}

آني إرنو الفائزة بنوبل 2022.. الكتابة فعل سياسي

هنا/الآن آني إرنو الفائزة بنوبل 2022.. الكتابة فعل سياسي
(GettyImages)

فرنسا تفوز بنوبل في الأدب للمرة السادسة عشرة

سناء عبد العزيز

منذ فضيحة نوبل الشهيرة، ظهر حرص الهيئة المانحة للجائزة على استرداد سمعتها، وتمثل أولًا في الإطاحة بكل التوقعات والمراهنات المسبقة، حتى وجد البعض أن تلك التكهنات أصبحت من الصعوبة بمكان، سيما بعد أن استعانت الأكاديمية عام 2020 بلجنة من الخبراء من مناطق لغوية مختلفة كاستجابة إلى تحقيق التنوع المطلوب منها. وفي هذا العام تحديدًا ذهبت التوقعات إلى اختيار اسم معروف بعد فوز كل من الشاعرة الأميركية لويز غلوك والروائي البريطاني من أصل تنزاني عبد الرزاق قرنح وما ترتب عليه من بروزهما إلى دائرة الضوء وترجمة أعمالهما التي لم تحقق قبل نوبل الانتشار الواسع، وكان من ضمن التوقعات هذا العام الأميركية جويس كارول أوتس، والفرنسيتان آني إرنو وماريز كوندي، والكندية مارغريت أتوود. وبالفعل أعلنت الهيئة المانحة أمس الخميس فوز الكاتبة الفرنسية آني أرنو بنوبل 2022، وهي واحدة من أكثر المؤلفين شهرة في بلادها، وأول كاتبة فرنسية تفوز بالجائزة منذ فوز باتريك موديانو في عام 2014، وبالتالي تصبح إرنو المرأة السابعة عشرة التي تتوج بنوبل منذ انطلاقها عام 1901، والفائز الفرنسي السادس عشر في تاريخ الجائزة المرموقة.

وقال عنها أندرس أولسون، رئيس لجنة التحكيم، إنها "تفحص باستمرار، ومن زوايا مختلفة، حياة تتميز بتباينات شديدة فيما يتعلق بالجنس واللغة والطبقة".

بين الرواية والسيرة الذاتية والواقعية

وُلدت إرنو عام 1940 ونشأت في بلدة ليلوبون شمال شرقي فرنسا. بدأت مشروعها الأدبي بروايتها "خزائن فارغة" عام 1974، لكن كتابها الرابع "مكان الرجل" 1988 هو ما اعتبر حقًا بداية إنجازها الأدبي، أما الفضل لشهرتها على نطاق واسع، فينسب إلى سيرتها الذاتية "الأعوام" التي حازت إعجاب النقاد وفازت بجائزة رينودو عام 2008 وأدرجت في القائمة المختصرة لجائزة البوكر الدولية عام 2019. والتي أُطلق عليها "أول سيرة ذاتية جماعية" وأشاد بها الشاعر الألماني دورس غرونباين باعتبارها "ملحمة اجتماعية" رائدة في العالم الغربي المعاصر. وقال عنها الناشر جاك تيستارد "تحفة فنية بلا شك، إرنو تبتكر هنا شكلًا جديدًا في الأدب؛ يقع بين الرواية والسيرة الذاتية والواقعية".

وعلى الرغم من الطابع الذاتي تلقي إرنو في "الأعوام" نظرة حية على المجتمع الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. مستبدلة الذاكرة التلقائية للذات بصيغة الغائب من الذاكرة الجماعية، وهو ما يشير إلى هيمنة روح العصر على حياتها بأكملها. ربما لم تلتفت إرنو في مشروعها الكتابي إلى القضايا الكبرى، أو الأوضاع السياسية المتردية، ولكنها لم تغفل عنها في ذروة انشغالها بالتنقيب في حياتها الخاصة كطفلة وشابة وكل ما يتعلق بها من أحداث حتى موت والدها ووالدتها، كما لم تخجل من تناول أدق خصوصيتها كعلاقتها برجل من أوروبا الشرقية في روايتها "العاطفة البسيطة"، أو سنوات مراهقتها وتجاربها الجنسية الأولى في "إما ما يقولونه، أو لا شيء" وكذلك عملية الإجهاض التي أجرتها في فرنسا في الستينيات في "الحدث"، وفترة زواجها في "المرأة المتجمدة"، ومرض الزهايمر في "لم أخرج من ليلي"، وسرطان الثدي في "استخدام الصورة"، وهو ما جعل البعض يقارنها بمارسيل بروست في بحثه عن الزمن المفقود بالرغم من افتقارها إلى ذاكرة عاطفية بالمعنى البروستي تسمح لها بالحكي عن نفسها مباشرة في سنواتها الأولى.

على جانب آخر، قورنت أيضًا بسيمون دي بوفوار، مع تباين الخلفية الاجتماعية للمرأتين وحقيقة أن إرنو تنحدر من طبقة عاملة لولا أن نجح أبواها في انتشال الأسرة من الحياة البروليتارية إلى الحياة البرجوازية عن طريق حيازة محل بقالة ومقهى.

في كتابها "مكان الرجل" قدمت إرنو صورة نزيهة لوالدها والبيئة الاجتماعية التي شكلته، الأمر الذي راحت تستكمله في "العار" بإضفاء المزيد من الرتوش على ملامح والدها في محاولتها لتفسير ثورته على والدتها في لحظة معينة في الماضي، وهو ما تستهله بهذا السطر المثير: "حاول أبي قتل أمي ذات يوم أحد في شهر يونيو، في وقت مبكر من بعد الظهر". بعد بضع سنوات، رسمت إرنو بورتريه مؤثر لوالدتها في "قصة امرأة" تنقلت فيه بين الخيال وعلم الاجتماع والتاريخ، ومع الإيجاز الشديد، اعتبر هذا الكتاب بمثابة تكريم رائع لامرأة قوية تمكنت أكثر من الأب من الحفاظ على كرامتها في ظروف صعبة.

لست روائية رغم كل شيء

ترى إرنو، على الرغم من أسلوبها الكلاسيكي المميز، أنها "عالمة إثنولوجيا على طريقتها الخاصة" وليست كاتبة روائية، وتشهد كتابتها بالفعل على تأثرها الشديد بعالم الاجتماع بيار بورديو، ومع ذلك، هناك أيضًا بُعد سياسي مهم في لغتها. ودائمًا ما يكتنف كتاباتها شعور بالخيانة تجاه الطبقة الاجتماعية التي انفلتت منها. تقول إن الكتابة فعل سياسي يفتح أعيننا على عدم المساواة الاجتماعية. ولهذا الغرض تستخدم اللغة "كسكين"، كما تسميها، لتمزيق حجاب الخيال، وفي هذا الطموح العنيف للكشف عن الحقيقة، تعتبر إرنو، حسب توصيف أولسون، وريثة جان جاك روسو.

حلاوة الفوز

وصفت إرنو فوزها بالجائزة بأنه "شرف عظيم" و"مسؤولية كبيرة" وأضافت: "إنه بمثابة شهادة عن شكل من أشكال الإنصاف والعدالة فيما يتعلق بالعالم". وتبلغ قيمة الجائزة 10 ملايين كرونة سويدية (840 ألف جنيه إسترليني)، تمنح إلى "الشخص الذي أنتج في مجال الأدب عملًا متميزًا في الاتجاه المثالي"، وإن ذهبت في بعض الأعوام إلى كُتّاب خارج النطاق المألوف للأدب، مثل هنري بيرغسون عام 1927، وونستون تشرشل عام 1953، وكاتب الأغاني بوب ديلان 2016، لأنه "خلق تعبيرات شعرية جديدة ضمن تقليد الأغنية الأميركية العظيمة". وكان من بين المرشحين لها هذا العام أيضًا الروائي الفرنسي ميشال ويلبيك، والكاتب الكيني نجوجي وا ثيونجو الذي يتم ترشيحه للجائزة منذ عام 1998، والشاعرة الكندية آن كارسون، والكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي حيث ذهبت التكهنات بقوة إلى احتمال فوزه بسبب الحادث الإرهابي الذي تعرض له مؤخرًا.

جدير بالذكر أن مؤسسة نوبل قررت دعوة الفائزين هذا العام إلى أسبوع نوبل في ستوكهولم في كانون الأول/ ديسمبر مع الفائزين بها في عامي 2020 و2021، ومن المقرر إقامة حفل توزيع الجوائز في 10 ديسمبر المقبل، ذكرى وفاة نوبل.

*****
 

السكرتير الدائم في الأكاديمية السويدية لجائزة نوبل يعلن فوز آني إرنو بالجائزة (Getty 6/10/2022) 



جمعت بين الكتابة الأدبية والتحليل الاجتماعي وأيّدت القضية الفلسطينية

 بوعلام رمضاني

لم ينلها كما توقعت الدوائر المتخصصة سلمان رشدي، الهندي الأميركي الذي اشتهر عالميًا منذ أن صدرت فتوى اغتياله، وأكثر منذ أن طعن في رقبته مؤخرًا، ولا ميشال ويلبيك الفرنسي الذي اشتهر بروايات التمزق الحضاري الغربي، والحكايات الجنسية، والتخويف من قرب بروز حكم إسلامي في وطن موليير وبودلير، ونالتها أني إرنو (82 عامًا) التي أدرج اسمها في مرتبة ثالثة مع أسماء روائية أخرى غير فرنسية.

والفرنسيون الذين يعيشون في خريف متسامح على إيقاع أخبار إجراءات الحد من استهلاك الكهرباء نتيجة الحرب التي ما زال يشنها بوتين، واعتقال فرنسيين في إيران، انتظروا حتى الساعة الواحدة ظهر أمس، لكي يتغير مجرى الأخبار السياسية القاتمة الطاغية، وينعمون بضجيج مستحق عن سفيرتهم الأدبية الجديدة التي أصبحت الفرنسية الأولى الحاصلة على أشهر الجوائز العالمية في مجال الرواية. منذ ظهر أمس، وحتى هذه اللحظة، تغير مجرى الأخبار التلفزيونية بتخصيص حيز معتبر للكاتبة المسنة الشقراء التي ظفرت بإعجاب أعضاء الأكاديمية السودية "بأسلوبها الكلينيكي الدقيق الذي عكس روحًا سردية جافة وبسيطة نابعة من أعماق حياة شعبية وذاكرة حقيقية ورفضًا ثوريًا وراديكاليًا لمحافظة اجتماعية مضادة للمرأة وللحرية بوجه عام". أني إرنو التي نالت إعجاب أعضاء الأكاديمية الملكية السويدية، أثارت خلافات في استديوهات الإذاعات والقنوات التلفزيونية بسبب ما وُصف بأنه أسلوبها البسيط وغير "النبيل" نقديًا، إذا استندنا إلى أدبيات الروايات الشهيرة، وتفسير بعض المعلقين المتخصصين سبب نيلها الجائزة العالمية بنزعتها الفكرية وتعمق مسار تحرر نسوي غير مسبوق من وطأة الكتمان والتردد في فضح الرجال المسيطرين. ورغم اتهامه بالتغطية على رفيق درب سياسي صفع زوجته، كان زعيم اليسار جاك ميلنشون أول من ابتهج بفوز إرنو التي كانت وما زالت من أنصار ومناضلي توجه حركته "فرنسا غير الخاضعة". يجدر التذكير أن الإعلان عن فوز إرنو بجائزة نوبل يصادف الذكرى الخامسة لتأسيس حركة Me too النسوية.

وريثة سيمون دي بوفوار

أني إرنو ـ التي أضحت كاتبة نسوية وثورية راديكالية معروفة أكثر منذ أمس تؤمن بالصراع الطبقي خلافًا لنسويات مخمليات أخريات ـ خرجت من العباءة الأيديولوجية لسيمون دي بوفوار رفيقة درب جان بول سارتر، كما أنها من المدافعات عن حق المرأة في الإجهاض وعن مقولة "لا تولد المرأة امرأة، بل تصبح كذلك".

لم يكن جاك ميلنشون وحده من الأوائل الذين نوهوا بفوز إرنو بالجائزة السويدية الشهيرة، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كتب هو الآخر تغريدة تعكس سعادته بفوز مبدعة فرنسية قبل كل شيء. الأمر نفسه ينطبق على روزلين باشلو، وزيرة الثفاقة اليمينية السابقة، التي جاهرت بخلافها الأيديولوجي مع الروائية الراديكالية الفائزة والمنتجة الجديدة لفخر فرنسي يجمع الإخوة الأعداء باعتبارها منفعة عليا تتجاوز كل أشكال التوجهات الأيديولوجية في وطن الأنوار. أما الإعلام الفرنسي فلم يتوقف عند تأييد إرنو للقضية الفلسطينية ولحركة "الإنديجان" التي تترأسها الجزائرية الأصل حورية بوثلجة، المتهمة بمعاداة السامية، ككل من يتجرأ على وصف الكيان الصهيوني بالمغتصب لأراضي شعب أعزل. ناقد ثقافي واحد يعمل في مجلة les incorruptibles اليسارية أشار إلى ذلك بسرعة خاطفة بقوله "تميزت أيضًا بموقفها النقدي حيال إسرائيل".

بين الأدب والتحليل الاجتماعي

صحيفة "لوموند" التي تبقى وفيّة لرصانتها برغم تراجعها النسبي توقفت، بقلم الصحافية رفائيل ليريس، المحررة في قسم الكتب، عند خصوصيتها الإبداعية المتفردة والجامعة بين الكتابة الأدبية والتحليل الاجتماعي، الأمر الذي يفسر تأثرها وإعجابها بالمفكر الاجتماعي الراحل الكبير بيار بورديو. هذه الخصوصية ليست نتاج تخيل ذاتي، بل هي ثمرة تجارب حياتية عاشتها إرنو طفلة في بيت والدين مالكين لدكان مقهى في الوقت نفسه، وهو الدكان الذي يقصده العام والخاص لشراء المواد الغذائية الضرورية وقضاء ساعات تعكس حياة يومية شعبية. عاشت الكاتبة لاحقًا مراهقة في مجتمع رفضت قمعه لحرية نساء من حقهن أن يعشن حياتهن العاطفية كما يردن، ولطبقية معادية للعدالة وداعية إلى خطاب فكري وأدبي يميز ضد ويهين الفئات الاجتماعية الضعيفة. إرنو التي عكست كل ذلك في رواياتها، هي الروائية التي يعترف معظم القراء والنقاد في الوقت نفسه بقدرتها على نقل واقع المعاناة الاجتماعية بكل أشكالها. أعطت الصحافية الفرنسية مثالًا على التزامها الاجتماعي الذي يؤكد تموقعها في مفترق طرق بين التحليل السوسيولوجي والأدب بقولها: "ما زالت مدينة لأستاذتها في مادة الفلسفة، والتي راحت تولي في الخمسينيات كل العناية اللازمة لتدريس 25 تلميذة جزائرية كن يعشن في حي قصديري بمدينة روان". ومضت الصحافية الفرنسية تقول كاشفة عن هوية ومواقف الظافرة بجائزة نوبل للأدب ظهر أمس: "دليل مناهضتها للأدب المخملي أو ما يسمى بالنبيل القائم على محاور الزمن والذاكرة والنسيان، رفضها المرتقب لدخول سلسلة "لابلياد" الشهيرة التي تكافئ الكتاب الكبار، وكتحصيل حاصل رفضها الوارد أيضًا لدخول الأكاديمية الفرنسية. ما كان يهمها، هو الكتابة أدبيًا عن حياة العمال الكادحين في المحلات التجارية الشعبية وفي المقاهي، وعن الأغاني الشعبية وعن المضطهدين من الرجال والمضطهدات من النساء في الوقت نفسه".

عن أني إرنو الكاتبة التي توظف صيغتي الكتابة بالضمير المتكلم والمخاطب لتبرير خياراتها السردية الملتزمة اجتماعيًا، قال المخرج الألماني توما أوستايمر لصحيفة "ليبراسيون" بعد التعبير عن سروره بحصولها على جائزة نوبل للأدب: "كل كتبها تجسد مناهضة موصوفة للتفرقة الجنسية والطبقية، وهي بذلك لا تنتمي للتقليد الكلاسيكي الذي ينص على مكافأة روائيين بعيدين عن عالمها الفكري، وعليه هي أبعد ما تكون عن البرجوازية". في نظر المخرج الألماني المذكور "حصولها على أشهر الجوائز يدل على تغير في عالم الثقافة، وإرنو ليست امرأة فقط، هي تنتمي للطبقة العاملة، وبذلك هي تمدنا بإمكانية مكافحة العنصرية الاجتماعية والطبقية والجنسية". وتابع: "ما تكتبه إنساني النزعة، ولم يكتب أحد قبلها قصة شابة تعيش حياتها العاطفية والجنسية كما كتبتها في رواية "الأعوام" ضمن منظور العارف بالحياة الشعبية اليومية، والمندمج في أعماق المجتمع".

برنار هنري ليفي، صاحب القميص الأبيض والثروة الكبيرة الذي يدافع عن إسرائيل في كل استديوهات الدنيا تلفزيونية كانت أم إذاعية، وحده انفرد باستياء لافت. برنار حزين لأنه كان يفضل فوز سلمان رشدي من باب تكريس كاتب أقرب إلى الآنية السياسية الملتهبة والملحة، وهو أجدر في تقديره بجائزة نوبل هذه السنة من إرنو التي لا تدافع عن إسرائيل في كل الحالات مثله.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.