}

الروائي الجزائري أحمد طيباوي: لا إبداع من دون محاكاة

عبد الكريم قادري 12 أبريل 2021
حوارات الروائي الجزائري أحمد طيباوي: لا إبداع من دون محاكاة
الروائي الجزائري أحمد طيباوي
أعلنت دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة، قبل أيام، عن فوز الروائي الجزائري، أحمد طيباوي (1980-) بجائزة نجيب محفوظ للأدب، في دورتها الـ24، عن روايته "اختفاء السيد لا أحد"، الصادرة عن منشورات ضفاف في لبنان، والاختلاف في الجزائر، عام 2019. وتم اختيار العمل الفائز من بين 270 رواية مشاركة، من قبل لجنة تحكيم ترأستها أستاذة الأدب الإنكليزي المقارن في جامعة القاهرة، شيرين أبو النجا، وعضوية المترجم البريطاني، همفري ديفيز، والكاتب السوري، ثائر ديب، والمترجمة المصرية، سماح سليم، والناقدة المصرية، هبة شريف.
هنا حوار مع الكاتب الفائز بهذه الجائزة، يحدثنا فيه عن روايته المتوجة، وعن مدونة الرواية الجزائرية، وتطورها، وعن مزايا ومساوئ الجوائز العربية، وغيرها من المواضيع الأخرى.





(*) ما الذي يعنيه لك تتويج نصّك بجائزة مهمة تحمل اسم نجيب محفوظ؟ وما مدى تقارب عوالمك النصيّة، أو حتى القرائية، مع عوالم نجيب محفوظ؟

في خطاب التتويج، قلت بأني أستشعر من اللحظة التي أعلنت فيها لجنة التحكيم فوز روايتي "اختفاء السيد لا أحد" بثقل وأهمية أن أفوز بجائزة تحمل اسمه، اسم خالد الذكر والعابر للزمن، نجيب محفوظ، المعلم الأول. قبل ذلك، كان كلما قرأت من نصوصه شيئًا إلا وتعلمت منه تقريبًا. إنه قامة وقيمة مصرية وعربية. لا إبداع من دون محاكاة، حتى من دون قصد مسبق، في البدايات كلنا نتأثر بمن قرأنا لهم. بعد ذلك، يحاول الكاتب أن يختطَّ لنفسه مسارًا خاصًا بعد أن تنضج تجربته، ويستوعب ما قرأه من نصوص، ثم يتجه ليجعل مما يكتبه يشبهه أكثر، ويصنع خصوصيته.



(*) كيف تنظر إلى الجوائز الأدبية في العالم العربي، هل هي داعمة للرواية والنصوص الجيدة وإضافة لكتابها؟ أو تكرّس لسياق روائي معين، وتخنق روح التجريب والتغير داخل النصوص المختلفة؟
الجوائز الأدبية، بعيوبها ومزاياها، برؤى القائمين عليها ونظرتهم إلى الأدب، أصبحت أمرًا واقعًا وعاملًا مؤثرًا، فهي توجه القارئ العربي والإعلام، وتتيح للنصوص الفائزة، وحتى لبقية نصوص الروائي المتوج، أن تحظى بالاهتمام. وللأسف، هذا قد يؤدي إلى إهمال نصوص وروايات أخرى ذات قيمة أدبية وفنية. وقد يحدث أن يكتب البعض من أجل الجائزة، فيطوعون أقلامهم في سبيل ذلك.



(*) ثمة أسلوبان سرديان في روايتك، الراوي بضمير المتكلم (الأنا)، وهو لسان "السيد لا أحد"، بعدها يتفاجأ المتلقي بتغيّر الراوي ليصبح عليمًا.. هل هذا التغيير السردي أملته طبيعة أحداث الرواية، وجاء كخيار فني منك؟ أو كان مخططًا له بشكل مسبق؟ أو أنه جاء كمغالبة للقوالب الكلاسيكية، وابتعادًا عن السكة السردية المرسومة؟
كان خيارًا أملاه الموضوع، تجريب طرق مختلفة للقول، الحكايات موجودة في كل مكان، لكن الكاتب في حاجة دائمًا لقول المختلف بطريقة مختلفة، تحقق متعة للقارئ، وتقدم مؤشرات على تحكمه ومقدرته، وتطوير أدواته السردية في كل نص بما يتطلبه.



(*) أعتقد بأن "السيد لا أحد" ميّال إلى العزلة، ويتوق لها، لكن الظروف كانت أقوى منه، وجعلته كشخص مسيّر لا مخيّر، وجعلته في قلب المجتمع، أي أنه لا يملك ناصيته في يده. لماذا يبحث الكتَّاب منذ الأزل عن خيار العزلة في حياتهم، وعندما يعجزون عن هذا الخيار في الحياة يسعون إلى تحقيقه في النصوص الروائية. ما الذي تعنيه العزلة لأحمد طيباوي؟
في العزلة، وبعيدًا عن ضوضاء البشر، وفوضى الأشياء، تتضح الرؤية أكثر، كما نتفادى ممارسة الأذى، أو تلقيه. وبالنسبة للكتابة، فإننا نحتاج إلى المعايشة، والاقتراب من التجارب الإنسانية، لذا قد تكون النصوص بين تأملية، وبين كونها ناجمة عن الانخراط في الواقع، وإعادة إنتاجه إبداعيًا بحسب قدرات كل كاتبه ورؤيته، ودرجة وعيه بذاته وبالآخرين.

أحمد طيباوي لا يحب العزلة دائمًا، وحتى عندما يعتزل الناس فإنه يجد نفسه يصنع أناسًا آخرين على الورق ليعيش بينهم.



(*) هنالك حضور لصورة المثقف في الرواية، مثل "السيد لا أحد"، الذي باع كتبه، أو اليساري الذي فشل في الانتخابات، وغيرهما من الصور الأخرى. وهذا حضور ينعكس في معظم الروايات الجزائرية. هل هنالك إمكانية لأن يبتعد الروائي عن ذاتيه وعوالمه الثقافية، أو أن الذاتية هي جزء من أي كتابة؟
النص استعراض لنماذج اجتماعية عديدة، من بينها المثقف، والقارئ يمكنه أن يكتشف كيف يواجه المثقف أزماته، وما الذي يميزه عن غيره في المجتمع، غير أن النص كان أبعد ما يكون عن الاقتصار على أزمة المثقف في مجتمعنا.



(*) من النادر أن نقرأ رواية جزائرية ولا نجد فيها جرحًا من جراح العشرية السوداء وإفرازاتها. هل هو تذكير للقراء بجحيم تلك الحقبة حتى لا تتكرر؟ أو أن واجب الكاتب أن يخلّد ذلك التاريخ بطريقته حتى ولو يعش تلك اللحظة؟
لم تكن فترة صعبة تجاوزناها زمنيًا وانتهى الأمر، لقد كانت المعاناة والآلام فوق أي تجلّ عن الوصف، وسيبقى فينا أثرها لفترة طويلة، نحن الذين تفتح وعينا في تلك السنوات، وما نكتبه يعكس ذاكرتنا القريبة والبعيدة فرديًا وجماعيًا، والترسبات التي تخلفها بداخلنا المراحل القاسية وشديدة الوطأة في حياتنا.



(*) يمّثل إمام مسجد التقوى في روايتك ذلك الإسلامي المتلون والمنافق الذي يظهر عكس ما يبطن، وهو في الأصل شخص زان ومنافق، وفي الوقت نفسه هو رجل خدوم للنظام، لهذا تمت ترقيته إلى عميد. هل تعتقد بأن إصرارك على تبيان هذه الصورة ذات الوجهين في الرواية إدانة للنظام الذي خلق هذه المنظومة، أو المجتمع الذي كرسها وأجازها؟
لا أعرف أي نظام تقصد تحديدًا، لكن هذه الرواية صرخة في وجه كل شيء، وليس النظام السياسي فقط، الذي ليس أكثر من البنية الفوقية لعلاقات اجتماعية واقتصادية ومنظومة ثقافية ودينية مشوهة ومحرّفة. لا أحاول أن أبرئه، وهو مسؤول بالتأكيد عن جزء مهم مما حدث ويحدث، لأنه الفاعل الأكبر والأقوى، والفرد أمامه ضعيف وغير مستقل.



(*) "الكتب وحدها لا تصنع مثقفًا، المثقف الحقيقي يجب أن يكون صاحب موقف كذلك، كم كان مثيرًا للشفقة وهو يعتقد بأمور كتلك، إنهم يعتبرون الثقافة أمرًا هامشيًا جدًا" (ص78). هذه المناجاة جاءت في الرواية، إلى أي مدى يمكن عكس هذه الصيحة على المشهد الجزائري؟
إلى حد بعيد، فالمواقف لها ثمن، وقلة هم المستعدون لدفع الثمن.. وغالبًا ما يبرر المثقف تخاذله وعجزه، وأحيانًا تواطؤه بأن المجتمع لا يفهمه، ويصفه بقلة الوعي، ويلقي عليه باللوم ليتخفف من عبء تأنيب الضمير، وتشوّه صورته أمام نفسه، وأمام الآخرين.



المشهد الروائي الجزائري
(*) في السنوات الأخيرة، ظهرت أصوات روائية جزائرية مهمة أثبتت وجودها عربيًا، من خلال الجوائز، أو النصوص المحتفى بها. كيف ترى المشهد الروائي الجزائري حاليًا؟ وما الذي تتوقعه منه مستقبلًا؟
نشهد دخولًا لمرحلة جديدة، بأسماء ونصوص جديدة تحاول أن تكون مختلفة، مبدعة على طريقتها، الجوائز ساعدت كثيرين على أن تحظى نصوصهم بالاهتمام والقراءة، وأصبحت توجه القارئ والإعلام. وأتوقع أن تتطور النصوص، على أساس من الاشتغال على ما نكتبه، واستيعاب التطور الحاصل في فن الرواية، وأن نصنع خصوصيتنا.



(*) ما هي الأشياء التي ترى أنها ساهمت في تطور الأصوات الروائية الجزائرية؟ وهل ترى أن المدونة النقدية العربية رافقت هذا التطور وأظهرته، أو أنها عمدت إلى تجاهله؟
بالنسبة للرواية في الجزائر، أرى أنها كنصوص تتطور، تأخذ الأمور وقتها الطبيعي، باجتهادات الروائيين أنفسهم، بمحاولة استيعاب تطور الكتابات العالمية في هذا الفن السردي ومواكبتها، وهذا يحدث للأسف من دون مرافقة من النقد والدراسات الأكاديمية.



(*) من هي الأسماء الروائية العالمية التي شكّلت ذائقتك الروائية وحرفيتك في الكتابة؟
قرأت لأسماء عديدة كبيرة، لها تجاربها المهمة والملهمة، وقد أثر الأدب العالمي بنصوص خالدة، أمتعتنا ككل القراء، وتعلمنا منها كروائيين.. عربيًا، نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، في القصة خاصة، وعالميًا قرأت في الأدب الروسي، والأدب الفرنسي، وما وصل إلي مما تُرجم من أعمال روائيي أميركا اللاتينية.



(*) ما السؤال الذي توقعت أن أسأله لك ولم أفعل؟ وهل هناك ما تود قوله، أو توجيهه لقرائك؟
أشكرك، استمتعت بالإجابة عن أسئلتك، أما بالنسبة للقراء الكرام فأشكرهم كثيرًا على الاهتمام والتفاعل مع النص، مكافأة معنوية عظيمة تلك التي أحصل عليها في كل مرة تصلني رسالة من أحدهم، أو أطلع عليها في منشوراتهم بأن الرواية أعجبتهم.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.