}

سراج الدين الورفلي: نعيش زمن الانصياع للقبح والرداءة الثقافية

صدام الزيدي صدام الزيدي 19 يناير 2024
حوارات سراج الدين الورفلي: نعيش زمن الانصياع للقبح والرداءة الثقافية
صدرت لسراج الدين الورفلي 4 مجموعات شعرية
سراج الدين الورفلي شاعر ليبي من مواليد تونس (1984)، يقيم في مدينة بنغازي الليبية، حاصل على بكالوريوس في جامعة قاريونس (كلية العلوم ـ قسم الرياضيات)، ودرجة الماجستير في الموارد البشرية من المدرسة العليا SUPTECH في تونس. صدرت له 4 مجموعات شعرية: "خمسة توابيت لستة رجال" عن دار النشر هُن (القاهرة 2018)؛ "كاريزما الموت" عن دار أتيليه ضي (القاهرة 2019)؛ "أراقب رامبرانت ثم أصغي إلى زوال الأشياء"، عن دار يسطرون (القاهرة 2020)؛ "وصايا كارافاجيو" عن مؤسسة براح للثقافة والفنون (بنغازي، 2021). كما صدرت طبعة ثانية من مجموعته الشعرية "كاريزما الموت" عن دار يسطرون (القاهرة، 2020). وصدرت له رواية أولى بعنوان "جاييرا" عن مؤسسة براح للثقافة والفنون (بنغازي، 2021).
شارك في كتاب "شمس على نوافذ مغلقة ـ مختارات من أعمال الكتاب الليبيين الشباب"، وهو من إصدارات مؤسسة آريتي للثقافة والفنون ودار "ف" للنشر بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني 2017. اختير في أنطولوجيا الشارقة: "كم رئة للساحل: كتابات جديدة من العالم العربي" (2020). شارك في كتاب "ألبوم ليبيا: صور وحكايا من ليبيا"، الذي أصدرته آريتي للثقافة والفنون بالتعاون مع الصندوق العربي للثقافة والفنون (2023).
في عام 2018، فاز الورفلي بجائزة "عفيفي مطر الشعرية" المصرية (المركز الأول)، كما فاز في 2017 بالمركز الأول ضمن جائزة "سيكلما" للثقافة والفنون الليبية (دورة الشاعر مفتاح العماري). تحصل على منحة محترف الرواية الليبية لعام 2022، ومنحة أخرى في مجال الثقافة من قبل منظمة MICT الألمانية، 2023. تُرجمت بعض نصوصه إلى الإنكليزية والفرنسية والكردية والسويدية.
هنا حوار معه:



(*) كيف ترى إلى قصيدة النثر الليبية المكتوبة الآن؟
في الحقيقة، ليس هنالك إرباك في السؤال سوى في الكلمة الأخيرة (الآن)، لأنها محيرة، وتعجيزية بعض الشيء، لأن في هذا الزمن (الآن) لا يعثر فيه الإنسان على أداة قياس مناسبة، فالجيد والسيء فيها يبدوان كأنهما يسيران متشابكا اليدين، ويبدوان في كثير من الأحيان كأنهما حليفان أكثر من كونهما أضدادًا. قصيدة النثر تحتاج إلى زمن معرف، لأن المعنى فيها ينمو في الخفاء، مثل أي أكلة، فأنت لا تستطيع أن تحكم على ما في القِدر وهو فوق النار. على كل حال، قصيدة النثر الليبية تتحرك في اتجاه شيء ما، وهذا يجعلنا نراقبها بحماس، فالخوف كل الخوف من الأشياء الساكنة، لأن كلمة الآن فيها قد يبدو زمنًا ميتًا لا خلاص منه.

(*) إلى أي مدى انعكست الحرب في النص الشعري في ليبيا؟
رغم كل ما في الحرب من قبح وخراب وتعب، لكن حين يتعلق الأمر بالفنون لا يمكننا التحدث عنها سوى بشكل رومانسي. إنها أكبر الأحداث الإنسانية فجيعة ودهشة، إنك تصحو كل يوم فيها لتراقب عن كثب قيامة جديدة، هذا لوحده شيء نادر، وأكثر مما يجب في الوقت نفسه. الإنسان يختبر داخل الحروب أكثر مشاعر البشرية قسوة وتطرفًا. لذلك، حين يكون المسدس فوق رأسك، وأصابع الجميع على الزناد، لا يمكنك سوى أن تكتب أشياء حقيقية جدًا. لقد علمتني الحرب كيف ألتقط بإفراط أكبر قدر من صور الحياة في أقصر وقت ممكن، لأن أكبر اتساع للعين نعرفه لا يكون وقت الحياة، وإنما في وقت الاحتضار، في تلك اللحظة فقط تلتهم العين الوجود والعدم في نظرة واحدة.

(*) هذا يقودنا للسؤال عن أحوال المشهد الثقافي الليبي عمومًا... ما هي ملامح هذا المشهد؟
في بلد يمر بهذه الظروف المشينة، مثل ليبيا، لا يمكننا أن نعول على مشهد ثقافي كحراك جماعي له أهداف مشتركة ومنهجية مؤسساتية. إن أي تجمع الآن يبدو كتجمع عصابات، أناس يتشاركون الدسائس والمؤامرات والفساد، علاقات ومجاملات ونسائب وعدائل وشبكة من مقاولي الثقافة الذين ينهشون جثث المبدعين...




لا يمكن اجتزاء المشهد الثقافي عن المشهد السياسي والاقتصادي... إنهم يتكاثرون بشكل بكتيري، ويسعون بكل جدية لإحباط أي محاولة جادة لفعل شيء أصيل، حتى لا يكتشف فقرهم الثقافي وإفلاسهم الإبداعي، إنهم يبحثون عن الغبار والظلام، حيث يختلط هنالك الحابل بالنابل، ويدوسون بأموالهم وعلاقاتهم على كل ما هو حقيقيّ.

(*) لنعد إلى قصيدة النثر. في رأيك، ما هو مستقبل هذه القصيدة عمومًا، في ظل ما هو حاصل من ثورات إلكترونية ومنصات تتخلق في فضاءاتها كتابات أكثر حداثة ومغايرة؟
لست من النوع الذي يهتم بمستقبل قصيدة النثر، فأنا لا أعتقد أن لها أي ماض، أو مستقبل، إنها الأزمنة كلها دفعة واحدة، كتجرع السم أثناء المحاكمة، ولكن رغم ما يسببه النشر على المنصات والمواقع الإلكترونية من سيولة مبالغ فيها فلا يمكن إنكار إنها قد ساهمت بشكل ما في تخفيف مسألة احتكار النشر، الذي أصبح يشبه سوقًا سوداء لتداول المبدعين وإنتاجهم.

"خمسة توابيت لستة رجال"...
(*) منذ مجموعتك الشعرية الأولى "خمسة توابيت لستة رجال" (2018)، وحتى الرابعة "وصايا كارافاجيو"؛ أين تجد نفسك شعريًا؟
لا يمكنني الحديث بجدية عن منجزي الشعري، أشعر دائمًا بهذا القلق المزمن تجاه كل ما أكتبه، وكل بنات أفكاري كما يقولون إما هن عاهرات جدًا، أو قديسات أكثر مما يجب، ولذلك ما أنجزته أثناء الحرب الأهلية في ليبيا يبدو لي أحيانًا متسرعًا، ولكنه كان ضروريًا للغاية بالنسبة لي، ففي الوقت الذي انسحب فيه كثيرون، وتحفّظ فيه بعضهم، وانتظر طرف ثالث حتى تهدأ الأمور ليعرف أي جبهة ستنتصر، حملت كاميرتي وذهبت لأوثق ما أراه، ولست شجاعًا لأقول إن هذه هي وظيفة الشعر، ولكني أشعر بما يكفي من الخوف على إنسانيتي، أردت أن أُهرِّب أكبر قدر من إنسانيتي من تحت هذا الركام المفزع.

(*) عن مجموعتك الشعرية "كاريزما الموت"، حصلت على جائزة عفيفي مطر الشعرية المصرية. ما الذي قدمته لك الجائزة؟
جائزة عفيفي مطر، التي فاز ديوان "كاريزما الموت" بالترتيب الأول فيها، منحتني شيئًا من الثقة، وإن كنت سرعان ما فقدتها لأني دائمًا أكتب على الحافة، وهذا التوتر جزء من تكويني الشعري، ولكن أيضًا منحتني انتشارًا لا بأس به، وعرّفتني على مناخات أخرى.
إن فوز ليبي في ذاك الوقت الذي كان يُمنع فيه الليبيون من السفر، وتتم معاملتهم ومحاصرتهم بالإجراءات الصارمة كمجرمين ومشبوهين في كل بلدان العالم، كان مفاجأة حقيقية للجميع، كان انتصارًا صغيرًا لليبيتي، ولكنه انتصار لا يستهان به. كنت محظوظًا بمشاركتي في مسابقة عفيفي مطر، لأن لجانها وأعضاء التحكيم فيها كانوا محايدين ومبدعين حقيقيين، لذلك هم كانوا بعيدين كل البعد عن التسييس الساذج الذي تتبناه مسابقات كبيرة في الوطن العربي. لقد كان احتفاؤهم بي صادقًا للغاية، وكانوا رائعين بشكل مدهش.

(*) مسابقة عفيفي مطر هي الوحيدة التي تكرس للاحتفاء بقصيدة النثر عربيًا. ما الذي يجعل من هذه القصيدة خارج حسابات من يديرون مسابقات أدبية هنا وهناك، في رأيك؟
لأن مسابقة عفيفي مطر مسابقة مستقلة، ولا تخضع لحسابات تلك المسابقات التي تسيطر عليها مؤسسات الدولة، إنها مسابقة حرة تمامًا من أجل الشعر، ولا شيء غيره، ولكن المسابقات الأخرى تخضع للمعايير الأكاديمية (السلاح الثقافي الشرس للدولة)، وقصيدة النثر بطبعها متمردة، فالتمرد هو المادة الأولية التي خلقت منها، وظيفتها تبدو في أحيان كثيرة تخريبية للمعايير والنماذج الساذجة والسطحية التي يتبناها المجتمع ككيان سياسي، إنها تقف في وجه التغول الرأسمالي المتحالف مع اليمين الأكاديمي، مستهزئة باللغة الخشبية والكلاسيكية التي انتهت صلاحيتها منذ زمن، وتؤمن بالحرية بشكل يجعل أعداءها ينظرون إليها كجاسوسة ومفسدة ومجرمة هاربة من عدالة المشانق والسحق اليومي، ولا أنكر إجرامها في الحقيقة، فأنا أحب كل ما يتعارض مع هذا الواقع المقيت، مع كل هذا الزمن الميت الذي لا شيء فيه سوى الانصياع للقبح والرداءة.

(*) جرّبت الرواية، وفي عام 2021، صدرت لك رواية أولى بعنوان "جاييرو". حدثنا عنها، وهل سنقرأ لك مزيدًا من الروايات، لا سيما وأنت متحصل على منحة محترف الرواية الليبية لعام 2022؟
نعم، أعمل الآن على رواية ثانية، وهي التي تحصلت من أجلها على منحة محترف الرواية الليبية من مؤسسة أريتي للثقافة والفنون. لا أعرف إذا ما كانت تجربتي الأولى مع "جاييرا" نجحت، أو لا، لكن تجربة الرواية لوحدها كانت ممتعة للغاية، إنها مغامرة جديدة، وحسابات جديدة تختلف كليًا عن حسابات الشعر. ورغم أنني أرى أن الشعر مرض مزمن لا يستطيع من يجربه أن يتخلص منه بسهولة، إلا أن الرواية أقرب لكونها عمليات توسعة لهذا العالم الفسيح، وإن كان الشعر يشبه الرياضيات (لغة الله)، فالرواية هي تلك الهندسة المعمارية التي وظيفتها ملء الفراغ بالنور والناس.

(*) حدثنا عن تجربتك في منصات التواصل، وإلى أي مدى تفتح هذه المنصات آفاقًا للتواصل والتثاقف أمام المبدع؟
أنا، إن جاز التعبير، خريج منصات التواصل، لست فعالًا فيها بشكل كافٍ، لكنها أتاحت لي الحرية، وقد تعاملت منذ البداية مع صفحتي الشخصية على فيسبوك ككشكول للتجريب، وكنت أتلقى من خلال ما أنشره التوجيهات والاقتراحات من مبدعين رائعين. ومن خلالها تعرف الآخرون على إنتاجي وطريقة كتابتي. لا أنكر أنه أحيانًا يكون مزعجًا ومشتتًا، لكن مع الوقت ستتعلم كيف تتعامل مع هذا الأمر. لقد غيرت منصات التواصل مفهومي عن الوحدة، فهي تشبه حانة خلف العالم نلتقي فيها مع الناس الذين اخترناهم لنتبادل معهم الأفكار والأنخاب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.