}

رضا أحمد: قصيدة النثر تتصدر المشهد الشعري الآن بمصر

صدام الزيدي صدام الزيدي 14 يوليه 2024
حوارات رضا أحمد: قصيدة النثر تتصدر المشهد الشعري الآن بمصر
صدرت لرضا أحمد في مصر خمس مجموعات شعرية
رضا أحمد شاعرة مصرية من مواليد القاهرة (1982)، المدينة التي ما زالت تقيم بها. حاصلة على بكالوريوس خدمة اجتماعية من جامعة حلوان عام 2004.
صدرت لها في مصر خمس مجموعات شعرية، هي على التوالي: "لهم ما ليس لآذار" عن دار نبض للنشر والتوزيع (2016)؛ "قبلات مستعارة" عن جاليري ضي (2018)؛ "أكلنا من شجرته المفضلة" عن دار الأدهم (2020)؛ "الاعتراف خطأ شائع" عن الهيئة العامة للكتاب (2021)؛ "سمكة زينة في صحن الخلود" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة "سلسلة الفائزون" (2022). وإضافة إلى ذلك، نشرت لها قصائد ضمن إصدارات شعرية مشتركة عربية، وأخرى مترجمة إلى الفرنسية واليونانية والإنكليزية والكردية والأمازيغية. تنشر قصائدها تباعًا في صحف ومجلات ودوريات أدبية مصرية وعربية، وهي كاتبة مقالات وقراءات نقدية أيضًا. تناول تجربتها الشعرية عدد من النقاد عبر إضاءات نقدية في الصحافة الثقافية، كما أنها متوجة بثلاث جوائز شعرية وأدبية مصرية، إلى جانب جائزة توليولا الإيطالية المعنية بالشعر. هنا حوار معها:



(*) كيف ترين إلى قصيدة النثر المصرية التي تكتب اليوم؟
أعتقد أن قصيدة النثر تتصدّر المشهد الشعري الآن في مصر، بل يمكننا أن نقول إنها تحتل المساحة الأكبر في المتن الشعري، رغم وجود حالة من التهميش وعدم الاعتراف المؤسسي الرسمي بشعرائها، وما يمكن أن نطلق عليه بأنه شيء من فراغ التنظير لها نقديًا، والإقصاء أكاديميًا، وغيابها كنماذج شعرية في مراحل التعليم الأساسي، وكذلك عن جوائز الدولة، مثل التشجيعية وغيرها، ربما لأن الكادر الوظيفي والخلفية الثقافية للقائمين على وضع المواد التعليمية، ولجان الشعر، ومن ثم لجان التحكيم، لا يسمح بدور لشعراء قصيدة النثر، مما جعلني أطلق عليهم أحيانًا أهل القصيدة المنبوذة. وبعيدًا عن كل هذا التواطؤ الذي يخدم القصيدة التقليدية، ويسلط الضوء عليها، ويلمع شعراءها، وينحاز لهم، نجد أن هنالك بعض الجهود الأهلية التي تحتفي بها، مثل مؤتمر قصيدة النثر المصرية الذي يقام سنويًا ويتشارك فيه مبدعون كبار مع الشعراء الجدد التجارب والرؤى النقدية والهموم الثقافية، وكذلك منتدى الشعر المصري الذي يخصص منذ سنوات جائزة للشعر الحديث باسم الشاعر الراحل حلمي سالم، بجانب أمسيات ولقاءات حول الشعر. وعلى مستوى الأجيال، نجد أن هنالك تجارب مميزة في قصيدة النثر، لها تأصيلها الجمالي وأفكارها المغايرة وعالمها المختلف وتنوع أساليبها وتقنياتها الفنية المبتكرة، وشعراء أخذوا على عاتقهم التمرد على المألوف من خلال مشاريعهم المميزة التي ابتعدت عن الجماليات المشاعة والاستسهال والمجانية والنمطية والخفة التي سقط فيها أغلب ما يكتب اليوم من تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي باسم قصيدة النثر والشعر عمومًا، وهي في الحقيقة لا تخرج عن أن تكون خواطر ذات وجاهة لغوية، أو سرد فسدت شعريته، وقد تكون إعادة تدوير قصائد كتبت من قبل، فتتحول هذه القصائد إلى قوالب جامدة، ووصفات جاهزة للكتابة تبتعد عن الملامح التي شكلت قصيدة النثر، مثل البصمة الفردية وخصوصية التجربة، وهذا الأمر لا يخص المشهد المصري إنما هو ملمح مشترك لأغلب قصيدة النثر العربية، وربما الشعر والأنواع الأدبية الأخرى.




لكن ما يميز قصيدة النثر المصرية الراهنة هو هذا الزخم والنتاج الهائل الذي جعل من الصعب حصر سماتها الجمالية وتصنيفها في ملامح عامة في أجيال بعينها، وكذلك انفتاحها على الخطاب الشعري الحداثي والتجديد اللغوي من خلال وعي فني باللغة، مما جعلها تخدم المشهدية والتفاصيل في النص الشعري، وكذلك نضج وتراكم معرفي وجمالي على مستوى عقود لأشكال فنية وأسلوبية ومستويات جمالية متعددة، مما جعلها تبتعد عن فجاجة الخطابية ونمطية حمولاتها الرمزية والغموض وشعرية المناسبات.

(*) هذا يقودنا للسؤال عن المشهد الثقافي الراهن في مصر عمومًا؟
ربما يكون المشهد الثقافي في مصر ليس في أفضل أحواله، لكن هنالك تنوع للمنتج الإبداعي، وزخم شديد الثراء في استضافة الفاعليات الثقافية على المستوى الرسمي والأهلي. هنالك سيولة واضحة على مستوى الإبداع، الأمر الذي جعل من الصعوبة ملاحقة هذا الكم الهائل من الإبداع نقديًا، أو تغطيته إعلاميًا، هذه السيولة جعلت بعضهم يتجه إلى الشللية لترويج كتاباته بين جماعات بارزة إعلاميًا وثقافيًا واجتماعيًا، وآخرون يتجهون إلى ثقافة التريند لمجرد الظهور فقط لعدة أيام بصرف النظر عن نوعية هذا الحضور وأخلاقياته، وبعض يتجه إلى غروبات القراءة على فيسبوك لجذب أكبر عدد من المتابعين والمستهلكين لشراء الكتب، مع انتشار ظاهرة البوكتيوبر، والريفيو، مما جعل المبدعين الحقيقين ينكفئون على ذواتهم غير فاعلين في هذا الوضع الملتبس والبائس الذي وصل له آخرون في المشهد الثقافي، وتصدروا المشهد عنوة، أو بشكل ملتوٍ، الأمر الذي أدى إلى تسليع المنتج الإبداعي وإدخاله في النمط الاستهلاكي بأريحية شديدة.
أعتقد أن المشهد الثقافي في مصر نخبويّ إلى حدٍ ما، بعيد عن رجل الشارع العادي، أو ربما في قطيعة الآن مع كل من لا يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، قد يكون هذا التهميش للثقافة متعمدًا، لتردي الاهتمام بالتعليم، وغياب الوعي بأهمية القراءة وممارسة الفنون مقابل ممارسة نشاطات أخرى لا يصاحبها بذل أي مجهود باستخدام الهواتف المحمولة، أو إشغال مساحات داخل أبنية المدارس والمؤسسات الثقافية، قد تكون نظرتي سوداوية الآن، ربما لأنني آمل أن يصير الوضع أفضل في ما بعد، ولا توجد طريقة للعلاج وحل المشكلات لا تشير في البداية إلى ماهية المشكلة وأسبابها.

"لهم ما ليس لآذار"

(*) منذ مجموعتك الأولى "لهم ما ليس لآذار" (2016)، وحتى الخامسة ""سمكة زينة في صحن الخلود" (2022)، أين تجدين نفسك شعريًا؟
أعتقد أنني أجد نفسي في قصائدي الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي دواويني المنشورة والمخطوطة، وفي تعليقات القراء والمقالات النقدية التي تناولت كتاباتي. لا أريد أن أصنف نفسي شعريًا، أو أحجز مقعدًا في أول الصفوف، أو يحسبونني على جيل بعينه، أو على تجربة شعرية محددة، أنا أكتب الشعر لأستمتع بكل يوم في حياتي، كما يليق به، أجعله مقبولًا كقصيدة جميلة تعبر بي إلى يوم آخر، يستعد لاستقبال أحلامي وخطواتي، أو أجعله مؤنسًا كقصيدة تحفظ ما نسيته من جمال وطمأنينة في هذا العالم المضطرب الموحش، أكتب لأترك أثرًا، لأشعر بالطمأنينة أن هذا الأثر سيظل محفوظًا في هيئته التي تمثلني، وأعتقد أنني وجدت في الشعر الرفيق الذي طالما حلمت به، أنحاز جماليًا وفكريًا لقصيدة النثر، ربما هذا ما جعلني أمارس التجريب فيها كفعل إبداعي، كلما أحببت أن أطرح سؤالًا، أو أزور نفسي، أو ألتقي بالآخرين في مرآتي، بصورة قد يجدها الحالم الشكل المثالي لحياته، وقد يجدها الواقعي الوحش الذي ينبح تحت جلده ويستنجد به أن يطلقه، أسعى لأكون شاعرة، مميزة، ومختلفة، لها تجربتها الفريدة المغايرة، لا يعنيني موقعي الشعري، أو من الذي يملك صكوك الشاعرية، ولا أسعى للاعتراف بي بقدر ما يعنيني أين قصائدي في الوعي الجمالي والفكري من قراءة الشعر وفي وجدان القراء.

"شكرًا فيسبوك"

(*) وماذا عن منصات التواصل والفضاء الذي وفرته لك في المثاقفة والتواصل مع الإبداعات والفنون؟
بصراحة، أدين لموقع فيسبوك بكثير من الفضل في تطوّر تجربتي الشعرية. كانت بداياتي الجادة بعض المقاطع على فيسبوك، لأنني لم أكن أعرف شيئًا عن الوسط الثقافي إلا قراءة الأدب في كتب كنت أقتنيها من على الأرصفة، وفيما بعد اكتشفت القراءة الإلكترونية، الأمر الذي جعلني أوسّع خريطة قراءاتي بلا حساب لسعر الكتاب وأماكن شرائه. لذا أجدني مدينة للتكنولوجيا أيضًا. ولذا كثيرًا ما أجد نفسي أشجع بعض التجارب الجديدة، لأنني بدأت من هنا مثلهم بنصوص على فيسبوك، الذي يتيح لك التواصل مع المبدعين والإبداعات بشكل مباشر، ويجعلها أسهل في القراءة، خاصة الشعر، وبتنوع مغاير ومتوفر على اختلاف الذائقة.




فيسبوك، مثلًا، أصبح منصة لنشر آخر الإبداعات في الأدب والفن التشكيلي والسينما، وأيضًا منصة لنشر الأخبار الثقافية والفنية والدعاية للكتب، لكني أعتمد عليه فقط في الإطلاع على التجارب بشكل سطحي لا في التثقيف، فالمعرفة دائمًا انتقائية وشديدة الخصوصية، ويصعب ملاحقتها على منصات التواصل، فأعود للكتب دائمًا.

(*) لك حصيلة مهمة من الجوائز الأدبية: جائزة عفيفي مطر الشعرية (2017)؛ جائزة حلمي سالم الشعرية (2020)؛ جائزة هيئة قصور الثقافة (2021)؛ جائزة "توليولا ــ ريناتو فيلبي" الإيطالية العالمية للشعر (2022). حدثينا عن شعور استحقاق جوائز مهمة كهذه، وما الذي تضيفه الجائزة للمبدع، في رأيك؟
بالتأكيد، الجوائز مهمة للمبدع، بقيمتها المعنوية والمادية، في هذا الوضع المأزوم الذي نعاني فيه الأمرّين: التهميش والفقر. في الحقيقة، أحيانًا أشعر بالفخر لأنني اجتهدت وثابرت كثيرًا على موهبتي، وكتبت ما يروق لي لا ما تفرضه علينا الظروف وآراء القراء ومزاجية وانحيازات وشروط أصحاب الجائزة، التي تجعل بعضنا يكتبون من أجل الحصول على قيمتها فقط. لذا أشعر بالفخر لأني كنت نفسي، وكتاباتي لاقت تقدير قراء ولجان تحكيم معتبرة إبداعيًا، ثقافيًا وإنسانيًا. أحيانًا، تكون هذه الجوائز بمثابة ابتسامة تحفزك على المضي قدمًا في مشروعك الإبداعي، وعدم الالتفات إلى كل الإحباطات التي تعرقل خطواتك. وفي أحيان أخرى، تشعرك الجوائز بالخوف من تسليط الضوء عليك، فتكون مسؤولًا عن طموحات وتوقعات الآخرين، سجين مساحة محدودة من الآراء التي ترضي الجميع حتى لا يشعروا بالخذلان وخيبة الأمل فيك، أو الصدمة التي تسعى لتبريرها باختلاف أفكارك ورأيك عنهم. هذا الأمر مخيف، ويقيّد المبدع، ويربك خطواته، ويجعل إبداعه مرغمًا تحت مقص الرقابة. ربما لم أستفد ماديًا من الجوائز التي حصلت عليها، لأن قيمتها كانت بسيطة، ومعظمها بجهود أهلية، لكنها أضافت لي قليلًا من الشعور بالرضى عن كتاباتي في ظل تعاظم الشك داخلي تجاه كل شيء، وجعلتني أطبع مخطوطات دواويني الفائزة على نفقتها من دون حاجة إلى سؤال ناشر يرفض نشر الشعر بعداء مبطن مغلف بحجة قدرات السوق واحتياجاته.

"انقلابٌ شعريّ"

(*) لنتحدث عن بدايات رضا: ما الذي تتذكرينه من تلك الأيام، محاولات القصيدة الأولى، وأي كتب فتحت نوافذ المعرفة الأولى لديك؟
أتذكر دائمًا كيف اكتشفت قدرتي على كتابة الشعر، في مراهقتي، أنا التي اعتقدت أنني سأصير رسامة يومًا ما، فكان ظهور الشعر بمثابة انقلاب في وجداني وأفكاري، جعلني أخشى ما أخفيه أيضًا، وأخاف أن أكتب بشكل لا يعجبني، وماذا علي أن أفعل إن لم يستطع الشعر وحده التعبير عما أريد، ظللت لفترة طويلة لا أعترف بهذه الموهبة رغم تدويني لبعض المقاطع والفقرات فوق كشكول المدرسة، وفي ما بعد على المحاضرات وهوامش الكتب، وأوراق نتيجة الحائط، وقصاصات الحسابات. دوّنت الشعر فوق كل شيء وجدته أمامي وأخفيته عن الجميع. أفعل هذا الآن مع مسودات قصائدي؛ أجعل رؤيتها لنفسي فقط على فيسبوك قبل إتاحة نشرها للجميع، أول قصيدة كتبتها كنت أسمع موسيقى داخلي لا أعرف من أين أتت، لكني أذكر أن هنالك موسيقى جعلتني أشعر بالطمأنينة، أحتفظ بهذه المحاولة حتى يومنا هذا وأخشى عليها أن تضيع، رغم بساطتها وضآلة قاموسها اللغوي إلا أنني كنت سعيدة بها، لأنها تجربتي الأولى، وأحسد نفسي أنني سمعت موسيقى حضورها كملكة يحتفل بتتويجها العازفون.
في طفولتي، قرأت كل ما وجدته أمامي من أوراق، حتى أنني كنت أجمع الأوراق من الشارع وأقرأ فقط، كانت الكتب العلمية وما زالت تجذبني وتثير شغفي، وأعتقد أنها كانت المنهل الأول مع البرامج الثقافية والموسيقية والسينما في صقل معرفتي وتشكيل وعيي في صغري إلى أن استطعت توفير مصروفي لأشتري الكتب التي أريدها بنفسي من دون سلطة من الآخرين. أحيانًا أشعر أنني أكتب لأكتشف حدود وإمكانيات قدرتي الإبداعية، وأؤمن أن متعة الكتابة الإبداعية في الكشف. لذا أحاول من خلال قصائدي كسر النمط المتوقع للحياة، وخلق عوالم أخرى ومتخيلة، وكنوع من التحري والاستقصاء أكتب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.