}

خالد حسان: قصيدة النثر مرّت بتحوّلات كبيرة بالجماليات واللغة

صدام الزيدي صدام الزيدي 4 يوليه 2024
خالد حسان شاعر مصري يقيم في القاهرة، وهو من مواليد عام 1984 (مركز الفشن، محافظة بني سويف)، حائز على دكتوراه في النقد العربي الحديث من جامعة القاهرة، كلية الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها، 2024، وقبلها كان قد تحصّل على ماجستير في الأدب العربي من جامعة بني سويف، كلية الآداب، 2016، كما أنه يحمل شهادة بكالوريوس في العلوم والتربية، قسم الرياضيات والحاسب الآلي، 2005، ثم ليسانس الآداب، قسم اللغة العربية، من الجامعة نفسها، 2010.

صدرت له عن دور نشر مصرية، خمس مجموعات شعرية هي على التوالي: "ابتسامة عريضة باتساع الخجل" عن قصور الثقافة، 2008؛ "أضحك كحفرة واسعة" ضمن سلسلة إبداعات، 2010؛ "من يوميات شاعر مغمور" عن هيئة الكتاب، سلسلة الإبداع الشعري، 2018؛ "الحب على طريقة الكائنات الفضائية"، عن قصور الثقافة، سلسلة إبداعات 2018؛ "قسوة الأبواب المغلقة" عن دار بتانة للنشر، 2024.

هنا حوار معه:

الكتابية والشفاهية في قصيدة النثر

(*) تحصلت مؤخرًا على شهادة الدكتوراه في النقد العربي الحديث عن رسالتك المعنونة بـ: "مظاهر الكتابية والشفاهية في قصيدة النثر، قراءة ثقافية في شعر رفعت سلام وعماد أبو صالح"- جامعة القاهرة، كلية الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها (2024). ما الجديد في موضوع الدراسة وما أهم ما خلصت إليه؟

لقد حاولت من خلال هذه الدراسة أن أنظر إلى قصيدة النثر من خلال ثنائية الشفاهية والكتابية، بوصفها ثنائية ثقافية بين عقليتين، عقلية شفوية، تغلب عليها الحسية، وعقلية كتابية، يغلب عليها التأمل، على أن يكون هذا الطرح إجرائيًا تطبيقيًا، من خلال الخطاب الشعري لكل من الشاعر رفعت سلام، بوصفه مجالًا تتجلى فيه الثقافة والوعي الكتابيان، وكذلك الشاعر عماد أبو صالح، الذي يتجلى في خطابه وعي شفاهي واضح.

تتلخص إشكالية البحث في التباين الواضح الذي ظهر أمامي بين تيارين كبيرين داخل منجز قصيدة النثر العربية: تيار السبعينيات وتيار التسعينيات، فقد لاحظت اختلافات شاسعة في جماليات وتقنيات الكتابة بين التيارين، وهذا ما دفعني للبحث عن مرجعية هذا التباين، وتلك الاختلافات. وعند قراءتي في نظرية التقاليد الشفاهية، وكيفية الاستفادة منها في إعادة قراءة الشعر الجاهلي، ومن ثم قضية الانتحال في كتاب "في الشعر الجاهلي قراءة ثانية" لمحمد بريري، تنبهت إلى أنني يمكنني الاستفادة من هذه النظرية في تفسير ما وجدته من تباين.

على أن السؤال الذي ألح عليّ مرارًا ودفعني للبحث في هذه المسألة هو: هل قصيدة النثر شفاهية أم كتابية؟ وهو سؤال رغم ما يبدو عليه من سذاجة، إلا إنه ربما يظل عصيًا على الإجابات البسيطة، التي لا تعي ماهية الإبداع من ناحية، ومدى تداخل مفهومي الشفاهي والكتابي من ناحية أخرى.

وقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج لعل أهمها أنه لا يمكن الادّعاء بشفاهية أو كتابية قصيدة النثر، ولكن يمكن القول بأن قصيدة النثر كانت بمثابة الصفعة الكبرى على وجه النسق الشفاهي الذي استبد بالشعر العربي في مراحل طويلة وممتدة عبر التاريخ، وقد كانت قطيعتها الأولى مع ذلك النسق إيذانًا بآفاق شعرية أكثر رحابة، وإن تراوحت القصيدة بين الثقافتين الشفاهية والكتابية فإن ذلك لم يكن ارتدادًا إلى النسق الشفاهي الأول، وإنما هو تراوح يصيغ الوضع الثقافي الجديد الذي نعيشه من خلال عالم الميديا والإنترنت والشاشات المضيئة، والذي ينبئ عن دخول الشعر من خلال هذا الجنس الأدبي إلى مراحل أكثر حرية وفنًا.

(*) يأتي هذا استمرارًا لدراساتك المكرسة لمقاربة قصيدة النثر العربية، وهنا نشير إلى أطروحة الماجستير التي أنجزتها في الأدب العربي، (جامعة بني سويف- كلية الآداب، 2016)، بعنوان "تجليات ما بعد الحداثة في قصيدة النثر". هذا الجهد المنصبّ على قراءة قصيدة النثر، ما الذي تشكل في سياقه من رؤى واستخلاصات، في ظل المنجز اللافت والغزير لهذه القصيدة التي قفزت على القوالب العتيقة على طريق إثبات حضورها في المشهد الشعري العربي؟

ربما يأتي الإلحاح على تناول قصيدة النثر بعد بحثي للماجستير، والذي تناولت فيه "تجليات ما بعد الحداثة في قصيدة النثر" من اهتمام شخصي بالمسألة، لكن هذا الاهتمام ربما لم يكن ليتحول إلى انشغال بحثيّ حقيقيٍّ لولا ثراء ذلك النوع الشعري، وقدرته المستمرة على توليد أسئلة وإشكاليات بحثية لها علاقة بثقافة العصر الذي نعيش فيه، ومن ثمّ كانت محاولة إعادة النظر إلى خطاب قصيدة النثر من منظور ثقافي دافعًا حقيقيًا، وموجهًا لهذه الدراسة.

مرّت قصيدة النثر بتحولات كبيرة في الجماليات والأدوات واللغة، فالقصيدة التي كتبها جيل الستينيات والسبعينيات هي قصيدة مختلفة عن القصيدة التي كتبها جيل التسعينيات وما زالت تكتب حتى الآن، لقد تغير مفهوم الشعر، وتغيرت كذلك وضعية الشاعر الذي تحول من عرّاف أو نبي أو -على الأقل - ملهم، إلى إنسان عادي بل وأقل من العادي، لديه وجهة نظر وليست أيديولوجيا، يقارب الحياة بتفاصيلها الصغيرة لا قضاياها الكبرى، بلغة بسيطة بعيدة عن المجازات الجزئية والتعقيدات اللغوية. باختصار، يمكن القول إن قصيدة النثر قد تحولت من الوعي الكتابي الذي سيطر عليها في بدايتها إلى وعي آخر وثقافة أخرى، قريبة من الثقافة الشفاهية لكنها شفاهية جديدة لها محدداتها وأدواتها المختلفة.

(*) ومن هنا نسأل أيضًا: كيف ترى إلى قصيدة النثر المصرية التي تكتب اليوم؟

قصيدة النثر المصرية التي تكتب اليوم أظن أنها ليست بخير تمامًا، فالنماذج المغامرة محدودة، والأصوات المتفردة قليلة قياسًا بكمّ كبير من الدواوين التي تجترّ حالات شعرية سابقة، وتكرر كليشيهات جمالية أصبحت مبتذلة لفرط استخدامها، حيث أصبحت التجارب الشعرية متشابهة إلى حد بعيد، وغابت إلى حد بعيد روح المغامرة. إن جيل التسعينيات الذي لا يزال شعراؤه يكتبون حتى اليوم – وهو جيل رائد ومهم وإشكالي- يصر معظم شعرائه على اجترار تجاربهم التي كانوا قد بدؤوها مبكرًا والتي ربما كان لها رونقها وبريقها حينها، ويأتي هذا الإصرار تحت شعارات لا تنتصر للإبداع وقدرته المستمرة على التجريب وإعادة اكتشاف صيغ وأساليب شعرية جديدة، بقدر ما تنتصر لأهواء الشعراء أنفسهم، وميلهم نحو الاستسهال والتكرار بدعوى تأكيد البصمة الشعرية، وترسيخ الأساليب والصور الذهنية.

فإذا وصلنا إلى الأجيال اللاحقة – ولعلي أنتمي إليها- تصبح المسألة أكثر تعقيدًا، وتصبح الصورة أكثر مدعاة للأسف،  فمعظم شعراء هذه الأجيال يقدمون تجارب رغم تماسكها الظاهري، تفتقد إلى الخلفية النظرية التي لا بد أن ينطلق منها الشاعر في فهمه للشعر، بمعنى أن الشاعر لا بد أن يتضح في ذهنه مفهوم ما للشعر، تكون تجربته بمثابة ترجمة عملية لذلك المفهوم، دون أن يؤدي ذلك إلى تكرار التجربة، فمفهوم الشعر هو معنى واسع ويمكن أن يتسع لعشرات بل ومئات التجارب الشعرية التي من الممكن أن يكتبها شاعر واحد أو مجموعة من الشعراء.

كذلك فإنه من أهم العقبات التي تقف في وجه الأجيال اللاحقة لجيل التسعينيات انبهارهم بكافة التجارب الشعرية السابقة ومن أهمها جيل التسعينيات نفسه، مما جعل هؤلاء الشعراء غير قادرين على تجاوز كافة الجماليات المستقرة للقصيدة، الأمر الذي جعل قصيدتهم تبدو مسخًا من تجارب سابقة سبعينية كانت أم تسعينية، هذا لا ينفي وجود الإبداع ومحاولات التفرد التي لم تزل موجودة في كل الأجيال، لكن ما أقصده هو قلة هذه النماذج قياسًا بالتجارب الأخرى.

الشعر يا صديقي مبتلى بالشعراء، الذين يصبّون أمراضهم وأحقادهم وشرورهم على الشعر فتخرج القصيدة مشوهة، وبدلًا من أن تنتصر للحق والخير والجمال نراها تضلّ طريقها نحو أهداف ضئيلة ومكاسب رخيصة، فهناك من يكافح باستماتة لدعوته في أمسية بائسة قد لا يحضرها سوى الشعراء أنفسهم، وهناك من يسابق نفسه في نشر دواوين، قد لا تقرأ من أحد غيره، وهناك من تعطل عن القراءة وربما الكتابة منذ أعوام لكنه لم يتعطل عن الزجّ باسمه في كل ما له علاقة بالشعر متخيلًا أن ذلك سيضيف إلى منجزه أو مجده الأدبي. أقول إن الشعر بريء من كل من يبحث عن مجد شخصي، لأنه – الشعر- لا يعطي نفسه إلا لقلة قليلة ممن آمنوا به وحده من دون ندّ أو شريك.


(*) وهذا يقودنا للسؤال عن المشهد الثقافي المصري الراهن، هل هو بخير؟

المشهد الثقافي المصري أراه لا ينفصل كثيرًا عن الواقع المصري الذي يفتقد إلى كثير من مقومات الفعل النقدي، وأعني هنا الفكر الإشكالي الذي يجعلنا قادرين على أن ننكأ جروحنا الثقافية والواقعية بأيدينا بدلًا من تركها تخبئ وتعبئ مزيدًا من السموم، إننا للأسف أصبحنا نعيش في عالم معلب وثقافة جاهزة تجعلنا مجرد كائنات استهلاكية حتى فيما يخص المعرفة والثقافة، فنحن غير قادرين على مواجهة تشوهاتنا الثقافية، وانقسم المثقفون المصريون بين مُدّعٍ للتجديد لا يفتأ يردد شعارات زائفة، لا تضيف شيئًا بقدر ما تأخذ من رصيد تراثنا الثقافي، وبين مقلّدٍ، يسير خلف نظرية المؤامرة التي تجعله مرتابًا تجاه أي محاولة جادة للتغيير.

إن المشهد الثقافي المصري يمتلئ بالمؤتمرات والأمسيات والفعاليات التي لها بريق لكنك إذا تمعنت قليلًا داخلها لن تجد إضافة حقيقية أو فعلًا ثقافيًا حقيقيًا، لقد غلبت علينا ثقافة الـ "show" والحرص على التقاط الصورة، فأصبح المؤتمر هو مجموعة المثقفين الذين يلتقون ليلتقطوا بعض الصور يملؤون بها وسائل التواصل كنوع من حب الظهور، الصورة يا صديقي للأسف صارت هي الغاية الحقيقية من وراء الفعل الثقافي، وتوارت قيم الإخلاص والتفاني وإنكار الذات.

"قسوة الأبواب المغلقة"

(*) منذ باكورتك الشعرية "ابتسامة عريضة باتساع الخجل" (2008)، وحتى المجموعة الخامسة "قسوة الأبواب المغلقة" (2024)، أين تجد نفسك شعريًا؟

من الصعب على أي مبدع أن يقيم تجربته الفنية، وهذا لا ينفي قدرته على أن يكون على قدر من الوعي بها، وانطلاقًا من هذا الوعي يمكنني أن أقول إنني خلال هذه التجربة التي أثمرت حتى الآن خمس مجموعات شعرية أراني مدفوعًا بقوة غريبة نحو محبة هذا الكائن الذي يسمونه الشعر، ولا يمكنني أن أثق في أي شيء عدا ثقتي المطلقة فيه كمخلص لي - ولي وحدي – من ورطة الحياة. الشعر هو الماء المقدس الذي يغسل روحي مما يعلق بها من الخوف والقلق والتوتر، وكافة الأمراض التي يتركها الناس والأصدقاء وزملاء العمل والمديرون ورؤساء التحرير وأئمة المساجد وأصحاب المقاهي واللصوص والخونة، هو تلك اللعبة التي لم يشترها لي والدي حين كنت صغيرًا لكنني صنعتها لنفسي كي أعوض بها ذلك الشعور بالحرمان الذي ظل يأكلني طيلة هذه السنوات دون رحمة، وبلا فائدة، هو قطرة الماء الأخيرة التي قدِّر لي أن أحارب من أجلها كي أعيش، كي أحافظ على إنسانيتي في عالم بشع، لم يعد يقيم وزنًا لكل ما هو صغير أو هامشيّ أو إنسانيّ.

أراني تورطت في تلك اللغة الشعرية ولم أجب على سؤالك حول رؤيتي لموقعي على خريطة الشعر، والإجابة ببساطة وبلا مواربة أنني لا أجد نفسي شاعرًا مهمًا، بل لا أجد نفسي شاعرًا أصلًا، وأخجل كثيرًا حين يقدمني أصدقائي لآخرين على أنني شاعر، لأنني أرى أن كتابة الشعر هي شيء خاص جدًا لا ينبغي أن يطّلع عليه الناس، مثل طعامك وشرابك وأسرارك القديمة والتافهة التي احتفظت بها داخلك كل هذا العمر لأنها من ناحية تخصك وحدك ومن ناحية أخرى قد تجلب لك السخرية المميتة من قبل الآخرين. وهو ما يجعلني أنقسم فور كتابة أي قصيدة إلى شخصين أحدهما هو ذلك الطفل الذي يشعر بفرحة عارمة كأنه صنع معجزة ما، يريد أن يخبر العالم بها، والآخر هو شخص بائس وخجول يخاف أن يراه الناس بهذا الضعف وتلك الرهافة المخجلة. إنني فقط أحاول أن أكتب قصيدة عمري، تلك التي تلوح لي من بعيد، كجائزة كبرى، تلك التي في سبيلها أجرّب عشرات بل مئات القصائد التي فور أن تنتهي نشوتي بكتابتها أشعر برغبة قوية في تمزيقها إذ يتأكد لي أنها ليست هي القصيدة التي ينبغي عليّ كتابتها.

(*) حدثنا عن تجربتك في منصات التواصل: كيف أفادتك مثاقفاتها ونوافذها المشرعة على تجارب وأسماء في سياق الأدب المكتوب بالعربية؟

الحقيقة أن منصات التواصل الإلكترونيّ قد أفادتني بشكل شخصي وكان لها دور فعال في إثراء العملية الإبداعية بشكل عام، سواء من ناحية تقديم تغذية راجعة feedback للنصوص فور نشرها، أو من ناحية تقديم تجربة فريدة تتيح للمبدع الحياة وممارسة قدر أكبر من الحرية، حتى لو كانت افتراضية، فضلًا عن أن هذه المنصات قد قامت بدور كبير وفعال إزاء نشر الأعمال الإبداعية والترويج لها، مما جعل جيلًا وربما أجيالًا من الشعراء تعرف من خلال هذا الفضاء الافتراضي بل وتكتفي به ربما عن التودد لأصحاب المجلات والجرائد الورقية.

إن تجربة منصات التواصل بقدر ما بها من مميزات إلا أنها أيضًا لا تخلو من العيوب والتي أهمها أنها جعلت بعض المبدعين ينخدعون بتعليقات أصدقائهم، والتي تعكس في الغالب نوعًا من الثقافة يسمى "ثقافة الجماهير"، وهي ثقافة سطحية ولا تخبئ أي عمق، وتبتعد كل البعد عن الآراء النقدية المتخصصة، وهو ما يؤدي ببعض المبدعين إلى إعادة تكرار نفسه بانتظار تلك اللايكات والتعليقات الخادعة.

(*) عد بنا إلى البدايات: المحاولات والدهشة الأولى في القراءة والكتابة. فما الذي تتذكره؟

ما زلت أذكر المرة الأولى التي نطقت فيها الشعر، كانت لحظة غريبة ومجنونة، لطفل في الثانية عشرة من عمرة تقريبًا يحب طفلة في نفس عمره، وفي لحظة ما نظر إليها فألهمته ربة الشعر بعض الكلمات التي نطق بها فجأة كأنها تعويذة سحرية، جريت حينها واختبأت في إحدى غرف البيت، وتابعت مشاعري التي اختلط فيها الخوف بالفرح بالدهشة، وأخذت أكرر هذه الكلمات، التي كانت بسيطة لكنها مرتبة وتحمل إيقاعًا واضحًا.

أتذكر أيضًا قصر ثقافة الفشن الذي تعرفت إليه في السنة الأخيرة من الثانوية العامة، أو في السنة الأولى من الجامعة وكنت أكتب حينها قصيدة موزونة، تحت تأثير قراءة محمود حسن إسماعيل ونزار قباني، وغيرهما، وكانت قصيدتي حينها متماسكة وقوية لكنها متشابهة مع قصائد آخرين، فالوزن يشدك رغمًا عنك نحو ذلك المشترك الجماعي الذي يجعلك نسخة باهتة من آخرين، وهذا ما عرفته لاحقًا، فكان من حسن حظي – أو من سوء حظي- أن تعرفت على مجموعة من الشعراء، منهم مؤمن سمير وأحمد هيكل آدم الذين أشاروا لي نحو عالم قصيدة النثر الذي انبهرت به، وشعرت حينها أن هذا الاتجاه هو الذي أبحث عنه ليخرجني من تلك القيود الجماعية التي تكبل الشعر داخل القصيدة الموزونة، نحو حريتي الحقيقية.

ما زلت أذكر أيضًا فرحتي بصدور ديواني الأول "ابتسامة عريضة باتساع الخجل" كنت وقتها طالبًا في السنة الثالثة تقريبًا بكلية آداب بني سويف وكان الفضل في نشره يعود إلى أستاذي الدكتور أشرف عطية، الذي كان يدرس حينها في آداب بني سويف، هو شخص نبيل وذو عقلية متفتحة، ولا أنسى أبدًا تشجيعه لي، وأنه كان السبب الرئيسي في نشر الديوان الثاني أيضًا في سلسلة إبداعات التابعة لهيئة قصور الثقافة. لا أنكر أنني افتقدت هذه الفرحة، أو على الأقل فقدت الفرحة جزءًا كبيرًا من قوتها، إذ اتضح لي مع الوقت أن نشر الدواوين ليس هو الأساس في كتابة الشعر، وأن الأمر أكثر عمقًا من ذلك، فإن التاريخ الأدبي قد ذكر شعراء لم يتركوا إلا قصائد قليلة في حين أسقط من ذاكرته عشرات الشعراء الذين تركوا رصيدًا ضخمًا من الدواوين، لأن العبرة دائمًا بالقيمة وليست بالكمّ. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.