}

حصاد 2022: في مظاهر "عودة الثقافة" بعد "الخمول الكوفيدي"

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 5 يناير 2023
هنا/الآن حصاد 2022: في مظاهر "عودة الثقافة" بعد "الخمول الكوفيدي"
(Getty Images)

 

بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالعالم جراء الحروب والصراعات لا يزال للثقافة ذلك الحيّز البارز والحميم في حياتنا حيثُ أقيمت وعلى مدار العام المنصرم العديد من الأنشطة والفعاليّات الرسميّة أو الأهليّة من معارض فنّية ومهرجانات أدبيّة إلى معارض الكتب، عدا عن الكم اللافت من الكتب والتي جاءت متنوعةً من حيثُ العناوين والاهتمامات. حول أبرز الكتب التي صدرت خلال عام 2022، وكذلك أبرز الفعاليات الثقافية، يتحدث لنا عدد من الكتّاب العرب من خلال التقرير التالي. هنا الجزء الأول:

فادي سعد (شاعر من سورية): عام تأكيد العلاقة بين السياسة والفنّ

بعد سنتين من الخمول الذي تسبب به كوفيد 19، يمكن اعتبار 2022 عام عودة الثقافة. إنه عام موسوم بطفرة (كانت مؤجلة) في التعبير الثقافي عالميًا، فكان مزدحمًا نسبيًا بعودة الفعاليات الثقافية العربية والعالمية من مهرجانات ومعارض ولقاءات واستعراضات فنية.

مع ذلك، ضمن الزحام، يمكن استخلاص سمتَيْن خاصتين بملامح 2022. الأولى هي تأكيد العلاقة بين السياسة والفنّ. تضاريس العالم الثقافي الفنّي في 2022 نحتتها الجغرافيا والسياسة بطريقة لن يكون من الممكن محوها في المستقبل.

في بداية العام، استخدم الفنان الصيني باديوكاو مشهديات لوحاته الفنية للاحتجاج على سجلّ الحكومة الصينية في مجال حقوق الإنسان وعلى قرار إقامة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. عُرضت اللوحات في العديد من المدن العالمية.

في بداية العام أيضًا، اجتاحتْ روسيا أوكرانيا عسكريًا. الصراع لم ينحصر بين جيشين عسكريين، بل تحوّل أيضًا إلى حرب ثقافية فنيّة عالمية. النشاط الأدبي والفنّي في روسيا تجمّد تمامًا بعدما انسحب فنانو العالم من المشاركة في أي نشاط ثقافي على أرض روسيا. أُغلقتْ العديد من المتاحف الروسية بعد استقالة العديد من إدارييها.

في شهر أيلول/ سبتمبر، توفيت الشابة الكردية الإيرانية همسا أميني (22 عامًا) في أحد مستشفيات طهران بعد اعتقالها وضربها من قبل ما يُسمّى بـ"شرطة الإرشاد (أو الأخلاق)" لمخالفتها، حسب السلطات، الزيّ القسري للجمهورية في ما يخصّ الحجاب. اندلعتْ الاحتجاجات في أنحاء إيران، وامتدتْ هذه الاحتجاجات إلى المشهد الفنّي الدولي الذي عبّر عن تعاطفه مع النساء الإيرانيات. الفنانة الإيرانية شيرين نشاط نشرتْ فيديو لعرضٍ في متحف "جوجنهايم" الشهير في نيويورك، أقامته مجموعة تسمّي نفسها "مجموعة الفنانين المجهولين لإيران"، يتضمن العرض 12 لافتة حمراء مع صور أميني وشعار "المرأة، الحياة، الحرية"، في كلمات تمثّل أوضح تجليّات تلاقي الفنّ مع الجغرافيا والسياسة.

وهذا العام، كان لناشطي البيئة ظهورهم السياسي– الفنّي الأبرز (حسب ما أذكر)، حيث هوجمتْ من قبلهم العديد من الأعمال الفنية في متاحف عالمية كبيرة بسوائل وخلطات غذائية للفتِ الانتباه إلى ظاهرة الاحتباس الحراري. لا الموناليزا، ولا كلود مونيه اُستثنيا من الهجوم الغذائي اللزج.

السمة الثانية التي يجب ذكرها بخصوص 2022، هي غزو الذكاء الاصطناعي للحيّز الفنّي بطريقة غير مسبوقة، إلى درجة يمكن تسميتها بالانعطافة. يحتاج الموضوع إلى وقفة خاصة، فقد بتنا أمام ذكاء اصطناعي ينتج الفنّ، ويغيّر معنى الإبداع وهوية الفنان وشكل الثقافة. مثلًا، هذه السنة، أقامت الفنّانة الروبوت آيدا (المولودة في مختبرات جامعة أكسفورد) عدّة معارض للوحاتها الفنيّة في كل من شهور نيسان/ أبريل وأيار/ مايو وحزيران/ يونيو.

يبقى الحدث الأهم برأيي في 2022، هو رؤية الصور الأولى لتلسكوب "جيمس ويب" في شهر تموز/ يوليو، الصور التي تُرينا ما لم نره سابقًا من تاريخ الكون. قد يبدو الحدث علميًا صرفًا، لكني أراه ثقافيًا بالدرجة الأولى، لا بل لحظة فارقة في تاريخ البشرية الثقافي.

من حصيلة قراءاتي من الكتب لعام 2022، سأذكر فقط تلك التي تركتْ أثرًا والتي أنصح بقراءتها. في مجال الفلسفة والعلوم، "الفطرة: كيف تُحدّد بنية دماغنا هويتَنا" لكيفن ميتشيل، "التاريخ العميق لأنفسنا: قصّة أربعة مليارات عام لكيفية حصولنا على أدمغة واعية" لجوزيف ليدوكس، "التسامي: كيف تطوّر الإنسان من خلال النار واللغة والجمال والزمن" لجايا فينس. في مجال السيرة الذاتية، "الرقص مع المستر دي (الموت)" للكاتب والطبيب الهولندي بيرت كيزر. من الروايات العالمية، "الشرطي الثالث" لبراين أونولان (أعتبرُها رواية مؤسسة)، "بحر الهدوء" لإيميلي سان جون ماندل. أجمل ما قرأتُ عربيًا هذا العام رواية قديمة نسبيًا قصّرتُ في قراءتها سابقًا "ساق البامبو" لسعود السنعوسي (من أهم الروايات العربية برأيي)، "الاشتياق إلى الجارة" للحبيب السالمي، ومجموعة قصصية جميلة جدًا صدرت في 2022 بعنوان "مسيح القمر الأزرق" للكاتب التونسي أشرف القرقني.

فادي سعد وعبد الجواد الخنيفي  


عبد الجواد الخنيفي
(كاتب وإعلامي من المغرب): الترجمة والكتب ومونديال قطر

وأنا أقطع الشوارع الواسعة لعام 2022 الذي كان مليئًا بالأحداث والأفكار والانتظارات لأعبر إلى محطات أخرى من عام 2023، أقف على عديد المسارات التي شكّلت حيزًا من تقاطعات أيّامنا واكتسبت مساحات لامعة في وجداننا مشحونة بالوقائع وممتدّة في رحم الفصول... في الزّمن وفي التجربة وفي الحياة.

لقد مرّ عام 2022 في ذاكرتي بأبواب وعناوين وبدوائر ضوء وينابيع، حيث الكلّ يسعى في المهبّ الحضاري، متطلّعًا إلى سنة كانت تجسّد جانبًا إبداعيًا خصبًا يغني المخيّلة الإبداعية ويفتحها على اتّساع الأفق ونوافذ الجمال وعلى جوهر الكائن ومعناه وعلى تعدّد القراءات، ومن تلك الذّخائر العودة مجدّدًا إلى كتاب التجلّيات والأسفار الثلاث للأديب الفذّ جمال الغيطاني، هذا الكتاب الهائل في بنيته وعوالمه والمنفتح على أسرار الحياة. كما أقمت في عبوري المتواصل داخل بنيات النصوص بين مختارات من قصائد إزرا باوند بترجمة متقنة من المغربي حسن حلمي كان قد أهداها لي مشكورًا ذات لقاء، إذ أتاح لي تتبع تجربة شعرية غنية تستوعب مصادر حضارية متنوعة وتواكب النثرية والغنائية صوب ملحمية الأناشيد.

ودائمًا في مواكبتي لنبض الكتابات المهتمة بالرّواية العربية المعاصرة درسًا وتحليلًا، كانت بجانبي الأديبة والناقدة القديرة يمنى العيد بكتابها: "الرّاوي: الموقع والشكل"، وهي تستعيد عديد البحوث في السّرود الروائية وما تنقله حولها من آراء مدهشة ومن تحليلات عميقة ومن مطارحات ونظرات وإصغاء يكثّف من إبداعيتها.

ولا أخفي استمتاعي بكتاب الشاعر والروائي عبد اللطيف اللعبي الموسوم بـ: "القراءة العاشقة" وهو سلسلة من الحوارات الغنية التي ينصهر فيها الخيال بالتجربة وبدروب الكتابة والحياة والمواقف والناس والكثير من وقائع الحياة.

كما تابعت قراءة كتاب: "ميراث سرفانتس اللانهائي... مختارات من القصة القصيرة العالمية" بترجمة مصقولة من الشاعر والمترجم الصديق خالد الريسوني، حيث ملامح اليوميّ والغرائبي والعجائبي وأغوار الذّات الإنسانية وخفايا الحياة.

وفي إطلالة أخرى تنطوي على ميدان الكتابة في مخزونها المعرفي المتطلّع والمكثّف، طالعت كتاب: "دروس في الأخلاق" لأمبرتو إيكو، ترجمة سعيد بنكراد. ويضمّ الكتاب مقالات كتبها إيكو وتتناول سلسلة من القضايا الخاصة بالوجود الإنساني، منها الأخلاق والعلمانية والتديّن والثقافة والمثقف والعلاقة مع الآخر وغيرها من الموضوعات ذات الطابع القيمي العام.

ويمكن اعتبار أن 2022 كان عام انطلاقة جديدة لحركية المجال الثقافي والفني بعد سنوات عجاف مع فيروس كورونا، إذ تجلّت في عودة المعرض الدولي للكتاب والنشر في دورته الـ27 وهذه السنة بمدينة الرباط التي صارت عاصمة للثقافة الأفريقية، بالإضافة إلى عودة مهرجان مراكش الدولي للفيلم في دورته الـ19، فضلًا عن المهرجان الوطني للفيلم بمدينة طنجة وموسم أصيلة الثقافي الدولي. وكذا تنظيم معرض تكريمي للشاعر محمد الطوبي من قبل مؤسسة أرشيف المغرب بشراكة مع جمعية أصدقاء الشاعر والعديد من المعارض التشكيلية والفوتوغرافية بمدن: تطوان وشفشاون وفاس وطنجة.

وكان لرحيل بعض الأسماء البارزة في عالم الثقافة والفن، بالغ الأثر في نفوس الجميع رغم أنّ شموسهم باقية السّطوع: إدريس الخوري، بهاء طاهر، عبد العزيز المقالح، صلاح فضل، هشام سليم، مظفر النواب، نور الدين بكر.

وتوّج هذه السنة بيت الشعر في المغرب، الشاعر الايطالي الكبير جوزيبي كونتي بجائزة الأركانة الدولية للشعر لعام 2022 في نسختها الـ 16، تقديرًا للحوار الثقافي الذي تنسجه قصيدته شعريًا ولما يكشف عنه هذا الحوار من بعد إنساني مضيء.

وشدّ حدث كأس العالم أنظار العالم صوب قطر العربية، بعدما صارت محجًّا كونيًا استقطب ملايين المتتبّعين من مختلف الجنسيات والأعمار. وكم أسعدنا فريق الأسود المغربي بقتاليته وصموده وتكتيكاته وهو يخوض مبارياته بين عمالقة الكرة العالمية ويزرع في لحظات كثيفة وزاخرة، الفرحة في قلوب كلّ العرب ويتطلّع للأبعد.

عامر الطيّب ووداد سلوم  


عامر الطيّب (شاعر من العراق): الكتب مثل البشر...

حياتي موسومةٌ حقًا بعدم الرضى ولعلَّ مأساويتي عائدة إلى أنني أتأثر بما هو سلبي أشدُّ مما أتأثر بما هو إيجابي وذلك لا ينبع من التبرم إنما من الفضول والبحث عن الأفضل والأجدى، أنا غير راضٍ عما قرأته لأن بوسعي أن أقرأ أكثر أو أن أقرأ كتبًا مغايرة، لا يحق لي نكران أن كتبًا عديدة وددت لو لم أكن قرأتها، صحيح أن كل كتاب يفيدك قيد أنملة إلا أن ما يفترض بالنسبة لي هو أن يفكر المرء أكثر من أربع مرات قبل الإقدام على قراءة كتاب في عالم بدا الكثير فيه يتحدث عن صناعة الكتب وصناعة المؤلفين.

يبدو لي سؤالك صحافيًا بحتًا يحتم علي أن أذكر عددًا من الكتب التي أعجبتني، حسنًا أقرأ كل سنة باستمرار لكني لا أود أن أحول الأمر إلى ماراثون وقوائم قراءة فحسب، القراءة تتجاوز الكلمات التي نتتبعها بأبصارنا، تتعدى الجانب السطحي مما يقال، أقرأ تعني أنني أدافع عن خصوصيتي حقًا وأحيانًا أجد من اللازم ألا أتحدث عن كتبٍ ما لئلا يخيل للجميع أنني أتحدث عن عشيقات، بالفعل هذه هي علاقتي بما أقرأه ويحوز إعجابي، لا يفتنني شيء كغلاف كتاب مرحّب بعنوانه وعلى سبيل التلويح أحببتُ رواية "الشاعر وجامع الهوامش" للأديب السوري فواز حداد وكتاب "الله والدماغ" لجميس كلارك وأكثر من كتاب للكاتب اللبناني حازم صاغية وكذلك للكاتب اللبناني علي حرب وهناك أيضًا "مغامرات لغوية" لعبد الحق فاضل وهو كتاب يعيد النظر باللغة العربية وجذورها وهناك كتب أخرى كثيرة على مدار السنة لا أتذكرها فالكتب مثل البشر، أقول ذلك لتعلم أن العديد من البشر الأفذاذ تُنسى ظلالهم، يا للأسى أن كتبًا رصينة غادرتها مستمتعًا ونسيت الآن الإشارة إليها.

بالنسبة للشق الثاني من السؤال فأنا وحيد ومنعزل على نحو بغيض ولا أجد أي فائدة جوهرية من أي فعالية عربية، فكل شيء هنا يصمم بشكل مثالي وينفذ بنحوٍ مغلوط، لعلني أبالغ قليلًا لكن هذا ما أراه من نافذة غرفتي، أنا لا أمتلك أي شعور مغاير تجاه أي فعالية بحق.

وداد سلوم (كاتبة من سورية): دلالة فوز آني إرنو بجائزة نوبل

تميز عام 2022 بكثير من الأحداث والمفاجآت الهامة؛ فعلى مستوى الكشف العلمي قدم المسبار الفضائي جيمس ويب صورا مهمة (لعل أجملها ما سمي بأعمدة الخلق) حسنت المعلومات والتصوّر البشري للكون وأعطت الإنسان أملًا ودافعًا للبحث وفهم الكون المترامي الأطراف.

أما على مستوى الأدب فكانت المفاجأة الأولى ذهاب جائزة نوبل العالمية إلى آني إرنو الفرنسية ذات الثمانين عامًا ونيف وهي التي تميزت بأدب السيرة الذاتية أو التخييل الذاتي، ما يتماشى مع الاهتمام المعاصر بهذا النوع من الأدب، إذ قدمت في رواياتها القصيرة قضايا عصرية ملحة عبر قصص من سيرتها.

أما عن مفاجأة البوكر العربية فكانت الرواية الأولى للكاتب الليبي محمد النعاس "خبز على طاولة الخال ميلاد" وتكمن أهميتها في كونها تعكس واقع المجتمع الليبي قبل وبعد الثورة والأحداث التي أثرت في الكاتب الشاب حيث كتب روايته في ستة أشهر تحت القصف. وكانت الرواية قد تنافست مع رواية طارق أمام المصري والتي نالت شهرة جماهيرية توازي وتنافس الجائزة الرسمية مع ما أثارته من لغط التناص مع أعمال عالمية.

كما عادت إلى الصدارة قضية ضمان حرية الإبداع للكاتب بعد محاولة قتل الكاتب الباكستاني سلمان رشدي إذ تعرض إلى الطعن أثناء حضوره ندوة جماهيرية ونجا بأعجوبة لكن هذه الحادثة أعادت الاهتمام الشعبي والعالمي إلى مراجعة رواياته وقد جعلته الحادثة من أبرز المرشحين لنوبل هذا العام. أما على الصعيد المحلي فقد لفت الانتباه هذا العام وصول الرواية السورية إلى قوائم الجوائز إذ وصلت عدة روايات سورية إلى قائمة البوكر العربية الطويلة ولعل أبرزها رواية "المئذنة البيضاء" ليعرب العيسى الصحافي والروائي السوري، كما نالت رواية الشاعر والروائي السوري المغيرة الهويدي بجائزة غسان كنفاني. لكننا في هذا العام وعلى الطرف المقابل فقدنا الكثير من المبدعين أبرزهم عادل محمود، الشاعر والروائي السوري، والذي كان قد فاز بجائزة دبي الثقافية لعام 2007 عن روايته "إلى الأبد ويوم" كما فاز فيلم "الطريق" الذي كتب السيناريو له في مهرجان قرطاج بجائزة الجمهور وللأسف لم يعلم بهذا الفوز إذ كان قد دخل في غيبوبة إلى أن وافته المنية. وخيري الذهبي الذي توفي في فرنسا وفي سيرته إنجاز كبير من الروايات. والشاعر الكردي السوري محمد عفيف الحسيني صاحب "تحدث معي قليلًا أيها الغريب" والذي صدر هذا العام في مصر، وغادر محمد عالمنا في آب الماضي وهو المقيم في السويد. كما رحل هذا العام الموسيقي السوري المعروف حسام الدين البريمو. ورحل الناقد الأدبي والأكاديمي صلاح فضل وهو رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة ويعتبر آخر الآباء المؤسسين في الثقافة العربية كما ذكر في وسائل التواصل الاجتماعي.

حفل هذا العام بمعارض الكتب على المستوى العربي والإصدارات المميزة التي نذكر منها رواية أليف شفق التركية "غابة الأشجار المفقودة" ورواية أورهان باموق "ليالي الطاعون" التي أحدثت ضجة في تركيا. كما صدرت لهاروكي موراكامي رواية "ما أتحدث عنه حين أتحدث عن الجري" ورواية "اللوحة المحجوبة" للروائي والناقد اللبناني شربل داغر والذي كان قد صدر له في الشعر "أيتها القصيدة جديني فيك" وفي اللغة "صنعة العربية من التنزيل إلى التأليف"، وصدرت للكاتب السوري خليل النعيمي رواية "زهر القطن" وللروائية السورية نجاة عبد الصمد رواية "خيط البندول" وللكاتب التونسي سفيان رجب  رواية "اليوم الجمعة وغدا الخميس" والقائمة تطول، إضافة إلى عدد من الدراسات والكتب النقدية في الفن والأدب إذ طالعنا في صفحة الروائي والشاعر باسم سليمان خبر صدور كتابه  بعنوان "الحب عزاؤنا الأخير" وهو كتاب مجموع مقالات لباسم الذي نتابع إنتاجه الصحافي والشعر والروائي بشغف لتميزه الدائم.

أما في الترجمة فكانت هناك أعمال كثيرة سواء روائية أو شعرية أو نقدية؛ ولعل أبرز العناوين التي تلفت الانتباه كتاب "في العزلة والأدب وجماليات الصمت" من ترجمة وتعليق الدكتور خالد الحسين.

 وفي النهاية لا بد من أن نتذكر مونديال كأس العالم لكرة القدم في قطر والذي انتهى منذ مدة وجيزة وقد شكل محطة عالمية لا يمكن تجاوزها لما غيرت وستغير وجهة نظر العالم بالعالم العربي سواء في تنظيم المونديال والحضارة في التنظيم والأسلوب رغم كل ما أشيع عنه، كما أن وصول الفريق المغربي إلى التصفيات ربع النهائية أشعل العالم العربي حماسة ليفاجئ العالم كله.

أحمد طوسون  ومحمد عبيد الله 


د. محمد عبيد الله (كاتب من الأردن): إربد مدينة للثقافة العربية

يرحل عام 2022 كما رحلت أعوام كثيرة سبقته، ومن منظور شخصي لا شيء مميزًا في العام الراحل، يبدو امتدادا للأعوام المريضة التي سبقته، واصلت فيه أعمالي المعتادة في العمل وتدريس اللغة والأدب العربي، وواصلت فيه بعض البحوث وأعمال الكتابة، وشاركت في لقاءات ثقافية هنا وهناك.

على المستوى المحلي (الأردني) اختيرت مدينة إربد (شمال الأردن) مدينة للثقافة العربية لعام 2022، وجرى استذكار شاعر أردني راحل معروف هو (مصطفى وهبي التل). معظم الفعاليات الثقافية كانت "كرنفالية" أو احتفالية، ولم تستثمر المناسبة بشكل جيد وفق آراء كثير من المهتمين والمتابعين، ولكنها احتفالية والسلام.

أكثر ما ابتهجت به ما أتيح لي من قراءات حرة، خارج المنهج بقصد متعة القراءة أولًا، من مثل مؤلفات: عبد الفتاح كيليطو، خليل صويلح، يسري مقدم، زكريا محمد، إبراهيم نصر الله، إنعام كجه جي، سعيد الغانمي، نادر كاظم، واسيني الأعرج، محمود شقير، لؤي حمزة عباس، ضياء جبيلي، نبيل سليمان، عمر العامري، سيد محمود وأسماء أخرى كثيرة.

لا يمر عام دون أحزان ودون رحيل مثقفين نقدّرهم، عام 2022 شهد رحيل أعلام ألفنا وجودهم وحضورهم في حياتنا من مثل الراحلين: جابر عصفور، صلاح فضل، عبد العزيز المقالح، بهاء طاهر، سامي فريد، إبراهيم العجلوني، حسب الشيخ جعفر، مظفر النواب... وغيرهم.

من الأحداث الثقافية عودة معارض الكتب بعد انجلاء أزمة وباء (كورونا) ومنها معرض عمّان للكتاب الذي أقيم في أيلول/ سبتمبر 2022. وكان فرصة ثمينة للاتصال مجددًا بالكتب.

أما مونديال كأس العالم 2022 في الدوحة/ قطر، فقد كان حدثًا غير مسبوق في المنطقة العربية، اختلطت فيه الرياضة بالسياسة والثقافة وبرزت في التفاعل معه نزعات متشعبة، بل يمكن القول إنه كان اختبارًا للوعي العالمي ولبقايا النزعات العنصرية وإقصاء الهويات.

في الشأن الفلسطيني استمر الاحتلال في جرائمه، القتل والأسر والاعتداء بلا حدود، في ظل سلطة ضعيفة وهزيلة، وأفق إقليمي وعالمي متخاذل ومتواطئ. استشهدت الإعلامية المعروفة شيرين أبو عاقلة، إلى جانب قافلة من الشهداء، والجرحى والأسرى. وهو ما يدفع المرء مع نهاية العام أن يتساءل إن كان لهذا الإجرام من نهاية، وهل سيأتي عام يعيش فيه الفلسطيني معيشة طبيعية دون احتلال!

أحمد طوسون (قاص وروائي مصري): كأس العالم 2022

أعتقد أن عام 2022 لا يختلف كثيرًا عن السنوات الأخيرة التي تتصدر واجهتها الأزمات لتصبح بطلة المشهد، فما كادت تهدأ جائحة كورونا حتى أطلت علينا الحرب الروسية- الأوكرانية بوجهها القبيح وتداعياتها وتأثيراتها السلبية على اقتصاديات الدول وعلى أسعار الورق والكتب كانعكاس في المجال الثقافي.

صوت الثقافة خافت ولا يكاد يسمعه أحد في المشهد العالمي والعربي ولا أحد يرى موقفًا ثقافيًا واضحًا من الصراعات الدولية والإقليمية التي تقودنا إلى الجحيم.

لا شك في أن تروس المطابع تدور كل يوم لإصدار عشرات بل ومئات الإصدارات والكتب الجديدة، لكن أهم حدث ثقافي في 2022 كان في نظري إصدار نسخة كأس العالم 2022 التي نظمتها قطر فهي الحدث الأكثر تأثيرًا ثقافيًا وليس رياضيًا فقط، فقد نجحت أن تقدم صورة مغايرة للعالم العربي والخليجي بوجه خاص عن الصورة النمطية للعربي، كما حرصت على إظهار الهوية العربية والإسلامية في حفل افتتاح البطولة، وربما نجحت فيما فشلت فيه الثقافة والفنون بأنواعها، لأنها تواكبت مع معايشة للجماهير من شتى الثقافات، وأعتقد أنها ساهمت في تغيير النظرة المتوهمة عن الثقافة الشرقية والعربية منها على وجه الخصوص، وكالعادة شهد العام المنصرم الغياب العربي المتعمد عن جائزة نوبل للأدب منذ أن منحت جائزتها لعميد الرواية العربية نجيب محفوظ في عام 1988.

كثير من الفعاليات الثقافية والفنية خطفت فيها الرياض الأنظار بموسم الرياض الفني في احتفال مهرجاني، لكن يظل الحرص على تأصيل الهوية العربية والإسلامية في الفعاليات الثقافية والأدبية بشكل أوضح في مدن وعواصم كالقاهرة والشارقة وتونس والرياض ومسقط وعمان وبغداد والكويت والجزائر والدار البيضاء وجدة وأبو ظبي والدوحة وغيرها، من خلال معارض الكتب السنوية والمؤتمرات والندوات والجوائز الأدبية الكبرى التي باتت الملمح الأبرز في الثقافة العربية بلحظتنا الراهنة. ويمكننا اختصار المشهد في ازدحام كبير لكن لا أثر نستطيع أن نراه بوضوح.

ورد خبية وكامل فرحان صالح  


ورد خبية (كاتب سوري مقيم في كندا): مقياس القراءة الجيدة

لطالما كنتُ أقيس مقدار أهمية أي سنة، بمقدار الكتب الجيدة التي أتيح لي قراءتها، فتكون القراءة الجيدة بمنزلة هدية تكافئ بها نفسك في خضم الحياة، ورصيد يضاف إلى حساب الإنجازات. أما عن هذا العام فكان عام انشغال بالكثير من الأمور الحياتية، وهذا ما قلل منسوب القراءة عددًا، لكن رافق هذا العدد القليل ارتفاع ملحوظ بالقيمة على أصعدة عدّة، إذ خرجت بقراءات أعتقد أنها القراءات الأهم، أو هي من ضمن الأهم فيما قرأته حتى اللحظة، ومن حُسن حظي أنني أذيلُ سنواتي بهذه الجملة سنة بعد سنة وأعتقد أنه معيار جيد يمكن العودة إليه في الحكم. وهنا سأفرد أبرز اكتشافات هذا العام.

- الضفة المظلمة: رواية للكاتب خوسه ماريّا ميرينو قرأتها بحُلتها الجديدة الصادرة عن داري سرد وممدوح عدوان وبترجمة عذبة وجميلة للمترجم علي إبراهيم أشقر. ورغم أن هذه الرواية لم تنل نصيبها من الشهرة أو الصدى في الوسط الثقافي العربي، إلا أنها رواية أصيلة، ويُمكننا إن أردنا أن نختصر ما فيها من سحر بهذه الكلمة: الأصالة. عوالمها سحرية دون سحر واقعي، تضفي على المعنى مجازه اللازم، والمواقف تشبع بضبابيتها المحُبّبة كما شخصياتها أيضًا، رواية تلعب بالقارئ وتعطيه حالة خاصة جدًا إذا ترك لنفسه حرية الشعور دون المطالبة بالمعرفة والإدراك.

- أرض الكلام: لطالما هربت إلى قراءة عمل لممدوح عزام عند افتقادي للمعنى، ونزعتُ لمطالعة إنسان يدركُ تمامًا –أحيانًا أكثر مما يلزم- ما أود سماعه حالًا. في رواية أرض الكلام ينتصر ممدوح عزام كعادته للإنسان، وترى نفسك أمام سبر حقيقي لأغوار النفس البشرية دون أن تشعر عندما ترد لذهنك هذه العبارة بأنها عبارة قد استُهلكت وفقدت معناها الحقيقي من كثرة التكرار في كل مكان وزمان وغالبًا دون لازمة حقيقية. بجملة افتتاحية ذات معنى دفين، قد يتأتى للقارئ بكثير من التفحّص الوصول إلى دلالاتها وعمق اتصالها بكل ما يحدث في الرواية، يصف ممدوح عزام أهل السماقيات الذين هم "مجانين! جوعانين وبدهن مكتبة"، ورغم أن الشخوص كثيرو العدد، غير أن القارئ يستطيع أن يؤمّن لنفسه تواصلًا خاصًا مع كل شخصية منهم، ويصبح هذا التواصل مسببًا لأسى، بعد أن تنتهي الرواية، وتبقى شخصياتها الحساسة رافضةً أن تغادر قلب القارئ وأحاسيسه. (الرواية صادرة عن داري سرد وممدوح عدوان).

- قصائد عارية: الكلمة سيفٌ كانت دائمًا مسلّطة بشكل تلقائيّ على رقاب من يهابونها، يضعون أنفسهم مقارعين لها وذلك لأغراض الدفاع الشخصي إذ قد تكون لهذه الكلمة قوة الكشف؛ القوة التي تحطّم زيف صاحبها وتعريه أمام حقيقة ذاك الكذب، لذا هي قصائد عارية، عارية من زيفها على الأقل، وقد كتبها حسين مردان الشاعر العراقي وحوكم إثرها، قصائد ذات لغة عالية جدًا تناولت الجسد والجنسانية والحب، وهاجمت بشراسة - دون أن تدري- قلاع العفّة المدّعاة وحرّاسها. (دار الجديد، بيروت).

- سن الأسد: مجموعة قصصية على قدر المأساة. يكتب الألماني فولفغانغ بورشرت مجموعته القصصية هذه مستخدمًا عدة تقنيات فنية، ويستشعر القارئ ذلك بقصد أو بغير قصد، إذ يستعين الكاتب بالكثير من تجربته الشخصية باعتباره ناجيًا من حرب ليكتب عما يمكن لها أن تقتلع من أصل الإنسان وشعوره. القصة الأكثر تأثيرًا فيّ كانت عن زهرة "سن الأسد"، التي كانت بارق الأمل الوحيد لسجينٍ، يدور ضمن حلقات في ساحات السجن وراء سجين آخر، هو بدوره يمشي وراء آخر... وآخر... وآخر. ويُصبح لهذا السجين في هذا التكرار اليومي تحديدًا، شكل واسم وصوت دون أن يعبّر عن كل هذا. بعذوبة وإحساس عالٍ يصوّر لنا بورشرت ما يمكن أن ينتج عن هوامات حبيسٍ وناجٍ وشاعر. (صادرة عن داري سرد وممدوح عدوان).


كامل فرحان صالح (شاعر وأستاذ جامعي من لبنان): دخلنا في نفق لا نور في آخره حتى اللحظة

تبدو الإجابة عن هذا السؤال، في لبنان تحديدًا، نوعًا من أنواع الرفاهية، كون الانهيار الذي بدأنا نعيشه منذ سنوات، وتحديدًا هذه السنة، غير مسبوق في تاريخنا الماضي والحديث. وبالتالي أي تفكير خارج الهم المعيشي والحياتي بدا هذه السنة، كحالة حلم في واقع ينهار تحت قدميك.

فلتتخيل أن تفقد أكثر من 95 في المئة من قيمة عملتك الوطنية، ولتتخيل أنك بعد أن كنت تُعدّ من الطبقة الوسطى الميسورة نسبيًّا، أصبحت تعيش بالستر والمساعدات من هنا وهناك! لعل التساؤل الذي يطرحه كل لبناني (إلى أي شريحة انتمى) هو: ماذا ينتظرنا بعد في الأيام المقبلة، أو في السنة المقبلة؟ لا أعرف إن كنت سأعيش لأقرأ هذا الكلام، في اليوم نفسه بعد عام أو عامين أو أكثر.

صدقًا، لست في وارد الجلوس مقام العرافين، والتمعن في مشهدية الآتي من الأيام. فباختصار، وعلى المستوى الشخصي، بت عاجزًا عن حمل المزيد من الوقت المر، ومن انهيارات ومشاحنات وجدال وأحقاد لبنانية لا تنتهي. بتّ كغيري من المواطنين العاديين، عاجزين عن الحياة كالحياة التي مررنا ونمرّ بها في هذا البلد اللبنان. قد لا أبالغ إذا قلت إن حالنا كحال المثل: "ماذا سأذكر منك يا سفرجلة، كل عضّة بغصّة!". وها نحن نخرج من غصة لندخل في غصة. عمر من الغصّات.

مهما يكن، أنا كامل صالح الذي أعدّ نفسي مثقفًا وكاتبًا وأستاذًا جامعيًّا وأبًا لعائلة... لا أطلب شيئًا، ولم أعد أحلم بشيء، سوى بأن أقضي ما تبقى لي من وقت، بهدوء، وبأن لا أفجع بمزيد من فقدان الأحبة، وبأن يسامحني من أخطأت في حقّه من دون أقصد. قد تكون أيامنا المقبلة، أشدّ عتمة مما سبق، لأنه إذا لم نقتنع بأن الخلاص لن يكون إلا بقبع كل هذه المنظومة الفاسدة ومحاسبتها، فلا نظنّ أن شيئًا سيتغير، بل على العكس، سنجد أنفسنا في جهنم تتسع وتكبر بإتقان من صنعنا، وسنترحم على الأيام الصعبة السابقة. لا أعرف السبب الذي دفعني لأن أكتب هذا الآن، في سؤال عن أبرز المحطات الثقافية في هذه السنة من كتب وأحداث...! ربما قد يكون أن الثقافة الحقيقية هي ثقافة سؤال الحياة نفسها، فكيف والحال أنك تعيش في بلد دخل في نفق لا نور في آخره حتى اللحظة!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.