}

الجريمة بين الدراما والأدب: فائزان لأول مرة بـ"جائزة داغر"

سناء عبد العزيز 20 فبراير 2024
بعد أن احتدم الخلاف بين هيئة تحكيم جائزة "داياموند داغر" (الخنجر الماسي) Diamond Dagger بشأن الفائز النهائي لهذا العام، إذا بهم يتوصلون إلى حل يرضي جميع الأطراف وينتصر لكافة الأذواق، وذلك بمنح الجائزة التي تديرها "رابطة كتّاب الجريمة" The Crime Writers’ Association في المملكة المتحدة، إلى الاسمين سبب النزاع؛ البريطانية ليندا لا بلانت، والأميركي جيمس لي بورك؛ لتصبح المرة الأولى التي يفوز بها كاتبان بهذه الجائزة المرموقة منذ انطلاقها عام 1955، وإن لم تكن كذلك في تاريخ الجوائز. في عام 2019 خرجت البوكر هي الأخرى عن القاعدة المحكمة ومنحت جائزتها لكل من برناردين إيفارستو ومرغريت آتوود، الأولى عن "فتاة، امرأة، أخرى"، والثانية عن "الوصايا"، ما جعله عنوانا مفضلا لمعظم الصحف والمجلات العالمية. يقول مكسيم جاكوبوفسكي، رئيس لجنة التحكيم: "بمحض الصدفة الغريبة، ونتيجة لإجراء تحديث في عملية التصويت، تم منح جائزة داياموند داغر هذا العام، لأول مرة منذ سبعة عقود، لاثنين من المؤلفين"، مضيفًا: "إذا كانت جائزة البوكر قادرة على فعل ذلك، فنحن أيضًا نستطيع!".


النساء قادمات

من الواضح أننا حيال لونين مختلفين من أدب الجريمة، ذلك النوع الذي انتشر انتشارًا واسعًا بين الشباب نظرًا لما يقدمه من إثارة وغموض وشخصيات تكاد تقترب من الخيال. وعلى الرغم من نظرة النقاد إليه باعتباره في مرتبة أدنى من الأدب، فإن بوسعنا الاهتداء إلى مثال قديم يتعذر نسيانه في ملحمة الأجيال "ألف ليلة وليلة". تبدأ حكاية التفاحات الثلاث باكتشاف جثة فتاة في نهر دجلة، لتطرح سؤالًا مهمًا ويعتبر فرعًا من فروع أدب الجريمة، هو من الجاني؟ للإجابة عن السؤال السابق يأمر الخليفة هارون الرشيد وزيره جعفر بتأدية دور المحقق في زمن قدره ثلاثة أيام فقط، مع دافع قوي يتمثل في شنق الوزير جعفر إذا ما أخفق في مهمته. وما إن يعترف الزوج بأنه القاتل ونظن أننا عثرنا على بغيتنا حتى نكتشف من اعترافه أن العبد الزنجي الذي لسن على زوجته هو الجاني الحقيقي رغم أنه لم يمسك سكينًا ولم يحز رقبة. هكذا يتضح أن أدب الجريمة ليس قصرًا على الشباب، سبق أن نبّه الطب الشرعي لدوره في تشتيت الانتباه، بجعل القارئ شاهدًا منذ البداية وشريكًا في حل اللغز نهاية المطاف وذلك من خلال سرد قوي على مسافة مريحة، أطلق عليه "العلاج بالتشتيت".


ليندا جوي لا بلانت الفائزة بالجائزة هي من الكتاب الذين لديهم المؤهلات الضرورية لهذا النوع، أعمالها دائمًا الأكثر مبيعًا، والأشد جاذبية لشاشات السينما والدراما التلفزيونية. بدأت لا بلانت مشوارها الفني بالتمثيل في المسرح والتلفزيون باسم ليندا مارشال، ولكنها لم تحقق نجاحًا يرضي طموحها، وظل شعورها بالإحباط يتفاقم كلما أسند إليها دور العاهرة أو غيرها من أدوار تبتذل المرأة، وتؤطر ضعفها الفطري بمصير مفجع، ربما لهذا قررت أن تصنع بنفسها الشخصية التي أرادتها، كما يتضح في سلسلة "المترملات" بأجزائها الستة التي أسست لهذا النهج، وسرعان ما اشتهرت بقدرتها المذهلة على ابتكار نوع فريد من النساء يتمتعن بقوة الجسد وصدق العاطفة، والأهم من ذلك كله، لديهن الإرادة لصنع القرار وتغيير مصائرهن المظلمة.  

في "المترملات" تخلق لا بلانت رابطًا لجمع أربع نساء لا شيء يجمع بينهن سوى خطأ الأزواج المشترك. هؤلاء النساء اكتشفن أن أزواجهن أعضاء في عصابة، كان عليها تنفيذ خطة لسرقة خمسة ملايين دولار من صندوق مدينة شيكاغو لكنهم قتلوا ونقلت التركة الصعبة إلى زوجاتهن مختلفات الأعمار والميول والمسؤوليات، والآن عليهن القيام بالمهمة تحت تهديد الزعيم بالقتل، لكن التجربة والمخاطر والصغار المنتظرين عودة الأمهات، ينتهي بالضحية إلى أن تصبح كيانًا له يدان يستطيع أن يذود بهما عن نفسه، بالتالي يتبدل السيناريو بعد نجاحهم في المهمة ومجابهة الشرطة وقتل الزعيم ويتخلصن نهائيا من هيمنة المجتمع الأبوي.

لم تقتصر مساهمة لا بلانت على كتابة الرواية البوليسية، بل امتدت لتشمل السيناريو والمعالجة الدرامية. في عام 1993، حصلت على العديد من الجوائز عن عملها "المشتبه به الأساسي"، منها جائزتان من جوائز إيمي لأفضل مسلسل، بالإضافة إلى جائزة إدغار آلن بو لأفضل حلقة تلفزيونية غامضة. وهو ما أشعل حماسها لتأسيس شركة خاصة للإنتاج التلفزيوني "لا بلانت للإنتاج"، كتبت وأنتجت من خلالها العديد من المسلسلات منها "المحاكمة والعقاب"، "ألعاب العقل"، كما أصدرت أثناء ذلك، سلسلة الكتب الباردة؛ "كتف بارد، ودم بارد، وقلب بارد". وعبر مسيرة حافلة منحتها الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (بافتا) جائزة دينيس بوتر للكتابة التلفزيونية، وجائزة من المهرجان الدولي للسينما والتلفزيون في كولونيا بألمانيا، عن اقتباسها التلفزيوني لروايتها "فوق الشبهات"، إلى غيرها من التكريمات.

تحديثات مستمرة

جيمس لي بورك، الفائز الثاني، هو مبتكر شخصية المحقق ديف روبيشو في سلسلة وصلت إلى 23 كتابًا. وهي الشخصية التي جسدها أليك بالدوين في "سجناء السماء" ثم تومي لي جونز "في الضباب الكهربائي". روبيشو المحقق المدمن على الكحول سبق أن مر بتجربة في حرب فيتنام أثناء خدمته كملازم في الجيش الأميركي ومنذ ذلك الحين وهو يحاول التعافي من شياطينه، ويتخبط في علاقاته، فمرة يتزوج من أرملة أحد رجال العصابات تعاني من مرض الذئبة، بعد أن أنقذها من حطام طائرة. وبعد موتها يتزوج من مولي، الراهبة، فضلًا عن زيجة أولى وزيجة رابعة. وبرغم مقارنة الجزء الأول من السلسلة بأعمال فولكنر وسارتر وإرنست همنغواي، فإن الأجزاء اللاحقة لم تجد ناشرًا، واضطر كاتبها إلى العمل سائق شاحنة في خدمة الغابات الأميركية، ومراسلًا صحافيًا، وأخصائيًا اجتماعيًا في سكيد رو، لوس أنجلوس، ومساح أراضي في كولورادو، قبل أن يتوج بجوائز منها جائزة جراند ماستر من كتاب الغموض في أميركا.

تصف هيئة التحكيم أعمال لي بورك "إن تصويره الغنائي للجنوب الأميركي يتجاوز الخيال الإجرامي - غالبًا ما يكون نثره هو الأفضل في هذا النوع من الأدب. بالنسبة للكثيرين، يعتبر ديف روبيشو تجسيدًا حقيقيًا للمحقق العنيد وغير القابل للفساد أخلاقيًا والذي تحيط به شياطين شخصية - وهي شخصية تم تقديمها بشكل جميل. لقد كادت اللجنة أن تتشاجر هذا العام ولسبب وجيه وفي النهاية، اختاروا الاعتراف بمجموعتين من الأعمال الرائعة التي ترك كل منهما بصمته بطريقته الخاصة."

لا بلانت وبورك كاتبان رائعان يستحقان جائزة الإنجاز مدى الحياة التي تمنح للكتاب المتميزين في كتابة الجريمة عبر مسيرتهم الإبداعية والذين قدموا مساهمة كبيرة في هذا النوع دون التقيد بسن أو جنس أو بلد منذ أن فاز بها أول مرة ونستون جراهام، وعلى مدار سبعة عقود تم توسيع نطاق الجوائز التي تقدمها "رابطة كتّاب الجريمة". في هذا العام 2024، أعلنت الرابطة عن استحداث فئتين جديدتين؛ الأولى جائزة "تويستد داغر/ Twisted Dagger" تستهدف كتب الإثارة النفسية التي تدور أحداثها في أي فترة زمنية، بالإضافة إلى روايات الإثارة والتشويق والنوار البلدي، وهو فرع من فروع روايات الجريمة يتميز برواة غير موثوقين، ومشاعر مضطربة، وجرعة من الغموض الأخلاقي تعود تسميته إلى الروائية جوليا كراوتش التي تنطبق أعمالها على هذه الأجواء، لذلك وصفت بـ "ملكة النوار البلدي". أما الثانية فهي جائزة "هودونيت داغر/ Whodunnit Dagger" وتستهدف الجرائم التقليدية، سواء كانت معاصرة، أم تستشف أسرار العصر الذهبي.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.