}

بين الرواية واليوميات

محمود حسني محمود حسني 3 مايو 2017
آراء بين الرواية واليوميات
لوحة للفنان السوري دلدار فلمز

يستكمل الكاتب والمترجم المصري عادل أسعد الميري مغامرة خلق عوالم الكتابة خاصته من كراسات مذكراته، كما يحب أن يسميها، وآخرها هو "ألوان الطيف" (آفاق، 2016)، الذي يتأرجح على المستوى النوعي بين الرواية واليوميات والمذكرات الشخصية.

منذ البداية، تُرى تجربة عادل الميري ذات خصوصية في واقع الكتابة المصرية الحالي. درس عادل الميري الطب، وعمل عازف غيتار في أحد الملاهي الليلية بشارع الهرم، ثم عمل مرشداً سياحياً، أستاذ لغة عربية للفرنسيين، طالباً، وهو القبطي، في معهد الدراسات الإسلامية، ثم مترجماً عن الفرنسية، وصولا إلى الكتابة. ومنذ خروجه من منزل أهله في طنطا إلى القاهرة ليعمل في الملاهي الليلية، مرورًا بعمله في الإرشاد السياحي، كان لدى الميري فرصة أن يتلمّس الحياة في مصر على نحو شديد القرب.

وحتى على مستوى حياته الشخصية، زواجه بسيدة فرنسية، والعيش بين مصر وفرنسا، وفرصة التجوال خارج مصر، ومع ذاكرة حيوية على نحو لافت، بدأ بعد تخطيه الخمسين من العمر، أي منذ أكثر من عشر سنوات، في نشر أعمال تنتمي على نحو ما لمشروع كتابة يتحرك بشكل رئيس من تجربته الشخصية. ومنذ بداية وخلال العشر سنوات هذه، نشر الميري عشرة كتب تقريبا.

 

سيرة جريئة

 

كتاب "تسكع" هو أول ما لفت الانتباه إليه. رغم أنه كان لديه كتابان آخران يظهر فيهما ولعه بالكتب كقارئ، ثم كان "كل أحذيتي ضيقة"، إحدى أجرأ السير الذاتية التي نُشِرت في مصر في العشرين سنة الأخيرة. ومن بعدها استكمل الميري نشر أعمال تتحرك في الإطار ذاته، سواء كانت شديدة الالتصاق بتجربته أو أكثر تحريفًا وتخييلًا لها مثل "لم أعد آكل المارون غلاسيه" و"فخ البراءة" و"بلاد الفرنجة" كما نشر أيضا ترجمات عناوين عن الفرنسية تتحرّك أغلبها في فترات تاريخية قديمة، وخاصة فترة المصريين القدماء.

هناك أيضًا كتابه قبل الأخير "شارع الهرم"، حيث يرصد عبر تاريخه الشخصي تحولات الموسيقى في مصر، من خلال ومضات على فرق وفنانين وملاه ليلية في فترة السبعينيات التي يرى أنها الفترة الذهبية لشارع الهرم، وهي الفترة نفسها التي كان يعمل فيها الميري عازف غيتار مع إحدى الفرق.

وباختلاف درجات ألوان الطيف، تتلمّس روايته الأحدث "ألوان الطيف" (دار آفاق، 2016)، وهي الأقرب لمذكرات شخصية، أو نتف من يوميات، إشكاليات التنقل بين الثقافتين المصرية والفرنسية، على مستويات عدة كالجنس والدين والتقاليد والتعليم والسياسة والعنف والفقر. ومن خلال وجهة نظر شخص أجنبي هو بطل الرواية، فرنسي يعيش في القاهرة طوال السنة لطبيعة عمله في السياحة ويعود إلى أوروبا بين فرنسا وإنجلترا خلال إجازاته الصيفية، نستكشف زاوية أخرى لرؤية واقعنا وكيف كانت ديناميكيات التغير السلبي قبل الإيجابي التي عملت فيه.

يختلط البطل بالمجتمع المصري لأكثر من عشرين عاما. ويقرر في النهاية تسجيل رحلته الطويلة بين تناقضات المجتمع المصري المتدين ظاهريا، المهووس بالجنس خلف الجدران، الذي يذكر الله في كل جملة. ربما وهو يسرق الآخرين. تحمل الرواية نقدًا واضحًا للمجتمع المصري وسلوكه اليومي.

تجعلنا نفكر من جديد فيما أصبحنا نحن –كمصريين- نتعاطى معه باعتباره جزءا أصيلا من ثقافتنا وليس لدينا رغبة في إعادة النظر به. بينما البطل رغم  إقامته الطويلة وتنقله بين المحافظات المصرية لم يتأقلم مع ما رآه "عبث هذا المجتمع وجنونه".

 

لغة ملساء

يظهر اهتمام العمل بالتفاصيل الصغيرة، وشديدة الصغر على نحو لافت، سواء من جهة استحضار الذاكرة كل هذه الأشياء، أو من جهة كون اللغة المكتوبة بها أقرب إلى كونها ملساء، شديدة الوضوح كأنها تحدث أمام الكاتب في اللحظة التي يدوِّنها فيها.

"لمحت من على باب القاعة، حيث وقفت للحظة واحدة قبل أن أستدير وأغادر المكان برمته، الفتاة المراهقة التي لم أكن أعرف اسمها بعد، وقد ارتدت فستانا خفيفا يقف عند منتصف الفخذين، بحمالتين عند الكتفين وبذراعين عاريتين، وقد قصّت شعرها الأسود الناعم على الموضة السائدة (آلا جارسون)، وهي تلقي برأسها في دلال على كتف جوزفين وتقبلها في عنقها قبلات خفيفة متتالية وهي نصف مغمضة العينين".

وحتى لو كان الخلاف حول كون النص رواية بالفعل، أم أنه أقرب لليوميات والمذكرات الشخصية، خاصة مع بنيته المتشظية، وانغماسه في الشخصي والحميمي؛ إلا أن اللغة الأدبية السهلة، وزاوية رؤية الغريب لإشكاليات مثل الفساد الإداري وانعدام التخطيط أو غرابة الأولويات وافتقاد الرؤية، وهو الشيء الذي يبدو غريبًا بالنسبة له، يجعلنا نستكمل القراءة دون الاهتمام بالتصنيف، والتركيز، بدلاً من ذلك، على ما يأخذنا ليرينا إياه.

 

البطل الأجنبي

 

ثمة مقارنات حتمية فرضها الميري بجعل بطل حكايته أجنبياً، وهي تدور بشكل رمزي بين مصر وفرنسا من حيث سقف الحريات والقيود الموضوعة على حرية التعبير التي توصل في النهاية لأن يتمسك المجتمع المصري بالكثير من مظاهر الأشياء دون فهم واضح لدلالتها. خاصة حين يكون الأمر مرتبطًا بالجانب الديني من الحياة.

يبدو عادل الميري وكأنه يكتب للحفاظ على ذاكرته حية، وكأنه يريد أن يتدثّر بها بعد انفصاله عن زوجته والعيش وحيدًا، والخوف من النسيان، وموت الذاكرة. هذه، على الأغلب، هي التكوينات التي يتكئ عليها عادل الميري في مشروع كتابته حتى هذه اللحظة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.