}

عماد حجاج.. السجن مفارقة كاريكاتيرية جارحة

غسان مفاضلة 29 أغسطس 2020
هنا/الآن عماد حجاج.. السجن مفارقة كاريكاتيرية جارحة
"حبس حجاج في قضية نشر انتهاك فج لحرية التعبير"

توقيف رسام الكاريكاتير الأردني عماد حجاج بعد مثوله أمام محكمة أمن الدولة بسبب رسم ساخر، لا يعدّ خرقًا للمواثيق والمعايير الحقوقية المتعلقة بحق النشر والتعبير فقط، وإنما يُعدّ أيضًا تعديًا على استقلالية وخصوصية الدور الذي يضطلع به الكاريكاتير، بوصفه أحد أهم فنون المفارقات الناقدة والساخرة في تجلياتها المتشعبة، والتي غالبًا ما يساء فهمها، خصوصًا إذا لامست محظورات الراهن العربي الرسمي التي باتت، لفرط وفْرتها وسطوتها، تشرعن مصادرة الحقوق والحريات المجروحة بطبيعة الحال.
لم يقترف حجاج جرمًا حين انتقد برسمه الكاريكاتيري الساخر، التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى يزج به خلف القضبان بتهمة "تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة". وهل يعكر رسمٌ ساخر صاغ الفنان تعبيره ودلالته من واقع التطبيع الفعلي، صفو العلاقة مع الدولة الشقيقة؟! وذلك حين سخر من موقف "إسرائيل" الرافض لبيع الولايات المتحدة طائرات "F-35" للإمارات. فالتهمة، في هذه الحال، لا تخرج عن كونها سياسية الملمح والطابع. فيما صار السجن معها، واحدة من المفارقات الكاريكاتيرية الساخرة والجارحة، كما هي جلّ رسومات حجاج السياسية والاجتماعية التي شاعت في الصحافة الأردنية والعربية على نطاق واسع منذ أزيد من ربع قرن. 





حجاج الذي سبق له الفوز مرّتين بجائزة الصحافة العربية التي يرعاها نادي دبي للصحافة، لم يتخلّ طوال مسيرته الفنية عن مواقفه الأخلاقية والجمالية. وظلّ عبر مفارقاته الساخرة والواخزة منحازًا لقضايا الناس المظلومين والمعذبين منذ أن ابتدع شخصية "أبو محجوب" الشهيرة التي شكّل ملامحها، ورسم حراكها السياسي والاجتماعي عام 1992. إنها الشخصية التي ظلت لصيقة بنبض الناس ووجدانهم، ورافقت عبر التقاطاتها الساخرة لمفارقات الشارع، تفاصيل واقعهم المعيش بظواهره الاجتماعية والسياسية. ومع مزيج التعبير البارع والنافذ الذي حملته رسوماته بسلاسة واختزال، التف حوله البسطاء والفقراء، وخاصمه الفاسدون والسماسرة وتجّار الأوطان.
وعلى الرغم أن حجاج (1967- عمان) يعدّ الكاريكاتير بالنسبة له، مزيجًا ما بين الفن والسياسة والصحافة، إلا أنه ظلّ محافظًا على تلك المسافة التي نأت برسوماته عن الصراعات والتجاذبات السياسية المرحلية، باستثناء القضايا الكبرى التي تنسجم مع مواقفه الأخلاقية والإنسانية، خاصة المتعلقة بمناهضة التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، والمناوئة للدكتاتوريات والأنظمة القمعية. فليس مطلوبًا من الفنان أن يكون جزءًا من الاصطفاف السياسي، وليس مقبولا من السياسي استقطاب الفنان أو تكميمه. من هنا تأتي المحاولات الجادة والرامية إلى تأسيس سياقات فنية رفيعة المستوى في تعبيراتها الجمالية وتوجهاتها الإنسانية.
وإذا كانت رسومات حجاج بشكل عام، أبعد ما تكون عن المناطق الرمادية في الطرح والتعبير، وتتجه نحو الصدق والوضوح في معالجة موضوعاتها، فإنه يدرك في الوقت نفسه، أن قيمة الفن تكمن في إمكاناته المفتوحة على توسيع آفاق الإنسان، واضطلاعه بالتعبير عن نزوعه نحو التحرر من القيود التي تكبل انسانيته وفاعليته.
فكيف تستقيم رسالة فن الكاريكاتير في توجهها لتحقيق شرط الإنسان في الوجود، وتوسيع آفاقه وتحرير فاعليته، إذا كان رسام الكاريكاتير نفسه في الأنظمة المستبدة عرضةً للتنكيل والتكميم؟!
ليس عماد حجاج وحده من تعرض للملاحقة والسجن بسب رسم كاريكاتيري ساخر. فهناك العشرات من رسامي العالم الذين تعرضوا في السنوات العشر الأخيرة للاضطهاد والسجن والتعذيب. وهو ما دفع أكثر من 200 رسام كاريكاتير موزعين على أكثر من 20 دولة، إلى التوقيع على وثيقة قدمت لمسؤولي اليونسكو خلال انعقاد المؤتمر العالمي لحرية الصحافة العام الفائت في أديس أبابا، طالبوا فيها بالاعتراف بخصوصية الرسوم الكاريكاتيرية بوصفها حقًا أساسيًا ينطوي على قيم جوهرية وفريدة في المجتمعات. وبينوا في وثيقتهم أنّ فن الكاريكاتير يتعرض بشكل متزايد لخطر الرقابة على مستوى العالم، ويجب الاعتراف به كحق منفصل، إلى جانب الحق في حرية التعبير المنصوص عليها في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.











الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحافيين في الأردن، نضال منصور، دان توقيف حجاج على خلفية الرسم الساخر، مطالبا ً بإخلاء سبيله. واعتبر في حديثه لـ "ضفة ثالثة" التوقيف بمثابة عقوبة مسبقة هدفها تكميم الأفواه.
كما استنكرت منظمة "مراسلون بلا حدود" اعتقال حجاج بسبب كاريكاتير ضد التطبيع الإماراتي. ونددت المنظمة بـاستخدام قانون الجرائم الإلكترونية لإسكات الأصوات الناقدة، مطالبة السلطات الأردنية بالإفراج الفوري عنه.
وسبق للمنظمة أن بيّنت في سياق تعرض رسامي الكاريكاتير للقمع والتنكيل، أن زعماء السياسة والدين والقادة العسكريين ورؤساء المجموعات غير الحكومية، يرفضون النقد والسخرية التي تنطوي عليها الرسوم الكاريكاتيرية. ولذلك فإن الرقابة والطرد وتهديدات القتل والمضايقات القضائية والعنف الجسدي، وحتى القتل في أخطر الحالات، هو ما ينتظر العاملين في مهنة تزداد خطورتها بشكل مستمر.
ومن رسامي الكاريكاتير الذين تعرّضوا للاضطهاد بسبب رسوماتهم في السنوات الأخيرة: فرزات في سورية، ديلم في الجزائر، فيلكس في السويد، زونار في ماليزيا، براجيث في سريلانكا، بونيل في الإكوادور، كارت في تركيا، تريفيدي في الهند ـ وجميعهم تعرضوا للتهديد والملاحقة القضائية والاعتقال من قبل الحكومات والجماعات المتطرفة.
من جهتها، دانت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" القبض على حجاج الذي تحظى رسوماته بجماهيرية كبيرة في الأردن والعديد من الدول العربية، بموجب قانون الجرائم الإلكترونية بسبب الكاريكاتير الساخر.
وقال جمال عيد، مدير الشبكة العربية، إن "حبس عماد حجاج في قضية نشر هو انتهاك فج لحرية التعبير، وترهيب تمارسه الحكومة الأردنية ضد فنان مبدع يحظى باحترام وتقدير الملايين".







وأضاف أن حبس عماد حجاج "يتناقض مع الوعود التي قطعها ملك الأردن على نفسه بحماية حرية التعبير وصونها باعتبارها ركنا أساسيًا في بناء الدولة الديمقراطية، كما يتناقض مع الشعار الذي أطلقه الملك حين أكد أن (حرية الصحافة سقفها السماء)".
وطالبت منظمات حقوقية وصحافية عديدة، بالإفراج الفوري عن حجاج، وإيقاف الحبس في قضايا النشر.
وفي سياق متصل، برز هاشتاغ #الحرية لعماد حجاج، استنكر من خلاله ناشطون إجراءات اعتقال حجاج، ورفضوا الهجمة ضد حرية الرأي والتعبير في البلاد، مؤكدين أن الدستور المحلي يتيح لكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.