}

ملتقى القاهرة الدولي لأفلام التحريك الـ 14: غياب الاهتمام

وائل سعيد 24 نوفمبر 2023
هنا/الآن ملتقى القاهرة الدولي لأفلام التحريك الـ 14: غياب الاهتمام
البوستر الرسمي لمهرجان أفلام التحريك في القاهرة
على مدار ستة أيام، دارت فعاليات الدورة الرابعة عشرة من ملتقى القاهرة الدولي لأفلام التحريك، في الفترة بين 8 ـ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. ويبدو أن دورة هذا العام لم تنل حظًا كافيًا من التخطيط، فعلاوة على كونها لم تقدم جديدًا عما سبقها من دورات؛ شابها أيضًا كثير من الارتجال والعشوائية على نحو لا يليق بأهمية الحدث.
في هذا العام، تنافس على الجوائز ما يفوق التسعين فيلمًا من عدد قليل من الدول العربية والأجنبية، وقد غابت فلسطين بالطبع عن المشاركة بسبب الحرب على غزة التي دخلت شهرها الثاني. في الوقت نفسه، لم يكن هنالك حضور قوي للفيلم المصري، رغم أن الأفلام المصرية تمثل ثلث العدد المشارك تقريبًا، إلا أن معظمها أفلام طلبة ومشاريع تخرج. على جانب آخر، غاب التنافس على الفيلم الطويل تمامًا، وظهرت مشاركة وحيدة في مسابقة التحريك القصير، ومشاركتان في الفيلم التجريبي.

عالم خيال
اقتصر الافتتاح على حفل محدود استقبله مسرح سينما الهناجر في دار الأوبرا، تخللته تكريمات الدورة، والكلمات المعهودة لقيادات المهرجان، ووزيرة الثقافة، التي أكدت على أهمية فعالية كتلك في دعم مكانة مصر "باعتبارها حاضنة الفنون والإبداع في العالم". وعلى هامش الافتتاح، أقيم معرض لرسوم الطلبة المشاركين لم يدم طويلًا للأسف؛ إذ اختفى في اليوم التالي مباشرة، بعد أن أدى دوره في "التقاط الصور"، بحسب ما أفاد الجميع.
في مسابقة الأفلام الطويلة، تنافست عشرة أفلام من تسع دول، منها دولتان عربيتان ـ السعودية، والإمارات. شاركت الأولى بفيلم ديني نمطي، فيما استلهمت الإمارات فيلمها من حكايات كليلة ودمنة، ولكن بتطعيم معاصر قد يتناسب مع الوضع الفلسطيني الراهن، إذ يحكي فيلمها "3 عنزات صغيرة" عن هدنة لوقف إطلاق النار بين الحيوانات المفترسة، ومحاولة الذئب اصطياد الماعز بحيله من دون خرق الهدنة. أما الجائزة الأولى فقد ذهبت لكرواتيا عن فيلم "موسيقى الكريكيت"، إخراج لوكا روكافن، والذي ينطلق أيضًا من عوالم خرافية على ألسنة الطير والحيوان من خلال إحدى قصص "أساطير لافونتين" عن عالم النمل الذي لا يسمح بوقت للموسيقى والترفيه مثل البشر، وكان على البطل أن يأخذ على عاتقه تلك المهمة البطولية من خلال فرقة مهمتها الترفيه عن الحشرات بعزف الموسيقى.
عالم غرائبي أيضًا يطرحه الفيلم الكولومبي "الشكل الآخر"، إخراج دييغو جوزمان الحاصل على المركز الثاني، وفيه نذهب في رحلة للمستقبل القريب، حين تبدأ البشرية في تشييد جنة فوق سطح القمر، وهو ما استوجب الانتقاء كما حدث في سفينة نوح. لكن شروط المركبة الجديدة هي أن تكون الأولوية لأصحاب الوجوه المربعة، من هنا ينشأ الصراع والتنافس في صب الوجوه الراغبة في الجنة داخل قوالب مربعة الشكل. ربما لم يحمل الفيلم كثيرًا من التميز في تحريكه وتقنياته البصرية والصوتية؛ إلا أن فكرة التعليب الفلسفية التي يطرحها للوعي الجمعي تحمل طرافة.
لم يخل عدد كبير من الأفلام المشاركة من نزعة تجريب؛ سواء على مستوى الشكل، أو المضمون، ولا يمنع ذلك من وجود عدد من الأفلام النمطية، وبعض التجارب غير المكتملة أيضًا، خصوصًا في أفلام مشاريع التخرج. ذهبت جائزة مسابقة الأفلام التجريبية إلى فيلمين يتشابهان بدرجة كبيرة في التكنيك؛ الأول "ظل الفراشات"، للمخرجة المغربية صوفيا الخيار، إنتاج مشترك فرنسا والبرتغال والمغرب"، وحصد المركز الأول، فيما حاز الفيلم الألماني "سوف آخذ ظلك" على المركز الثاني.




وعلاوة على أن الفيلمين من إخراج المرأة، فقد استخدمت المخرجتان أسلوب الدمج "الكولاج" بين الصور الفوتوغرافية، أو المرسومة، وبين تحويلها إلى رسوم متحركة، لصنع عوالم تتراوح بين الحلم واليقظة.

"نبحث عن جثة لافتتاح مقبرة"

من فيلم التحريك "موسيقى الكريكيت" 

في المنطقة نفسها، ذهبت جوائز مسابقة الأفلام القصيرة إلى أجواء الواقعية السحرية التي تتشابه كثيرًا مع رائعة جورج أمادو "الرجل الذي مات مرتين"، في ثلاثينيات القرن الماضي، حين أرادت إحدى القرى في أميركا الجنوبية افتتاح مقبرتها الجديدة، ولسوء الحظ، لم يمت أحد. وهو ما دعا العمدة إلى نشر إعلان يفجر الفكاهة "نبحث عن جثة لافتتاح مقبرة ميراكساس"، اسم القرية وعنوان الفيلم. أما الفيلم الحاصل على المركز الثاني "بعد أبي"، فهو من فرنسا أيضًا، ويحكي عن خيالات أحد الأطفال، وصراعه مع شبح جده الميت.
ضمت مسابقة العمل الأول 25 فيلمًا، اقتصرت على الأفلام المصرية. وتتراوح مدة الفيلم من دقيقة إلى عشر دقائق تقريبًا، ومعظمها مشاريع تخرج لطلبة معاهد السينما وأكاديمية الفنون، بجانب بعض كليات الفنون التطبيقية، وبالتالي ذهبت الجائزتان الأولى والثانية لعملين من إنتاج المعهد العالي للسينما "بحر" (بلال أبو سمرة)، و"ليلة طويلة" (أحمد عادل). تبلغ قيمة الجائزة للمركز الأول عشرة آلاف جنيه وثمانية للمركز الثاني ما يعادل 150 ـ 200 دولار، وقد تم تخصيص منحة بقيمة خمسين ألف جنيه مصري، ما يساوي ألف دولار أميركي لإنتاج فيلم رسوم متحركة.

من الهرم في ساعتين
يقام في مصر عدد من الفعاليات الثقافية والفنية، من الواضح أنها تتم بشكل سري ـ تقريبًا ـ حيث يتفاجأ بها المختصون في المجال أنفسهم، وليس الجمهور العادي، ملتقى القاهرة واحد من تلك الفعاليات، بداية من مواعيد العروض والأنشطة، وهي ألف باء أي فعالية، خصوصًا حين يختار المهرجان إقامه أنشطته وعروضه بداية من العاشرة صباحًا، مخالفًا بذلك المواعيد في غالبية الفعاليات الفنية الأخرى التي تبدأ معظمها في المساء، الغريب أن معظم أيام المهرجان شهدت تأخرًا متكررًا في وقت العرض بسبب مشاكل تقنية، أو أزمات مفاجئة، وقد تصل المدة المستغرقة في حل عطل واحد لما يقارب ساعتين، كما حدث في اليوم الأخير مع فيلمي الورشة؛ حين رفضت أجهزة قاعة سينما الهناجر قراءة فلاشة الفيلمين بسبب عطل تقني، وكان على المونتير الذهاب إلى منزله في الهرم لإحضار الهارد مباشرة، خلال تلك الفترة الطويلة جلسنا نشاهد أفلام الطلبة.
برغم قصر مددها الزمنية، تعد الورش الفنية المصاحبة للفعاليات من أهم الأنشطة الحية، ولا مغالاة في أنها تتمتع بالجمهور الأغلب، أو الوحيد تقريبًا، مقارنة مع بقية فعاليات البرنامج. على مدار خمسة أيام، قدم المهرجان ورشتين استهدفت أعماراً من 6 إلى 20 عامًا، اشترك فيها ما يقارب 15 طالبًا وطالبة في صنع فيلمين باستخدام مبسط لتحريك الخامات والرسوم المتحركة، كانت المدة قصيرة للغاية والإمكانيات المتاحة ضعيفة هي الأخرى، وليس هنالك سوى الأجهزة الشخصية للمدربين، وبعض أجهزة صندوق التنمية الثقافية، متخذين من قاعة العرض الهزيلة مكانًا للتصوير، وقد جرى "منتچة" الفيلم خلال الساعات التي سبقت العرض.
لا شك في أن المهرجان يعاني ـ منذ نشأته تقريبًا ـ من عزوف وتجاهل إعلامي لا يتناسب مع أهميته وفرادته، باعتباره مهرجانًا نوعيًا و"النافذة الوحيدة لفن الرسوم المتحركة في مصر"؛ بحسب ما ورد في اللائحة التنظيمية. ناهيك عن عدم توفر المعلومات، أو الدعاية اللازمة لفعاليات بعينها، رغم ذلك تتعامل إدارته ـ وكلهم موظفون ـ بطريقة سد الخانة، فلكل عام مالي ميزانية مقررة من وزارتي المالية والثقافة، ويجب إنفاقها كما هو متبع وفق الهيكل الإداري لجهاز الدولة في عمومه، ومن السهل أن يتم إحلال هذه الفعاليات الثقافية بأخرى مماثلة في أي مجال آخر، ولن يكون هناك وقتها أي اختلاف بين آليات التعامل سوى في ما يخص مسألة الحضور والانصراف اليومي، على أقصى تقدير.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.