}

فاضل الجعايبي: هرب الطاغية لكن النظام لم يتغيّر

حوارات فاضل الجعايبي: هرب الطاغية لكن النظام لم يتغيّر
لم يخسره المسرح التونسي والعربي(Getty)

الفاضل الجعايبي من أعلام المسرح بتونس وهو من المساهمين في تجديد الخطاب المسرحي وانفتاحه على أنماط تعبيرية وجمالية متنوعة. وبعد تجربة هامة في مسرح قفصة، شارك الفاضل الجعايبي في تأسيس المسرح الجديد (1976) الذي قدم أعمالا متميزة قبل أن ينفرط عقد الجماعة، ليؤسس إثر ذلك فرقة فاميليا للإنتاج ويقدم أعمالا عديدة مع الممثلة والكاتبة المسرحية ورفيقة دربه جليلة بكار.

حجم العنف في المسرحية الجديدة للمسرح الوطني كبير جدا، بداية من العنوان "العنف" مرورا بالأحداث العنيفة ووصولا إلى المشهد الأخير الذي بلغ قمة العنف من خلال تجسيم جريمة قتل على الركح . أي شيء يحرّك الفاضل الجعايبي. هل هو الغضب المتنامي على الوضع في تونس أم هو سخط على المجتمع على الانحرافات التي تعيشها البشرية في أيامنا هذه؟

مسرحية العنف بالذات نتيجة مخاض جماعي وتفكير مشترك، لكن في الواقع كل أعمالنا المسرحية عندما يتمعّن فيها الملاحظ يجد أنه يمكن أن نطلق عليها جميعها عنوان العنف.
والعنف هو الخاصية الهامة في الأعمال التي نهلت منها منذ مراهقتي الفنية. فلا شيء تتميّز به الدراما اليونانية أو التراجيديا الشكسبيرية مثل العنف، وأنطون تشيكوف عالج مشكل العنف بين الأشخاص خلال الثورة التي اجتاحت روسيا في القرن الماضي، كما أن بريشت اهتم بالعنف والعنف في جوهر المأساة.
فالمأساة مبنية على العنف وعلى الاصطدامات والانقلابات والتمرد وعلى الكشف عن حقيقة الإنسان أو تعرية هذه الحقيقة، وحقيقة الإنسان عنيفة بطبيعتها.

لكن من المفروض أن المواقع التي تدور فيها أحداث المسرحية، وهي المستشفى والسجن ومركز الإيقاف، تحاصر العنف وربما تروض الجانب العنيف في الإنسان، لكن ما حدث في المسرحية هو العكس تماما. هل هو التسليم بأن انفلات الوحش القابع داخل الآدمي صار حتميا؟

العنف هو ذلك الوحش الساكن في الإنسان، وإن أراد هذا الوحش أن يخرج عن السيطرة فإن لا شيء يمكن أن يوقفه. لا مراكز الإيقاف ولا المستشفيات ولا السجون. الأمر ليس مرتبطا بالتربية أو بالمال أو بالثقافة أو بالأديان.
يقول ألبير كامو، ذلك الإنسان العظيم الذي ترافقنا أفكاره الفلسفية والتزاماته السياسية والاجتماعية: "الإنسان هو الذي يمتنع"، وهي الجملة المفتاح في المسرحية. يعني ذلك أن
الإنسان إنسان لأنه يتحكم في نفسه، لكن الإنسان إنسان كذلك لأنه لا يستطيع التحكم في ذاته. والإنسان ذئب للإنسان، ومهما بلغت درجة التحضّر والتثقّف ومهما اختلفت طبيعة الأنظمة السياسية والمناخ الاجتماعي، فإن العنف يبقى خاصية مشتركة بين البشر.
يمكن أن نتحكم فيه إلى حد ما ونعجز عن ذلك في ظروف معينة أو في وضعيات معينة. العنف ليس غريزيا في المسلم لوحده ولا هو حكرا على المسلمين. وإن كان الأمر كذلك، فمن قام إذن بالحروب الصليبية إن لم يكونوا المسيحيين، ومن هم المتطرفون الذين يذبحون الفلسطينيين إن لم يكونوا المتطرفين الصهاينة.
لقد طرح عليّ السؤال مؤخرا في إيطاليا عن علاقة غياب الديمقراطية بالعنف، وكان ردي كالآتي: افتحوا قنوات التلفزيون وانظروا إلى الصحف لتدركوا إن كان العنف غائبا عن مجتمعاتكم.
والحقيقة أن العنف غير مرتبط بالمعتقدات الدينية ولا بالعرق ولا بالمجتمع ولا بالاقتصاد إلخ...
وبالتالي فإن محاولات علماء الاقتصاد والفلاسفة وعلماء النفس ربط العنف بالفقر بائسة، إذ يمكن للأثرياء أن يقتلوا وبشكل فضيع، وإن لم يقتلوا باستعمال سلاح الكلاشينكوف مثلا يمكنهم أن يقتلوا العامل بممارسات قاتلة على غرار التعدي على حقوقه واستغلاله إلخ...

إن الإنسان المؤمن والمواظب على واجباته الدينية وكذلك الإنسان الذي تربى على قيم السلم، يمكنه أنه يمارس العنف، ومن هذا المنطلق انتقينا حكايات في شكل ملحمة أسطورية وهي مستمدة من خيالنا كمواطنين وملاحظين ومن الواقع كذلك.
عدديا هي خمس حكايات أردنا تشريحها ووضعها تحت المجهر. تتقمّص كل شخصية في المسرحية دورها الحقيقي في الحياة لكنها جميعها مزدوجة الشخصية... جليلة (جليلة بكار) وجليلة الأخرى وفاطمة (فاطمة بن سعيدان) وفاطمة الأخرى إلخ...

أظن أن المسألة واضحة، فالممثلة فاطمة بن سعيدان حبيبتنا وأختنا لكن الوحش موجود داخلها تماما مثلما هو موجود داخل جليلة بكار، وهو موجود فينا جميعا.
يقول جان بول سارتر في أحد نصوصه "الجحيم هم الآخرون"، ونحن نقول الجحيم هو نحن كذلك. كل واحد منا يمكن أن يمارس العنف، ويمكن للصغير أن يقتل في حين يمكن للكبير أن يمتنع عن القتل.
وداخل كل آدمي يقبع وحش يسعى لاقتناص اللحظة من قبضتنا، والوضعيات التي قدمتها المسرحية لا أعرف إن كانت تتطلب علاجاً أو تفهّماً أو رفضاً أو عقاباً أو ردعاً، فنحن في مقاربتنا المسرحية وفي معالجتنا لقضية العنف - ودون أن نسقط في إعطاء الدروس - نريد أن نفهم، ويهمّنا ذلك الإنسان الذي يخاف من القاتل ويخشى أن يجد نفسه في نفس الوضعية. يهمنا أيضا الطبيب الذي يعالج المرضى أو المحقق الذي يبحث في جرائم العنف. نحن نعدد الزوايا في طرحنا والحقيقة يهتدي إليها المتفرج ويتمعقلها عندما يجد نفسه أمام عدة وجهات نظر.

انتقدت في عرض تسونامي (بعد الثور مباشرة) بشدة سياسة الترويكا لتونس بقيادة حركة النهضة ومشروعها للمجتمع التونسي، واليوم تبدو من خلال مسرحية "العنف" وكأنك تضع المجتمع التونسي أمام مسؤوليته. هل تعتقد أنك تنبأت أو تكهنت بالأحداث قبل وقوعها؟

أنا لا أدعي أني أتنبأ وإنما كل ما في الأمر أنك تقرأ الأحداث وتربط بينها لتتوصل إلى استنتاجات معينة، وثانيا إن العملية لم تبدأ مع مسرحية تسونامي، فمسرحية تسونامي هي الحلقة الثالثة في ثلاثية (تتكوّن من "خمسون" ويحيى يعيش")، وقد كان فيها تنبيها وتحميلا للمسؤوليات.

وإذا ما عدنا إلى عرض تسونامي، فإننا نجد فيه مؤشرات توضح أنه رغم الديمقراطية الناشئة ورغم الدستور الجديد للبلاد، فإننا لم نتخلّص من التهديدات.

والسؤال هل كان من الضروري أن تحدث عملية إرهابية في شارع محمد الخامس بالعاصمة تستهدف الأمن الرئاسي ويسقط فيها شهداء وجرحى حتى نفهم قيمة الثقافي في هذا البلد.
ولعلنا نشير إلى أنه من المفارقات الغريبة أننا نبحث اليوم عن ميزانية الواحد في المائة المخصصة للثقافة، أي الميزانية التي أوصلنا إليها زمن حكم بن علي وزمن الديكتاتورية.
أما في مسرحية "خمسون"، فقد خضنا في موضوع الذاكرة والمصالحة مع الذاكرة لنتكشّف على واقع خطير، فقد تناسى التونسيون أن ذاكرتنا قضى عليها الحاكم المستبد الذي حطم اليسار النضالي وهيأ بطغيانه التربة لظهور الظلاميين ونصف الظلاميين.
وفي مسرحية "يحيى يعيش"، قلنا بوضوح إن الطاغية سيسقط وإن لم يحدث ضده انقلاب فإنه سيهرب.
واليوم، علينا أن نقر بأنه لولا وقفة المجتمع المدني ونساء تونس ورجالها ضد مشروع "تونس الأخرى" ولولا الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمنا لحرية البلد، لكنا اليوم إما تحت حكم شبيه بحكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي أو تحت حكم أحد الجنرالات الذين لا يترددون في إرساء ديكتاتورية جديدة. ومع ذلك نطرح السؤال هل نحن في حصانة ضد مثل هذه الفرضيات.
الإجابة، بطبيعة الحال، لا، فالتهديدات قائمة والدستور لم ينقذنا، والشهوات القبلية والعائلية والصراعات من شأنها أن تقودنا إلى التهلكة، وبالتالي قد يكون هناك تسونامي في المسرحية القادمة.

ارتفعت الأصوات بعد عملية محمد الخامس، مؤخرا، وهناك ما يشبه الصحوة السياسية، ووعي مفاجئ بدورالثقافي في ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب، بل صار هناك تهافت في الحديث عن الثقافة. هل تعتبر أن هذه الهبّة الثقافية علامة صحية أم مجرد ردة فعل مرتبطة بظرفية معينة؟

لا شك أن عملية محمد الخامس الإرهابية أثارت الخوف لدى التونسيين ومكّنت وزيرة الثقافة لطيفة لخضر وكل الطاقم العامل معها من الدفاع عن مشروع الترفيع في ميزانية الوزارة. كما أننا صرنا نتكلم بوضوح أكبر عن ضرورة تحصين المجتمع بمشروع ثقافي تربوي، وأصبح العمل الذي يقوم به وزير التربية من أجل إعادة النشاط الثقافي إلى المؤسسات التربوية محل شكر واهتمام.
على كل، ما يهمنا أن نشهد بداية عهد جديد وانطلاقة مشروع ثقافي شامل يبدأ من رياض الأطفال.
ما عدا ذلك فهو تهافت انتهازي سياسوي مضحك أو هو مخيف، وعندما نقول إن هذا التهافت مخيف فلأنّه إيديولوجيا منمّط فكريا وذوقيا وحسيا.
إن المجتمع المدني وأساسا الفنانين - أحب من أحب وكره من كره - اليقظين المستكشفين أولئك الذين يواجهون بالفعل الفني. فالفن ليس كتابا ولا أطروحة، وهم عبر القنوات الفنية، هم من يرسون هذا المشروع الثقافي البديل، لأن الناس تحتاج إلى من ينبهها بآليات المواطن الفنان، وأؤكد على المواطن الفنان، لأن الفنان بلا مواطنة كمواطن بلا فن.

هناك مفارقة عجيبة في تونس، فرغم التظاهرات الفنية العديدة نكاد نجمع على ما يصطلح عليه بالتصحّر الثقافي. حتى أن الأمور لم تتحسن كثيرا بعد الثورة. كيف يمكن برأيك الانطلاق فعلا في المشروع الإصلاحي الحقيقي؟

لدينا في تونس حوالي 340 مهرجانا وهي من الموروث الإيجابي السلبي للزعيم الحبيب بورقيبة، فبورقيبة هو وصحبه من رجالات الثقافة على غرار محمود المسعدي ومحمد مزالي والبشير بن سلامة وغيرهم، أسسوا كيان الحداثة الثقافية في تونس.
لكن في المقابل هناك أحيانا إرادة سياسية في التهميش بالتركيز على الأنماط الفلكلورية. وبالنسبة لي لا أحبّذ الحديث عن التصحر الثقافي بل عن سياسة تتمثل في إرساء أنماط خاوية وملء فراغ وتلهية الناس بالأمور الاستهلاكية الهضمية.
وتتحمل القنوات التلفزيونية، بداية من القناة الوطنية وصولا إلى آخر قناة ممن لا هم لهم إلا صيد العقود الإشهارية، مسؤولية كبيرة في غياب الثقافة البديلة الحية التقدمية التي ترتقي بالإنسان.
وأعتقد أنه وإن كان من واجب الدولة توفير الموارد وتحيين التشريعات، فإنه لا ينبغي أن ننتظر بادرة من السياسيين كي ننطلق في هذا المشروع، بل على العكس إن البادرة ينبغي أن
تأتي من المثقفين ومن الفنانين ومن الجامعيين والإعلام..

المتابع لمسيرة فاضل الجعايبي يعرف جيدا أنك لم تنتظر الثورة الشعبية لتمارس حقك في حرية التعبير، ومع ذلك فإنك تبدو اليوم من بين الأطراف الأكثر شراسة في التنديد بالنظام السابق، هل تخشى فعلا من عودة الديكتاتورية؟

لقد كان السماح لي بالعرض في الخارج جزءاً من سياسة نظام بن علي الذي أراد أن يقدم صورة ألمعية عن نفسه، بمعنى آخر أراد أن يبيّن للعالم أنه يسمح بحرية التعبير، وفي ذلك مغالطة كبيرة. كنت أعتبر من الفنانين المشاكسين وكان مسموحاً لي أن أعرض "سلعتي" بالبلدان الغربية والعربية.
لكن الواقع الأليم أنني كنت أجد صعوبة في العرض بتونس العاصمة، مقابل ذلك كنت شبه ممنوع من العرض داخل الجمهورية.
وحتى بالنسبة لحضوري الإعلامي، فقد كان ضعيفا لنفس الأسباب. فالجميع يحذر من هذا المسرحي المشاكس.

السؤال الآن، هل تغيّرت الأمور اليوم؟
أعتقد أن السوق أصبحت أكثر ضيقا. فقد انفتحت الشهية في حين ظل العرض قليلا. وإلا ما معنى أن تشتغل على مسرحية لعدة أشهر ثم لا تتمكن من عرضها إلا في مناسبات قليلة.
ما زلنا لا نستطيع العرض في الجهات، والمندوبون الجهويون للثقافة والمسؤولون عن الهرجانات لا يوجهون لك أي دعوة. ويتعللون دائما بالمسائل المادية، ولم نقدم، مثلا، مسرحية تسونامي إلا بالمسرح البلدي بالعاصمة (باستثناء مناسبات نادرة).
لا أريد أن أعمّم، ولكن هناك إرادة ثقافية يعرقلها المسؤول الأسفل من الناس الذين يحلمون بعودة بن علي. إني أعني أولئك الذين تم إخراجهم من الباب، وهم يسعون للعودة من الشبابيك. لذلك قد لا يصح كثيرا مصطلح الثورة على ما حدث في تونس. نحن بالأحرى إزاء انتفاضة أو نقمة هرب على أثرها الطاغية، لكن النظام لم يتغيّر.

لكن المسؤولين الجهويين لهم رأي مختلف، فهم يعتبرون أن الفاضل الجعايبي والمسرحيين الكبار يرفضون العرض في قاعات لا تتوفر فيها نفس شروط العرض بالعاصمة، بماذا ترد؟
هذا كلام مردود على أصحابه، والدليل على ذلك أن مسرحية "العنف" لا تحتاج لأكثر من بضعة أمتار للعرض. للأسف لم تتغيّر العقلية كثيرا. الناس تتحدث عن الأزلام في السياسة والاقتصاد، لكن ماذا عن الأزلام الذين قتلونا فكريا أولئك الذين يتعللون بغياب القاعات لمنعنا من العرض ومقابلة الجمهور في داخل البلاد.
الأمر لا يتعلق بمسرحية العنف فحسب التي فيها صنعة وتقشف، فمسرحيتا "جنون" و"خمسون" لم تتطلّبا شيئا يذكر. والحديث عن مواصفات محددة للعرض داخل الجمهورية غير صحيح، والدليل على ذلك أننا عرضنا مسرحية تسونامي في مسرح تشايو، أي في معقل جون فيلار، ثم عرضناها بعد أسبوع في مدنين بالجنوب التونسي.

هناك من يوجه اليوم نقدا لوزيرة الثقافة ويعتبر أن الإرادة الحقيقية للتغيير غائبة؟
أنا لا أشاطر كثيرا "العواء" العام الصادر عن هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم خارج الحسابات لتقاعسهم. فوزيرة الثقافة القادمة من اليسار المناضل تعمل ولديها إرادة وأفكار، لكن عملها وسياستها لن تثمر في ظرف عامين فحسب. فالأمر يتطلب مدة طويلة والثورة تمتد على أعوام طويلة، ولا ندري متى تنتهي، ثم لا ننسى أن الموارد منقوصة.

أسّست مدرسة الممثل، بالمسرح الوطني، وأنت تصر على أن خريجي المعاهد والكليات المتخصصة في المسرح لا تعتبرهم بالضرورة ممثلين جاهزين، فماذا يكون دور المؤسسة الأكاديمية المتخصصة؟

إن موقفي ليس فيه تحامل على المؤسسة الأكاديمية، وفي رأيي أن المؤسسة الجامعية تكوّن المدارك العقلية وتوفر الآليات الفكرية والنظرية، ما يجعل صاحب الشهادة الجامعية مؤهّل للتدريس مثلا. لكن التمكّن من صنعة التمثيل لا يتم إلا بعد التربص والاستفادة من كفاءات فاعلة من الأكاديميين والميدانيين. وهو ما توفره مدرسة الممثل والمسرح الشاب بالمسرح الوطني.
ثم إن تعاملي مع الشباب ليس جديدا، فمنذ سنة 1986 وبالتزامن مع المنعرج الذي أخذته تجربتنا ومنذ أن كنا نعمل مع المسرحيين الفاضل الجزيري ومحمد إدريس والحبيب المسروقي، ونحن منفتحين على الشباب وعلى المواهب الجديدة، وحتى عندما انفصلنا واصلت في نفس النهج بصحبة الممثلة والكاتبة جليلة بكار.

قضيت سنين طويلة في العمل المسرحي بشكل حر ومستقل. ما الذي دفعك لقبول مهمة إدارية بالدولة بعد كل هذه السنين؟
لم أكن لأقبلها في أي حال من الأحوال قبل الثورة، لأن وراءها وصاية وعنفاً سياسياً مسلّطاً، ولأننا كنا تحت سيطرة نظام فاسد وقمعي وسلطوي.
وأنا ومن معي كنا نقاوم باستمرار القمع الزاحف والقمع المباشر، واليوم تغيّرت الأمور. وقد جاء الاقتراح من الوزير السابق مراد الصقلي في حكومة التكنوقراط. رفضت في البداية، لكن عندما كرّر الوزير، الذي هو في الأصل فنان ويعرف الفن ومتطلباته، اقتراحه، تشاورت مع جليلة بكار ومع أصدقائي الذين يشتغلون اليوم بالمسرح الوطني على غرار أسامة الجامعي وخليل التريكي ليكون القرار في النهاية بقبول المهمة.
قبلنا إذن المسؤولية، لكن بشروط، لأن مؤسسة فاميليا التي أسسناها ليست مجرد فرقة مسرحية خاصة وإنما مؤسسة حرة وجابت العالم، و"التفويت" فيها أو جعلها تدخل في سبات صغير أو
نخرج منها ونتركها قفرا كما هو حالها اليوم، ليس سهلا ومن المفروض أن نجد البديل.

ماذا عن تجربتك الطويلة مع جليلة بكار؟
المسرح الجديد قام على أنقاض مسرح قفصة، وفاميليا قامت على أنقاض المسرح الجديد لتطوير فكر المواطنة والفكر الثقافي والفني الفعلي. ومع ذلك أستطيع القول إن الدخول إلى المؤسسة الرسمية اليوم بالزاد الذي تراكم عندي أنا وجليلة بكار يأتي أساسا رغبة منّا في رد الجميل لتونس واعترافا بفضلها علينا ولو بجزء بسيط. وأقول ذلك بعيدا عن الشعارات البراقة. كما أني أقول وبلا تردد كذلك إننا حققنا معجزة في عام ونصف فقط. لقد وجدنا المسرح الوطني في حالة متعبة، فأدخلنا إصلاحات كبيرة شملت الإدارة والبنية التحتية والتوزيع والإنتاج، وأنجزنا ست مسرحيات وقدمنا عشرات العروض في الظرف الزمني المذكور. طهّرنا المؤسسة وتعاملنا مع الجميع وفق القوانين والتشريعات، وعملنا على تحسين ظروف العمل. وبدون مجاملة، وبعيدا عن رمي الورود، إن فاضل الجعايبي محظوظ بوجود هذه السيدة معه وبعمله معها. فهي ممثلة رهيبة وكاتبة كبيرة ولها قدرة باهرة على النقد الذاتي وعلى النقد الموضوعي. وأعتقد بأننا في تونس ليس لدينا فنانات كثيرات من طينة جليلة بكار.

ملامح
يحظى مسرح الجعايبي بصيت كبير داخل تونس وخارج أسوارها، فهو يعرض في أبرز المسارح بالخارج، من بينها "الأوديون" و"أفينيون" في فرنسا.
.....
عيّن الجعايبي منذ نحو عام ونصف العام رئيساً مديراً عاماً للمسرح الوطني وسط ترحيب بعضهم واستغراب آخرين، نظراً لما عرف به الفنان المسرحي من تشبّث باستقلاليته ولمشاكساته ونقده اللاذع للسلطة.
.....
عرض مؤخراً مسرحيته الجديدة "العنف"، ويشير إلى أن الأمور تغيرت بعد الثورة الشعبية، لكن تخوفاته من عودة ذيول النظام قائمة
 
 





مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.