى الإنكليزية.

"لم يكن أحد يهتم بحاضر العرب. كان الجميع يفتش في ماضيهم، من زوايا استشراقية. وجدت أنني كنت الأول في ماهية بحثي. أردت معرفة حاضر العرب. والأدب كان طريقي".



كان آخر عمل له هو "العودة للوطن: ستون عامًا من القصص القصيرة المصرية" (2012). كما كتب مذكرات مهمة حول ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الإنكليزية، "ذكريات في الترجمة: حياة بين خطوط الأدب العربي"؛ وعدد من كتب الأطفال عن شخصيات مثل ابن بطوطة وعنتر وعبلة. كما ترجم العديد من كتب الحديث النبوي (مع الباحث عزالدين إبراهيم) وغيرها من كتب الفكر الإسلامي مثل: مختارات من صحيح البخاري ومسلم (مجموعة من الأحاديث القدسية)، ومختصر الكلم الطيب لابن تيمية، ومختارات من فصول إحياء علوم الدين للغزالي. كما كتب أيضًا قصصه القصيرة الخاصة، والتي نشرت في مجموعة عام 1999 بعنوان "مصير السجين".

عاد بعدها ديفز إلى مصر وبنى بيتًا له بمحافظة الفيوم، عاش فيه مع زوجته باولا، بعد أن أكمل ترجماته المشتركة مع عزالدين إبراهيم من متون الكتب الإسلامية. ويواصل اكتشاف أسماء جديدة في الأدب العربي من كتّاب الرواية والقصة القصيرة. في وقت أصبح على علاقة صداقة قوية مع إبراهيم أصلان ويحيى الطاهر عبدالله وسعيد الكفراوي وغيرهم.

بعد أن عاد إلى القاهرة، عمل في مركز النشر بالجامعة الأميركية، فأسس جائزة نجيب محفوظ، وواصل الإشراف عليها، وتبعه مترجمون آخرون مثل أنتوني كالدربانك في ترجمة الأدب العربي حيث ترجم ميرال الطحاوي ويوسف المحيميد.

في أحد تعليقاته عن الجيل اللاحق له من مترجمي الأدب العربي يسرد دنيس في كتاب مذكراته حكاية تخبرنا الكثير ليس فقط عن مترجمي الأدب العربي للإنكليزية، لكن تخبرنا أيضًا عن السياقات المحيطة بفعل ترجمة الأدب العربي للغات أخرى: "هناك إحدى المترجمات الجيدات للأدب العربي قامت بترجمة روايتين للأديب إدوار الخراط. على الرغم من صعوبة النص الروائي الذي يكتبه. حيث يشتغل على النثر كما لو كان عملاً نحتيًا دقيقًا، وغالبًا ما نجد لديه فقرات بكاملها في نصوصه يكاد يكون من المستحيل أن تترجم، وقد خاضت هذه المترجمة صعوبات كبيرة إلى أن تم نشر هذين العملين، ولكن ما حدث أنه لم يتم بيع ما يتجاوز الخمسمائة نسخة من هذين العملين. ولما كان المترجم في الغرب يعامل من الناحية المالية بنسبة محددة من سعر الغلاف على إجمالي عدد النسخ المباعة، فإن علينا أن نتصور مدى شعور هذه المترجمة بالإحباط عندما نجد أن العائد المادي لما بذلته في الترجمة لا يكاد يذكر، ولا يتوازى مع الجهد الذي بذلته، وبالفعل فإنها انصرفت إلى كتابة روايات من تأليفها، وبحسب ما أبلغني به إدوار الخراط في آخر لقاء لنا، فإن هذه الأديبة لن تستمر في ترجمة الأدب العربي، على الرغم من المستوى الرفيع الذي وصلت إليه في هذا المجال".

ومن جراء تجربة طويلة مع دور النشر والمؤسسات الثقافية العربية، كان ديفز يرى أنها دور نشر تتصور أن عملية النشر جوهرها أن تكون لديك مطبعة تنتج لك الكتب، وتتجاهل جوهر عملية النشر بمفهومها الحديث، والذي يدور حول عملية التوزيع بمعنى توصيل الكتاب إلى أوسع قطاع ممكن من القراء.

كان يرى أن لا جدوى كبيرة من أن تكون للمؤسسات الثقافية العربية مطابع وأجهزة إنتاج وعمل لإصدار كتب بالإنكليزية والفرنسية داخل العالم العربي، وإنما المهمة الأساسية – حسب رأيه - هي أن توثق هذه المؤسسات علاقاتها بدور النشر الموجودة خارج العالم العربي وتستغل هذه العلاقات لتوصيل الأدب العربي المترجم على مستوى رفيع وبطباعة جيدة إلى القارئ الأجنبي.

كان ديفز على إدراك أن طباعة الكتاب العربي وتسويقه، قلّما يفيد منها المؤلف، بل تهدر حقوقه بسبب ذهنية الطمع لدى أغلب الناشرين، الذين رأى أغلبهم "وسطاء مطابع"، لا ناشرين بالمفهوم الحديث للناشر.

لذلك، وعندما يُترجم كتاب أو أكثر من أعمال كاتب بعينه، فهذا يعطي دفقة حياة جديدة لمشروع الكاتب ليس فقط لأنه يصبح أكثر شهرة وذيوعًا بين أقرانه، لكن لأن ثمة عائدا ماديا يأتيه من وراء عمله المترجم، وإن لم يكن ضخمًا، فهو لم يتحصل عليه من عمله ذاته في نسخته العربية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.