}

عباس السلامي: قصيدة النثر عبرت بالشعر إلى ضفة آمنة

صدام الزيدي صدام الزيدي 1 أكتوبر 2022
حوارات عباس السلامي: قصيدة النثر عبرت بالشعر إلى ضفة آمنة
عباس السلامي

في هذا الحوار، يتحدث الشاعر العراقي، عباس مزهر السلامي، المتخرج في جامعة بغداد 1982 (بكالوريوس إدارة واقتصاد)، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، عن هموم حياتية وشعرية متفرقة، هو الذي حطّ رحاله في أواخر سبتمبر/ أيلول 2000 في اليمن، حيث عمل لسنوات أستاذًا للغة الإنكليزية في مدارسها، ومنها انطلقت فتوحاته الشعرية، ليعود السندباد العراقي إلى بلده الأم، مسكونًا بمحبة البلدة الطيبة وشعبها المضياف، كما يقول: "ما زالت اليمن تسكنني بجبالها ووديانها ومدنها وقراها، وتدفعني طيبة وكرم أهلها على استعادة كل لحظة عشتها هناك بحنين طافح وشوق ممتد".
ضمن إصدارات وزارة الثقافة والسياحة اليمنية، صدرت للسلامي باكورته الشعرية "دموعٌ على بوابة الحلم" (2004)، لتتبعها في عام 2005، مجموعته الثانية "رماد الألق" (عبادي للنشر). وتوالت الإصدارات الشعرية: "غواية الصلصال"، عن دار رند في دمشق (2010)؛ "هذيانات عاقلة"، عن دار تموز في دمشق (2011)؛ "رماد لا تشير إليه البوصلة"، عن دار النسيم في القاهرة (2014)؛ "من خرم إبرة"، عن مؤسسة أروقة في القاهرة (2015)؛ "ذاكرة عذراء" عن دار النسيم في القاهرة (2016)؛ "غرقى في سراب"، عن دار النخبة في القاهرة (2017)؛ "أمطرني بالضوء فأنا أخجل من عتمتي"، عن دار النخبة في القاهرة (2021). هنا، نص الحوار:



(*) تسع مجموعات شعرية منذ "دموع على بوابة الحلم"(2004)، وحتى "أمطرني بالضوء..." (2021)، أين تجد نفسك شاعرًا؟

تسع مجموعات، والعاشرة ستصدر بعد أيام عن منشورات اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، ونصف هذا العدد الصادر موجود على شكل مخطوطات شعرية جاهزة للطبع، ومع هذا أجدني أحبو على طريق الشعر الطويل. ما زلت أنظر إلى الشعر بروح قلقة متسائلة ومطمئنة به، في الوقت نفسه، وبما يغمرني من سكينة وزهد.. أتصفحه بعين الدهشة. كثيرًا ما يأخذني مني عنوة، إلى عوالمه البعيدة التي أعمل كل ما في وسعي للدنو منها والتعلق بأستارها، والتزود من ضوئها، بما يمكنني من أن أقف في وجه هذه العتمة المقيمة. أجدني في كل مجموعة من مجموعاتي، فكل واحدة منها تحكي عن محطة ما في حياتي.


(*) عملت مدرسًا للغة الإنكليزية في اليمن التي مكثتَ فيها لسنوات.. كيف وصلت، وكيف غادرت؟ وما الذي تركته اليمن أرضًا وشعبًا في ذاكرة عباس السلامي؟
في عام 2000، وتحديدًا في النصف الأول من شهر سبتمبر/ أيلول، وصلت إلى صنعاء، عن طريق سورية، بصحبة علي الحرازي، اليمني الأصيل الذي كان خيط الرجاء وصلة المحبة الأولى لي في صنعاء، فهو الذي دلَّني عليها من خلال الأحاديث الطويلة التي استغرقت الساعات الثلاث عن صنعاء وبابل وكربلاء التي زارها قبل أن نتجاور مصادفةً على متن الطائرة التي أقلّتنا من دمشق.. كان الحرازي أول محب من اليمن، وأول من فتح لي قلبه وأودعني بيد صنعاء التي أحسنت وفادتي، وأكرمتني وما قصّرت في رعايتي.. أخذ بيدي بعد أن أسكنني في مكان توخّيت أن يكون قريبًا من قطاع التعليم. علي الحرازي كان هو الفأل الحسن الذي استبشرتُ به خيرًا، وقد أثبتت السنوات التي عشتها، في ما بعد، خير هذا الفأل، التي أفصحت عنه حياتي الهانئة وسط اليمنيين وهم يغدقون عليَّ بالمحبة. لم يمض عليَّ في صنعاء سوى أسبوع، حتى تعاقدتُ للعمل مدرسًا لمادة اللغة الإنكليزية في شبوة (جنوب شرق). فرحتُ بتعاقدي هذا فرحًا كبيرًا، خاصة وأنه جاء بعد رحلة طويلة من المواجع، ووفق رغبتي وما تمنيته في أن أعمل في مكان بعيد، هناك في الجنوب، لأعيد ترتيب أوراقي التي بعثرتها الحياة القاسية. فلشبوة، ولقرية "الحنك" فيها من الذكريات ما يكفيني لأتغنّى بها لما تبقى من العمر!




ما إن وقفت في حضرة صنعاء حتى تساءلتُ: ماذا يفعل الغريب مثلي في مدينة يدخلها لأول مرة، لا يعرف عنها سوى ما سمعه من بعض الأصدقاء الذين جاؤوها من قبل؟ أين أجد أصدقائي الآن في بلد تباعدت مدنه وتناثرت قراه؟ في البدء، ما وجدت في صنعاء غير صنعاء التي فتحت ذراعيها واستقبلتني برفق من دون معرفة مسبقة، استشعرت وتلمست محبة ناسها، وألفة شوارعها وساحاتها، وبناياتها، وأنا بعدُ لم تمض عليَّ فيها سوى ساعات قليلة. لكن هاجس الغربة يدفعني للبحث عمن يرشدني إلى صنعاء ويقربني منها أكثر.
لذا تراني أتيه في وصفها، وما تركته في روحي من أثر، وكيف لا أحار في وصفها وكل ما فيها من حواضر وأمكنة تشي بتاريخ حضاري ممتد.
ليل صنعاء لا يشبه ليل أي مدينة أخرى في العالم، ونهارها كذلك.. ليلها يقف شامخًا بأضواء لا بهرجة فيها ولا تصنّع! فلا أغالي إن قُلت: إنَّ ضوء صنعاء يستمد بهاءه من سكانها وامتداده من تحركاتهم، ولو تحدثت عن ذكرياتي في صنعاء وحدها لاحتجت إلى المئات من الصفحات، فما بالك لو تحدثت عما تركته شبوة والحديدة وعدن وتعز وصعدة وعمران.
غادرت اليمن بجسدي، لكنَّ روحي ظلت معلقة هناك في كل بقعة منها، واليوم ما إن يذكر اسم اليمن حتى ترتجف روحي، ويهتز قلبي لوعة، يسحبني الحنين، ويشدني الشوق إليها. اليمن كل اليمن تسكنني بجبالها ووديانها ومدنها وقراها، وتدفعني طيبة وكرم اليمنيين على استعادة كل لحظة عشتها هناك بحنين طافح وشوق ممتد. عرفت وتلمست عن قرب أن التواضع والبساطة والطيبة هما من الصفات التي ينفرد بها اليمنيّ، سواء كان مسؤولًا، أو من عامة الناس.. لذا ليس لي وأنا أستحضر تلك الذكريات المضيئة في اليمن، إلا أن أدعو لليمن وناسه بالسلام والسلم الأهلي، وأن تنتهي الحرب وويلاتها، ويعود اليمن موحدًا كما كان، وأن يكون سعيدًا وأرضًا للخير. هناك عملت مدرسًا في شبوة ثلاثة أعوام، وعامين في صعدة، وعام في صنعاء.


"دموعٌ على بوابة" اليمن


(*) في اليمن، صدرت باكورتك الشعرية "دموع على بوابة الحلم" عن وزارة الثقافة والسياحة اليمنية عام 2004. تبعتها "رماد الألق" ضمن إصدارات "عبادي للدراسات والنشر" عام 2005. كيف تفاعلت، آنذاك، مع المشهد الثقافي اليمنيّ؟

مجموعة "دموع على بوابة الحلم" كانت تضم قصائد بداياتي مع الشعر، التي بدأت منذ عام 1978، وكان من الطبيعي أن أحملها معي أنّى ارتحلت، لهذا صحبتها معي إلى اليمن. أما قصة بداية تفاعلي مع المشهد الثقافي اليمني، فأذكر في الأيام الأولى لي في صنعاء، وكنت أقضي معظم وقتي إما في مكتبة المركز الثقافي، أو في ساحة التحرير، التي كانت تؤويني بين جنباتها، أترقب المارّة وأفواج السياح أنا الغريب الذي يحاول أن يقترب رويدًا رويدًا من صنعاء وناسها. وفي يوم من أيام تواجدي في الساحة، بعد أن حلّ المساء، انتصبت خشبة المسرح في حديقة من حدائقها.. وما هي إلا لحظات حتى بدأ الناس يتوافدون على المسرح المقام في الهواء الطلق.. المسرح الصيفي الذي أعادني إلى ذكريات عقود خلت كانت فيها كل مدينة في العراق لا تخلو منه. قبل بدء العرض، جلس على يميني أحد المدرسين العراقيين، وعلى يساري رجل آخر بوقار مهيب.. وما إن بدأ العرض حتى شرع الرجل الوقور بفتح النقاش معنا حول المسرحية، كبداية للحديث الطويل والممتع الذي جرّنا في ما بعد إلى العراق، وما جرى فيه من أحداث، مثل تلك الأوقات الممتعة عادة ما تمر، يا للحسرة، بسرعة، لتترك أثرها في الذاكرة. انفضَّ الجمهور عن المكان، وغادر الرجل بهدوء، وبلا ضجيج، ومن دون أن أعرف اسمه، أو شيئًا عنه، حتى وصل إلى الشارع المحاذي، ليستقل سيارة كانت في انتظاره. لم يدم تساؤلي عن هذا الرجل طويلًا، حتى عرفت من أحد العابرين إلى الجهة الأخرى، ونحن نغادر الساحة، بأن الرجل الذي حدثنا وجالسنا هو الأستاذ خالد الرويشان، وزير الثقافة (يومئذ). انبهرت حقًا بهذا الوزير المثقف.. بأخلاقه ومشاركته الناس مشاهدة المسرحية بكل تواضع، انبهرت لأسباب كثيرة، ربما أبرزها هي الصورة البهية التي ظهر عليها الرويشان، والتي تعكس روحه وطبيعته التي تألف الناس، وتتآلف معهم، من دون استعلاء، خاصة أن الرويشان هو وزير، ولِما للوزير من خصوصية في تعامله المجتمعي. كلنا يعرف ما هي طبائع وتصرفات ومسيرة الوزير العربي التي تنمّ عن عنجهية واستكبار. مما دفعني يومها لكتابة مقال عنونته "صنعاء لي ولكم" تحدثت فيه عن تواضع الوزير الذي أبهرني.. وبعد مرور سنوات على استقراري في اليمن، وعملي مدرسًا لمادة اللغة الإنكليزية، ذلك العمل الذي مكنني من الوصول إلى شبوة وعدن في الجنوب، وصعدة وعمران في الشمال، وتمكنت من زيارة الحديدة وتعز، أضف إلى ذلك مخالطتي الوسط الأدبي كوني شاعرًا، لهذا حظيت بطباعة مجموعتي الشعرية تلك على نفقة وزارة الثقافة في عهد الرويشان، على هامش فعاليات "صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004". أما مجموعة "رماد الألق" فطبعتها في مركز عبادي للدراسات والنشر عام 2005.




ولي في اليمن صداقات لا يمكن أن تعبرها الذاكرة، شعراء وشواعر وأدباء، وأناس فيها ما زالوا في القلب: علوان الجيلاني؛ أحمد الزراعي؛ شوقي شفيق؛ محيي الدين جرمة؛ جميل مفرح؛ عبد الرحمن مراد؛ وجدي الأهدل؛ عبد الرحمن غيلان؛ سعيد الشدادي؛ مختار المريري؛ محمد عبده الشجاع؛ أحمد السلامي؛ خالد السياغي؛ ابتسام المتوكل؛ سوسن العريقي؛ الشاعر (الراحل) محمد حسين هيثم، وغيرهم كثير.


(*) قبل اليمن مررت بسورية، حيث كانت دمشق محطة طارئة لغريب....؟
في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بلغَ سوء الحال بنا إلى درجة لا تُحتَمل. بعدَ أنْ أخذَ الحصار الاقتصادي يضرب بقسوة على أرواحنا بسوط الجوع. ولا غرابة، فنحن في العراق المُبْتلى بالحروب والنزاعات، تلك التي ظلت مستعرة وما خف أوارها! لذا شرعتُ بالهجرة مثلي مثل الآلاف من العراقيين.
فالهجرة ما كانت لنا سفرة للمتعة والاستجمام، بل هي محاولة للخلاص من الجوع والفاقة وتعسر العيش. كلّ الجهات كانت مغلقة يومها في وجه العراقيين، والأنكى أنها مغلقة إلى حد اليوم، بفعل سياسات مفروضة لترسيخ واقع مرير، على العراقيين أن يقبلوا به مرغمين، لذا كانت الهجرة يومها ضربًا من المغامرة والمقامرة.. وكواحد من ضحايا الجوع والحصار، حملتُ أمكنتي معي، واصطحبتُ أحلامي وآلامي، ورحت أفتش عن وجهة أستظل فيها!.. كانت دمشق العاصمة الثانية، بعد عمّان، التي فتحت أحضانها للفارين من جور الحياة في العراق! كانت دمشق كريمة ومرحّبة، على عكس عمّان التي قبلت تواجد العراقيين في أراضيها على مضض! كانت دمشق هي الملاذ الآمن والمحطة الرحبة لأغلب العراقيين بمختلف توجهاتهم ومشاربهم.. محطة وجد العراقيون فيها نافذة مواربة على أمل العبور إلى الغرب، تلك الوجهة/ الحلم، طلبًا للجوء الإنسانيّ. من عادة المحطات أن لا تمسك بتلابيب من يمر بها عابرًا إلى وجهة ما يقصدها، وما دامت دمشق محطة عبور، فمن الطبيعي أن ينتهي المقام فيها إلى الرحيل! كانت الخطوة الأولى والانطلاق منها إلى وجهات مختلفة. الرحيل خطوة مقلقة، إذ لو قدّر لها أن تمتد، ستأخذنا عبر محطات اغتراب لا حصر لها، وصولًا إلى أماكن بعيدة لم نعرف عنها إلا ما قرأناه في الكتب. وهذا ما حصل معي.
ومن ثمّ، كانت اليمن هي الوجهة التي تهفو إليها الروح، كيف لا وتلك الصور البهية التي كان ينقلها لي كثير من المدرسين العراقيين الذين قصدوا اليمن بدافع "الإعارة الحكومية"، أو "التعاقد" مع قطاع التعليم. كان السفر يومها يكلّف العراقي كثيرًا، ويضطره في أحايين كثيرة إلى أنْ يستدين، أو أن يبيع من حاجيات بيته، كي يجمع بالكاد مبلغ السفر.
فلا مناص، إذًا، يومها، من أن تكون صنعاء هي وجهتي المقصودة، وهذا ما تحقق بالفعل، حين دخلتها في 13 سبتمبر/ أيلول 2000.


(*) لنعد بالحديث إلى العراق، والمشهد الثقافي هناك؟
بعد 2003، حدث أن أصيبت الثقافة العراقية بنكسة كبيرة، وتراجع رهيب بفعل الاحتلال وتداعياته. لذا، احتاجت الثقافة العراقية إلى ما يقارب العقد كي تعود إلى ممارسة دورها، وأن تحظى بمكانتها.. أرى أن المشهد الثقافي اليوم يستعيد عافيته، ليس بالصورة التي نتمنى، ولكن هناك رغبة كبيرة، وعمل جاد من المثقفين العراقيين في ذلك، من خلال إقامة المهرجانات الشعرية، والمعارض الفنية، ومعارض الكتاب، وتوسيع المشاركة العربية والدولية فيها.


(*) ما رأيك في قصيدة النثر التي تُكتَب اليوم؟
أعتقد أن قصيدة النثر اليوم فرضت وجودها، واستطاعت العبور الأسطوريّ بالشعر، على الرغم مما تعرضت له من عداء وإلغاء فاق ما واجههُ الشعر الحرّ، إلى الضفة الآمنة، لامتلاكها قدرة استيعاب التحولات الكبيرة والضرورية في ميدان الشعر.
أنا أميل كل الميل بذائقتي الشعرية إلى قصيدة النثر، وأكتبها لحاجتي لها في التعبير عن همّ الكتابة الذي يتملكني ويدفعني لأقول كلمتي من خلالها.
قصيدة النثر اليوم أحسبها اللسان الحقيقي الناطق باسم الشعر.


منصات التواصل
(*) فتَحت منصات التواصل نافذة مهمة لمثاقفات الأدباء والفنانين، وأتاحت الاطلاع على تجارب إبداعية بين البلدان والشعوب. كيف هي تجربتك في هذه المنصات؟
أؤمن بالتفاعل بين الثقافات عبر ما يسمى بالمثاقفة، من خلال منصات، أو نوافذ إبداعية يديرها ويشترك ويتشارك فيها مبدعون، فكل ثقافة في العالم اليوم معنية بالتواصل مع ثقافات أخرى، خاصة ثقافتنا العربية التي لها تاريخ طويل في هذا الفعل، وهي في حاجة إلى استعادته، لكي تُفعِّل دورها الرائد في التثاقف بين الأمم، ولتؤثر أكثر مما تتأثر.
أما على الصعيد الشخصي، فتجربتي يمكن القول إنها محدودة وعابرة في هذه المنصات.


(*) في رأيك، ما الذي يشغل تفكير المبدع العربي اليوم؟
في اعتقادي أن ما يشغل تفكير المبدع العربي هو انعدام الدعم الحكومي والمجتمعي، فنراه في اِحباط دائم وفاقة وحرمان، إذ لا مكانة للأديب في مجتمعه، وليس هنالك من يضمن له الرعاية الاجتماعية والصحية والعيش ولو بحد الكفاف. أضف إلى ذلك إحساس المبدع العربي بأن وطنه طارد له، غير مرحب به، وبنتاجه الإبداعيّ.


(*) عودة إلى البدايات. ما كانت قراءاتك، قصائدك الأولى، وما الذي دفع بك إلى فضاء الشعر؟
قراءاتي الأولى اقتصرت على الشعر والرواية.. أكثر ما شدني للرواية هو عبد الرحمن منيف، ومن حببني في الشعر هو بدر شاكر السياب.




لا يمكن لأي منا أن يحيط إحاطة تامة ببواكير الكتابة، ويحدد لها التاريخ المؤكد، لكني أستذكر ما حصل لي في أول عام دراسي عام 1978، ربما هي من الصدف الجميلة أن يكون أستاذ مادة اللغة العربية المقررة لنا في المنهج هو الشاعر محمد حسين آل ياسين. بداية، طلب الأستاذ آل ياسين منا نحن طلبة الصف الأول، وتحديدًا كل من يجد القدرة على الكتابة أن يأتي بنموذج مما كتب، وأعتقد أنه يومها اختص الشعر بالتحديد، لم يكن ثمة كتابات شعرية في الصف إلا لديّ وطالب آخر اسمه الطيب عثمان، ما زال هذا الاسم يتردد في ذاكرتي، الطيب عثمان الذي لم أعرف عنه شيئًا منذ تخرجنا في عام 1982.. في صبيحة اليوم التالي، حضّرَ الطيب، وأنا، نماذج من محاولاتنا الشعرية.. أشار الأستاذ آل ياسين إليّ بأن أعتلي المنصة وأقرأ من النماذج التي أعددتها، لم أعرف لحظتها كيف حملتني خطاي، وكيف أكملت قراءتي؟ تلك كانت قصائدي الأولى، وتلك كانت أول منصة أعتليها لقراءة الشعر في حياتي، وما إن أكمل الطيب عثمان قراءة قصيدته، حتى استحسن الأستاذ ما قرأناه، وقال لنا: "ما سمعته منكما هو الشعر بعينه، لذا أقول لكما وبثقة عالية، عليكما الاستمرار، وسيكون الشعر حليفكما". هذه الشهادة الكبيرة التي حصلت عليها من شاعر بحجم محمد حسين آل ياسين شكلت محطة مهمة في بداية مشواري مع الشعر. وما دفعني إلى الشعر هو الشعر نفسه، وكثيرًا ما كنت أشعر بأنه يأخذني مني إليه فأجدني فيه.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.