}

رولا حسن: "الموجة الجديدة" بالشعر السوري ذات حساسية مختلفة

علاء زريفة 31 أغسطس 2023
حوارات رولا حسن: "الموجة الجديدة" بالشعر السوري ذات حساسية مختلفة
رولا حسن

صدرت حديثًا عن دار كنعان للدراسات والنشر في دمشق مجموعة شعرية مشتركة بعنوان "الموجة الجديدة في الشعر السوري: نص طازج وحساسية مختلفة... شاعرات سوريات" لخمس وعشرين شاعرة سورية، أعدت نصوصها وقدمت لها الشاعرة والناقدة رولا حسن. تقول حسن إن الشعر هو "الظاهرة الأبرز" التي فرضت نفسها، بما تمثله من انتصار لكل ما هو إنساني في مقابل الدموية والموت والخراب الروحي قبل المادي، وهو "موجة جديدة" متجاوزة للتجارب السابقة في الشعر السوري تتميز "ببلاغة اللغة"، و"المقدرة على إنشاء لغة خاصة"، و"منطق خاص يفرضه النص وعلاقاته". نصوص تعبر عن حالة من التلاشي، والانكسار، والانغماس في الذاتية. لكنها تحمل مكنونات وعيها الخاص. ورغم "أنثويتها" الطاغية، إلا أنها "تؤسس لعالم كما تراه لا كما تريده"، فتبدو النصوص في رأيها "ثورة، لا مجرد تمرد". والجسد هُنا يُقدم كـ"إطار للثورة لا موضوعًا لها". والذات الشاعرة كـ"امتداد له". شعرية تتجلى في "جسد النص"، تعيد الاعتبار إلى السرد، والمجاز البصري، والانزياحات اللغوية الخاصة التي لا تتكئ على أيديولوجيا، أو مسبقات شعرية، بقدر ما تعبر عن أرواح شاعراتها التي تحاول الاختفاء والتحليق في فضاءاتها الخاصة الحرة، خارج النظرة التقليدية والتنميط الذكوري للشعر لحساب "حريتها الخاصة"، متجاوزةً "عويلها وفقدها وإحساسها اليومي بالانكسار بين أصوات الرصاص والمدافع ودخان الموت والدمار". هذه "الموجة الجديدة" هي صوت إناثٍ يحاولن الانتصار، من خلال شفافيتهن وأمومتهن المعنوية، للحياة.
هنا حوار مع رولا حسن للحديث عن "الصدمة الجديدة"، في محاولة لفهم خصوصية هذه التجربة، وما هي أهم مميزاتها وسمات "الجدة الشعرية" في نصوصها، على اختلاف تجارب شاعراتها.

(Getty)


(*) لنبدأ بالعنوان، الذي يبدو مثيرًا ومحفزًا في آن لقراءة المجموعة. ما هي "الموجة الجديدة" في الشعر السوري؟
لم يكن الاعتراف بالشاعر قبل الحرب إلا عبر المنشورات الورقية في سورية، والتي نعرف جميعًا آلية عملها البائسة، التي عملت بجد على تكريس المكرس، أو العمل عبر الشللية، وفي كلتا الحالتين لم تستطع تقديم شيء جديد، وفي الأساس لم يكن لديها هذا الهاجس.
خلال الحرب، ظهرت المقاهي الثقافية، التي أخذت تحتفي بالشعراء الجدد، لكن تأثيرها بقي محدودًا قياسًا بصفحات التواصل الاجتماعي التي ازدحمت بالنصوص الجديدة، ووجدت منبرها الحر، وجمهورها الخاص، وأفردت مساحة مهمة للقارئ ليتفاعل مع النص. ولا يمكن أن نغفل عن ظروف الحرب في سورية، والأسئلة الجديدة التي طرحت حول الهوية، والعقائد، والفرد، باعتبارها عناصر مؤثرة في تشكيل موجة جديدة من الشعراء لم يكن أفرادها معروفين قبل وجودهم على صفحات التواصل الاجتماعي. هذه الموجة خلقت معايير جديدة تختلف بناء على الخطاب الذي يحمله النص، الخطاب الذي يريده القارئ واضحًا كما لو أنه موقف. من هنا كان رصد هذه الأسماء التي بدأت تتنامى أشبه بموجة تتسارع للوصول إلى بر الشعر.

(*) ما هي السمات والعناصر المشتركة التي تجمع النصوص المُقدمة في المجموعة؟ وإلى أي مدى تتقاطع، أو تتنافر، وأين؟
الحقيقة أن الحرب لم تكن خلفية فقط للقصائد بشكل عام، وإنما وحدت الشعراء في محاولة لتشكيل وطن جديد في القصيدة، فلا المنافي، بكل مغرياتها، استطاعت أن تكون وطنًا، ولا الوطن بات وطنا، حيث انفرد كل شاعر برؤية خاصة في بناء قصيدته، هي أيضًا مثله تعيش غير مستقرة.
حفلت القصائد بمفردات الحرب على اختلافها، فانكب كل شاعر على محيطه ليخلق عالمًا شعريًا مختلفًا، لكن رائحة البارود كانت تفوح من النصوص وتجمعها، وهي تصف العلاقة مع العالم، تلك العلاقة التي أمست هشة إلى درجة لا تحتمل وسط عالم ينتج أعنف أشكال التعصب والإلغاء الاعتقادي والديني، ويتفنن في أساليب الموت والتصفية، وفي الوقت نفسه يشهد أعلى موجات الديمقراطية والتقدم العلمي.




يهيمن في هذه التجارب حضور الذات الطاغي، من خلال الرؤية الشخصية للعالم، الانسحاب من الحياة، والعزلة والوحشة القاتلة، من دون ضجيج عاطفي، لتظهر بوضوح تلك الذات المنكسرة المتخمة بالألم. في هذه التجارب نحن أمام شعرية تميزت بإعادة الاعتبار للسرد، واعتماد ظواهر سردية مهمة، كالصورة السردية التي تعتمد على حكائية السرد، مما يجعل القصيدة الجديدة مناوئة لاستقرار الأجناس. والحال كذلك لم تعد اللغة شعرية في حد ذاتها، بل أصبحت مبنية في جسد النص كله.

(*) تقدم المجموعة لأصوات شعرية نسائية. في رأيك، هل تتميز تلك الأصوات بـ"العويل والألم والفقد"، مما نالته السوريات عمومًا خلال الحرب؟ وهل يمكن النظر إليها كأصوات منفردة تحاكي تجاربها الذاتية المؤلمة، سيما وأنك تركزين على عنصري العزلة والوحشة في تقديمك لها؟
تقديمي لشاعرات سوريات ليس له علاقة بما عانته المرأة السورية خلال حرب لا ترحم، ولا ناقة لها فيها ولا جمل، ولا يختصر ما مرت به، وإنما لقدرتها كنص على التقاط حساسية ما يحصل، ورصد التغيرات التي طاولت ما حولها بشفافية وجرأة تميزت بها وتخطت فيه المسكوت عنه من خلال نكوصها على عالمها الداخلي، والالتفات إلى الجسد كونه وطنًا بديلًا وملموسًا. ببساطة، يمكن القول إن هذه الموجة تتفرد بأن كل شاعرة لها لغتها الخاصة، ورؤيتها المختلفة في بناء قصيدتها، بحيث بدت القصيدة وكأنها نافذة ترى منها الأشياء كما هي، لا كما يجب أن تكون، ترى نفسها ومحيطها بعمق، بحيث ركزت الذات على وجودها العيني المتمثل في الجسد ومفرداته، عبر لغة معادية للتحلق والإسماع الصوتي العالي، محبذة اليومي والمادي، لتبدو كل تجربة عالمًا شعريًا متفردًا.

(*) هل يمكن للشعر أن يكون تأريخًا عاطفيًا للحروب؟ وإلى أي مدى قد تصمد القصيدة في جو العنف والدموية، وهل يستطيع الشاعر/ة اليوم أن يكون/ تكون صوت سواه؟
أعتقد أن الشعر صوت حقيقي، لأنه روح الشاعر، وما كتب خلال الحرب السورية سيكون وثيقة هامة على ما حصل. ولطالما كان الشعر تاريخًا عاطفيًا للشعوب. لا يزال الشعر ذاكرة الشعوب وتاريخها المؤلم والمنسي، وهو ما نلمسه في التجارب الجديدة في سورية، التي التقطت ما لا يمكن تخيله من ألم وفقد وخسارات وخذلان. ولكن إلى مدى تستطيع القصيدة أن تصمد في وجه العنف والدموية، هذا أمر متروك للشعر نفسه، ولمدى قدرة الشاعر على خلق عالم مواز في القصيدة، وعن مدى حساسيته في التقاط الجمال وسط قبح العالم. العالم ليس على ما يرام، لكن لا زال الشعر قادرًا على فتح نافذة ليعبر منها الضوء ولو كان شحيحًا.

(*) تتحدثين في مقدمتك عن دور الفعاليات الثقافية والأدبية الخاصة في رسم ملامح حركة شعرية في سورية ـ ربما متأخرة ـ عن نظيراتها العربية. كيف أثرت هذه الفعاليات والتجمعات، وهل بقيت على "الهامش"؟ وهل عزز التلاقح بين تجاربها خلق حالة شعرية مختلفة تبتعد عن تجارب الآباء المؤسسين في الشعر السوري؟ 
وجود النص على صفحات التواصل الاجتماعي أعطى فرصة للقارئ ليكون شريكًا من خلال رأي قد يبديه من إعجاب، أو نقد للنص، والحال كذلك صار صوت الآخرين. وهنا يتوقف الأمر على الخطاب الذي يحمله النص الذي يريده القارئ واضحًا كما لو أنه موقف سياسي.، وأود، هنا، الإشارة إلى أني كنت أتابع التعليقات على النصوص الجديدة على صفحات التواصل، وهنالك جملة كانت تتكرر في التعليقات "لقد قلت ما أردت قوله"، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على تصالح مع الذات عند الشاعر، أو الشاعرة، والتخلص من الفصام، أو الشيزوفرينيا، التي اتسم بها شعراء سابقون.




الحقيقة أن الفعاليات والتجمعات الثقافية التي ظهرت خلال الحرب كانت عاملًا مهمًا لا يمكن إغفاله في ظهور موجة جديدة في الشعر السوري، من خلالها خرج الشعر من الغرف المغلقة التي سجنته فيها المنابر والمراكز الثقافية، حيث كان حلمًا أن يقف شاعر شاب، أو شاعرة، لتقرأ قصيدة على الملأ. هذه الملتقيات سمحت للمعجم الشعري أن يتغير توازيًا مع ما يجري على الواقع من تغيير. كسرت حاجز الرهبة على المستوى الشخصي، وعلى مستوى النص. ولم تعد هنالك خطوط حمراء تعيقه، لقد تجاوزها وكتب عما يخاف منه وعليه، ولكن أغلب هذه الملتقيات بقيت في إطار الإلقاء الشعري، والقليل منها عمل على طبع مجموعات شعرية مشتركة للشعراء الشباب. ولكن لا يمكن تجاهل دورها في خلق حالة شعرية خاصة لم تكن موجودة على الإطلاق قبل الحرب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.