}

أحمد عمران: الترجمة الذاتية تتطلب أن تكون أديبًا باللغتين

صدام الزيدي صدام الزيدي 10 فبراير 2023

بترشيح من منظمة ثقافة القرى المجرية (Foundation for the Culture of Villages) جرى في العاصمة المجرية بودابست مؤخرًا، تكريم الكاتب اليمني المقيم في المجر، أحمد عمران، بلقب "فارس الثقافة العالمية"، وهو تكريم سنوي يتوج به شخص يكتب باللغة المجرية الأم.

يقول عمران لـ"ضفة ثالثة" إنه شعر بسعادة كبيرة لمنحه لقب "فارس الثقافة العالمية" في بودابست للعام 2023، مبينًا أنه سبق أن رُشِّحَ مرّتين للقب. وذكر أن تكريمه لم يكن نتاجًا لمسابقة تقدم إليها بقصة أو بمجموعة قصصية "ولكنه تكريم لي ككاتب لما كتبته ولما قدمته"، موضحًا أن لقب "فارس الثقافة العالمية" لا يمنح لأي شخص من خارج اللغة المجرية الأم.

أحمد عمران من مواليد 1966 في قرية الحصين- محافظة ذمار (وسط اليمن). أنهى دراسته الأساسية والثانوية في السعودية. حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة ميشكولتس المجرية. في عام 2000 نشرت له قصة قصيرة ضمن مجموعة "أفق جديد لعالم أجد" وترجمت لاحقًا إلى اللغة الإيطالية حيث تم إدراجها في مختارات من الأدب اليمني.

يعمل في دولة المجر كمهندس جيوفيزيائي في مجال استكشاف النفط والغاز. في عام 2015 بدأ ينشر قصصه في دوريات أدبية مجرية، ليتوج هذا التفاعل بإصدار باكورة قصصية حملت عنوان "الغداء الأخير" (2017)، عن دار نشر في بودابست، قبل أن يُصدر في 2019 مجموعته الثانية "بخار الروح"، وكلا المجموعتين كتبتا باللغة المجرية التي يجيدها كتابةً ونطقًا. في عام 2022، خاض تجربة ترجمة مجموعته الثانية "بخار الروح" إلى العربية عن المجرية، لتصدر في القاهرة، والمجموعة ذاتها يُتوقع صدورها هذا العام في طبعة إنكليزية.

هنا حوار معه:

(*) كيف كانت مشاعرك في لحظة التكريم بلقب "فارس الثقافة العالمية" في بودابست 2023، الذي لا يمنح إلا لأسماء من داخل اللغة المجرية الأم؟

كوني قد ترشحت لجائزة الأدب المجري في عام 2020 وعام 2021 ولم أفز بها فإني لم أربط أملا كبيرا بهذا الترشيح الجديد، ولكن ومن باب التفاؤل الضروري فإني كنت أمنّي نفسي بالحصول على ترتيب ما خلف الفائز وفي نطاق "فارس الثقافة المجرية" وليس "فارس الثقافة العالمية"، لأن لقب فارس الثقافة العالمية لا يعطى كل عام ما لم تكتمل معطيات ومواصفات كثيرة. أمل حصولي على شيء ما ازداد عندما تزايد طلب لجنة التكريم لمعلومات تفصيلية عن مسيرتي وطلبوا إرسال وثائق كثيرة. وفي نهاية شهر ديسمبر من عام 2022 شددوا على إلزامية حضوري في يوم الواحد والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني)، ونصحوني بالتفكير في صياغة كلمة شكر "إن لزم الأمر". بعد كل هذا يمكنني القول بأني ذهبت إلى هناك بمعرفة أني سأحظى على نوع من التكريم ولكن بدون معرفة ماهيته.

الحقيقة أن التكريم أسعدني وفاجأني، كوني لم أحصل على لقب فارس الثقافة المجرية بل العالمية. لقد احتجت بعض الوقت كي أستوعب الأمر. والتكريم بهذا اللقب هو تشريف كبير وفي الوقت نفسه هو حمل بطريقة ما. رأيت في الحفل شريط حياتي يدور بسرعة واستحضرت وجهي أمي وأبي رحمة الله عليهما.

شهادة التكريم وجانب من الحضور خلال الحفل


(*) حصلت على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة ميشكولتس المجرية، وكان هذا مدخلًا للتثاقف مع الأدباء والكتاب المجريين حيث تقيم هناك منذ سنوات. حدثنا عن ذكريات الدراسة العليا في المجر، دراسة الجيوفيزياء، ومن ثم عملك في مجال استكشاف النفط والغاز هناك؟

الحقيقة أن هذه الجامعة هي جامعة علمية وصناعية، لذا فهي لم توفر لي المناخ المناسب للتثاقف مع الأدباء والكتاب، بالإضافة إلى أنني لم أتعامل مع الأدب في تلك الفترة نظرًا لصعوبة اللغة ولصعوبة المواد الدراسية. في السنوات الأخيرة من الجامعة بدأت قراءة بعض الأعمال الأدبية باللغة المجرية التي كنت قد قرأتها باللغة العربية لصنع جسر أدبي داخل نفسي، فكانت أعمال خليل جبران وبعض روايات الأدب العالمي هي المدخل نحو الأدب المجري.

موضوع شهادة الدكتوراه تطلب مني معطيات حقلية حصلت عليها من شركة النفط المجرية. المشرف التطبيقي على الرسالة كان أحد مديري الشركة وهو من اقترح على الشركة توظيفي خاصة أن الشركة كانت حينها تنوي دخول قطاع استكشاف النفط والغاز في اليمن. بعد الحصول على الخبرة العملية اللازمة عملت لصالح الشركة في اليمن لمدة عامين. هذان العامين أعاداني إلى عالم الأدب.

قصص بالمجرية

(*) كيف قادتك خطاك لكتابة القصص ونشرها باللغة المجرية حيث صدرت لك مجموعتان قصصيتان هما "الغداء الأخير" 2017، و"بخار الروح" 2019. وماذا عن محتواهما؟

بعد التدرج الوظيفي والقراءة الدؤوبة للأدب المجري بدأت في عام 2015 كتابة قصص قصيرة باللغة المجرية وحاولت نشرها في الدوريات المجرية. في البداية كانت الدوريات لا تنشر قصصي على اعتبار أنها تمثل اختلافًا لا يتسق مع المعتاد، وكانت الدوريات تعتقد أن هذا الاختلاف سيكون غير مرغوب لدى القراء فكانت تطلب مني تحوير لغة وبنية النصوص. لكني استمررت في المحاولة بدون تحوير حتى قيض الله لي محرر دورية "المطر" الذي اعتبر هذا الاختلاف لونًا جديدًا في الأدب المجري وكان متحمسًا لدرجة أنه قام بنشر قصتين في عدد واحد وزعم أن نشر نصين يري القارئ التنوع الموجود في أسلوب الكاتب. حصلت القصتان على قبول غير عادي. هذا النشر وهذا التقبل فتح لي الأبواب فأتت مرحلة استحسان قصصي من قبل الدوريات الشهرية والفصلية، وهذا شجعني على مواصلة الكتابة، وتلك الفترة كانت مرحلة غزارة كتابية في حياتي. في عام 2017 أصدرت المجموعة القصصية الأولى بعنوان "الغداء الأخير" وفي عام 2019 مجموعة "بخار الروح".

عدد من الكتب العربية أتت إلى المجرية عن طريق اللغة الفرنسية، وفي طريقها إلى المجرية فقدت كثيرًا من الوهج والعذوبة. وإن فقدان الوهج والعذوبة للأدب العربي عبر الترجمات المتعاقبة من أهم الأسباب التي جعلتني أتجه للكتابة باللغة المجرية

هناك قصص تدور في إطار يمني مغلق وأحيانًا قد لا تخرج القصة من إطار القرية وهناك قصص تدور في محيط أوروبي محض، أما النوع الثالث فهو قصص تدور في فضاء ثقافي مشترك ومتداخل، يمثل عنصر جذب لدى القارئ كما ألاحظ حيث أنه أحيانًا يبرز وحدة الشعور الإنساني وأحيانًا أخرى يبرز الرؤيا المختلفة: ماهيتنا الذاتية والثقافية والموروث المخزون في داخلنا. في قصصي لا أتحيز لشيء على حساب الآخر وإنما أقدمه بكل شفافية لأنه من الأخطاء – خاصة في الأدب الشرقي- أن يتحول الكاتب الى قاض أخلاقيّ.

(*) تم ترشيحك لجائزة الأدب المجري في عامي 2020 و2021، هل كان ذلك مقدمة لتكريمك بلقب فارس الثقافة العالمية في بودابست لعام 2023، أم أن جائزة الأدب المجري مكون آخر غير لقب الثقافة العالمية؟

أعتقد أن أي ترشيح - وإن لم تفز به- هو تكريم بحد ذاته وشيء يساعد على التعريف بك ورغم أن الجائزتين مختلفتان غير أن التأثير قد يكون واردًا.

لقب "فارس الثقافة العالمية" يتطلب إلى جانب التميز في الأدب المجري أن يكون للكاتب تأثير على مستوى ثقافات متعددة. ترى لجنة التكريم – وهذا ما ورد في حيثيات اختياري- أنني أدخلت إلى الأدب المجري روحًا جديدة تستمد جذورها من أدب الشرق وفن الحكاية، وأنني بهذا قد أغنيت الأدب المجري والأوروبي بأسلوب سردي مغاير، إضافةً إلى إسهامي في نقل روح الأدب المجري إلى الشرق عبر ترجمتي لمجموعة "بخار الروح" إلى العربية، عن دار النشر اليمنية عناوين بوكس في القاهرة.

(*) وهي مجموعتك الثانية، التي قمت أنت بترجمتها إلى العربية. وهنا أسأل (من واقع تجربتك هذه): أن يترجم الكاتب نصه من لغة أخرى إلى لغته الأم، هل الأمر أسهل؟

الترجمة الذاتية تتطلب أن تكون أديبًا في كلا اللغتين في الجنس الأدبي نفسه وهذا شرط نادر الحصول. أن تترجم نصوصك بنفسك، ليست مهمة سهلة، في نظري، كما يتوقع البعض وإن كانت هي الأصدق. المشكلة أني أحب التلاعب بمفردات اللغة المجرية وهذه الأشياء صعبة الترجمة. صعوبة الترجمة الذاتية وعسر الولادة فيها جعلتني أتساءل كيف يستطيع الآخرون ترجمة ما كتب غيرهم؟ علمًا أن مجموعة "بخار الروح" هي الآن في طور ترجمتها إلى الإنكليزية.



 (*) عن المجرية أم العربية، ومن يتولى ترجمتها؟

هناك مواطنة أميركية من أصول مجرية اسمها ديانا سينيشال، تقيم في المجر، هي من يترجم "بخار الروح" من النص المجري، وهي سيدة تكتب الشعر والسرد وتمارس العزف على أكثر من آلة موسيقية، وقد قامت بترجمة كتب كثيرة إلى اللغة الإنكليزية. أعتبر نفسي محظوظًا كونها هي من تقوم بالترجمة، ومبعث سعادتي أن إعجابها بالمجموعة هو ما قادها إلى العمل على ترجمتها. فهي تجلس معي وتناقشني كثيرًا قبل إنهاء الترجمة وأحيانًا تعيد صياغتها بناءً على حديثنا ومعرفتها لما يقصده الكاتب على وجه التحديد، وأحيانًا يُحدِث اختيارها لكلمة ما فارقًا كبيرًا في النص، فنتناقش في ذلك.

جُبران في المجر...

(*) ما الذي يعرفه المجريون عن أدبنا العربي؟ وهل ثمة أدب عربي يُقرأ مترجمًا إلى المجرية؟

لو استثنينا المستشرقين فإن الأدب العربي – خاصة المعاصر منه - غير معروف. حكاياتنا هي المعروفة والمنتشرة مثل: ألف ليلة وليلة؛ علي بابا والأربعين حرامي؛ رباعيات الخيام. يمكنك أن تقرأ بالمجرية بعض كتب جبران خليل جبران مثل: النبي؛ الأجنحة المتكسرة؛ رمل وزبد، هذه الكتب أتت إلى المجرية غالبًا عن طريق اللغة الفرنسية، وفي طريقها إلى المجرية فقدت كثيرًا من الوهج والعذوبة. عمومًا فقدان الوهج والعذوبة للأدب العربي عبر الترجمات المتعاقبة هو من أهم الأسباب التي جعلتني أتجه للكتابة مباشرة باللغة المجرية.

ترى لجنة التكريم أنني أدخلت إلى الأدب المجري روحًا جديدة تستمد جذورها من أدب الشرق وفن الحكاية، وأنني بهذا قد أغنيت الأدب المجري والأوروبي بأسلوب سردي مغاير، إضافةً إلى إسهامي في نقل روح الأدب المجري إلى الشرق


(*) في مهجرك البعيد، كيف تتابع أخبار بلدك الأم (اليمن). ما هي حدود متابعتك للمشهد الثقافي وكيف هو تواصلك بالمثقفين والمبدعين هناك لا سيما أنك عضو مؤسس لنادي القصة "إلمقه" وعضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين؟

دائمًا ما أحب ترديد مقولة تشي جيفارا المشهورة: "هناك أوطان نسكنها وهناك أوطان تسكننا". اليمن هي من الأوطان التي تسكنك، لذا فأنت تحملها فوق ظهرك وداخلك مهما حاولت تلوين ريشك. كما قلت لك فإن فترة عملي في اليمن أعادت التأثير فصرت أحاول إن سمح لي الوقت أن أتتبع المشهد الثقافي. ومن حسن حظي أن صديق حياتي هو الروائي المعروف، الغربي عمران، وأن زوجتي هي الكاتبة اليمنية، جهاد الجفري، فإلى جانب ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي فإنهما قنوات توصيل وربط مهمة في حياتي. ليسا قنوات توصيل للأدب فقط بل قنوات توصيل للواقع اليمني أيضًا.

(*) في بواكيرك كتبت الشعر والقصة معًا. هل نسيت الشعر يا صاحبي؟

"ستكتب قصصًا مرشوشة بالشعر"، هذا ما قاله فقيد اليمن والأدب العربي الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح عن موضوع جنوحي للقصة القصيرة على حساب الشعر. ومن محاسن الصدف أن يوم تكريمي كان يصادف أربعينيته، يرحمه الله. الحقيقة أني أملك نتاجًا شعريًا كبيرًا لطالما فكرت في ترتيبه ونشره. وللإجابة على سؤالك: أشعر بأن تنقيح أشعاري القديمة، إعادة صياغتها ونشرها، وكتابة الشعر في بعض المناسبات، هو ما تبقى لي من الشعر، ولكن من يدري؟

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.