}

الأدباء ومونديال قطر: علاقة الكُتّاب العرب بالرياضة

صدام الزيدي صدام الزيدي 7 ديسمبر 2022
على هامش الحدث الرياضي الأبرز عالميًا، المتمثل في بطولة كأس العالم لكرة القدم (مونديال قطر 2022) والذي تنظمه قطر والاتحاد العالمي لكرة القدم (فيفا)، سأل منبر "ضفة ثالثة" عددًا من الأدباء والكتاب العرب، حول علاقتهم بالرياضة، انطلاقًا من متابعتهم للمونديال الكرويّ المقام حاليًا في قطر: كيف تتابع المونديال (من المنزل أم من مكان يوفر "خدمة كسر التشفير")؟ أي المنتخبات تشجع ولمن تتوقع الكأس؟ ما علاقتك بالرياضة وهل تمارس رياضات معينة؟ برأيك، في واقع عربي (وعالمي) مشحون بالحروب والكوارث والتهجير، وفي أجواء مشحونة بالمعارك السياسية، ألا تمثل الرياضة نافذة مفتوحة على مساحات المحبة والسلام والتقارب بين الثقافات والشعوب؟ وكيف ترى إلى فوز قطر بالرهان كأول دولة عربية تنظم بطولة كأس العالم؟

هنا الجزء الثاني والأخير:

عامر النحوي ومريم مشتاوي


مريم مشتاوي (روائية لبنانية):

مناسبة تلتقي فيها ثقافات متنوعة

أتابع المونديال مع عائلتي من المنزل. إنها فرصة لنجتمع مع بعض حول حدث عالمي على اختلاف الفِرق التي يشجعها كل فرد من أفراد العائلة.

عربيًا أشجع كل الدول المشاركة في المونديال من دون الانحياز لبلد على آخر… مع توقعي بأن يذهب المغرب بعيدًا في هذه البطولة.

تنحصر بطولة كأس العالم في رأيي بين ثلاث فرق: البرازيل والبرتغال وإنكلترا التي أحب.

أحب رياضة البيلاتس ومتعلقة بها جدًا. أمارسها بشكل أسبوعي وتعطيني الكثير من الراحة النفسية.

الرياضة ليست فقط ميدانًا للتنافس بين الفرق المشاركة وحسب، لكنها أيضًا مناسبة تلتقي فيها ثقافات متنوعة وأحيانًا متناقضة. إذًا هي مناسبة لمعرفة الآخر. وقد تجسد ذلك من خلال الأزياء الشعبية والأهازيج التي رددها المشجعون من مختلف الدول لفرقهم في الملاعب.

لقد أبهرت دولة قطر العالم من خلال ما قدمته في حفل الافتتاح الذي عكس روح الثقافة العربية والإسلامية، على الرغم من حملات التشويه والتشكيك بقدرة بلد عربي على استضافة حدث عالمي. لقد رسخت الدوحة في ذاكرة العالم أن الحوار بين الثقافات هو الحل.

عامر النحوي (شاعر كردي/ العراق)

موسوعة ثقافية كبرى

بدايةً علينا أن ندرك ماهية الرياضة وعلاقتها بالأدب، والزوايا النفسية التي تجمعهما فالمنبعُ في كليهما واحد وهو: الحب والثقافة، فالحب فيهما وعي وإحساس وتقارب، لأن الأشياء الجميلة تقابلها النفس بطمأنينة، لذا نجد في الأدب وفروعه ما يجبر الخاطر ويعمق السكينة في المرء وما في صدره من اختلاجات ذاتية، أما الرياضة بشكلها العام وعلى وجه الخصوص "كرة القدم"، نجد فيها اللحمة الإنسانية التي تكاد تجمع الشعوب بلا تفريق، فيها الوحدة قائمة ومسالك التعارف لا تخطئ أحدًا. كرة القدم أشبه بحالة شعرية إذا صح التعبير، والدليل تجد شعورًا بالخيبة إزاء خسارة فريقك المفضل، وانبهارًا إذا ما قدّم الفريق أداء يسرّ القلب. وفي خضم الحروب والصراعات الإقليمية ليس أمام الشعوب المكلومة سوى الرياضة التي تجد فيها ضالة السعادة المفقودة فهي متنفسها الوحيد. أليست المشاعر النفسية هي بحد ذاتها أدب؟

تابعت كأس العالم لأول مرة في المونديال الذي أقيم في كوريا الجنوبية واليابان، هذه البطولة التي كانت حافلة بالمفاجآت، شاهدنا فوز منتخب السنغال على فرنسا بقيادة المدرب الفرنسي ميتسو الذي أشهر إسلامه لاحقًا، وتركيا التي لقنت المنتخب البرازيلي درسًا في المثابرة رغم خسارتها 2/1 وأثبتت أن لا مستحيل في كرة القدم، وحصدت المركز الرابع.

أشجع المنتخب الإنكليزي وأجد إمكانية وصوله إلى النهائي إذا حافظ على مستواه المنضبط، وكذلك أجد من الصعوبة توقع أي منتخب سيحصد الكأس في ظل المتغيرات التي طرأت على كرة القدم، ألا وهي الحداثة الكروية.

أرى في مونديال قطر ما يميزه عن المونديالات السابقة. البطولة في بلد عربي وإسلامي وهذا إنجاز سيكتبه التاريخ بحرفية تامّة.

هنالك تشابه بين مونديال قطر 2022 ومونديال كوريا الجنوبية واليابان 2002، من حيث قوة المنتخبات التي كانت تتميز بمستوى مقبول، والمفاجآت التي أحدثتها السعودية واليابان وإيران وتونس والمغرب.

كأس العالم حالة أدبية تحمل في طياتها دموع الفرح والحزن والقلق الذي يصل بالجماهير إلى ذروة الجمال. باختصار شديد: كأس العالم موسوعة ثقافية كبرى.

أمينة الصنهاجي وصدّيق الحلو



صدّيق الحلو (روائي/ السودان):

مونديال الذوق والوعي الجمالي

الرياضة تنعش الروح وتزيح الهموم وتنمّي الجسد. وفي الحديث الشريف: (علِّموا أولادكم ركوب الخيل والسباحة والصيد). فهي من الرياضات المحببة.

أتابع مونديال كاس العالم في دوحة العرب من المنزل. قطر أنجزت وأبدعت وتستحق الإشادة.. صارت حديث العالم في التجهيز العلمي والدقيق لهذه المناسبة العالمية.

شجّعتُ الدول العربية: السعودية وتونس وقطر والمغرب، وتوقعت الكأس لإنكلترا.

علاقتي ممتازة مع الرياضة. أمارس تنس الطاولة والكرة الطائرة ورياضة المشي.

تجتاحك لحظات من السرور والسعادة والبهجة وأنت تشاهد المنافسة الشريفة والروح الرياضية السمحة. الإحتكاك يولد التأثر والتثاقف وتبادل الخبرات.

كل يعرض خصوصيته وهناك كثير من القواسم المشتركة بين الأمم وكرة القدم: فعل جماعي له دلالات أخلاقية تنتج فنًا بصريًا ثريًا وأصيلًا.

هذا المونديال يجسد الغبطة والبطولة، كأنما هو احتفال طقوسيّ فيه الكثير من المغايرة والتشويق والإثارة. وبمعايشتنا لهذا الحدث الهام في سياقه حيث وُظِّف على توثيق وإبراز ثقافات البلد المضيف، كرمه العربي وأخلاقه الإسلامية السامية برؤية عميقة ومؤثرة. ثمة رمزية تمتاز بالجمال والفنون التشكيلية. ومعروف ما للفنون من أثر تأملي وفكري.

مثل هذه التجمعات الرياضية مهمة ومفيدة، ولها أثر كبير في الناشئة، تُرقّي الذوق والوعي الجماليّ، ففي الدوحة ظهر فن البنّائين والمطربين والنحاتين ومُنسِّقي الحدائق في الرسم كما في المعمار والنحت، مما يشهد بذوق رفيع وعال. عبقرية الشعب القطري تجلّت في الإتقان والجمال مما خلق شعورًا جميلًا لدى متابعي المونديال وعشاق كرة القدم. حقًا إنّ الرياضة تشكل الوجدان وهي بوابة مشرعة على مساحات المحبة والسلام، التلاحم والانسجام، وتمتين أواصر الصداقة والتقارب بين الشعوب والمِلل. قطر الشقيقة حقّقت حلمنا العربي.

أمينة الصنهاجي (شاعرة/ المغرب):

مونديال قطر سيكون مفصليًا

نحن عائلة مدمنة لمباريات كرة القدم، وجود قناة Bein بالبيت يعتبر من الضروريات، ولهذا فجل فعاليات كأس العالم في قطر نتابعها، أولًا بأول في البيت.

طبعًا أشجع الفرق العربية، وهذا تحيّز أحبه وأفتخر وأعرف أن الكثيرين سيمتعضون من هذا الأمر. لكني لن أنافق أحدًا، هواي عربي. المغرب بلدي أولًا. وثم البلدان العربية: السعودية وتونس وقطر.

رغم أن الحظ لم يحالفهم للمرور للدور الثاني، فمجرد تواجدهم في مقابلات الدور الأول كان أمرًا جيدًا.

الكل يتوقع الكأس للبرازيل أو الأرجنتين، لكني أتمنى فعلًا أن يتمكن فريق ما من كسر هذه اللعنة وإخراج الكأس من أميركا اللاتينية وأوروبا.

لا يهمني من، بقدر ما سأشجع كل فريق يلعب أمام فريق لاتيني أو أوروبّي.

رغم أنه من خلال المباريات السابقة يظهر الفريق الفرنسي متماسكًا ومنسجمًا وواثقًا جدًا. وهو الأفضل في مباراتين افتتاحيتين له.

أحب أن أتفرج على الرياضات المختلفة. ولعل كرة القدم في ذيل لائحة ما أحب متابعته. واقعًا لا أمارس أي رياضة بعينها، لكني أحب المشي والجري على كورنيش المحيط الأطلسي، كلما حظيت بوقت مناسب لذلك.

حين ألاحظ تركيبة الفِرق الرياضية خصوصًا كرة القدم، أتأكد من أن الشعوب لو تركت لحالها بلا تدخلات سياسية أو مذهبية أو توجهات أيديولوجية تكون نسيجًا واحدًا متناسقًا يستفيد البعض من الآخر ويتفاعل معه بكل سلاسة.

الرياضات عمومًا مجال رغم تنافسيته الشديدة، إلا أنها تنافسية لا تتلون بالكره، ونحن نرى واقعًا كيف تلتقي المجموعات البشرية المختلفة بكل خصوصياتها وتظهر كل مجموعة ثقافتها وطابعها في جو من الفرح والتنافس المرح، بلا نية في نفي الآخر أو إبعاده. وهذا شيء جميل وأمر يُدين بشدة الواقع البئيس الذي خلقته السياسة، ويُكذِّب كل مقولات الكره والإقصاء المبنية على عدم الفهم والخوف، والتي يغذيها الاقتصاد الجشع.

قطر كانت مبهرة، نجحت في تقديم صورة رائعة عن الشرق عمومًا، والعالم العربي خصوصًا، وما يمكن للآخر غير الغربي أن يقدمه في مقابل النموذج الذي أنتجته المركزية الأوروبية الغربية من جهة، والعجرفة الكولونيالية التي عملت منذ قرن على زرع طابعها وجعله نموذجًا لا ثاني له.

في هذا المونديال، الكل مستمتع بالجو الذي اقترحته قطر ومنبهر بالمستوى الذي يمكن للعالم أن ينتجه بعيدًا عن الأحادية الغربية.

ولا يهم ما يثيره الحاقدون حول المونديال، ولا قيمة لثرثرتهم المتشنجة، ما داموا قد صمتوا حين كان يتم قتل مئات الأطفال بأزقة البرازيل كي تنظفها الشرطة البرازيلية استعدادًا للمونديال على أراضيها. وصمتوا حين كانت تهدم أحياء كاملة بمدن المكسيك وتهجير أصحابها غصبًا بلا مقابل حين نظمت المونديال هناك. وصمتوا عن العمالة المهينة المستغلة بفرنسا وروسيا والتجاوزات التي كانت تتناقلها الصحافة حينها بدون أن يستنكر أحد أو يستهجن.

لكن الغل والحقد لن يغطي على تألق وبهاء ما قدمته قطر للعالم أجمع وللعرب خصوصًا، وما خلقته من تغيير في النظر إلى الشرق وآسيا عمومًا، وللعرب خصوصًا. أعتقد أن مونديال قطر سيكون مفصليًا في الرياضة والفكر والاقتصاد والسياسة، وهذا أمر رائع.

أحمد عايد (يمين) وبطرس المعرّي


أحمد عايد (شاعر/ مصر):

مفخرة للعرب

حقيقةً لا أتابع كامل المباريات في بداية المونديال. أكتفي بمشاهدة الملخصات والأهداف فقط. تبدأ المتابعة الكاملة من دور الثمانية فلا أفوت مباراة، ويكون هذا في المقاهي ومع الأصدقاء. الجماهير متعة مشاهدة كرة القدم.

علّمني أبي ألا أشجع فريقًا بعينه، وكان يقول لي: لماذا علينا أن نقتصر في المتعة على فريق واحد، بينما نستطيع الاستمتاع بكل الفرق!

كرة القدم لعبة غير متوقعة دائمًا... لكن هناك هاجس يخص إسبانيا.

في سِنّ الإعدادي كنت ألعب حارس مرمى في نادي السويس، ولم أستمر بسبب الدراسة... وفي الثلاثين بدأت ممارسة الركض.

الرياضة نافذة سلام ومحبة، فيما لو تفهّمَت الدول أن السلام أكثر فائدة من الحروب. ويمكن تحويل كرة القدم أيضًا لمعارك دموية. المهم نفسية الدول وثقافتها.

فوز قطر بالرهان، كأول دولة عربية تنظم بطولة كأس العالم، أرى هذا مفخرة للعرب. هذا تنظيم فخم لم يُسبق إليه. وليجعل هذا الدول العربية جميعًا تأخذ خطوات جادة لتحظى بمثل هذا التنظيم المشرف.

بطرس المعرّي (كاتب وفنان تشكيلي سوري/ ألمانيا):

التعرف على ثقافة مجتمع عربي

أتابع المونديال من منزلي، التلفزيون الألماني نقل حتى الآن أغلب المباريات… مباريات الدور الأول على أهميتها لا تثير اهتمامي كلها… أترك التلفاز وأتابع صوت المذيع إن تحمّس قليلًا أركض لمشاهدة ما حدث أو يحدث.

أشجع المنتخب الألماني منذ كأس أوروبا 1980، وتمنيت لو يحصل على الكأس الخامسة، لكن بدايته في مونديال قطر كانت غير مبشرة أبدًا، ثم إنه لم يحافظ على الفوز أمام منتخب مثل المنتخب الياباني الذي، في اعتقادي، لا يملك الخبرة الكروية الكبيرة في مثل هذه المنافسات.

الفريق الفرنسي قوي، توقعت فوزه بالكأس. طبعًا المفاجآت حاضرة في مونديال قطر، ولا يمكن لتوقعاتنا أن تصيب بفوز هذا الفريق أو ذاك.

كرة القدم لعِبتها مثل أي ولد في الحي، في المدرسة. سجلت ذات مرة في نادٍ ولم أتابع. ألعب تنس الطاولة، أمارسها بشكل غير منتظم. صرت أتابع المونديالات وبخاصة المنتخبات التي أحبها. وأذكر أنني عندما كنت في البكالوريا وبعد الجامعة، راسلت صحفا رياضية، وقتها أرسلت لهم رسوم كاريكاتور، وكتبت مقالات قصيرة. كنت من عشاق مجلة "الصقر"، تابعتها كثيرًا، ثم تابعت "الموقف" الرياضي، أرسلت لهم رسوما كاريكاتورية لفترة، وبعدها قلّ اهتمامي لحساب اهتمامات الشغل والدراسة.

بالتأكيد، يفترض أن تكون التجمعات الرياضية ومنافساتها نوعا من اللقاء السلمي المبني على المنافسة الرياضية الشريفة والخالصة بدون أي خلفية مسبقة.

في الملعب، لا أظن أن اللاعبين يكون عندهم همّ غير همّ الخصم كيف يربحوه، ولكن الذي يصير هو أن الجماهير هي التي تقلب المنافسات بين اللاعبين الرياضيين إلى منافسات أخرى. 

الجميل في المونديالات الرياضية هو أن وفود الدول وجماهير المنتخبات المتنافسة تتعرف على ثقافات أخرى ومجتمعات أخرى، وبشكل أكبر على الناس في البلد المضيف: عاداتهم، أكلهم، لبسهم، ولا شك في أن من يحضر مونديال قطر سيقوم بنقل ثقافة القطريين والخليجيين عمومًا لأصدقائه ومتابعيه في بلده، فالناس صارت تهتم بالتعرف على قطر، ثقافتها، مساحتها، ملاعبها ومنشآتها الرياضية، أسواقها، وكل هذا يسهم في مزيد من التعارف والتواصل، وعندما يتعرف شخص على آخر يقرب منه أكثر.

متابعتي لمونديال قطر 2022، تُذكِّرني بالجو الذي كنت أعيشه في تلك الأيام، التحديات والمنافسات التي كانت تصير، وحالة الانبساط في حالة فوز المنتخب الذي تحبه والحزن إذا خسر. وكم هو مؤسف "التسليع" الذي أُدخل في السنوات الأخيرة إلى كل الرياضات وخصوصًا كرة القدم بسبب شعبيتها. كنا نحضر المباريات مجانًا، لكن الآن لكي تستمتع بمتابعة كرة القدم مطلوب منك أن تشترك أو تستخدم (بروكسي).

من يتابع السياسة وأخبارها في العشرين سنة الأخيرة، يلحظ تزايدًا في نفوذ قطر بشكل عام ومحاولتها أن تكون دولة فاعلة ولها وزنها على الصعيد السياسي، وهنالك اهتمام أيضًا بأمور أخرى مثل الرياضة. تنظيم حدث عالمي كبير كهذا هو فعلًا رهان كبير فازت به قطر عن جدارة.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.