}

نوبل للآداب للنرويجي جون فوسيه: ذاكرة الأموات وأصواتهم

إسكندر حبش إسكندر حبش 6 أكتوبر 2023
هنا/الآن نوبل للآداب للنرويجي جون فوسيه: ذاكرة الأموات وأصواتهم
جون فوسيه، الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 2023 (Getty)
لم يكن فوز الكاتب النرويجي جون فوسيه (وفي الترجمة العربية لروايتيه عن دار الكرمة المصرية، يون فوسيه) يوم أمس الخميس، بجائزة نوبل للآداب مفاجئًا، إذ ورد اسمه ـ في الأيام الأخيرة التي سبقت إعلان الجائزة ـ على لوائح المراهنين والمرشحين بقوة، للحصول عليها. بالأحرى، لو عدنا قليلًا إلى الوراء، لوجدنا أنه كان مرشحًا فوق العادة للفوز بها عام 2021، لكنها ذهبت يومها إلى الكاتب التنزاني عبد الرزاق قرنح. لذا تبدو جائزة هذا العام وكأنها تعويض عما فات، مثلما تبدو تعويضًا للأدب النرويجي، إذ مضى خمسة وتسعون عامًا على آخر كاتب نرويجي حازها، ألا وهي سيغريد أوندست. وبذلك يصبح فوس رابع كاتب من تلك البلاد يتربع على عرش نوبل، وهم: بيورنشتيرن بيورنسون (1903)، وكنوت بيدرسن هامسون (1920)، والآنفة الذكر سيغريد أوندست (1928).
وجاء في حيثيات منح الجائزة أن اللجنة الملكية السويدية أرادت أن تحيي "أعماله المبتكرة، ونثره الذي يعطي صوتًا لما لا يوصف". لكن اللافت أن بيان اللجنة الملكية ركّز على أعمال فوسيه المسرحية، وكأنه تناسى أعماله الروائية والشعرية (له 8 دواوين)، فهل في ذلك أي حكم نقدي على كتابته، مع العلم أنه بدأ حياته كروائي، وقد أصدر ثلاثين كتابًا في الرواية والسرد والمقالة وكتب أطفال، قبل أن ينتقل إلى المسرح لأسباب اقتصادية بحتة، حيث كتب مسرحيته الأولى عام 1994، وفق ما سنكتشف في الحوار اللاحق (الذي أجري معه على موقع [theatre-contemporain.net]) إذ نترجمه، وهو يعطي فكرة واضحة عن حياته وأدبه.
ولد جون فوسيه في 29 سبتمبر/ أيلول 1959 (64 عامًا) فى هاوجيسوند (جنوب غربي النرويج). نشأ في البداية مرتبطًا بـــ"عقيدة التقوى" ـ وهي حركة بروتستانتية روحانية ـ لكنه انفصل عنها لاحقًا مثلما انفصل عن الدين بأسره، مدعيًا أنه ملحد، قبل أن يعود لاحقًا إلى الإيمان الكاثوليكي. شغوف بالموسيقى ـ فهو يعزف على الغيتار، وقد أنشأ فرقة موسيقية في بداية مراهقته ـ كما أنه شغوف بالأدب. منذ سن الثانية عشرة كتب الأغاني والقصائد. وفي العشرين، كتب روايته الأولى، "الأحمر، الأسود"، وفي سن الثلاثين كان قد نشر كتابه الخامس.
في نهاية الثمانينيات، مع كتاب "المرفأ" (1989)، وبداية التسعينيات، مع "كآبة" (I وII)، أصبح فوسيه مؤلفًا مشهورًا. وفي الفترة نفسها، أيضًا، انتقل إلى المسرح لأسباب مالية أولًا، ثم بسبب الميل، حيث عرف النجاح الكبير، وقدمت مسرحياته على خشبات العالم. وقد ترجمت أعماله إلى 40 لغة، واقتبست لأكثر من ألف مرة. حاز عددًا من الجوائز، منها جائزة إبسن الدولية (2010)، وجائزة الأدب للمجلس الإسكندنافي (2015)، ووسام الاستحقاق الفرنسي عام 2007. وهو يعيش حاليًا في بيرغن.
يصف نوا ليف، مؤلف كتاب "ذاكرة الأموات وأصواتهم في مسرح جون فوسيه"، عمله بالقول "إنه عمل وجودي، مشبع بالروحانية"، ويضيف: "إنه يشبه بيكيت في بساطة لغته إلا أنه أقل يأسًا منه، لأن فوس له علاقة بالروحانية والموت وهي ليست علاقة عدمية".
هنا إطلالة على هذا الكاتب، من خلال هذا الحوار المترجم، تتيح لنا أن نلتقط بعض تفاصيل الكتابة عنده، كما بعض مناخاته (ولنا عودة بالتأكيد).


 

 

الممثلون يصنعون الشخصيات لا أنا

 

(*) جون فوسيه من أنت؟
نشأت في الريف النرويجي، في قرية تدعى ستراندبارم، بالقرب من مضيق هاردانجر. منطقة جميلة، ولكن ليست مأهولة بالسكان. وللذهاب إلى المدرسة الثانوية، كان عليّ أن أذهب إلى مكان آخر. كنت في السادسة عشرة من عمري تقريبًا، وهو السن المناسب لترك خلية الأسرة على ما أعتقد. عندما يتعين عليك الاعتناء بنفسك في سن مبكرة، فإنك تتعلم أساسيات الحياة.


(*) كنت تعزف على الغيتار في تلك الفترة؟
نعم، وكثيرًا. حتى أنني كنت عضوًا في فرقة تدعى "الكرسي الهزاز"! لا بدّ أنني كنت في الثالثة عشرة من عمري عندما عزفنا معًا لأول مرة، كان ذلك في حفل. كنا صغارًا جدًا بحيث لم يُسمح لنا بقيادة السيارة، لذلك أخذنا رجل من بلدتنا في سيارته الـــ فولكس فاجن. في الواقع، على الرغم من كل محاولاتي، لم أنجح أبدًا في أن أصبح موسيقيًا جيدًا. وعندما فهمت توقفت عن ذلك. في ذاك الوقت تقريبًا غادرت المنزل.

(*) متى بدأت الكتابة؟
في البدايات، هي كلمات الأغاني الصغيرة، كنت في الثانية عشرة من عمري تقريبًا. كما كتبت قصائد وقصصًا قصيرة. وبطبيعة الحال، كانت سيئة فعلًا. ولكن حسنًا، هذه قصة أخرى. وعندما توقفت عن العزف، حلّت الكتابة محل الموسيقى.


(*) ما الذي كنت تتوقعه منها؟
لقد أحببت الكتابة بكل بساطة. لقد أخذتني إلى مكان آخر. عندما كتبت روايتي القصيرة الأولى، كنت لا أزال في المدرسة الثانوية، وكنت متأثرًا جدًا بتيرجي فيساس، إلى حدّ أن أصبح تلميذًا حقيقيًا له، تابعًا. لم يقرأها أحد، لكن أعتقد أنني لا أزال أحتفظ بها بين أوراقي.


(*) كتبت روايات وقصائد ومقالات، ويبدو أن المسرح جاء بالصدفة؟
 نعم يمكن أن نقول ذلك. في ستراندبارم، كانت الفرص نادرة، هذا أمر مؤكد. لكني قرأت. عندما غادرت إلى بيرغن، ذهبت إلى المسرح. وبالطبع في أوسلو. خلال رحلاتي، حضرت بعض الإنتاجات الكبرى. لكن معظم العروض التي شاهدتها كانت سيئة. لم أكن قد وصلت إلى الثلاثين من عمري بعد عندما توقفت عن الذهاب إلى المسرح. روايتي الأولى "الأحمر، الأسود" التي كتبتها عندما كنت في العشرين من عمري، نُشرت في شتاء عام 2003. ولكن كانت هناك روايات أخرى خلال فترة الثمانينيات، وكذلك مجموعات من القصائد. لم أكن أفكر مطلقًا في المسرح في ذلك الوقت، ومع ذلك فهو في النهاية المكان الذي أعمل فيه كثيرًا. في الواقع، كانت فكرتي هي أن أتمكن من كسب لقمة عيشي من كتابتي، بحرية كاملة. وأنا فخور بأن أقول إنني نجحت. لكن كمؤلف مستقل، بدون دخل منتظم، أمر بفترات يكون فيها المال شحيحًا. خلال إحدى هذه الفترات، عُرضت عليّ وظيفة مدفوعة الأجر: كان الأمر يقتصر فقط على تقديم بداية مسرحية، بالإضافة إلى ملخص للجزء الثاني. قلت نعم. من أجل المال. لذلك جلست إلى مكتبي، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أتعامل فيها مع هذا النوع من العمل، وكانت أكبر مفاجأة في حياتي كمؤلف. كنت أعلم، وشعرت أن هذه الكتابة هي من أجلي. بدا الأمر واضحًا! من الكلام إلى الصمت، بدا الذهاب إلى حيث أردت أسهل بكثير من النثر أو الشعر! لذا، نظرًا لأن تلخيص العمل لا يمكن أن يكون سوى مزحة أو ما هو أسوأ من ذلك، فقد قررت أن أذهب إلى نهاية القطعة. إنها مسرحية "شخص ما سيأتي".


(*) في تلك اللحظة بالذات، ماذا كان يعني المسرح لك؟
مثلما قلت قبل قليل، لم أكن أذهب إلى المسرح؛ لذلك فهو يمثل قبل كل شيء نوعًا أدبيًا. لقد قرأت الكلاسيكيات اليونانية التي أحببتها حقًا. وكذلك راسين المترجم إلى النرويجية، وكذلك لوركا؛ تشيخوف. ومن ثم بيكيت. وأنا من أشدّ المعجبين بكتاباته. في الواقع، "شخص ما سيأتي" هو تعليق على "في انتظار غودو".





وبعد سنوات، بدأت أرى فيه رسام مسرح وليس مؤلفًا حقيقيًا، مثل تشيخوف على سبيل المثال. إنه لا يترك المسرح يتحرك أو يجعله ديناميكيًا... لكن ما أحبه دائمًا هو روح جمله. نهجي سيظل أدبيًا... لأسباب مختلفة، "شخص ما سيأتي" كانت ثاني أعمالي المسرحية التي تقدم على الخشبة. قبلها، كانت مسرحية "أبدًا لن نكون منفصلين"، من إخراج كاي جونسن. لأول مرة كنت أرى كتاباتي على المسرح.


(*) هل حقًا اكتشفت المسرح في هذه المناسبة؟
نستطيع قول هذا. لقد حضرت واحدة من التدريبات الأخيرة. على الرغم من المشاكل المختلفة، كان الإنتاج قادرًا على الصمود. وصمد! مع العديد من اللحظات الجميلة والحزينة. تلك اللحظات السحرية للمسرح... المسرح! نعم، أعتقد أنني اكتشفته بهذه المناسبة. وأيضًا، بالنسبة إلى شخص معتاد على عزلة المؤلف، اكتشفت إلى أي مدى تكون المشاركة التي يتم إنشاؤها بها رائعة.


(*) هل تتخيّل شخصياتك حين تكتب؟
البتة. لنقل إنني أسمعهم. أسمع الأصوات وهي تتشابك ببعضها البعض. إنها لا تتجسد إلا من خلال الممثلين. الممثلون هم من يصنعون الشخصيات وليس أنا، بالنسبة لي، إنها الكتابة، أي إنها تجربة جديدة دائمًا، ومعرفة تتجدد باستمرار. رحلة إلى المجهول. عندما أقرأ نفسي، أحتاج إلى أن أتفاجأ؛ وإلا فهذا يعني أنه سيء.


(*) في فرنسا، يتحدثون عن "كتابة الصمت"، وعن مبدأ التكرار لديك.
نعم، الصمت عندي بمثابة خلفية، والكلمات عبارة عن سطور صغيرة على سجادة الصمت البيضاء. وبعد ذلك، كما قلت، أتيت من الموسيقى، حيث التنوع والتكرار أمر بالغ الأهمية. هذا ما أحاول أن أجده في كتابتي، وهو أمر رسمي للغاية. تمامًا مثل كل ملاحظة، يجب أن تجد كل كلمة مكانها المحدد لتكوين الكل. لكنها تعد فقط عناصر للكل. فقط الكل لديه روح، إذا جاز التعبير.


(*) تتقلب صيغ الزمان عندك في مسرحية "حلم الخريف".
يحدث ذلك على السطح فقط، لكنه مختلف في كلّ مسرحية. في الأساس، الجميع يلتقط اللحظة كما لو كان في لمحة. هذه اللحظة التي يمكن أن يلتقي فيها الماضي والحاضر، وإلى حد ما المستقبل: هذه واحدة من الإمكانيات الهائلة للمسرح. ولا يوجد شيء مجرد هناك، إنه حقيقي، إنه كذلك، وليس غير ذلك، هذا كل شيء.


(*) تضع شخصياتك في علاقتها مع الموت، كما على الأقل في تعلقها بمكان آخر.
لا أعتقد ذلك. أو بالأحرى نعم، لكنها حقيقة: الجميع على وشك الموت طوال الوقت. لذلك هم في نوع من العلاقة مع الما بعد. هذا جزء من حالة الإنسان. وبطبيعة الحال، تختلف طرق التعبير عنها، ولكنها كلها تقوم على هذه الحالة الإنسانية العالمية. لا يتعلق الأمر بقول كيف نوجه حياتنا، بل بماذا وكيف يتم توجيهها. من الصعب أن نفهم، أن أشرح. يمكن لعلم الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس أن يساعد في التحليل، ولكن في المسرح، مكان الملموس والخيالي، تصبح الديناميكيات الأساسية أكثر قابلية للفهم.


(*) عندما تتحدث عن الوحدة والغياب والشكوك، هل يشكل ذلك خاصية نرويجية؟
كل ما أكتبه يتأثر بشكل أساسي بتجاربي، حتى لو لم يكن ذلك بالضبط ما عشته، ومن الواضح أنها مرتبطة بالمشهد الذي نشأت فيه. القرية الصغيرة القريبة من المضيق البحري والساحل والمحيط، منزل هناك والآخر بعيد جدًا. ألوان الخريف الرائعة. ظلمة السماء، المطر. ضوء في النوافذ! وبعد ذلك، كتابتي تحكمها لغتي. اللغة النرويجية الجديدة. أعتقد أن كل لغة تتفوق في التعبير عن موضوعات فريدة. إن أسلوبي، بطريقة ما، يجبرني على الكتابة بالطريقة التي أكتب بها.


(*) يتحدث مترجمك في فرنسا، تيري سيندينغ، عن الإيقاعات والموسيقى. هل تتعرف على النصوص الخاصة بك عندما تقدم بلغات أخرى غير النرويجية؟
نعم، في أي حال أفهم اللغة الفرنسية بشكل قليل. ومع ذلك، صادف أنني حضرت قراءة باللغة التشيكية في براغ. لم أفهم كلمة واحدة، لكن بفضل الشكل الموسيقي والإيقاع، كان لدي انطباع تقريبًا بأنني قادر على لمس القطعة! لأشعر بها في يدي.


(*) ألا تتدخل في الإخراج؟
أبدا. أريد أن أكتب من دون أن يتدخل أحد في عملي، أعامل الآخرين كما أنوي أن أعامل نفسي. لكن إذا طرحت عليّ أسئلة، أحاول الإجابة عليها. ليس هناك أسرار... ولحسن الحظ، يتم إنتاج مسرحياتي كثيرًا، في كل مكان تقريبًا، مع أشخاص مختلفين تمامًا. إذا اضطررت للتدخل، فلن أعرف من أنا بعد الآن... أترك كتاباتي للمخرجين. وهذا، في رأيي، هو السبيل العقلاني الوحيد للمضي قدمًا.


(*) هل هي مسألة ثقة أم لامبالاة أم ميل للمخاطرة؟
ربما مزيج من الجميع. بدون الثقة في شخص ما، على الأقل في شيء ما، لا شيء ممكنًا. لا المسرح ولا الأدب. ولا أي فن. وبعد ذلك، من الواضح أن لدي ميلًا للمخاطرة. مثل أولئك الذين عرضوا مسرحياتي وأدوها. المسرح هو الذي يطلب ذلك. الشيء الوحيد الذي أتحمل مسؤوليته الكاملة هو المقال المنشور باللغة النرويجية. عندما تصل إلى مرحلة الإنتاج، هنا وهناك، تكون المسؤولية مشتركة بين عدد من الأشخاص. ومع ذلك، عندما ينجح الأمر، فأنا مؤلف جيد، وعندما يفشل، أكون مؤلفًا سيئًا. خلاصة القول: بين كل هذا يجب أن يكون هناك توازن.


(*) كيف ولماذا خطرت ببالك فكرة تسمية هذه المسرحية التي تحمل اسم يلاجالي، وهو اسم مخترع يشير إلى الشخصية الأنثوية في رواية الجوع لكنوت هامسون؟ لماذا لا تحتفظ بالعنوان الأصلي؟ من هو يلاجالي بالنسبة لك؟ هل هذه حقًا هي الشخصية الأنثوية؟
صحيح أن شخصية المرأة تثير اهتمامي كثيرًا، ولكن من أجل الابتعاد عن الرواية استخدمت عنوانًا آخر غير الجوع. أنا أيضًا ببساطة أحب الكلمة، صوت هذه الكلمة: يلاجالي. أحب كيف يتردد صداها. فهو ليس اسمًا حقيقيًا، أو كلمة موجودة، بل هو بناء للعقل. نحن فقط نربطها برواية هامسون إذا عرفناها.


(*) عند قراءة هذه المسرحية، قد يتساءل المرء عمّا إذا كانت شخصية المرأة هي "يلاجالي" حقًا، لأن اسم "يلاجالي" ربما يكون اسمًا لشيء آخر، أكبر، لا يوصف.
وهذا أيضًا هو السبب وراء عدم رغبتي في تسمية المسرحية "جوع"، لأنها ليست مقتبسة من الرواية بالمعنى الدقيق للكلمة. إنها بالأحرى نوع من الرؤية والتنوع؛ هذه قطعة تخصني بقدر ما تخص هامسون. أنا حر للغاية في ما يتعلق بالأسماء والشخصيات: المرأة، الشاب، وخاصة الرجل العجوز ـ الذي هو محور كل الشخصيات التي يلتقي بها الشاب في الرواية. مما يضيف الغموض. ثم أركز أيضًا على ما هو مخفي خلف الكلمات.


(*) عندما قرأت "يلاجلي" لأول مرة، أذكر أنني كنت أكتشف نصًا يحتوي على آثار من رواية هامسون. هذه هي الآثار التي نكتشفها على الورق، بسبب أسلوبك، وطريقتك في تنظيم النص.
ولكن أيضًا بسبب فنك في الحذف والأهمية التي تعطيها للصمت، لما لم يُقل، لكل شيء قمت بمسحه ولكنه بقي، غير مرئي، بين الكلمات. بالنسبة لي، هي قصة آثار... هناك أدلة للمشاهد المدعو إلى تحقيق مسرحي بقدر ما هو أدبي.
كما أن لها علاقة برؤيتي الخاصة. (...) لا أتذكر بالضبط، لكني أعلم أنني عندما كنت أكتب المسرحية، شعرت أنه يجب عليّ التركيز على ثلاث شخصيات فقط، ثلاثة كيانات. علاقة ثلاثية. كان لدي الحدس. شعرت أنه كان على حق.
لكن، كما تعلمون، أنا لا أكتب بشكل واقعي، لا أستطيع أن أفعل ذلك، لدي طريقة أكثر شعرية في الكتابة. أنا لا أكتب، إنه شيء بداخلي أتركه يكتب. بالنسبة لي، الكتابة هي الاستماع. أستمع إلى الأصوات الصامتة. لا أرى شيئًا عندما أكتب. أنا أستمع... أستمع إلى القوى المظلمة والغامضة، والقوى الداخلية، والأصوات العاطفية، بطريقة ما.


(*) الشخصيات في هذه المسرحية غير أسوياء ومنبوذون وفقراء للغاية ومهمشون في المجتمع. في كل أعمالك الأخرى، نجد هؤلاء غير الأسوياء. هل أنتم حريصون على وضع أشخاص لا ينتمون إلى النظام القائم على المسرح؟
في كل ما أكتبه، وما يكتبه هامسون، الشخصيات فقيرة، لكنها لا ترى، أو تشعر، بأنها فقيرة. لديها نوع من الثراء الداخلي. وهي تكتفي بما لديها. في المآسي اليونانية، نجد ملوكًا وملكات وآلهة، وأنواعًا من الكيانات الأسطورية التي تنقل شيئًا ما عن الإنسان. هذه الخرافات تزعجني. وفي عالم هامسون، الأمر نفسه في النهاية: الشخصيات كيانات، وليس هناك هدف لحل المشكلات الاجتماعية. شخصيات هامسون راضية عن حالها، عن فقرها، في مكان واحد تستدعيه. هناك شيء من الفرح بالفقر في عمله. طاقة هذه الشخصيات وحياتها وضوئها أيضًا رائعة. الطريقة التي تمتلكها للقيام بكل شيء من أجل البقاء، رغم كل الصعاب، تزعجني.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.