}

"طوفان اليمن لنصرة غزة": صيحة بالبحر وصيحة بميدان السبعين

صدام الزيدي صدام الزيدي 29 يناير 2024
هنا/الآن "طوفان اليمن لنصرة غزة": صيحة بالبحر وصيحة بميدان السبعين
مظاهرة في ميدان السبعين بصنعاء تضامنًا مع غزة (12/1/2024/Getty)

يتصاعد الموقف الشعبي اليمني المتضامن مع غزة، التي تتعرض لحرب إبادة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي للشهر الرابع على التوالي، متخذًا ألوانًا من التظاهر والتفاعل عبر مظاهرات (مليونية) تنتظم كل يوم جمعة في ميدان السبعين في صنعاء. ويترافق ذلك مع موقف عسكري تتموضعه سلطات صنعاء (أنصار الله الحوثيين) تماهيًا مع الهبة الشعبية المناصرة لغزة وللقضية الفلسطينية التي لم تقف عند تنفيذ عمليات في البحر الأحمر تعترض سفنًا تكون في طريقها إلى موانئ فلسطين المحتلة، في ترجمة عملية للرفض الشعبي لكل أشكال القتل والقصف والتدمير والتهجير التي يتعرض لها قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بل يتعدى التضامن إلى سقوط شهداء من قوات البحرية اليمنية قدموا أرواحهم فداءً لفلسطين، بينما تدخل اليمن في دائرة الحرب بشكل مباشر، إذ تتعرض لقصف أميركي ـ بريطاني بين فترة وأخرى، الأمر الذي تصاعدت بسببه موجة الغضب في الشارع اليمني، وأدى إلى اتساع حالة التضامن والتظاهر والإسناد بالمال وبالأرواح على طريق نصرة فلسطين وامتزاج الدم الفلسطيني بالدم اليمني، في موقف جريء دفع بناشطين وصانعي محتوى عرب، ومن كل العالم، إلى خلق حالة من الزخم في الإشادة بهذا الموقف الشجاع لليمن في زمن الخذلان والصمت والقهر العربي اللافت للعيان، وهي إشادة يطلقها وينوه إليها كل الأحرار على امتداد العالم.

البيان الأول
في يوم السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شهد ميدان السبعين في العاصمة صنعاء مسيرة حاشدة (وهو أهم الميادين اليمنية على الإطلاق)، أعلنت تأييد اليمنيين لـ"طوفان الأقصى"، واصفةً إياه بـ"العملية العسكرية البطولية والمباركة ضد الكيان الصهيوني المحتل"، وفقًا للبيان الصادر عن المسيرة الذي عدّ "ما يسطره الأبطال المقاومون في غزة من ملاحم بطولية لم يسبق لها مثيل داخل أرض فلسطين، وعلى امتداد تاريخ الصراع مع العدو الغاشم؛ من بواعث الفخر والاعتزاز"، وبناءً عليه فإن الشعب اليمني "يبارك معركة طوفان الأقصى المقدسة، مؤكدًا إيمان اليمنيين بواحدية المعركة ووحدة المصير". لكن بيان مسيرة صنعاء، منذ اليوم الأول للطوفان، لم يغفل قراءة ما سيترتب على ذلك الفعل المقاوم الجريء والناجع، وبالتالي، فقد تضمن البيان صراحةً "إعلان حالة الاستنفار الشامل شعبيًا وعسكريًا، استعدادًا لأي تطور ميداني يتطلب المشاركة المباشرة إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة".
ومن هنا، كان لا بد من تصاعد الأحداث في غزة من ناحية، وفي الموقف الشعبي اليمني المؤازر لعمليات المقاومة انطلاقًا من يقين اليمنيين بأن "طوفان الأقصى معركة لا تخص شعب فلسطين فحسب، بل هي معركة كل الأمة، ومعركة الأحرار في كل العالم، وإنها لمعركة من أقدس المعارك، والتي كتبت بعملياتها الأولى زمن إذلال إسرائيل بالصوت والصورة".





مسيرة اليوم الأول للطوفان في اليمن أكدت أنه "على أميركا، بوصفها الداعم الدولي الأول للغطرسة الإسرائيلية، أن تُسلِّم بانقلاب المعادلات، وأن تسارع إلى تفكيك هذا الكيان الغاصب قبل أن يجرفه طوفان الأقصى وطوفان الغضب الإسلامي القادم والعارم"، وهذا ما سيدفع بتصعيد في الموقف الشعبي اليمني الذي خاض بالتوازي، عمليات في البحر الأحمر، ومسيرات ومظاهرات (مليونية) أسبوعية في صنعاء العاصمة (وانتظمت مظاهرات مماثلة ومتزامنة في نحو 15 محافظة يمنية تقع في نطاق سيطرة "أنصار الله")، من أصل 22 محافظة يمنية، وسط عمليات قصف صاروخي شنتها طائرات وبارجات أميركية وبريطانية بإسناد من حلفاء لهما لاحقًا، غير أن الموقف اليمني في صيغته العسكرية كان مؤثرًا وشجاعًا مسنودًا بتفويض شعبي (مليونيّ)، لم يمنعه مانع، ولم يردعه رادع، وليست الصورة التي التقطتها العدسات لآخر مظاهرة شعبية (مليونية) غاضبة يوم الجمعة، دعت إليها "لجنة دعم الأقصى" اليمنية، تحت شعار: "ثابتون مع فلسطين... وأميركا أم الإرهاب"، إلا شاهدًا من شواهد التضامن والمؤازرة والغضب اليمني في مواجهة المذبحة الإسرائيلية المستمرة في حق شعب غزة المحاصر، حيث لم ينجح المطر المنهمر من سماء صنعاء منذ ظهيرة اليوم نفسه، وحتى ساعات أول المساء، في ثني الناس عن الاحتشاد، وإطلاق صرخة غضب تابعتها الشعوب والأمم (في المباشر) وتناقلتها الشاشات والصور، ما جعل من الموقف اليمني مثالًا للعزة والكرامة والعروبة والفداء والتضحية والنضال في لحظة فارقة مدموغة بخذلان وانكسار عربي وإسلامي مدفوعًا بصمت الأنظمة، وقهر شعوبها المقموعين.
غير أن الصورة الآتية من ساحات اليمن وميادينها لم تكتف بالتظاهر وحده، وهو حق مشروع للتعبير سلميًا عن المواقف، في زمن الخنوع والخوف والتركيع، بل ذهبت بعيدًا وما زالت تدمغ العالم بدروسها متصديةً لقوى الاستكبار العالمي، وفي طليعتها أميركا، فمن صورة الاستبسال في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن، على الطريقة اليمنية (التي لا تخاف في نصرة فلسطين لومة لائم)، إلى ملايين الصور والمشاهد والتفاعلات المتواترة في إطار المقاومة بالكلمة وبالصورة وبالأغنية، وبكل شيء، حيث ترفرف أعلام فلسطين في سماء البلاد كلها على أسطح المؤسسات والبيوت.
وفي الشوارع والميادين، على الأكتاف الغاضبة، وفوق الهامات الماردة، في طابور المدرسة، وعلى السارية، في السيارة، والسفينة، وباصات الركاب، في حفل التخرج، وعند قبضة الزناد، في الجبل والصحراء، على الرؤوس والمآذن، في خطابات زعيم (أنصار الله) وكل خطاب وموقف، في الكتاب المدرسي وعنفوان صيحة الحق، حيث صور شهداء فلسطين، ابتداء من الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وصالح العاروري، ومحمد الدرّة، تملأ البيوت والزوايا، مرورًا بصور عبد الملك الحوثي، ويحيى سريع، وأبي عبيدة، في إطار واحد، موقعة بالعبارة الفتيّة: "إنه لجهاد... نصرٌ أو استشهاد"، على درب "الفتح الموعود والجهاد المقدس"، وحيث "الأقصى ينادي"، من فلسطين (القضية)، و(أرض مسرى النبيّ).

"ثابتون مع فلسطين"

متظاهرون في ميدان السبعين بصنعاء/ اليمن يرفعون الأعلام الفلسطينية اليمنية وشعارات جماعة الحوثي أثناء احتجاجهم على الهجمات الأميركية والبريطانية على مواقع في العاصمة صنعاء وبعض المحافظات (12/ 1/ 2024/ Getty)  


وبمقاربة التفاعل الشعبي في اليمن على طريق التضامن مع غزة، ورفض الحرب الهمجية الدائرة هناك، ينبغي التوقف أمام الصورة الفوتوغرافية للحشود الكبيرة التي واصلت صرخاتها من أجل فلسطين من دون كلل أو ملل، منذ يوم السابع من أكتوبر 2023، حيث سنقرأ شعارات متواترة للمسيرات التضامنية نذكر منها: "مع غزة حتى النصر"؛ "دماء الأحرار على طريق الانتصار"؛ " الفتح الموعود والجهاد المقدس"؛ "معكم حتى النصر والأميركي لن يوقفنا"؛ "ثابتون مع فلسطين... وأميركا أم الإرهاب"، والشعار الأخير كان مخصصًا لمسيرة يوم الجمعة 19 يناير/ كانون الثاني 2024، ويأتي في أعقاب إعلان الإدارة الأميركية جماعة الحوثي منظمة إرهابية عالمية، والإعلان نفسه لم يزد الحوثيين واليمنيين إلا ثباتًا في الموقف، واتساعًا في ميادين التظاهر، حيث تصاعد الخطاب، وأعادت المطالب والبيانات الصادرة عن هذه المسيرات التذكير بما حذر منه البيان الأول لمسيرة السابع من أكتوبر، وبما توعد به على طريق تحرير فلسطين. بل إن هتافات اليمنيين، عالية وغاضبة، هي من يشير إلى أميركا ومن معها بوصفهم إرهابًا يساند القتلة، ويحاكم ويهدد الضحايا.





ويبرهن اليمنيون بموقفهم القوي والشجاع أن العالم يحترم الأقوياء، وأن قضية كقضية فلسطين تستخدم فيها القوة في الاحتلال والقتل والتنكيل والاستيطان والتهجير والعربدة الدموية ينبغي أن تكون المقاومة لأجلها بالقوة، فالقوة وحدها هي الطريق لاستعادة الحقوق وتحرير الأرض المنهوبة والمستباحة، وصولًا إلى تحرير الأقصى من دنس الصهاينة.
وسواء اختلفنا مع جماعة أنصار الله، أو اتفقنا معهم، في السياق السياسي وشعارات الجماعة المتداعية منذ حروب اليمن الأخيرة، إلا أن ما يقومون به (بناء على تفويض من الشعب اليمني) هو من أهم ما يمكن أن يقوم به العرب جميعهم من أجل فلسطين، في ظل هيمنة أميركية وغربية أحادية الجانب تزيد من الظلم والضيم، وتسهم في توسيع الصراعات، تنتصر للقاتل على حساب كرامة وحقوق ومظلومية القتيل.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.