}

في حصاد الثقافة العربية 2023: آراء ورؤى (2)

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 6 يناير 2024
هنا/الآن في حصاد الثقافة العربية 2023: آراء ورؤى (2)
الهجوم الهمجي للاحتلال الإسرائيلي في غزة طغى على 2023(Getty)
بالرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية نتيجة الحروب التي تعصف بالعالم، لا يزال للثقافة حضور بالغ الأهميّة على الصعيدين العربي والعالمي؛ فمن المهرجانات الفنية والأدبية، إلى المعارض، وتحديدًا معارض الكتب، ثمّة حضورٌ لافت، وجمهور يأبى الخضوع لصوت الرصاص، بل يتجه إلى الثقافة وحدها، وكأنها البلسم لكل ما يسود العالم من ظلم، أو عبوديّة.
في حديثنا إلى مجموعة من الكتّاب والمثقفين العرب حول أهم الكتب التي صدرت خلال العام المنصرم 2023، وكذلك حول أبرز الفعاليات الثقافية، نجد أنّ للثقافة الدور البارز في معظم البلدان العربيّة، إذْ ثمّة توجّه ملحوظ نحو إحيائها بعد ركود طاول هذا القطاع أيضًا بسبب الموجات المتتالية والمستمرة لكورونا (كوفيد ـ 19).
هنا القسم الثاني:

هدى مرمر (كاتبة لبنانية):
العدوان على غزّة


هذا العام، فرضت قراءاتي نفسها عليّ، خاصّةً مع طغيان الأدب المترجم على العربي، وأخيرًا، في ما يتعلّق بالعدوان على غزّة. الكتاب الذي قرأته بداية العام وأعدتُ قراءته نهايتها كان باكورة الكاتب الفلسطينيّ الشاب عمر أبو سمرة، وهو نوفيلّا بعنوان "الأشجار الأولى" (دار نوفل). أرى أنه من أبرز قراءاتي، لا من حيث أهميته شكلًا ومضمونًا وأسلوبًا فقط، بل من حيث اختباري معه قبل وخلال العدوان. في الإجمال، غلبت على قراءاتي قبل أكتوبر الروايات التأريخيّة لما حدث سابقًا في لبنان القرن التاسع عشر، مع رواية الكاتب اللبناني المفضّل لديّ ربيع جابر "يوسف الإنكليزي" (دار التنوير)، ولما حدث ويحدث في العراق قبل وبعد الاحتلال الأميركي لبغداد في روايتَي الكاتبَين العراقيَّين سنان أنطون في جديده "خزامى" (منشورات الجمل)، وأزهر جرجس في "حجر السعادة (دار الرافدين)، التي وصلت للقائمة القصيرة في جائزة البوكر العربية 2023.
وفي سياقٍ آخر، اكتشاف العام بالنسبة إليّ تمثّل بالكاتبة الإيرلندية كلير كيغن، التي وجدت أعمالها الروائيّة مكثّفة ومهمّة في مواضيعها التي تشرّح العنف في مجتمعها في القرنَين العشرين والواحد والعشرين، وخاصة العنف تجاه الفئات المهمّشة، كالفقراء والأطفال والنساء، أكان عنفًا مباشرًا، أو غير مباشر. أنصح جدًّا بروايتَيها القصيرتَين "Small Things Like These"، أو "أشياء صغيرة كهذه" و"Foster"، أو "احتضان"، التي أصدرتها دار الكرمة بالعربية بترجمة أنور الشامي.
هذا وقد تميّزت قراءاتي بألوان العلم الفلسطيني من نهاية أكتوبر للآن، ويبدو أنها ستطغى على قراءات 2024. أعتقد أنّنا كقُرّاء مؤتمنون على حماية وتوريث الحكاية، كما فعل أجدادنا في التاريخ الشفهي لكلّ حضارة. ومع اتّساع رقعة الإبادة، أقلّ ما يمكنني تقديمه هو مجابهة الإبادة والتمسّك بالتاريخ الفلسطيني المكتوب والإضاءة عليه. من هنا بدأت فكرة حملة #اقرأ_فلسطين وسط مشاعر القهر واليأس وقلّة الحيلة، وأيضًا المسؤولية والتضامن في ليالي الأرق. بدأت بكتب للكاتب الفلسطيني أنور حامد، الذي ألجأ عادةً لرواياته لأختلس النظر إلى المجتمع الفلسطيني اليومي في الضفّة والداخل، هذه الأراضي المحتلّة الممنوع عليّ زيارتها كَلبنانيّة. وهكذا أزورها في الأدب. التهمتُ في يومَين روايتَي أنور حامد "والتيه والزيتون"، و"غريب" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر). ازداد نهمي لمزيد، وكأنّ الحكاية الفلسطينيّة تتسلّل من بين أصابعي كالرمال، إن لم أُدركها، ليصبح نوعًا من الهوس دفعني لقراءة ما يلي: رواية "باب الساحة" للفلسطينية سحر خليفة (دار الآداب)، ديوان "ملاك على حبل غسيل" للفلسطيني الأيسلندي مازن معروف (دار رياض الريس/ الكوكب)، مسرحية "جسر إلى الأبد" للفلسطيني غسّان كنفاني (مؤسسة غسّان كنفاني)، سيرة "الضوء الأزرق" للفلسطيني حسين البرغوثي (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، رواية "البحث عن وليد مسعود" للفلسطيني العراقي جبرا إبراهيم جبرا (دار الآداب)، ديوان "Things You May Find Hidden in My Ear: Poems from Gaza"، أو بالعربية "أشياء قد تجدها مخبّأة في أذني: قصائد من غزّة" للفلسطيني مصعب أبو توهه (City Lights Publishers)، رواية "احتضار عند حافة الذاكرة" للفلسطيني أحمد الحرباوي (دار نوفل)، رواية "رام الله الشقراء" للفلسطيني عبّاد يحيى (المركز الثقافي العربي)، مذكّرات "شارون وحماتي: مذكّرات رام الله" للفلسطينيّة سعاد العامري (ترجمها للعربية عمر سعيد الأيوبي عن الإنكليزية لدار الآداب)، رواية "سما، ساما، ساميا" للفلسطيني صافي صافي (دار الآداب)، رواية "صباح الخير يا يافا" للمصري أحمد فضيض (دار الرافدين)، ورواية "صورة مفقودة" للفلسطينية أسمى العطاونة (دار الساقي). حاليًا، أقرأ ضمن السياق نفسه يوميات "جبل الزيتون" للتركيّ فالح رفقي أطاي (ترجمها أحمد زكريا، وملاك دينيز أوزدمير، من اللغة التركية، بإصدار دار الرافدين)، رواية "الحاجة كريستينا" للفلسطيني عاطف أبو سيف (الدار الأهلية)، وكتاب السياسة "The Palestine Laboratory: How Israel Exports the Technology of Occupation Around the World"، أو "مختبر فلسطين: كيف تصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال إلى العالم" للأسترالي أنطوني لوينشتاين (Vero Books).

محمد سعيد احجيوج (روائي مغربي):
في الرواية والنقد


أخشى أن الوضع الثقافي العربي يدفعني إلى تكرار القول نفسه في هذا الموعد السنوي؛ فما أكثر ما تلفظه المطابع من صفحات محبّرة بالمداد، غير أن المميز منها يبقى أقل مما يجب، بل، وهذا أسوأ، ما تزال مشكلتنا الكبرى هي في إيصال الكتاب إلى القارئ. الناشر يحصر اهتمامه على الكتب الشعبية، فيركز على ترويج ما هو رائج أصلًا، والمكتبات تركز على ما يباع بسهولة، والكاتب يصارع بكل ما لديه ليطل برأسه بضعة مليمترات وسط الجمع الغفير من الكُتّاب من دون فائدة كبيرة حقًا، والمتابعات النقدية، لأسباب كثيرة، تبقى أقل مما يأمل القارئ والكاتب. وأما القارئ، الذي كانت له قوته ذات سنوات مضت، حين كان يملك أن يروج للكتاب المميز بين أصدقائه، صار اليوم، في عمومه، خاضعًا لما تروج له الجوائز حصرًا.




قرأت هذه السنة تسعة وثلاثين كتابًا، في الرواية والنقد، مع متفرقات في الفكر والفلسفة. أهم كتاب فيها كان هو "نقد النص"، لـ علي حرب، وهو كتاب صدر منذ عقود، ويا للأسف لم يُقرأ حقًا كما يجب. كذلك كتاب ميلان كونديرا، "الوصايا المغدورة"، ورواية جوزيه ساراماجو؛ "الإنجيل برواية يسوع المسيح".
من الإصدارات/ الترجمات الحديثة، أكثر ما أعجبني: "مقامات بديع الزمان الهمذاني: التأليف، والنصوص، والسياقات"، لـ بلال الأرفه لي. وكتاب "سفر الخروج: ثورة العالم القديم"، لـ يان أسمان. وكتاب "إدوارد سعيد: أماكن الفكر"، لـ تمثي برنان.
أما على المستوى الشخصي، فربما كانت هذه السنة مميزة بعض الشيء؛ فقد صدرت روايتي "متاهة الأوهام"، عن دار هاشيت أنطوان/ نوفل، وقد تلقفها بعض النقاد باهتمام يستحق التنويه والشكر. وصدرت ترجمة روايتي الأولى "كافكا في طنجة" إلى اللغة الإنكليزية، في بداية السنة، وقبيل ختام السنة صدرت ترجمتها اليونانية. هذه "الانتصارات" الصغيرة تمنح المرء جرعة من الأمل لمواصلة السباحة في الوسط الثقافي العربي المحبط جدًا، الخانق جدًا.

د. سهام جبار (شاعرة عراقيّة):
هيمنة الوسائل الرقمية


بدءًا، أودّ القول إن الشأن الثقافي العام عربيًا وعالميًا لعام 2023 قد تأثر بشدة بالأحداث الدامية في فلسطين الحبيبة، وضراوة العدوان عليها. ان العالم كله ليشهد لحظة قاسية في سياق القضية الفلسطينية فرقت المواقف والرؤى الثقافية منها الى موقفين حادّين بين مؤيّد ومندّدٍ، مما يعمق المأساوية والفداحة التي تتخذها آلام هذا الشعب البطل المناهض والمتجدد كعنقاء لن يفلح أيما عدوان في كسرها، أو ازهاق روحها الباسلة. ومما يشهده الشأن الثقافي هو التماهي مع كل من الموقفين الآنفي الذكر بتأثر بالأطراف السياسية العربية كما هو متعارف عليه.
ولوسائل الميديا وقنوات الإنترنِت عام 2023 أثرٌ كبير في إبراز ردود أفعال جماهيرية مع أو ضدّ. إنّ هيمنة الوسائل الرقمية ما زال هائلًا ومهيمنًا على الكتاب مهما كان نوعه في العالم، وفي نطاق العالم العربي أيضًا، بل أكثر على نحو كارثي بما يشبه الوقوع في الفخ، فخ شبكة العنكبوت الإنترنيتية، ولقد أثّر ذلك بعمق في الطابع الثقافي للمنتوج الأدبي في اتجاهاتٍ عدّة. فمن ذلك مثلًا يمكنني القول إننا نشهد عودة الشفاهية والخوض فيما قيل ويقال لا فيما يُكتب ويؤسسُ لفكر، وبروز نجوم التيك توك، واليوتيوب، وسائر وسائل الميديا، ونشر الكلام السطحي الذي لا يحمل في مضمونه أو شكله أية قيم ثقافية، ولا ينتجها بالطبع. ولقد اصطبغ الكتاب الأدبي العربي بالمرور السريع عبر هذه الوسائل، فليس له أي وزن غير الترويج والانتشار السريع المنطفئ من دون تأثير واضح.
ما زال الأدباء يطبعون مؤلفاتهم بأنفسهم من دون مراجعة مؤسساتية قائمة على أسس ثقافية رصينة، ما من رصد رادع للأخطاء في هذه المؤلفات، مما يزيد من فسحة الاستسهال والإفساد الثقافي. ما زال أدباء الشفاهية اليوم ممن تكرسهم المحافل والمهرجانات نجوم هذا النمط في الانتشار بكل اندفاع وجسارة. أخطاء هذا النشر مكرسة حتى في العناوين الكبيرة والمقدمات والملخصات في الأغلفة، من دون أية محاولة لاستدراك الخطأ، أو تصويبه. نحن في حاجةٍ ماسة لعمل مؤسسات ثقافية مخلصة وأصيلة للعمل من أجل الثقافة، لا لسواها.
لقد صار لكلٍ الحق من ناحية في الإفتاء بأحكامٍ أدبية ونقدية جاهزة ومعلنة بنقاط حاسمةٍ جازمة من دون إجراء التطبيقات النقدية، أو البحثية، والأدلة والبراهين الموضوعية المناسبة لمعالجة النصوص الأدبية، وتوجيه الرأي العام بمصداقية، وبناء وعي لدى الأجيال الجديدة. لقد ازداد دأبُ النقاد الانطباعيين في الإدلاء بالأحكام غير المنضبطة إلى منهج نقدي، أو معرفة دالّة.
هنالك، بالطبع، نقد عالمي للحظة الثقافية التي يعيش في مدارها العالم عبر النت ووسائله، هذا النقد يمثل أساسًا لفهم الاختلال الثقافي السائد وتفسيره من تشييء للإنسان، وتشتّت للقيم، ورداءة للإبداع. هنالك مفردات أصبحت مكرّسة في التعليقات السريعة من نحو ذمّ (نظام التفاهة)، وتكرار الاستشهاد بأقوال لأومبرتو إيكو، وسواه، في ذمّ الحمقى الذين صار لهم الحقّ في الكلام. وأنا أقول في سياق الأدب العربي ذمّ الحمقى الذين صار لهم الحق في التأليف! وصار من هؤلاء شعراء، ثم أصبح من هؤلاء الشعراء روائيون ونقاد، وهلمّ جرّا..
يمكننا بضمير مرتاح جدًا إلقاء الكثرة الكاثرة مما دبّجه هؤلاء "الأدباء" في سلال القمامة، والتخلّص من هذا المنتوج بقلّة وعيه ومعرفته، بل بجهله، والعودة الى كلاسيكيات الإبداع العربي للنجاة حقًا من كوارث هذه المرحلة!
كثرة المهرجانات الاستعراضية الـShow، والسير على سجادٍ أحمر لسدّ شهوات النجوم السطحيين في أكثر من محفل جعل الهوة كبيرة بين المثقف بكل مظاهر وجوده والمتلقي. نحن نشهد مهرجاناتٍ سينمائيةً من هذا النوع، ومعارض كتبٍ بنجوم ليست لهم علاقة بالكتاب، وثرثرة إعلامية، وضجيج لا يهم القارئ العربي، ولا يسعى إلى جذبه، بل لوضع الطبقة الفنية والأدبية في سياق مبرر.
وأضيف هنا أن هنالك منصات رقمية عربية تسعى إلى نشر الأدب التافه وتروّج له، كالذي حدث مثلًا من إعلان عن أفضل شاعرة في العراق لعام 2023، وتقديم وجوه ملفقة ومجمّلة بالقوة وبالفعل، بقوة التجارة التي تروّج لها. ومثل هذه الجهات تحيط بها الريبة والغايات المبطّنة سياسيًا وثقافيًا، ويحيط بها الجهل والتصنّع القميء. كذلك تشجيع الكتابات غير المتقنة بوصفها وليدة التعبير عن الجميع، فالكل من حقه أن يكون أديبًا، حتى إن كان غير متمكن من أدوات الكتابة والإبداع.



وهنالك جهات أخرى ترفع من شأن الأدب الشعبي وترسخه، لجعله وريثًا، بل ابنًا شرعيًا للأدب العربي القائم على الثقافة والفكر. وغير ذلك كثير!
حقيقةً، أجد الهجاء آخر معاقل الأدب الرصين الذي اغتالته قوى الجهل والتخلف والادّعاء.
ولو أردتُ تذكر فعالية ثقافية، فيمكنني التمثل بتظاهرة رياضية حدث فيها الجذب للمتلقي، من عرض صور ونماذج قديمة من حضارات العراق كالذي حدث في حفل افتتاح كأس الخليج العربي لكرة القدم في البصرة، إذ قُدِّم فيه خطاب ثقافي تاريخي بانورامي عريق ومصوّر على نحو بديع، لهذا أذكره هنا بوصفه قد قدّم طقسًا ثقافيًا لم تقدمه فعاليات أخرى يُفترضُ أنها ثقافية.
وقبل قليل، قرأتُ عن استقطاب أدبي لقضية فلسطين في معرض كتاب بالجزائر. وهنالك تجمّعات في مصر والعراق وسورية ندّدتْ بعدوان الاحتلال، وألقيت فيها الخطابات والأناشيد.
لعل الأعوام القادمة أكثر إشراقًا، ولنأمل في إطار ذلك بمعجزات تُحسّن الواقع الثقافي العربي عامةً!

محمد أبو زيد (شاعر مصري):
الكتب المسموعة والبودكاست


أعتقد أن عام 2023 كان عام عودة الفعاليات الثقافية، بعد انزياح غمة كورونا التي ألغت كثيرًا من الفعاليات خلال الأعوام الماضية، فعادت معارض الكتب بشكل كامل، وإن أفل نجم الكتاب الورقي قليلًا. وهذا عائد في ظني إلى سببين، الأول الضغوط الاقتصادية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الكتب بشكل مبالغ فيه بالنسبة إلى الدخول المنخفضة، والسبب الثاني هو ما اختبره كثيرون خلال فترة الجائحة من إمكانية القراءة عبر المنصات الإلكترونية.
يمكن القول، إذًا، إن أهم ما لفت الانتباه في عام 2023 هو الصعود الكبير لهذه المنصات، فبالإضافة إلى منصة "أبجد" التي اتسعت مساحة جمهورها، ظهرت منصات أخرى مشابهة، كما أن منصات الكتب المسموعة بدأت في الانتشار، بالإضافة إلى البودكاستات الثقافية والحوارية، وبرامج قراءات الكتب على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة من تيك توك، أو يوتيوب، أو فيسبوك.
هذا التفاعل مع التغير التكنولوجي العالمي من المتوقع أن يفيد الثقافة على المدى الطويل، وسيخلق أنماطًا جديدة من القراءة لن تلغي القديم بطبيعة الحال، بل ستساعده على التكيف مع متغيرات العصر.

انتصار السري (كاتبة يمنية):
"سلطة الجوائز..."

أرى أن أبرز حدث ثقافي في 2023 بالنسبة لي كان خروج كتابي الثامن "فنجان قهوة على حافة الفوضى" إلى النور، الذي صدر عن دار عناوين بوكس في القاهرة. وشارك في عدد من معارض الكتب خلال عام 2023م، كما تمت ترجمة بعض نصوصه إلى الإنكليزية.
كان 2023 زاخرًا بإصدارات أدبية وثقافية عديدة وصل بعضه إلى يدي وقرأته، ومنها:
رواية "فاكهة للغربان" للروائي اليمني أحمد زين، التي تعد من أجمل الأعمال الروائية اليمنية، ودارت أحداثها عن خيبة المناضل اليمني في ما بعد قيام ثورة 14 أكتوبر/ تشرين الأول، وانقسام بين صفوف المناضلين والثوار.
أيضًا، رواية "برلتراس" للروائي التونسي نصر سامي، التي تحدثت عن فساد الحكومة ومطاردتها لأصحاب الكلمة الصادقة، وحبسهم في سجونها، وتعذيبهم وقتلهم.
كذلك رواية "تغريبة القافر" للروائي العماني زهران القاسمي، التي صاغها الكاتب بأسلوب جميل ورمزي، بحث بطل الرواية القافر عن صوت الماء في الصخر، عن القرية المعزولة، عن الحياة الاجتماعية ما قبل الرخاء وبعده. نسج القاسمي كل تلك الأحداث في عمل رائع توج بجائزة الرواية العربية البوكر لعام 2023.
بالنسبة لأهم الفعاليات الثقافية خلال عام 2023، سأتحدث عن أهم حدث ثقافي كان في اليمن، وهو عمل ورشة تدريب لعدد من كتّاب السرد في اليمن عبر أجيال مختلفة تحت عنوان قنطرة، وبرعاية معهد غوته الألماني في اليمن. استمرت الورشة على مدار أسبوع، واستضافها نادي القصة في صنعاء، وأثمرت تلك الورشة كتاب "قبل الصبح بقليل"، شمل نصوص الكتّاب المشاركين في الورشة.
ومن الفعاليات العربية التي أقيمت في عام 2023 كانت فعالية أيام بيت الزبير للسرد، تحت شعار "سلطة الجوائز وسلطة التلقي"، التي أقيمت مؤخرًا في سلطنة عمان. والفعالية أقيمت لأول مرة في السلطنة بمناسبة الأسبوع العالمي للغة العربية، وحضرها كتّاب السرد من الوطن العربي، حيث شاركوا في نقاشات وقراءات كتب وندوات وجلسات سرد قصص. ركّز هذا الحدث الغني بالمحتوى على موضوعات رئيسية، مثل الهوية والإبداع، بالإضافة إلى تزويد المشاركين بمعرفة أعمق  لثقافة وتراث عُمان.
أيضًا، من الفعاليات التي كان لها بصمة في عام 2023، فعالية معرض الكتاب في برلين، وبحضور عدد من الكاتبات العربيات حيث أقيم حفل توقيع كتب بعضهن، ضمن النشاط الثقافي المصاحب لمعرض الكتاب العربي الأول في بيت الثقافة العربية "الديوان"، وبرعاية سفارة قطر في برلين، وأدارت الفعالية الكاتبة القطرية هدى النعيمي.

جوان فرسو (شاعر كُردي يقيم في بريطانيا):
دور نشر جديدة


تنوعت قراءاتي في 2023 بين الرواية والشعر، بالإضافة إلى كتب تاريخية وتوثيقية باللغتين العربية والإنكليزية. قرأت عربيًا لسليم بركات، وهيثم حسين، ومحمود درويش، وسنية صالح، وواسيني الأعرج، والطيب صالح؛ وعالميًا: ويستن هيو أودن، فيرنون سكانيل.
بالنسبة للفعاليات، لم أتابع كثيرًا فعاليات عالمية، أو محلية، لكن فقط محليًا لفتت انتباهي أنشطة اتحاد مثقفي كردستان، وشاركت في بعض الفعاليات المحلية هنا في بريطانيا حيث أعيش... لفت انتباهي كذلك وصول عدد من الأفلام الكردية التي تم إنتاجها وتمثيلها في شمال سورية، أو في كردستان العراق، إلى دور سينما ومراكز ثقافية عالمية، من أبرزها فيلم: جيران، بربو، وفيلم كوباني... كذلك ظهور مترجمين ودور نشر جديدة، وهو ما يبعث على التفاؤل في عالم الكتابة والنشر.

شيرين ماهر (كاتبة ومُترجمة مصريّة):
عام الحروب


عام 2023، وإن جاز لي وصفه بعام الحروب، يجعل الثقافة وفعالياتها بمثابة ربوة بعيدة يمكننا التقاط الأنفاس عليها وسط هشيم الدمار. بطبعي، تستهويني كتابات السير الذاتية، لكونها تقول شيئًا قابلًا للعيش والاستمرار، فالدروس المستفادة من تجاربنا الشخصية هي رسالة لا تفنى ولا تتقادم...  ومن بين أكثر الأعمال التي لفتت انتباهي هذا العام رواية الأديب الجزائري واسيني الأعرج "حيزية حكاية الغزالة الذبيحة"، التي تقدم قراءة مغايرة لأسطورة الشهيدة الجزائرية "حيزية"، بعد سنوات من البحث والتوثيق واقتفاء أثر الحقائق قام بها "الأعرج" حول ملحمة الحب العذري التي شاعت قبل قرابة قرنين في الجزائر، وقوفًا على مدى صدق وصحة الملابسات التي شاعت حول هذه الفتاة وموتها. استوقفتني فكرة التأريخ الأدبي من باب إنصاف الحقائق لا الشائع والمتداول، إذ يتبنى الكاتب في روايته نهجًا أمينًا ـ سبق أن تبناه في روايته عن حياة الشاعرة مي زيادة ـ ما يجعل فن كتابة الرواية ذا مغزى أكبر بكثير من المتعارف عليه، لينقله من زاوية الخيال إلي البحث بعمق في الحياة الخبيئة لكشف الالتباس ودحض الأوهام والأكاذيب. ففي رأيي، الأدب ليس دربًا من رفاهية، وإنما أداة من أدوات التصدي للحقيقة ويُكسِب الثقافة قيمة إنسانية مضافة.
هنالك أيضًا كتاب "شقيقتي، إنجيبورج باخمان/Ingeborg Bachmann, meine Schwester" الصادر عن دار نشر "Piper" الألمانية، والذي صدر هذا العام بالتزامن مع الذكرى الخمسين على رحيل الشاعرة النمساوية الشهيرة إنجيبورج باخمان، أحد أكثر الأصوات النسائية تأثيرًا في مجال الأدب، ولا يزال صدى أعمالها وقصائدها إبان فترة الحرب مستمرًا لدى الجمهور المعاصر. الكتاب شخصي للغاية يتحدث فيه هاينز باخمان ـ الأخ الأصغر للشاعرة ـ عن حياته وذكرياته معها، لكونه كان الأكثر قربًا منها بين أفراد العائلة. يتحدث هاينز عن معاناة شقيقته والدوامة التي أغرقتها من الداخل حتى أودت بحياتها. الكتاب بمثابة تأبين عميق من القلب من شقيق محب إلى شقيقته التي لم يعرف أحد شيئًا عن معاناتها وألمها المخبأين تحت سُترة الشهرة والسفر والترحال الدائم. ولعل من أهم الرسائل التي تركها هاينز بين سطوره أن شقيقته كانت ستحزن كثيرًا لو كانت لا تزال على قيد الحياة ورأت كيف أن العالم لم يتغير بعد، ولم تتعلم البشرية شيئًا من أخطاء الماضي، فالحروب والصراعات لا تتوقف ولا تضع أوزارها، الأمر الذي كان سيجعل الحاضر مأساويًا وعبثيًا بالنسبة لها، بحسب هاينز.





وعلى صعيد الفعاليات الثقافية الأبرز هذا العام، أرى أن "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" في دورتها التاسعة بالعاصمة القطرية، من بين أهم الفعاليات الثقافية لهذا العام، لكونها تحفز مناخ التنافس ودعم حركة الترجمة في العالم من اللغة العربية وإليها، باعتبار الترجمة جسرًا هامًا عبر الثقافات، وفي حاجة إلى دعم مؤسسي وتنظيمي ومالي مستمر، حتى ترى كنوز الترجمات النور. والواقع، أصبحت هذه الجائزة بالفعل أهم وأكبر جائزة معنية بحقل الترجمة في العالم من اللغة العربية وإليها، سواء من حيث القيمة، أو التأثير، خاصة وأنها تولي اهتمامًا خاصًا بالترجمات في العلوم الإنسانية: كالأدب، والدراسات الإسلامية، والفلسفة، والعلوم الاجتماعية، والسياسية، والتاريخ. وقد مثلت المشاركات لهذا العام أفرادًا ومؤسسات معنية بالترجمة من 38 دولة حول العالم، حيث حلّت مصر في المرتبة الأولى من حيث عدد الترشيحات القادمة من الدول العربية. فيما تصدرت إسبانيا الترشيحات من الدول غير العربية.
كذلك أرى أن احتفالية اليوم العالمي للغة العربية، التي اُقيمت في باريس في 18 ديسمبر/ كانون الأول، بدعم مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وبتنظيم من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" بالتعاون مع المندوبية الدائمة للملكة العربية السعودية، بمثابة أحد أهم الفعاليات العالمية التي تهدف إلى التعريف باللغة العربية، وأهميتها كواحدة من أكثر اللغات انتشارًا وثراء. ووسط ثورة التكنولوجيا وغلبة عصر الآلة تبقى اللغات الحية من بين أهم المكتسبات الإنسانية التي يجب دعمها والإبقاء عليها. وقد اختارت منظمة اليونيسكو شعارها هذا العام "العربية: لغة الشعر والفنون" تثمينًا لأهمية وقيمة اللغة العربية باعتبارها منبع الإلهام لكثير من الفنانين والشعراء على مر العصور، وتعزيزًا للوعي بأهمية المحافظة على هذه اللغة وتعلمها وتطويرها.

محمد جدي حسن (كاتب تشادي):
"موسم الهجرة إلى الشمال"


بدأتُ السنة بقراءة رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، الرواية التي أراها من بين أفضل ما كتب في الرواية العربية، وأعيد قراءتها في بداية كل سنة. كما فعلت الأمر نفسه مع رواية "حياة كاملة" لروبرت زيتالر، وقرأتها للسنة الثالثة على التوالي؛ لأن الكتاب الجيد يقرأ مرات.
أحببت رواية "الرجل الذي كان يحب الكلاب"، رغم أنني لا أحب الكلاب، وأميل إلى القطط. تعرفت على أدب "بادورا"، وعلى الصراع بين تروتسكي وستالين، وكثير عن كوبا والمكسيك وفريدا كالو. هذه رواية لن أنساها ما حييت، كما لا ينسى سالازار صرخة تروتسكي حين ضربه بالفأس وسط رأسه.
من كونديرا، إلى إريك فروم، تخبرنا الروايات وكتب علم النفس أن كل ما يفعله الإنسان هو من أجل كسر وحدته، من أجل الشعور بأنه ليس وحيدًا. قرأت إريك فروم وميلان كونديرا من أجل فهم السعادة والحب والصداقة. قرأت لفروم كلًا من "المجتمع السوي"، وأدركت أن كل المجتمعات مريضة، ثم قرأت "فن الوجود" لأعرف ما أريد وما أردته ولم ولماذا. وكروائي يراقب الناس، أو متلصص بالمعنى السلبي، لاحظت سعي الناس، وأدركت أن الأغلب يبحث عن الحب، بل إن بعضهم يتسوّله، لذا أردت فهم ذلك، فقرأت كتاب "فن الحب" لإريك فروم، وعدت إلى كونديرا لأخفف عني ثقل هذا الوجود، ولكي أحيي ذكراه قرأت روايته "الخلود"... ثم "الحياة في مكان آخر"، و"كائن لا تحتمل خفته"، وودعته بـ"رقصة الوداع".
وبسبب أحداث غزة المؤلمة، قرأت كتاب "أكبر سجن على الأرض" لـ إيلان بابيه، وهو كتاب يشرح القضية الفلسطينية بشكل شامل. ورواية "أنا أرييل شارون" للروائية يارا الغضبان، التي قدمت لنا دراسة نفسية لشخصية شارون القاسية، والمأساة الفلسطينية.

مي عاشور (كاتبة ومُترجمة مصريّة):
تطوّر الذكاء الاصطناعي


ينتهي هذا العام تاركًا ثقلًا في القلب، الأحداث مؤلمة وتثير الكآبة، ولكنها في الوقت نفسه تذكرنا أن الإرادة هي الأبقى، والحرية هي الصوت الذي سيجرف كل سكوت وصمت.
على مستوى العمل، منحني عام 2023 شعورًا مفعمًا بالأمل، فبدأت الأمور تعود إلى مجراها تدريجيًا بعد سنوات الوباء. شاركت في ورشة ترجمة أقامتها الصين عبر شبكة الإنترنت، وتحديدًا بالتعاون مع مركز تعليم اللغات والتعاون Center For Language Education and Cooperation، مركز علم الصينيات العالمي (World Sinology Center)، والمتحف الوطني الصيني. كانت الورشة متخصصة في ترجمة ما يتعلق بالآثار ومعروضات المتاحف الصينية، وما تحتويه من شروحات، مما فتح أمامي آفاق الاتصال بالتاريخ، والثقافة، والفن الصيني في فترات مبكرة، ولاكتشاف مزيد عن الحضارة الصينية، وكذلك لنقاش ما يتعلق بإشكاليات وصعوبات الترجمة عن اللغة الصينية.
بعد الوباء، صار الذهاب إلى الصين أشبه بحلم بعيد، ولكن أحيانًا يظن المرء أنه على بعد مسافات من شيء، في حال أنه على بعد خطوة صغيرة منه. فلم أتوقع أبدًا أنني سوف أزور الصين هذا العام لأول مرة بعد فترة الوباء، وبعد انقطاع عن السفر لقرابة أربعة أعوام. انطلقت مجددًا حكايتي مع الصين والكتابة عنها، وتحديدًا من مدينة شن يانغ في شمال شرقي الصين، حيث شاركت في برنامج "مرحبا! شن يانغ"، بدعوة من إذاعة الصين الدولية، والمخصص  للصحافيين والمهتمين بالشأن الصيني، ويتيح هذا البرنامج للمشاركين الفرصة لزيارة عدد من معالم المدينة، وأبرز أماكنها الثقافية والتاريخية والصناعية، وغيرها... وعلى الرغم من أنها لم تكن المرة الأولى لزيارة شمال شرقي الصين، إلا أن شن يانغ مدينة لها طابع مميز ومختلف، فهناك رأيت كيف تعيد الصين تدوير الأماكن القديمة، ومدى تطور الذكاء الاصطناعي في الصين، وتقدم الأجهزة الطبية، وكيفية استغلال الصين لطبيعتها من خلال إنشاء متنزهات وحدائق ضخمة ومفتوحة ـ في المقام الأول ـ لخدمة الشعب الصيني. والقسم الممتع والمهم ـ طبعًا بالإضافة إلى الذهاب إلى الصين ـ هو أن هذه الرحلة أثمرت عن سلسلة من الكتابات والمقالات باللغتين: العربية والصينية.
أما عن أبرز الكتب التي لفتت نظري، فلم تكن إصدارات حديثة لهذا العام، لكنني استمتعت كثيرًا بها: قرأت "طِشاري" لإنعام كجه جي، و"لن تتكلم لغتي" لعبد الفتاح كيليطو، و"القوقعة: يوميات متلصص" لمصطفى خليفة، و"مصر في عصر دولة المماليك الچراكسة" لإبراهيم علي طرخان.

سعيد أوعبو (ناقد مغربي):
"ثورة الأيام الأربعة"


القراءة لم تكن يومًا فعلًا معزولًا عن القارئ والمثقف، ويستبدُّ بنا دائمًا سؤال الكيف والكم، أي كيف نقرأ؟ وكم نقرأ؟ إنه سؤال جدليٌّ في الحقيقة، لكن حقيقة القارئ تنطوي على الذي يُحصِّل أجوبة، ويترك من خلفه أسئلة بعد القراءة، وعلاقةً بالقراءة نفسها، فهاته السنة تشكَّلت امتدادًا لسابقاتها في علاقتنا بالقراءة، وكلُّ عمل مقروءٍ يعدُّ إضافة نوعيّة لتجربة القارئ.
تشكل المخالفة والمغايرة في سياق الإنتاج الإبداعي رهان المبدع والقارئ على السَّواء، ومن النصوص التي أثارت اهتمامنا هي التي تنتدب فكرة المشروع، من قبيل "ثورة الأيام الأربعة" في جزئها الأول لعبد الكريم الجويطي، المبدع الذي يكتب رواية المعرفة، بقدرة كبيرة على أخذ فكرة من التاريخ وإذكائها عبر المتخيل، وفتح فجوات تستفز القارئ، بمعنى آخر هو يرمي عبر كتابة التخييل التاريخي إلى توليد النص من زاوية المهمل، بطرق فنية تعتمد على الاستطرادات، وقوة التكثيف والوصف، وتعميق المفاهيم بشكل فلسفي داخل الرواية، والمطامع تكبر فيما تخلِّفه الرواية من أسئلة عميقة في تمجيد الفشل، وتتعالى الرغبة في انتظار بقية أجزاء الرّباعية التي تخوض في فشل أحداث مولاي بوعزة في ظرفية وجيزة قدرها أربعة أيام، وهو الأفق الجدير أيضًا بالاهتمام والإثارة في تجربة معاصرة سابقة في الكتابة المغربية تبنى بمنطق المشروع؛ في حين يظل استكشاف الرواية التاريخية المغلَّفة بالعرفانية بإرشاد من الأكاديمي عبد العزيز الرّاشدي ـ صاحب رحلات "جراج المدن" القليلة عدد صفحات، والعميقة طرحًا ـ حدثًا استثنائيًا آخر في سياق القراءة، لا سيما مع رواية "خناثة (آلر الرحمة)" لمهندسها عبد الإله بن عرفة، الرواية باعتبارها جزءًا من المشروع العرفاني "طوق سر المحبة"، ورواية "الجنيد (ألم المعرفة)"، وهي أعمال ثلاثية تنبني بفكرة القصد وإضمار الفواتح النوارنية في معمار النص، وإسقاطاتها على بنية الرّواية بشكل مغرب ومدهشٍ... وأعمال أخرى معزولة لا يكفي المقال لذكرها.
إنّ الفعل الثّقافي في الحقيقة يظل وثيق الصّلة مع الحركة الثّقافيّة ونشاطها، وما يثير الاهتمام هو الحضور العماني المبهر في المشهد السّردي العربي، وصحوته في سياق الدينامية التي بدأت تأخذ موقعها بشكل حاسم في الرواية العربية تحديدًا، وإذ نذكر جوخة الحارثي التي حازت المان بوكر سنة 2019، فإننا نجد بشرى خلفان فائزة بجائزة كتارا للإبداع الروائي سنة 2022، وإلى جانبها محمد اليحيائي برسم سنة 2023، علاوة على منى حبراس التي نالت جائزة السلطان قابوس للآداب في سنة 2022 صنف المقالة، ونختتم الجرد بالمبدع زهران القاسمي الذي نال الجائزة العالمية للرواية العربية برسم سنة 2023... وهي أعمال حشدت الاعتراف في السنوات القليلة الأخيرة، وتعدّ سفيرًا حقيقيًا للمنتج العماني الذي صدّر نفسه بقوّة إلى محيطه؛ ونسجّل أنّ حركة الامتداد وتفاعل الكتابة العمانيّة مع المحيط تظهر في علاقة المبدعين العمانيين بالقارئ المغربي، ونمثّل بمحمود الرحبي ـ صاحب نوفيللا "المموه" ـ وكتاباته الخلّاقة التي تجد موقعًا لها في الثقافة المغربية، بما هو انفتاح وتقليد نتمنى أن يتعمّق ليستكشف المغربيّ المشرقيّ، أو العكس، لأننا في حاجة ماسة لهذا التثاقف بما يخدم مصلحة الإبداع العربيّ قراءة ونقدًا ودعايةً، بشكل يكمل عمل الجوائز الثقافية والأدبية.
وارتباطًا بهذا الفعل، فنحن مسرورون بتتويجنا أيضًا بجائزة كتارا، في صنف الدراسات والبحث والتقييم الروائي، عن دراسة "في ثقافة الرواية العربية المعاصرة... ممكنات التمثيل وقصدية الكتابة بالتمثل"، ولعل هذا الاعتراف حدث بارز بالنسبة لصاحبه، ونتمنى أن تتقاطر مثل هاته الجوائز لأنها حافز إضافي لتزكية نقاد ومبدعين، وإظهار آخرين هم في حاجة ماسة إلى طفو أسمائهم نظير اجتهاداتهم ومكابدتهم للمشاق في ميدان الثقافة ومعترك الكتابة، ولعل ظهور جائزة سرد الذهب في الإمارات في نسخته الأولى برسم سنة 2023، يعد دليلًا إضافيًا على الاهتمام الملحوظ بالأدب والثقافة بقديمها وحديثها، ودعوة صريحة للمبدعين إلى تكريس الثقافة الأدبية موازاة مع القراءة، لأن الأدب يعد سرًّا لتنمية الإنسان وتأهيله، فلولا الأدب لضاع الإنسان وضاعت حضارته.

خالد سامح (صحافي وروائي من الأردن):
الصراع العربي ـ الإسرائيلي


شهد العام 2023 زخمًا كبيرًا في الفعاليات الثقافية العربية، من معارض الكتب، وما يقام على هامشها من ندوات ومحاضرات وحفلات توقيع إصدارات جديدة، إلى ملتقيات السرد والشعر والفكر، والتي نشطت بعد الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر، حيث تُستعاد الأعمال الإبداعية التي تناولت القضية الفلسطينية، وتجد قصائد المقاومة حيزًا كبيرًا في تلك الأنشطة، والتي تطرح كذلك قضايا فكرية تتعلق بمآلات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وانعكاساته على وعي الأجيال.
أما الجوائز الإبداعية في السرد والشعر والقصة القصيرة، فبقيت ـ وكما كل عام ـ تثير الجدل بين مؤيد ورافض، أو مشكك في نزاهتها وجدواها، لمعت أسماء جديدة هذا العام لا سيما بين الكتاب الشباب، وتقدمت مئات الروايات والدواوين الشعرية والمجموعات القصصية لتلك الجوائز، ولا يبدو أن حرب غزة والظروف الاستثنائية التي تمر فيها بعض الدول العربية قد أثرت في زخم المشاركات. 
على الصعيد الشخصي، أصدرت هذا العام روايتي الثاني "بازار الفريسة" عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمّان وبيروت.
أما تلك الكتب التي لفتت انتباهي، واستمتعت بقراءتها، فسأبدأ من آخر كتاب قرأته من الإصدارات الحديثة، وفيه نصوص قصصية بديعة للكاتب التونسي سفيان رجب، وجاء بعنوان "ماذا تفعل أنجيلينا جولي في بيتي؟"، كذلك قرأت بشغف كبير كتابًا مشتركًا للأديب المبدع هشام البستاني، والفوتوغرافية ليندا خوري، وضم نصوصًا اشتبكت مع أجواء مدينة عمّان وتحولاتها رافقتها فوتوغرافيات للمدينة، وحمل الكتاب عنوان "مدينتي المشوهة التي أصحو فيها كل يوم"، وأقرأ حاليًا رواية "أبناء غورباتشوف" للكاتب الروسي ألكسندر أندروشكين، ترجمة باسل الزعبي، وكنت قد قرأت كتاب "الصانع" لبورخيس، ورواية زهران القاسمي "تغريبة القافر" الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية 2023، ورواية طارق إمام "ماكيت القاهرة"، وغيرها كثير من الأعمال المنوعة بين السرد والشعر والفكر والنقد.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.