}

آنيكا رايش: حضور الأدب العربي في ألمانيا قليل جدًا

وداد نبي وداد نبي 29 سبتمبر 2020
حوارات آنيكا رايش: حضور الأدب العربي في ألمانيا قليل جدًا
الكاتبة الألمانية آنيكا رايش


آنيكا رايش كاتبة وروائية وناشطة ألمانية معروفة، هي المؤسسة والمديرة الفنية لمشروع (Weiter Schreiben)، الذي يعني في اللغة العربية "مواصلة الكتابة".
وُلدت في ميونيخ عام 1973، وتكتب الروايات، وكتب الأطفال، وتنشر مقالات في عدد من أهم الصحف الألمانية.
مشروع "مواصلة الكتابة" بوابة ومنصة أدبية إلكترونية ألمانية تترجم وتنشر للكتاب والشعراء الهاربين من مناطق الحروب والأزمات، وتقدمها إلى دور النشر والصحافة الألمانية.
الكتاب والكاتبات المشاركون في المشروع من جنسيات متعددة، مثل سورية، العراق واليمن، وأيضًا أفغانستان وإيران، يعملون جنبًا إلى جنب في مشاريع مشتركة مع كتاب ألمان معروفين، مثل يواخيم سارتوريوس، مونيكا رينك، دافيد فاغنر، أنيت غروشنر، نورا بوسونغ، ميشائيل كروغر، وآخرين.
ينشر الموقع التابع لمشروع "مواصلة الكتابة" من نصين إلى أربعة نصوص شهريًا بلغة الكتابة الأم واللغة الألمانية بعد ترجمتها.
هذا المشروع يساهم منذ أربعة أعوام في إيصال الأدب العربي إلى القارئ الألماني، كما ساعد المؤلفين في الوصول إلى دور النشر الألمانية، ونشر كتبهم الأولى، إضافة إلى مشاركتهم في أهم المهرجانات والفعاليات الأدبية في ألمانيا، مثل مهرجان برلين للأدب، ومعرض فرانكفورت للكتاب، ومعرض لايبزيغ الدولي، وعديد المؤسسات الأدبية المرموقة في ألمانيا.
يعد مشروع "مواصلة الكتابة" الأول من نوعه في ألمانيا. وحصل عام 2017 على جائزة فيليب موريس من مؤسسة The power of the arts.
هنا حوار مع الكاتبة والمديرة الفنية لهذا المشروع، آنيكا رايش، التي ترافق، معظم الأحيان، المؤلفين والمؤلفات أثناء قراءاتهم ومشاركاتهم في المهرجانات والفعاليات الثقافية الألمانية، وهي تمسك كتبهم المنشورة بالألمانية، ترفعها عاليًا مع ابتسامة ليراها الجمهور الألماني. تقدمهم، وتحاورهم، وتدعم القلقين والقلقات منهم وهم يخطون خطواتهم في سوق الأدب الألماني الكبيرة. وللكاتبة رواية مترجمة للعربية بعنوان "الليالي شغف النهايات الحميمية" صدرت عن منشورات دار كنعان عام 2019، بترجمة الدكتور إلياس حاجوج.


  

(*) بصفتكِ محررة ومديرة فنية لمشروع "مواصلة الكتابة" في برلين، ماذا تقولين بعد مرور أربعة أعوام على إطلاقه؟ هل أصبح الأدب المكتوب بالعربية أقرب إلى القارئ الألماني؟
يسعدني أن أرى عددًا من المؤلفين والمؤلفات الناطقين باللغة العربية في المشروع، وقد نشروا كتبًا باللغة الألمانية، أو سينشرونها قريبًا. وبعضهم فازوا هنا في ألمانيا بالمنح والجوائز، أو تمت دعوتهم بشكل مستمر إلى المهرجانات. كما أسعدني دائمًا إقبال الجمهور بشكل كبير لحضور كافة أمسياتنا الأدبية في المؤسسات الأدبية المرموقة، وكم مرة تمت فيها مناقشة المشروع في الصحافة. لذا: نعم، لقد حدث كثير في السنوات الأربع الماضية، لكنني أجد أن هذا أبعد ما يكون عن الكفاية. لا يزال حضور الأدب العربي في ألمانيا قليل جدًا. ولا توجد معرفة تذكر بالتقاليد الأدبية العربية العظيمة، وبالكاد هناك معرفة بالأدب العربي المعاصر.
يتعين علينا ترجمة عدد أكبر من الكتب، ويتعين دعوة عدد أكبر من المؤلفين إلى هنا، ويجب أن يكون هناك تبادل أكثر من ذلك بكثير. وهذا هو بالضبط ما نعمل عليه مع مشروع "مواصلة الكتابة"، لذلك لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به.

 

(*) ما الهدف الأساسي الذي فكرتم به حين تم تأسيس هذا المشروع الفريد من نوعه؟
أردنا أمرين: أن يستطيع المؤلفون من مناطق الحرب والأزمات الاستمرار في الكتابة، وأن

تصبح وجهات نظرهم حاضرة في الخطاب الألماني، وأن يستطيعوا، بالتالي، توسيع الخطاب. فأن تكون قادرًا على مواصلة الكتابة يعني أيضًا أن يكون الجمهور قادرًا على مواصلة القراءة لك. لذا من الضروري ألا تتوقف عملية الكتابة. الكتابة ليست فنًا فحسب، بل هي أيضًا طريقة حياة، وطريقة لإدراك العالم وجعله مفهومًا، وبالتالي إنشاء علاقة معه.
عندما تتوقف عملية الكتابة ليس بسبب الوضع السياسي فحسب، بل لوجود خطر على الحياة في بعض الأحيان، وعندما يضطر الفنانون والفنانات إلى مغادرة مدنهم وبلدانهم تنقطع العلاقة بفضاء اللغة... فهذا يزيد من أهمية ترجمة النصوص لخلق جسور تصلهم بفضاء اللغة الجديدة، وتمكينهم من الاستمرار في الكتابة.
مواصلة الكتابة لا تشمل فقط التتابع الزمني، وإنما أيضًا الامتداد المكاني، لتضمن به توّسعًا في المنظور الشخصي للقارئ.
غالبًا ما تكون أصوات الأشخاص الذين فروا إلى هنا مفقودة في النقاش العام، حيث يتم التحدث عنهم، وليس معهم. لكن الكتاب والكاتبات في هذا المشروع لا يسمحون بذلك، فهم يتولون زمام الأمور بأنفسهم، ويغيرون بالتالي العوالم التي شكلها الخطاب الإعلامي المهيمن. إنهم يثرون مخيلتنا ويعمقون الحوار بين الثقافات ويستبعدون الصور النمطية ويعطون عادات القراءة بُعدًا جديدًا. إذًا، فبناء جسور التواصل هي عملية ثنائية الاتجاه.

 

 

(*) ما هي الصعوبات التي رافقت تأسيس هذا المشروع؟
كان علينا بناء شبكات في مشهد المؤلفين الناطقين باللغة العربية، والحصول على تمويل،

والعثور على فريق يتحدث اللغة العربية، وتأسيس المشروع بشكل يضمن فعاليته وعمله، سواء بالنسبة لنا، أو للمؤلفين.
كما كان علينا التعامل مع أفكار مختلفة حول التحرير، وحقوق التأليف والنشر، والتأكد من أنّ المؤلفين يشعرون بالاحترام من قبلنا. لم يكن الأمر سهلًا دائمًا، لكننا تعلمنا كثيرًا. لقد توقفت مؤقتًا عن كتابتي لمدة خمس سنوات، لكن يمكنني الآن دمج عملي في المشروع مع مسيرتي الفنية المهنية الخاصة، ويمكنني القول إن مقابلة المؤلفين هي واحدة من أجمل التجارب في حياتي.

 

(*) ما هي شروط النشر لديكم؟ وكيف تختارون كاتبًا ما للمشروع، خاصة أن النصوص تصل إليكم باللغة العربية؟
ننشر فقط للمؤلفين والمؤلفات المحترفين، الذين لديهم كتاب واحد منشور على الأقل. يجب أن يكونوا لا يستطيعون الكتابة بأمان في البلدان التي اضطروا إلى الفرار منها، أو التي يعيشون فيها. لذلك نقوم بتمكين المحترفين من مناطق الحروب والأزمات من مواصلة الكتابة. يتم فحص النصوص من قبل الناطقين باللغة الأم، والمترجمين. ثم نتلقى تقارير مفصّلة حول النصوص والسير الذاتية للمؤلفين، ثم نقرّر في المقام الأول على أساس جودة النصوص.

 

(*) ما أهمية هذا المشروع الأدبي في التقارب بين الثقافتين الألمانية والعربية؟ وهل أثّر مشروعكم على شكل الخطاب الإعلامي المهيمن في ألمانيا، والغرب عمومًا، تجاه الأدب المكتوب باللغة العربية؟
آمل ذلك. على الرغم من أنني أعلم بالطبع أن إمكانياتنا محدودة أيضًا. إذا نظرت إلى مقدار

الاهتمام الذي حظي به المشروع في الصحافة الألمانية: من الصحف الوطنية والإقليمية، ومحطات الراديو والتلفزيون، إلى المجلات الأدبية، والمنشورات الإلكترونية، يمكن القول إننا حققنا كثيرًا، ولكن بالطبع لا يزال هناك مجال كبير لعمل مزيد. لا يمكن القيام بذلك بما فيه الكفاية لأسباب أدبية، ولكن أيضًا لأسباب سياسية، حيث يوجد تمييز قوي في ألمانيا من جانب اليمين ضد الناس من المنطقة الناطقة باللغة العربية. ونحن نحارب ذلك بأدوات الأدب والعمل العام.

 

(*) هل لمشروعكم من تأثير على قرارات الترجمة من العربية لمؤسسات ودور النشر الألمانية؟
تم إبرام عدد من عقود الكتب، لأن المؤلفين بنوا شبكة علاقات بالتعاون مع شركائهم المؤلفين الألمان، الذين يعملون معهم جنبًا إلى جنب. إن المبدأ الترادفي/ التشاركي، أي التعاون بين المؤلفين في المنفى مع الزملاء الراسخين في المشهد الأدبي الألماني، هو في صميم المشروع، وله فعالية كبيرة. وهذا يشمل حقيقة أنّ المؤلفين الألمان لم يوصوا الناشرين بالنصوص فحسب، بل جعلوا كاتبي النصوص أقرب إليهم أيضًا. نجذب كثيرًا من الاهتمام من خلال مبدأ التشارك، حيث يظهر المؤلفون والمؤلفات القادمون الجدد مع زملائهم الناطقين باللغة الألمانية في أفضل المؤسسات الأدبية، ويقومون بإجراء مقابلات مشتركة. نتيجة لذلك، سيصبح الناشرون على دراية بهم بشكل أسرع وأسهل، ونحن كمشروع حققنا الآن الخبرة التي يفتقر إليها معظم الناشرين.

(*) ككاتبة، ومديرة لمشروع "مواصلة الكتابة"، هل تؤمنين بقدرة الأدب على إحداث تغيير في العالم، خاصة أن العالم بأكمله يواجه موجة من تمدّد العنصرية، والتطرف، والانغلاق، والتأكيد على الحدود والوثائق الرسمية والجدران بين البلدان والشعوب والثقافات؟
نعم، أنا أؤمن بقوة القصص، وأعتقد أن العمل والتحدث المشترك هما أساس المجتمع المنفتح والمعيار الوحيد للانتماء، وليس الجنسية، أو الجنس، أو المظهر. على هذا الأساس، قمنا بتصميم مشروع "مواصلة الكتابة". أعتقد أن الأدب قادر على التعبير عن الشعور بالإمكانية،

أي تخيّل عوالم أخرى، وجعلها في متناول الآخرين. يظهر الفنانون والفنانات للعالم أنه يمكن أن يكون دائمًا مختلفًا. وهذا يعطي الشجاعة، ويظهر مدى قوة الأفكار والكلمات والصور. لقد ولدت كل الثورات من قصص يرويها أناس، ويسمعها آخرون. وهذه الشجاعة، وهذا الإيمان بقدرتنا الإبداعية، هو بالتحديد ما نحتاجه للتعامل، ومواجهة هذه الموجة التي تتحدثين عنها. من ناحية أخرى، بالطبع أعرف حدود هذا النهج في مواجهة العنف، وأنا أعلم أنه يمكننا فقط تقديم مساهمة صغيرة بمشروع مثل "مواصلة الكتابة"، لكنها مع ذلك مساهمة. لقد قررت أن تفاؤلي هو القرار الوحيد في حياتي الذي لن أشك فيه.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.