}

نعومي كلاين: الصهيونيّة صنمٌ زائف

جورج كعدي جورج كعدي 21 أكتوبر 2024
هنا/الآن نعومي كلاين: الصهيونيّة صنمٌ زائف
نعومي كلاين


يجب أن نخصّ الكاتبة والناشطة الكندية اليهودية نعومي كلاين/ Naomi Klein بتقدير خاص، فهي تجاوزت بنبل أخلاقيّ وإنسانيّ انتماءها الطبيعيّ بالولادة إلى الدين اليهوديّ، لتؤيد الحقّ الفلسطينيّ بصوت مرتفع (منذ سنوات وليس من البارحة)، ولتناضل بكتاباتها منذ مطلع التسعينيّات ضدّ الصهيونية والكيان الإسرائيليّ اللذين ثابرت حتى اليوم، وبخاصة في ظلّ الإبادة الحاصلة في غزة، على اتّهامهما بالوحشية والتمييز العنصريّ وممارسة العنف اليوميّ ضدّ الشعب الفلسطيني بأشكال متعدّدة. وهي من القائلين إنّ "ضحية" الأمس في المعتقلات النازية أمست بدورها جلّادًا مجرمًا وقاتلًا لشعب آخر لا ذنب له البتة في ما حصل تاريخيًا، وأنّ ذريعة "الضحية" لم تعدْ مجدية، بل هي محض استغلال انتهازيّ من قبل أصحاب المشروع الصهيونيّ الذي تصفه كلاين بالصنم الزائف المعبود من بعض اليهود المضلَّلين الذين يظنّونه مشروعًا خلاصيًّا لهم، وكيانًا قوميًا يحتضنهم إلى الأبد.
بموقف كلاين من حدث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 نبدأ، ففي مقالة حديثة لها في "ذي غارديان" البريطانية تحت عنوان "كيف حوّلت إسرائيل الصدمة (التراوما) سلاح حرب" (5 تشرين الأول/ أكتوبر 2024) تقول ببلاغة ومنطق سديد: "هناك في إسرائيل، وفي عدد من وسائل الإعلام الغربية مقارنة مستمرة ومتكررة بين السابع من أكتوبر والهولوكوست (...) يصوّر هذا القياس الفلسطينيين عديمي الجنسية ــ الذين يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي الطويل والاحتلال غير القانوني والفصل العنصري ــ بصورة النازيين، في حين أنّ إسرائيل ــ التي تملك واحدًا من أقوى الجيوش في العالم، وتدعمها القوة العظمى الأميركية، وتنتهج سياسة واضحة لتوسيع أراضيها، ومحو الوجود الفلسطيني بطريقة استعمارية صارخة ــ تصوّر بصورة الضحية العاجزة. إنها مسألة مثيرة للغضب العميق، ففي أذهان كثير من الإسرائيليين وأنصارهم، يبرّر تهديد بحجم الهولوكوست أي رد فعل تقريبًا (...) المحاكاة واضحة على مستويات عدة: في الاختيار المستمرّ للغة المستخدمة للمحرقة ("لن ننسى أبدًا"، "لن يتكرر ذلك أبدًا"، "الشهادة")، وفي المحاكاة الواقعية المفرطة، مثل الرحلات المدرسية إلى عربات الماشية المجهّزة بصور ثلاثية الأبعاد للمعتقلين اليهود، فإعطاء تلاميذ المدارس جوازات سفر وهمية ليتخيلوا أنفسهم محمولين على تلك العربات. يقدم الموقع الإلكتروني "جولات غلاف غزة 360" مثل "جولات أوشفيتز 360"، كما يتضمن معرض "نوڨا" المتنقّل عرضًا للأحذية "المفقودة والموجودة" في موقع المهرجان (تذكّر صفوف الأحذية بعرض مماثل في متحف الهولوكوست في واشنطن)... كانت هجمات السابع من أكتوبر وحشية، لكنّها لم تمثل تهديد إبادة للإسرائيليين، أو اليهود كشعب (...) إنّ إصابة إسرائيل في الصميم هي أن الفلسطينيين أُجبروا على دفع ثمن جرائم أوروبا. دفعوا الثمن بأرضهم وبيوتهم وحريتهم ودمائهم"، مؤكدة أن الشعب الفلسطيني لم يشكل على الإطلاق تهديدًا وجوديًا لليهود.
في حوار آخر مع ديفيد ساروتا لمجلة Jacobin، تضيف نعومي كلاين حول مأساة غزة: "لقد كنت في غزة عام 2008، والتقيت عددًا من الأطفال الصغار وسط الأنقاض. رأيت أطفالًا أحرقت أجسادهم بالفوسفور الأبيض. هؤلاء هم شباب اليوم. رأيت الشيء نفسه في العراق بعد الغزو. أعتقد أن الفلسطينيين يملكون حقًا في المقاومة المسلحة (...) أعتقد أننا نكرر الأخطاء نفسها. في حدث الحادي من سبتمبر/ أيلول الأميركيّ، كان هنالك أشخاص في إدارة جورج دبليو بوش يملكون خطة كاملة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وقد حانت آنذاك لحظتهم. علينا اليوم أن نتذكر ذلك ونفكر في أشخاص مثل بنيامين نتنياهو، الذي تسيّره حكومة يمينية شديدة التطرّف، والذي كان يتبنّى أفكار الإبادة الجماعية علنًا، ويتحدث عن عدم رغبته في التعامل مع غزة بعد اليوم. إنهم يدعون أساسًا إلى التطهير العرقي، ويريدون الاستيلاء على كامل الضفة الغربية، ويرون أن اللحظة قد حانت".

نعومي كلاين: ثمة رواية صهيونية مفرطة الذكورية تلقي باللائمة على اليهود الأوروبيين المثقفين لكونهم مضوا كالحملان إلى مذبحة المعتقلات


إلى "بودكاست" ديفيد نيمون/ Naimon، الذي يحمل اسم Between the covers وفيه الآراء الأكثر عمقًا واستفاضة لنعومي كلاين بشأن القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني، وفي ما يلي بعض هذه الآراء، مع سرد تاريخي لنضالها الطويل من أجل هذه القضية. تقول: "(...) ليس خطاب كراهية القول إنّ إسرائيل منخرطة في الاستعمار الاستيطاني. وليس خطاب كراهية قولنا إنّ مئات من علماء القانون الدولي والدراسات حول الإبادة الجماعية قالوا إنّ إسرائيل ربما ارتكبت، أو ربما ترتكب، إبادة جماعية في غزة (...) أعتقد أن هجمات السابع من أكتوبر لم تقتل اليهود لكونهم يهودًا، بل لكونهم إسرائيليين ينتمون إلى مشروع استعماري (...). كنت أكتب مقالات دورية عن تفاعل السياسة الإسرائيلية، وبخاصة ما يسمّى بالحرب على الإرهاب بعد حدث الحادي عشر من سبتمبر الأميركي، والطريقة التي يتعامل بها الساسة الإسرائيليون، مثل أرييل شارون، مع القضية الفلسطينية. حاول شارون عَمْدًا استغلال الصدمة في الولايات المتحدة لتعميم رفض الاعتراف بحق تقرير المصير، أو الدولة للفلسطينيين، للقول: هل ترون مع مَنْ نتعامل هنا؟ كانت رسالته: ما حدث لكم في الولايات المتحدة هو ما نتعامل معه. ولم يكن هذا صحيحًا بالتأكيد. كان السياق مختلفًا. كان أمرًا يلجأ إليه الساسة في إسرائيل لحقبة مديدة وهو رفض الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، واعتباره نضالًا ضد الاستعمار، بل كراهية غير عقلانية لليهود (...) كان منعطفًا خاطئًا اتخذه الشعب اليهودي عندما اتخذ قرار البحث عن الأمان اليهودي في دولة عرقية محصنة (...) بدا الأمر كأن الصهاينة هم الوحيدون الذين يملكون الإجابة بشأن أهوال معاداة السامية (في أوروبا) بعد الحرب العالمية الثانية وفشل الاندماج. كانت هنالك معارك داخل الصهيونية. كان هنالك أنصار حنّة أرندت، ومارتن بوبر، الذين لم يتجهوا إلى فكرة القومية المفرطة والدولة الحصينة، بل فكرة الوطن اليهودي ضمن اتحاد مع الدول العربية. خسر هؤلاء وبقيت الإجابة الوحيدة التي لا تزال قائمة اليوم (...) إنّ حياة الفلسطينيين تقع في الجانب الآخر من البندقية الإسرائيلية. هذا الاحتلال مستمرّ منذ مدة تتخطى عمري (...) لم أسمع كلمة نكبة إلّا بعد دخولي الجامعة. كانت عبارة محظورة (...) هنالك اليوم نية إبادة معلنة. عدد من الساسة الإسرائيليين يقولون إن الهدف هو دفع الفلسطينيين إلى سيناء (...) حينما شُكّلت هذه الحكومة اليمينية المتطرفة قبل نهاية عام 2022 نصّ بيان الائتلاف صراحة على أنّ للشعب اليهودي الحق الحصري الذي لا جدال فيه بجميع مناطق أرض إسرائيل. وستعمل الحكومة على تعزيز الاستيطان وتطويره في سائر أنحاء أرض إسرائيل، في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة (...). كثير من الأصوات الإسرائيلية والصهيونية تريد أن يكون كل العنف الممارس في غزة ردًا على السابع من أكتوبر، وكأن العنف لم يكن موجودًا قبل هذا التاريخ (...) إنّ إسرائيل تحكمها سياسات النسخ المتماثلة التي غالبًا ما تنتهي بإبادة الآخر، ليتبيّن بعد ذلك أنّ الآخر هو نحن. في هذه الحالة أنت تطعن نسختك المتماثلة، لكنك في النهاية تطعن نفسك. كيهودية، هذا ما تريني إياه الأهوال المتفاقمة والمستمرة في فلسطين، في محاولاتنا لنفي جسد الآخر وتدميره، ننتهي كيهود إلى تدمير أنفسنا، إن لم يكن أجسادنا، فأرواحنا، ومبادئنا، وحبنا للمناقشة، وهوياتنا المرنة، ونفوسنا إذا كانت تؤمن بأشياء كهذه". لا خلاصة أبلغ من هذه الكلمات الأخيرة لكلاين.




بالعودة إلى تذرّع الصهيونية بالهولوكوست، تقول كلاين: "ثمة رواية صهيونية مفرطة الذكورية تلقي باللائمة على اليهود الأوروبيين المثقفين لكونهم مضوا كالحملان إلى مذبحة المعتقلات، وترى أنّ إسرائيل كانت ردّ فعل على ذلك، ليس فقط كدولة حصن، إنّما كذلك من خلال شخصية اليهودي الجديد، ذي الكمال الجسديّ، غير المثقف، والذي يحمل السلاح ولا يقاتل مع شعوب أخرى مضطهدة من أجل عالم جديد وفق رؤية حزب العمال الاشتراكي وعدد من التشكيلات اليهودية الاشتراكية الأخرى، بل يضع سلاحه في رأسٍ معادٍ للسامية ويخضعه. هذا يمثل أهمية بالغة لنتنياهو على المستوى الشخصي، فوالده كان مؤمنًا بأبدية الكراهية لليهود (...)، وبأن ثمة أمرًا وحيدًا تستطيع أن تفعله هو تحصين نفسك ضدّ الآخر (...) كان شارون يقول "كما ترون، هذا هو السبب وراء حاجتنا إلى دولة إسرائيل"، وهو سبب تصريح بايدن قبل السابع من أكتوبر بوقت قصير، إذ قال إنّه من دون إسرائيل لن يكون أيّ يهوديّ آمنًا. كان كلامًا خبيثًا جدًا، إذ كان يعني قبول الرواية القائلة إنّه لا يتحمّل مسؤولية كرئيس أميركي في الحفاظ على سلامة اليهود وسلامة جميع المواطنين. إنه يقبل الاستعانة بمصادر خارجية للحفاظ على سلامة اليهود في الدولة الحصينة (إسرائيل)".




ترى نعومي كلاين أن نهج الإبادة مستمرّ منذ الحرب العالمية الثانية، "بل يزداد عنفًا" تقول وتتابع: "كان نهج الإبادة قائمًا في تأسيس إسرائيل، وهو قائم أيضًا في ما يحدث في غزة (...) ثمة رعب عميق، بالنسبة إليّ، في إدراك أنّ أهوال الحرب العالمية الثانية لم تنته. لم تبدأ الإبادة مع تلك الحرب ولم تنته بانتهائها. إنّ فصلًا آخر يُكتب الآن، وهو أكثر عنفًا". ولكون كلاين مناضلة قديمة في حركة مقاطعة الكيان الصهيوني فإنها تعبّر عن ثبات نضالها في هذا الجانب، وتقول في حوارها الحديث هذا: "أعتقد أن كل ما يسعنا القيام به هو الضغط على هذه الدولة ومقاطعتها، وسحب الاستثمارات منها (...) أودّ حقًا حثّ الناس على إلقاء نظرة إلى مبادئ حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، فهي لا تقتصر على مقاطعة الفنانين الإسرائيليين الأفراد، أو الأكاديميين الإسرائيليين الأفراد، بل تشمل المؤسسات المتورّطة مع الدولة الإسرائيلية، وآليات التهجير والاحتلال (...) علينا ألّا نخاف من التحدث بصراحة، وأن نميّز بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية الحقيقية. لست متأكدة من أننا قمنا بعمل جيد بما يكفي في هذا الصدد. أعتقد أننا في حاجة إلى أفق نتحرّك باتجاهه. أمر صعب حقًا. بالعودة إلى تصوّر إدوارد سعيد حول المستقبل، فإن هذه الأرض مليئة بالأخطار فعلًا، بل جُعلت كذلك عمدًا، فكيف نفتح أفقًا حين تكون استراتيجية الدولة الإسرائيلية تفكيك المجتمع الفلسطينيّ على نحو منهجيّ وفق مبدأ فرّق تسد. من الذي يأتي بالأفق؟ سؤال تصعب الإجابة عنه، وهذا مقصود. لكن الحقيقة هي أنه لا بدّ من وجود حلم، رؤية. ولا بدّ من وجود قيم ومبادئ تشكّل حافزًا لحركاتنا ونشاطنا".





في الرابع والعشرين من أبريل/ نيسان الفائت، وقفت كلاين لتخطب في جمهور يهودي وأميركي متنوّع الدين والجنسية والانتماء، في بروكلين، خرج إلى الشارع احتجاجًا على الدعم الأميركي المستمرّ للهجوم الإسرائيلي الإباديّ على غزة. قالت في الحشود يومذاك: "أصدقائي، كنت أفكر في موسى وغضبه حين نزل من الجبل ليجد بني إسرائيل يعبدون عجلًا ذهبيًا (...) إنّه رمز عن ميل البشر إلى عبادة كل ما هو دنيوي ولامع، والتطلع إلى الصغير والمادي بدلًا من الكبير والمتسامي. إنّ كثيرًا من أبناء شعبنا يعبدون صنمًا زائفًا مرة أخرى. هم مفتونون به. هذا الصنم الزائف اسمه الصهيونية. إنه صنم زائف يتناول أعمق قصصنا التوراتية عن العدالة والتحرّر من العبودية، وقصة عيد الفصح نفسه، ويحوّلها إلى أسلحة وحشية لسرقة الأراضي المستعمرة، وإلى خرائط طريق للتطهير العرقي والإبادة الجماعية. الصهيونية صنم زائف تجرّأ على تحويل فكرة الأرض الموعودة السامية إلى صك بيع لدولة عرقية عسكرية. إن النسخة الصهيونية السياسية للتحرير هي في حدّ ذاتها نسخة دنيئة، فمنذ البداية كانت تستلزم الطرد الجماعي للفلسطينيين من ديارهم وأراضي أجدادهم، خلال النكبة (...) وأنتجت منذ البداية نوعًا قبيحًا من الحرية فلم تنظر إلى الأطفال الفلسطينيين بكونهم بشرًا، بل عدّتهم تهديدًا ديموغرافيًا، تمامًا مثلما خشي فرعون في سفر الخروج من النمو السكاني لبني إسرائيل وأمر بقتل أبنائهم (...) لقد أوصلتنا الصهيونية إلى هذه اللحظة الكارثية، وهي تقودنا دومًا إلى هذا الوضع. إنّه صنم زائف قاد كثيرًا من أبناء شعبنا في مسار غير أخلاقيّ عميق (...) الصهيونية صنم زائف خان كلّ القيم اليهودية (...) لقد سُمح للصنم الصهيونيّ الزائف بأن ينمو بلا رادع لمدة طويلة جدًا. لا يمكن احتواء يهوديتنا من خلال دولة عرقية، لأنّها يهودية أمميّة بطبيعتها. لا يمكن حماية يهوديتنا من خلال الجيش الهائج لتلك الدولة العرقية، فكل ما يفعله هذا الجيش هو زرع الحزن وحصد الكراهية، بما في ذلك الكراهية ضدنا كيهود (...) نحن لا نحتاج إلى صنم الصهيونية الزائف ولا نريده. نريد التحرّر من المشروع الذي يرتكب الإبادة الجماعية باسمنا. نريد التحرّر من الأيديولوجيا التي لا تملك خطة سلام، باستثناء الصفقات مع الدول البترولية المجاورة، وهي دول دينية وقاتلة. تبيع إسرائيل تكنولوجيات الاغتيال للعالم. إننا نسعى إلى تحرير اليهودية من دولة عرقية تريد أن يعيش اليهود في خوف دائم، وتريد أن تخيف أطفالنا، وتريدنا أن نعتقد أنّ العالم ضدنا لكي نركض إلى حصنها، أو نستمرّ على الأقلّ في إرسال الأسلحة والتبرّعات. الصهيونية صنم زائف. ولا يتعلق الأمر بنتنياهو فقط، بل بالعالم الذي صنعته (...) نحن نمثل الخروج الجماعي (Exodus) من الصهيونية".
لا تقف هذه المناضلة اليهودية المثابرة ضدّ الصهيونية عند حدّ، فنتابع آراءها في حوار آخر مع صحيفة جامعة سوارثمور The Phoenix، عدد 25 أبريل/ نيسان 2024، حيث تقول في إضافة على آرائها السابقة: "أعتقد أن ثمة فشلًا أخلاقيًا هائلًا في عدم التضامن مع الصحافيين الفلسطينيين الذين قُتلوا بأعداد قياسية. وأعتقد أن جامعاتنا تتحمّل أيضًا المسؤولية الأخلاقية عن فشلها في الدفاع عن زملائنا الباحثين، أو عن حق الفلسطينيين في التعليم، أو حقيقة أن فلسطين تشهد ما يسمّى بإبادة المدارس والتدمير المنهجي لنظام بأكمله على كل المستويات، من الابتدائية إلى ما بعد الثانوية. لقد تمّ استهداف كل الجامعات، وكلها تقريبًا في حالة خراب: الأرشيف، دور النشر، وما إلى ذلك. إنه تدمير القدرة على إنتاج المعرفة، والقدرة على التعلّم. نتحمّل جميعًا مسؤولية التضامن في مواجهة ما هو بوضوح تدمير الوجود الفلسطيني في غزة (...) إن الناس الذين يزعمون أنهم يمثلوننا يرسلون القنابل، ويخلقون الفضاء الديبلوماسي لهذه الفظائع. كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، في الولايات المتحدة، يؤيّد ما يحصل، فهل نقول: ماذا نفعل؟ من شأن سؤال كهذا أن يفسح للعدمية، أو للشعور بالعجز، أو للاكتئاب. علينا أن نحاول التأثير للتغيير (...) لا أتذكر انتخابات كانت مثل هذه مستحيلة أخلاقيًا (...) إنه خطأ الأشخاص الذين دعموا الإبادة الجماعية. أقول ذلك وأنا أعتقد شخصيًا أنّ الأمور ستزداد سوءًا مع ترامب. أكثر سوءًا بكثير". وفي يقين هذه اليهودية المناهضة للصهيونية أنّ "أفضل استراتيجية لإنهاء الاحتلال الدموي هي أن تغدو إسرائيل هدفًا لحركة عالمية مماثلة لتلك التي أنهت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا".
نعومي كلاين (54 عامًا) يهودية "كارهة نفسها" بحسب الأدبيات الصهيونية واليهودية المتطرفة الموتورة، لها حضورها البحثيّ والأكاديميّ والصحافيّ والتأليفيّ (أصدرت نحو عشرة مؤلفات بين عامي 1999 و2023، وآخرها Doppelganger: A Trip into the Mirror World، وترجم لها كتاب واحد إلى العربية تحت عنوان "عقيدة الصدمة")، وهي مناضلة فاعلة وناشطة في عدد من القضايا العالمية، كالنسوية، ومناهضة العولمة والرأسمالية، والفاشية والنيوليبرالية، وقضية المناخ، فضلًا عن القضية الفلسطينية، والعداء الواضح للصهيونية، والمقاطعة لدولة الاحتلال والاستعمار والإبادة القائمة على أرض فلسطين التاريخية، والتي تسيء إلى يهود العالم بقدر ما تسيء إلى الشعب الفلسطيني، وتلك أهم قضايا هذه المفكّرة الحرّة والعادلة، الممتلكة شجاعة الموقف والفعل.

٭ناقد وأستاذ جامعي من لبنان.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.