}

أحمد جمعة: كل نصّ انعكاس لظرفٍ مرّ به كاتبه

صدام الزيدي صدام الزيدي 1 يونيو 2023
حوارات أحمد جمعة: كل نصّ انعكاس لظرفٍ مرّ به كاتبه
أحمد جمعة

في عام 2015، خاض الشاعر المصري، المقيم في الإسكندرية، أحمد جمعة، تجربته الأولى في النشر، عندما أصدر مجموعته الشعرية الأولى "طائر يغرّد شعرًا" عن دار (شعلة الإبداع)، قبل أن يذهب لإعداد كتاب مشترك ضم نصوصًا لمائة شاعر عربي يتحدث عن الحب في زمن الحرب، في العام نفسه ودار النشر نفسها.

في 2018 أصدر مجموعته الثانية "أتعكّز على قلبي" (دار يسطرون)، وهي الدار التي ستنشر له بعد عامين مجموعة بعنوان "قلب ينبح في وجه الحب" ضمّت أربع مجموعات شعرية تحت غلاف واحد. ثم إلكترونيًا أصدر مجموعة شعرية حملت عنوان "نضج متأخر" يكرس نصوصها لمناصرة قضايا المرأة العربية، تبعتها مجموعة بعنوان "لكننا أحببنا" (2022).

هنا حوار معه:

 (*) "كتبت لأهربَ منّي، لأنّي كنت عاطلًا، والشعرُ أنسب وظيفةٍ للعاطلين"... أقتبس لك هذه العبارة في مفتتح حوارنا معك. هل الشعر هو "وظيفة العاطلين"؟

الشعر صار وظيفة رسمية للجميع في وقتنا الراهن لأننا جميعًا صرنا عاطلين عن كل ما يجعلنا بشرًا حقيقيين، نهرب من واقعنا الذي بات مكانًا واسعًا للحروب إلى خيال نأمله مساحة كافية للسلام رغم ضيقها. نعم، أصر على أن الشعر وظيفتنا التي لا غيرها نحن العاطلين، والذي كل أرباحنا منه حزن.

(*) قصيدة النثر في المشهد الشعري المصري، أين هي؟

المشهد الشعري المصري على كف مسؤولين أزعم أن ضمائرهم مستترة إن لم تكن ميتة، وقصيدة النثر كتبها عمالقة مثل (عماد أبو صالح) الذي لا تقرأ له نصًا إلا وملأت الدهشة كل عقلك وابتسم قلبك بكامل دقاته، وغيره الكثيرون ممن كتبوها ويكتبونها باحترافية تامة، لكن أقول: ما زال هناك الكثير من الوقت حتى تأخذ قصيدة النثر حقها في ظل الاقتتال الذي ما زال بين مؤيد ومعارض على وجودها.

(*) تشتغل في التدقيق اللغوي. ما الذي وجدته؟

أعمل بالتدقيق اللغوي، ووجدت أن الأغلبية لا لغة عندهم تمكنهم من الكتابة كما يليق. يحزنني أن أراجع كتبًا لأساتذة بالجامعة متخصصين باللغة العربية وآدابها ولا يميزون بين همزة الوصل والقطع. تمنيت على الكاتب قبل أن يمسك قلمه أن يقرأ كتابًا ولو مبسطًا في النحو والصرف وآخر في قواعد الإملاء وهذا أقل القليل كي لا يقع في أخطاء بسيطة كهذه. نعم، إن دور المدقق أن يقوم بمثل هذه الأمور، لكن على الكاتب الحقيقي أن يكون ملمًا بالحد الأدنى فيما يتعلق باللغة التي يكتب بها إبداعاته.

(*) في مجموعتك "نضج متأخر" الصادرة إلكترونيًا في 2022، تتحدث عن المرأة وتناصر قضاياها شعريًا. هل تؤمن بدور الشعر في إحداث تغيير أم إنه تضامن ينبغي أن يقال بطريقة أو بأخرى؟

كان وما زال للشعر دور بارز في النهوض بالقضايا والعمل على تحقيق الغاية من ورائها والانتصار لها، وإن كان التضامن مع المرأة واجب كل شاعر في مجتمعنا، ليس عطفًا ولكنه حق طبيعي. فالشعر في أساسه قضية، ومن لا قضية له يعمل لها وعليها فلا قلم له.

 (*) لم تُطبع المجموعة ورقيًا؟

حقيقة، بتّ لا أرى للنشر الورقي في وقتنا الحالي قيمة كسابق عهده، فالنشر الإلكتروني وفّر الكثير من الأمور، وبات أي عمل إبداعي متوفر على الإنترنت في متناول كل قارئ، كما أن تكلفة النشر الورقي لم تعد في استطاعة الأغلبية في ظل تكالب دور النشر على التربح لا تقديم ما ينفع القارئ أو ما يثريه من إبداع لائق وحقيقي.

(*) كتبت للأم كثيرًا وما زلت... أي قصيدة هي برأيك؟

الأم هي قصيدة الرب المدهشة، والتي مهما كررناها سنندهش مما فيها من معاني تظهر لنا في كل قراءة جديدة، أزعم أن أول ما كتب القلم بعدما أوجده الله كلمة (أم)، فلا حياة تستقيم لكائن بدون أم تعمل على إخصابه بالوجود.

 (*) ومثل ذلك كتبت للحب. هل هو رهانك الأخير أمام الموت وأدخنة الحروب ومفاجآت الطبيعة، كوارثها وجائحاتها؟

كتبت للحب، لأنه الماء الذي منه خلق الله كل شيء حي، وما حدث في عالمنا من حروب وكل شيء على منوالها إلا من وراء غياب الحب عن قلوب بني البشر، الحب هو كل فن حقيقي ينتشلنا من وساخات العالم إلى طهر لا يشوبه خبث.

فهذا يقتل وهذا يسرق وهذا ينال من شرف ذاك وهذا يجرح وآخر يفعل ويفعل، لأن دنسًا أصاب قلوبهم فلم يطهروها بماء الحب، فاستفحلت في أرواحهم الكراهية.

(*) تقول إن نصوص مجموعتك "أتعكّز على قلبي" (2018) هي "أحبّ ما كتبت برغم بساطتها". هنا أسأل: كيف تنعكس الظروف النفسية التي يمر بها المبدع (الشاعر) في مرحلة ما من حياته على نصوصه المكتوبة، بمعنى: هل تكتب اللحظة ذاتها؟

في مجموعة "أتعكز على قلبي"، نصوص كثيرة مررت بها كلها في واقعي، والنص هو توثيق للحظة شعورية، فكل نص هو انعكاس لظرف مر به كاتبه وإلا يكون الشاعر مفتعلًا لنصه، وهنا لن يصل النص إلى قلب قارئه مهما كان كاتبه محترفًا. قد يعجب القارئ باللغة والبديع الذي يتخلل النص، لكنه أبدًا لن يستحلب بلطف دمعة مختبئة وراء صخرة التجلد التي تسكن في روح القارئ. النص الحقيقي هو ما ينفخ في الرماد الذي بداخل القارئ ويعري الجذوة التي كادت تنطفئ.

الشعر صار وظيفة رسمية للجميع في وقتنا الراهن لأننا جميعًا صرنا عاطلين عن كل ما يجعلنا بشرًا حقيقيين، نهرب من واقعنا الذي بات مكانًا واسعًا للحروب إلى خيال نأمله مساحة كافية للسلام رغم ضيقها

(*) "قلب ينبح في وجه الحب" (2020)، مجموعة شعرية جمعت فيها 4 مجموعات. ما الذي دفعك لذلك؟

ضمّنت في كتاب "قلب ينبح في وجه الحب" أربع مجموعات، ربما لأنه من الأفضل للكاتب ألا يطبع شيئًا إلا دفعة واحدة وفي كتاب واحد كأعمال كاملة فيها خلاصة ما كتب، ومن هذا المبدأ أردت فعل هذا، لكن كما الجميع لا يمكننا التنبؤ بمتى ينفد رصيدنا من الكلمات، فما زلنا ننزف رصيدنا من الخيال.

(*) "أيقظت رصاصتك قلبي" (2012)، كتاب مختارات لمائة شاعر عربي من كتاب قصيدة النثر، تتناول الحب في زمن الحرب. كيف تجلت الفكرة فرأت النور؟

"أيقظت رصاصتك قلبي"، مجموعة رائعة من النصوص والشعراء أيضًا، حيث كل شاعر في هذه المجموعة له تجربة رائعة وحقيقية في قصيدة النثر، وتجلت الفكرة من فعل بسيط كنت أفعله، حيث وقتها كنت من أوائل من أنشأوا صفحة على فيسبوك لدعم الشعراء والنشر لهم، كانت صفحة (شعراء وأقلام) وداومت على النشر لفترة طويلة للكثيرين، حتى تبلورت الفكرة في رأسي وعزمت على تجميع هؤلاء المبدعين جميعًا في كتاب واحد يتحدث عن الحب في ظل الحروب التي تمر بها بلداننا العربية، وحقيقة تعاون الجميع على إنجاح هذا الكتاب، وأحمد الله فلم أكلف أي شاعر ولو فلسًا واحد.

(*) كيف ترى إلى النشر الجماعي، حيث بدا لافتًا الإقبال على هذه الفكرة في المشهد الأدبي العربي في الآونة الأخيرة، ولا بد أن لنوافذ التواصل دورًا أساسيًا في ذلك؟

كنت من أوائل من خاض هذه التجربة على نفقتي، وبعدها بدأ الكثيرون يتبنون الفكرة وينشرون جماعات جماعات تحت مسميات عدة ومختلفة، والأمر أراه محمودًا، فليس الكثيرين يقدرون على النشر، كما أن كل كتاب يضم مجموعة من الكتاب أراه توثيقًا لتجارب متنوعة ومرجعًا لفترة من الفترات، لكن المهم العمل على انتقاء النص الجيد، وأن يكون العمل خالصًا لوجه الإبداع والحث عليه، لا من أجل التربح والاشتهار من وراء كتاب بسطاء كل أملهم المشاركة في عمل أدبي ينوه عنهم ككتاب.

(*) ما الجديد؟

الجديد، أننا ما زلنا في هذه العالم بكل تقلباته وقديمه الذي يتجدد كل لحظة، في هذا الوقت الذي يجفف كل دمعة ويستجلب أخرى، الذي يجرح عميقًا ويداوي. الجديد، أننا في المكان نفسه بعدما انهدم المكان الذي يغيرنا كل يوم وكل مرة نعود إليه نشعر بشيء جديد.

لا جديد في الكلمة، وحدها الشيء القديم الذي نجترّه بطرق مختلفة ومتعددة.

(*) عد بنا إلى البدايات: القراءات الأولى/ الشخبطات الأولى....

بدايات معظم الكتاب متشابهة، ربما البيئة نفسها لكن في سياقات غير بعضها، حيث الوحدة والشعور بالاختلاف والاكتئاب، وربما حيث أهل مثقفين وتداول القصص وحب القراءة الذي يملأ الوقت ويثري العقل.

بدأ الأمر عند قراءة القرآن وحفظه كاملًا في سن مبكرة، ثم حفظ الكثير من الحديث النبوي الشريف، وقراءة الكثير من السير النبوية والتاريخ الإسلامي. ثم بعد ذلك في بدايات الجامعة كان التحول والتوجه إلى قراءة الفلسفة وشعر نيتشه والأدب الروسي من تشيخوف وتولستوي وغوركي، ثم قراءة أشعار نوبل وكل كتاب يقع أمام العين. لطالما أحببت نيرودا وبوشكين وت. س. إليوت وفيسوافا شيمبورسكا وبوكوفسكي. أحببت جدًا رياض الصالح الحسين وعماد أبو صالح وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور. قرأت سنية صالح والماغوط والكثيرين...

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.