}

ماذا يقرأ العالم في عزلته.. الخيال في مواجهة الواقع

سناء عبد العزيز 2 أبريل 2020
هنا/الآن ماذا يقرأ العالم في عزلته.. الخيال في مواجهة الواقع
لوحة للتشكيلي والمصمم البولندي إيغور مورسكي
كان بديهياً جداً، بعد أن اضطر سكان العالم بأسره إلى الاحتماء بالجدران، طوعاً، أو كرهاً، أن يلوذوا بالعالم الافتراضي كونه الآن الفضاء الوحيد الآمن في التواصل. ولكن ما رصدته الصحف العالمية يثبت أن ثمة فضاء آخر في عالم الأدب والخيال كان الأحرى في الفترة السابقة بفائض الوقت. وفي ظاهرة غير مسبوقة، قفزت مبيعات الكتب بنسبة هائلة، مجسدة وجهاً حقيقياً لمصطلح "التباعد الاجتماعي"، أو ربما التماساً لمزيد من الفهم وسط الفوضى العارمة، وكانت المفاجأة حين اضطرت منافذ بيع الكتب بدورها إلى غلق أبوابها.
كان قرار ووترستون، أكبر سلسلة لبيع الكتب، بإغلاق 280 فرعاً لها في المملكة المتحدة، أكثر القرارات الصادمة للجميع، وبخاصة لأنه اتخذ بعد ساعات قليلة من إعلان جيمس داونت، رئيسها التنفيذي، أن متاجر الكتب "لا تختلف عن السوبر ماركت، أو الصيدلية"، وأنها ستظل مفتوحة أثناء الغلق الشامل جراء فيروس كورونا ما لم تأمر الحكومة بخلاف ذلك. ولكن داونت اضطر إلى ما وصفه بأنه قرار "مؤسف للغاية" استجابة "لشكوى الموظفين من شعورهم بالخطر لعدم توافر أي معدات واقية، مثل مطهر اليدين، أو القفازات، وإن كانوا سيواصلون العمل طالما أن المتاجر مفتوحة"، لا سيما أن الكارثة أدت إلى طلب غير مسبوق على الكتب، وزيادة بنسبة 17% في المبيعات. يقول داونت "لقد أدوا عملهم بشكل بطولي في أوقات بالغة الحرج، ومن حقهم أخذ إجازة موقتة على أن تدفع الحكومة 80% من أجورهم، لا يمكن لأي شركة الاستمرار في دفع رواتب موظفيها عندما يختفي مصدر إيراداتها".

 

قفزة غير متوقعة في المبيعات
لم يكن في حسبان داونت وهو يقترح على الحكومة أن تدفع 80% من رواتب موظفيه، ولا غيره من باعة الكتب، أن ترتفع المبيعات عبر الإنترنت إلى ما يصل إلى نسبة 400%، إذ يبدو أن العالم في عزلته قرر تمضية وقته بشكل جدي، بعد أن باتت شبكات التواصل الاجتماعي تشكل رعباً حقيقياً، وتكشف عن هشاشتها في الأوقات الحاسمة. وفي هذا الصدد، يقول براد جونسون، من دار "إيست باي" في أوكلاند: "مثل معظم زملائي من باعة الكتب، وصلت إلى حافة العديد من العواطف في الأيام العشرة الماضية؛ الخوف من شدة الأزمة التي نواجهها، الاهتمام بأسرتي، شعوري بالبهجة من الدعم والمشاعر الحميمية التي امتدت إلى متجري من مجتمعه. كان من المذهل أن أرى كثيراً من الناس يأتون لمساعدتنا، وعندما أغلقنا أبوابنا للجمهور، إذا بالطلبات تغمرنا عبر الويب".

لم يكن مستغرباً، كما أفادت ووترستون، أن تأتي الكلاسيكيات التي تناولت أنواعاً من الذعر الجماعي في قائمة الأكثر مبيعاً، منها "مئة عام من العزلة"، و"الحب في زمن الكوليرا"، للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، ورائعة توني موريسون "المحبوبة"، و"جاتسبي العظيم" لسكوت فيتزجيرالد، و"الناقوس الزجاجي" لسيلفيا بلاث. وتلتها في زيادة المبيعات الروايات الحديثة الطويلة، وعلى رأسها "المرآة والضوء" لهيلاري مانتل. وتصرّح بيا كارفاليو، من ووترستون، للغارديان البريطانية: "أكثر الكتب مبيعاً لدينا هي هيلاري مانتل - تلك الصفحات الـ 900 لن تبدو مروعة بعد الآن، فهي بالفعل تباع بشكل جيد، كذلك حققت الأعمال الكلاسيكية مبيعات هائلة". شملت قائمة الأكثر مبيعاً لدي ووترستون أيضاً "طائر الحسون"، و"التاريخ السري" لدونا تارت، و"مزحة لانهائية" لديفيد فوستر والاس، و"حياة صغيرة" للأميركية هانيا ياناغيارا. وأفادت أن روايات الديستوبيا بدورها تباع بشكل جيد، وخاصة رواية مارغريت أتوود "حكاية جارية"، ورواية جورج أورويل "1984"، و"عالم جديد شجاع" لألدوس هكسلي.

الخيال في مواجهة الواقع
لم تقتصر القفزة على ووترستون، فهذه شركة نيلسن بوكسكان، المراقب الرسمي لمبيعات الكتب في المملكة المتحدة، تعلن عن زيادة في المبيعات على نحو كبير لرائعة تولستوي "الحرب والسلام"، و"سيد الخواتم"  لجون رونالد رويل تولكين، والمجلد الأول  من "البحث عن الزمن المفقود" لمارسيل بروست.
وفقاً لنيلسن أيضاً، قفز إجمالي مبيعات الكتب التعليمية في المملكة المتحدة بنسبة 6% في الأسبوع حتى السبت 21 آذار/مارس، وسجلت زيادة في حجم مبيعات كتب التعليم المنزلي تصل إلى 212%، وزيادة بنسبة 77% للكتب المدرسية وأدلة الدراسة، وزيادة بنسبة 35% أسبوعياً في روايات الكتب الورقية، عن طريق متسوّقي المتاجر الكبرى. وأفيد أيضاً بارتفاع في مبيعات كتب الفنون والمهارات اليدوية بنسبة 38% أسبوعياً. ومع ذلك، انخفضت مبيعات الكتب غير الأدبية للبالغين بنسبة 13%. ويقول فيليب ستون من نيلسن: "تشير بيانات المبيعات إلى أن سكان المملكة المتحدة كانوا بالفعل يستعدون لفترات طويلة من العزلة".

 

تحدي الأعمال الصعبة

ظهر أيضاً لدى بعض الكتاب المشهورين نوع جديد من التحدي، يتمثل في التعامل بجدية مع ما لم يتم التعامل معه بجدية حتى الآن، فأعلن البعض، سواء على صفحاتهم، أو عبر التحقيقات الصحافية، عن محاولات مستميتة الآن لقراءة بعض الروايات الكلاسيكية الصعبة لأول مرة، ومنهم الكاتب الأميركي، ستيفن كينغ، المعروف برواياته التي تندرج ضمن أدب الرعب.

فقد أعلن كينغ على تويتر أنه وصل في تحديه إلى رواية جيمس جويس المعروفة عوليس: "لقد استوعبتها بشكل أفضل مما توقعت، ولكن عليَّ أن أقول إن جويس إيرلندي سخيف حقاً". أيضاً مؤلف الأطفال، توم ميتشل، صرح لصحيفة الغارديان، أنه حاول قراءة "ميدل مارش" لجورج إليوت مرتين، أو ثلاث مرات، من قبل، ولكنه كان يتخلى عنها دون أن يكملها، وهو الآن يستغل عزلته الإجبارية في البيت في إعادة قراءة رواية جورج إليوت الكلاسيكية، والانتصار عليها لمرة واحدة، وإلى الأبد.

 

منتديات للقراءة الرقمية
كما أدى إغلاق المكتبات حول العالم إلى إنشاء مجموعات للقراءة الرقمية. فهذه مكتبة بلاكويل في أكسفورد تطلق منتدى للقراء تحت عنوان "كنت دائماً أنوي قراءته" على فيسبوك، حيث يجتمع المتابعون كل يوم إثنين لمناقشة الأدب الكلاسيكي، بدءاً من "الكبرياء والتحامل"، الأكثر شهرة من روايات جين أوستن. وها هي دار نشر ديالوج بوك تطلق بدورها منتدى للقراء، حيث يتمكن المشاركون من طرح الأسئلة على المؤلفين مباشرة عبر بث مباشر أسبوعي على إنستجرام.

أما الكاتبة الصينية إيون لي، فأطلقت مع مجلة A Public Space الفصلية غير الربحية، منتدى افتراضياً للكتاب لمناقشة "الحرب والسلام". وباستخدام التقدير الذي يستغرقه الأشخاص 30 دقيقة لقراءة 12 - 15 صفحة، تقترح لي أن يتمكن كل فرد في المجموعة من إنهائها في غضون ثلاثة أشهر، أي "مع حلول فصل الصيف، واستعادة أرواحنا".
وعن السبب في اختيار "الحرب والسلام"، تقول لي: "لقد اكتشفت أنه كلما كانت الحياة غير مؤكدة، زادت صلابة وبنية روايات تولستوي. في هذه الأوقات، يرغب المرء أن يقرأ لكاتب من شدة تأثره بالعالم يبدو في كتاباته غير متأثر بالمرة".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.