}

كرامة 2023: أفلام عن قضايا المرأة واللجوء والعبودية الجديدة

علاء رشيدي 11 أكتوبر 2023
هنا/الآن كرامة 2023: أفلام عن قضايا المرأة واللجوء والعبودية الجديدة
نال "قلق في بيروت" أكبر قسط من الحضور الجماهيري

قدمت الدورة السابعة من مهرجان كرامة بيروت لحقوق الإنسان، والتي عقدت على مدار 4 أيام، بين 5/10/2023 و8/10/2023، ثلاثة عشر فيلمًا محليًا وعربيًا وعالميًا تتنوع بين الوثائقي والتخييلي، بين القصير والطويل، وتتعدد في زوايا تناولها لموضوعات حقوق الإنسان.
جاء في البيان الإفتتاحي لدورة المهرجان هذا العام والتي تحمل عنوان (تماسكوا)، بما يتعلق بالتمسك بأساسيات ميثاق حقوق الإنسان والتنوع وشمول الفئات المهمشة: "على الرغم من وضوح نصوص الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، إلا أن فهمه الحقيقي وممارسته يتعرضان للكثير من سوء التفسير والعراقيل، مما يؤدي إلى الحرمان العملي من هذه الحقوق. يحاول مهرجان كرامة – بيروت تسليط الضوء على الصيغة الأصلية لهذا الميثاق، والدعوة إلى قراءته كما هو في صورته الواضحة. وفي هذا الصدد، خصصت جمعية معمل الفن 961 دورتها السابعة لمهرجان كرامة بيروت لأفلام حقوق الإنسان، لدعوة الجميع، من خلال الفن والسينما، إلى إعادة قراءة هذه الأحكام كما اتفقت عليها وأعلنتها الإنسانية، من أجل إعادة النظر في تفسيرها، وإعادة العمل بها كمعايير للعدالة والإنصاف".

حكايات نسائية من الاعتقال إلى التمييز الجسدي

افتتح المهرجان بفيلم "أسماك حمراء" (عبد السلام الكلاعي، المغرب، 2022) والذي يجمع بسردياته حكاية 3 نساء في نضالاتهن ومعاناتهن المختلفة في شمال المغرب، ف(حياة) التي تخرج من السجن بعد 17 عامًا، تحاول البحث عن ابنها لتعلن له حقيقة ماضيها، لكنها تواجه بالنظرة التمييزية للمرأة الخارجة من السجن، وبسلطة عائلة ذكورية ترفض التواصل معها، لتدخل في الفيلم حكاية أمل التي تعمل في مصنع للفواكه وتتولى رعاية شقيقتها هدى التي تصغرها سنا بعامين والتي تعاني من إعاقة شديدة. شجاعة وإصرار هؤلاء النسوة الثلاث هما مصدر قوتهن في مواجهة الإقصاء والاستغلال والتهميش. وبكاميرا واقعية يرسم الفيلم عالمًا سينمائيًا متقشفًا في الجوانب السينماتوغرافية لصالح فيلم يبحث في خياراته الإخراجية عن ملامسة المتلقي لواقع الحكايات.

من الأفلام المعروض في المهرجان 

انفجار مرفأ بيروت تركيز السينما اللبنانية

خصّص المهرجان اليوم الثاني للأفلام الوثائقية القصيرة، حيث عرض في هذا الإطار ثلاثة أفلام: "العصافير تغادر بيروت" (خليل درايفوس زعرور، لبنان، 2022)، وهو يروي حكاية واحدة من العائلات التي عايشت انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، والتي فقدت بعضًا من أفرادها، ويقدم الفيلم الشريط الصوتي من رسائل (زينة) الزوجة والأم التي فقدتها العائلة، ليروي لنا الفيلم محاولات العائلة في معالجة آثار الكارثة والفقدان العائلي، والمديني على مستوى كامل المدينة والعلاقة معها. بينما يحمل الفيلم الوثائقي "أنا شجرة" (رشا فرج، لبنان، 2023) أسلوبية شعرية تعمل على صورة سينماتوغرافية مركبة في العلاقة بين السمعي والمرئي، بين الصورة والصوت، ويرافق الشريط السينمائي نص مروي بصوت المخرجة يقدم الأفكار الداخلية، والصور الشعرية التي تعبر عن حال الشخصية: "وبعد التطلع للهروب من بيروت، أدركت أن الرحيل كان خطيئة. لقد استغرق الأمر مني سنوات للاندماج والشفاء من الصدمات التي مررت بها في الخارج. عندما أعود بذاكرتي إلى الماضي، كثيرًا ما أعتقد أنني لو كنت لا أزال في بيروت، لما حدثت هذه التجارب أبدًا. وهذا ما دفعني إلى أن أطلق على نفسي اسم الشجرة، إذ إننا جميعًا لدينا جذور. ومع ذلك، سواء اعتدنا على الاغتراب أو بقينا مرتبطين بوطننا إلى الأبد، فهي مسألة منظور". ويأتي الفيلم الوثائقي "جدير بالحياة" (جواو كويروجا، الكاميرون، 2021) في إطار الأفلام التي تعالج موضوعة العبودية الجديدة، فضمن كادر سينمائي يدمج بين الطبيعة والجسد الإنساني العاري، يروي لنا شاب كاميروني حاول الهجرة إلى جنوب أفريقيا، ليتعرض في أنغولا للخطف والعمل الإجباري والتعذيب، بما يقارب تجربة العبودية، التي يعرض لنا الفيلم آثارها النفسية والجسدية والذهنية على هذه الشخصية التي عاشت التجربة. وترافق الحكاية الصوتية أغان تحمل الحساسية الأفريقية في التعبير عن الغياب والفقدان.

وقد منع الأمن اللبناني عرض الفيلم الوثائقي "أين ترحل جميع الإبتسامات" (الهند/ نبيال، أنجا ستريليتش، 2023) الذي جاء في النص التعريفي عنه: "يغادر آلاف الأشخاص منازلهم في نيبال كل عام لتحقيق أحلامهم وسعادتهم في الخارج؛ على أمل حياة أفضل وازدهار اقتصادي، ينتقل العمال النيباليون إلى الدول الأجنبية لكسب المال ومساعدة أسرهم. ومع ذلك، ففي بلدان المقصد غالبًا ما يتعرضون لسوء المعاملة ويُحرمون من حقوقهم الإنسانية. وبينما تتزايد موجة الهجرة كل عام ويعتمد الاقتصاد النيبالي بشكل كبير على التحويلات المالية، فإن المهاجرين غالبًا ما يعودون إلى نيبال وهم في حالة صحية سيئة للغاية أو في توابيت، حيث يموتون بسبب ظروف العمل السيئة، رغم تنامي الازدهار الاقتصادي. وغالبًا ما ينتهي السعي وراء حياة أفضل بشكل مأساوي لعائلات بأكملها".

مشهد من "العصافير تغادر بيروت" ومشهد من "ألماظ"

الأنواع الموسيقية الفلسطينية تحت الاحتلال

يدمج الفيلم الوثائقي "حدود" (أنطوان بونزون وبونوا بيزرارد، فلسطين- فرنسا، 2022) بين الفن الموسيقي والفيلم السياسي، فهو يروي حكاية مجموعة من الشخصيات الموسيقية الفلسطينية التي تعيش وتمارس الفن الموسيقي بأنواعه المتعددة تحت محظورات الاحتلال الإسرائيلي: (إيفان، مغني روك)، (رانيم، عازفة كونترباص)، (تالين، مغنية وعازفة عود)، (ساري، مؤلف ومغني راب)، (أبو سفيان، عازف شبابة)، وهكذا عبر أنواع موسيقية متعددة بين الراب والروك العربي، وبين الموسيقى الكلاسيكية ومقطوعات موسيقى الحجرة، وكذلك الموسيقى الشرقية والأغاني المصرية، وصولًا إلى الموسيقى التراثية والفولكلور مع آلة الشبابة الفلسطينية. ويطلع الفيلم المشاهد على الأماكن الموسيقية والأنشطة والممارسات الموسيقية التي يقوم بها الفن الموسيقي الفلسطيني تحت الإحتلال. وقد تلا عرض الفيلم في المهرجان، لقاء مع الباحثة والموسيقية سلوى جرادات شرحت فيه عن واقع الفن الفلسطيني في ظل الاحتلال، والصعوبات التي يواجهها الموسيقيون/ات في ظل الواقع السياسي القائم، وعبرت عن أهمية إعادة روي حكايات الواقع سينمائيًا، بحسب ما اختبرته من حكايات الموسيقيين/ات التي يرويها الفيلم.

الفيلم الوثائقي الذي نال أكبر قسط من الحضور الجماهيري، كان (قلق في بيروت، لبنان، زكريا جابر، 2022) والذي يجمع بين السينما التسجيلية والتقرير الصحافي محاولًا عبر متابعة مجموعة من حكايات الشخصيات التي تشكل بمجملها تعبير عن المرحلة التي عاشتها بيروت في السنوات الأخيرة، منذ الثورة اللبنانية 2019، وصولًا إلى مرحلة وباء كوفيد-19، ويليها انفجار مرفأ بيروت. هذه الأحداث تروى من خلال حكايات الشخصيات: (نور حجار، الفنان الكوميدي)، (يحيى جابر، الكاتب والمسرحي)، (فرح درويش، ناشطة). وترافق الحكايات التي تشكل المتن السردي في الفيلم، تعليق صوتي يشرح بأسلوب صحفي، من حيث الأرقام والإحصائيات الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في بيروت، يقول صوت السارد: "في بيروت إذا ما ألك ظهر ما بتعيش"، وبذلك تركز القراءة المقدمة في الفيلم على القراءة الطبقية للمجتمع اللبناني في ظل الأزمة، بالإضافة إلى حكاية (فرح درويش) السورية التي تعتبر نفسها ممثلة لحقوق اللجوء في العالم، في أحد مشاهد الفيلم. يقدم المخرج فيلمه بالنص التالي: "في ظل الرغبة الدائمة في التقاط وتسجيل وفهم بيروت، وبالتالي نفسه، يحاول زكريا تقديم قصة متماسكة لمدينته. من خلال التقاطع بين الشامل والشخصي، بين العام والخاص، وبين الكبار والصغار، علّنا نستطيع الإجابة: لماذا نحن قلقون في بيروت؟".

الإعلان الرسمي لفيلم "فلسطين 87":


نضال المرأة السودانية ومبادرة أهلية تشيكية للاجئين

الفيلم الوثائقي "أجساد بطولية" (سارة سليمان، السودان، 2022) يروي واقع المرأة السودانية ونضالاتها، ويستعرض الانتهاكات التي تقع على جسد المرأة السودانية (خدش الوجه، تشويه الأعضاء التناسلية، وتمزيق الشرائط الجلدية – قطع الرهط، إلى "الناسور" من عملية الولادة بالحبل) فضلًا عن التمييز الذي تعاني منه المرأة في الحقوق المدنية. ويستكشف فيلم "أجساد بطولية" الأشكال المختلفة لنضال المرأة السودانية ومقاومتها لاستعادة حقوقها التي وهبها الله لها في أجسادها وكذلك تثبيت حقوقها في الوجود في مجتمعاتها؛ استخدام تقنيات الجسد السياسي في المقاومة السياسية، من خلال التظاهرات والعصيان المدني والإضراب عن الطعام، وتعريض أنفسهن للسجن والتعذيب، وسعيهن المستمر للحصول على الحق في التعليم، والتسجيل في التدريب العلمي في مجال الصحة العامة والقبالة، وكسر الأعراف الاجتماعية من خلال أن يصبحن فنانات ومؤديات.

الفيلم الروائي "تحت ظلال أشجار التين" (أريج السحيري، تونس- فرنسا- ألمانيا- سويسرا، 2022) يسرد في سينماتوغرافيا طبيعية، حكايات مجموعة من الأطفال والمراهقين الذين يعملون في القطاف والزراعة في المناطق القروية المعزولة بالطبيعة. تروي حكاياتهم التداخل بين عالم الطفولة، المراهقة، والعمل الزراعي. وهم يتجنبون ببراعة رئيسهم المتعجرف، ويقضون وقتًا أطول في مغازلة بعضهم البعض بتكاسل أكثر مما يقضونه في قطف التين. (فيديا) متحدية وجذابة تتجاهل الهمسات الناتجة عن صداقتها مع رئيسها، بينما تعيش أختها الصغرى (فتين) بداية قصة حب. في مكان آخر من البستان، يقوم زوجان بإخفاء صناديق الفاكهة ليتم سرقتها لاحقًا، ويسيء رئيس العمل سلطته مع الشابات العاملات لديه. تكتب الناقدة ويندي أيدي عن العالم البصري والموسيقي في الفيلم: "ضمن لوحة بصرية مشبعة بالألوان، بالطبيعة، وبالصور الحسية، يلتقط الفيلم لحظات مليئة بالإحتمالات بالنسبة لعمال وعاملات الزراعة الصغار. ويستخدم الفيلم الموسيقى للتعبير عن الاختلاف بين الأجيال، فبينما تحضر الأغنيات الشعبية والمرحة بين عالم الطفولة والمراهقة، فإن الشخصية البالغة في منتصف العمر ليلى تغني أغنية تحمل معاني الرثاء والحزن".


الإعلان الرسمي لفيلم "قلق في بيروت:


عرض المهرجان أيضًا، ثلاثة أفلام روائية الأول بعنوان "فلسطين 87" (بلال الخطيب، فلسطين، 2022) والذي يروي عبر حبكة حكاية الشاب (عاطف) المطارد من الشرطة الإسرائيلية خلال أحداث الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، ويجد نفسه محاصرا في ساحة بيت لا يعرف أصحابه. تخبئه صاحبة البيت في الحمام، لكنه يتفاجأ يوجود شخص آخر داخله، يساعده في اللحظة المناسبة بالإفلات من الاعتقال. الفيلم عن التعاضد الإنساني في لحظات النضال الوطني. الفيلم الثاني الروائي القصير "ماركو سانتيك" (كرواتيا، ماركو شانتيتش، 2021)، والذي يحاول عبر حكاية شاعرية تقديم الحالة الوجدانية للفقدان. فلم يتغلب الثنائي (ماركو وأنكيكا) على وجعهما بعد وفاة ابنهما الوحيد أنتي في الحرب. عندما يقترح جارهما ستيب تأجير غرفة الابن الراحل للسياح، يرى ماركو أن ذلك إهانة، لكن أنكيكا تتمكن من إقناعه بذلك. يمنح تأجير الغرف مالًا لازمًا، خاصة لمتقاعدين مسنّين، بيد أن وجود رجل مجهول ينام في سرير الابن يزعج ماركو كثيرًا. والفيلم الروائي القصير الثالث بعنوان "ألماظ" (السودان، ميا بيطار، 2022) يروي حكاية الهجرة عبر الشابة السودانية (ألماظ) التي تقرر في الـ24 من عمرها، الإنطلاق في الرحلة التي يقوم بها ملايين الأشخاص في العالم بحثًا عن حياة أفضل، ويجري الفيلم في محطة رئيسية في أحد أكثر مسارات الهجرة استخدامًا في أفريقيا، حيث يعبر الآلاف السودان كل عام، أما (ألماظ) فهي تعبر هذه التجارب مجردة من سلطة أو أموال، تحارب العزلة والتمييز بينما تجد الدعم والقبول بطرق غير متوقعة.

الفيلم الوثائقي الختامي في المهرجان "المواطن ميكو" (التشيك، روبن كفابيل، 2022) يروي حكاية المواطن التشيكي وسائق الشاحنة (ميكو) الذي يطلق مبادرة مساعدة أطفال وعائلات اللاجئين السوريين الذين يعبرون البلاد في رحلة الهجرة، وبينما كانت الحكومة التشيكية تبحث عن أسباب لعدم استقبال عشرات الأطفال من مخيمات اللاجئين اليونانية بعد الهجمات الكيميائية على المدنيين السوريين في عام 2018، تولى ميكو تقديم المساعدة بصفة المواطن، وقام بالتعاون مع (مبادرة المساعدة التشيكية)، بإعداد مرافق للأطفال اللاجئين، لكن مصير هذه المبادرات يبقى محتومًا بالتغييرات السياسية والانتخابات التي ستعيشها البلاد. الفيلم يظهر حكاية مواطن يؤمن بالتحرك إنسانيًا بالعكس عن القرارات والمسارات في حكومة بلاده، وهي حكاية نموذجية عن التعاضد الإنساني الذي يمكن أن ينشأ بعيدًا عن الحسابات السياسية. وكما يظهر الفيلم الصعوبات، التمييز، والإنتهاكات التي يعيشها اللاجئون في أوروبا، فإنه يقدم حكاية مبادرة أهلية في التشيك تقدم رؤية مغايرة في التعاطف والتعاضد مع قضايا اللاجئين وأحوالهم.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.