}

لماذا يا مارك زوكربيرغ؟

أحمد العمراوي 27 يونيو 2018
يوميات لماذا يا مارك زوكربيرغ؟
لوحة للفنان المصري محمود حامد

 

أصدقائي كثيرون، أشّرتُ عليهم بالحب أو بالمكنسة

قلقون مني وأنا كذلك أحيانا، مبعثرة صورهم.

جنبا إلى جنب يقف المار مع تاجر الأسلحة وراكب التاج وبائع الأحلام الباهتة والداعية العجيب

القوادون وقادة الاتحادات المحلية والدولية وبائعات المنشطات عبر النقال.

كلما انقطع الاتصال بفعل التيار الضعيف المقصود أو بفاعل اقتصادي أو سياسي عمّت الفوضى في الخارج فهدأت الذات.

التشعّب العنيف المقاوم للجفن، والرقعة اللماعة بالأزرق تثقب الليل والنهار ولا تفرّق بين العتمة والانتظار.

لماذا يا مارك؟

في المنطلق راودْتها فأبتْ فقمت بفضح السر.

المقاومة اشتدت لذلك أرجعتَ المشهد كبيرا بعصف لا يتوقف. من حجرة صغيرة إلى ملايين الغرف والساحات.

يصطف الشباب خلفك والسياسيون مقفلين الغرف ومفسحين للافتراض المعوِّض.

القادة والنساء الخاليات من الحب وصديقتي التي تصدق ما تراه دون تخيل

يصطف الصغار أحيانا وآباؤهم قلقون من المجهول الذي يخشونهم أكثر من خوفهم من جحيم البعث والحساب.

لو عدت للبداية قبلك ما الذي سيقع.

        لنفترض:

الصحراء صافية أرضا وسماء

البحر شاسع

والعصافير وتمايل الشجر على بعضه وريح خافتة والرومانسية ترج المكان وأهله

هو حنين أبْله تقول الآن مناقض للتقدم الحتمي يُثني ولا يوصل.

أو

فلنفترض

سماوات أخرى معششة بالذهن تقايض الحقيقة بأحلام حورية

أرَضون تنبت عنبا محرمٌ تخميره هنا

اتصالٌ مباشر عبر الدابة والقدم يخاف من العلامة.

هلوسات مبهمة توقف اليد والعين قبل أن تواصل الولوج لعالمك الضروري

بالأمس عاينتُ محاولة انتحار فتاة كنتَ طرفا فيها عبر ميسنجر

حيت يتلاقي الحشاشون على الساعة الثانية ليلا افتراضا

وهم يتبادلون نفْث دخانهم الأهبل على بعضهم في كل الجهات

وبعد الاستفاقة لم يحدث شيء سوى اختراق الدخان نفسه شاشة الذات والحاسوب

أو فلتقل معك

إن القبائل ستجيئ ضد نفسها تخطط للاغتيالات علنا

تطيح بالعين المحرمة وتمضي صوب اتجاهات لا آخر لها تنتهي بموتة غربية ومفاجئة.

 

هكذا تتوالى السيناريوهات،

البغل يشد الوسادة والشمس بلا مقر تبحث عن المبيض والدواخل مشتتة وأنت تراقب المشهد وتراكم الثروة وتسيّر الثورات الفاشلة.

قد تقدم حسابات بلا وعي أو بوعي ربما لأشرار الأرض عبدة السلطان والمال والقتل والكراسي وأشياء غامضة لتوظيفها شرارات من السماء على أطفال سوريا أو غزة أو حتى في مدارس راقية بأوهايو أو سيدني أو أثيوبيا بشكل فردي معزول يبدو والرابط تجمّع أزرق يوزع الأدوار.

قد تنعش أسواق ميتة بالوهم وتراكم النوافذ الإباحية على صبيان لا يميزون بين النملة والفيل يتنافسون في الدخول لجني سنابل بلا مناجل.

لماذا يا مارك زوكربيرغ

أمدد عيني في القطار الذي أنا فيه الآن

انحسرَ الكتاب وغابت الجريدة الورقية

أبصر:

شاب ثلاثيني يضع سماعة سوداء على أذنيه البرتقاليتين ويقهقه ثم يعتذر من العجوز الجالسة قبالته كلما بالغ في ترداد الصوت.

امرأة نحيفة جدا تقلب صفحات شاشتك الزرقاء باحثة عن حِمْية أكثر فأكثر نصحها بها أمريكيون أو فرنسيون عبرك. هي تتشبث بالمظهر والمخبر حزين جدا.

مُسِنٌّ يرفع صوته كلما أطال حسَن حفّار في مواويله الحلبية السجية، التي تم تدمير مسكنها مؤخرا، ولا يعتذر لأحد. وبعدها يزيل السماعة ويترك مكبر صوت هاتفه بسورة ياسين كاملة طيلة الرحلة ولا من معترض سوى طفل في الخامسة ستنهره أمه كلما مارس احتجاجه البريء.

والمتشابكون عبر فيسبوك هم غالبيتك. صامتون وأحيانا يبتسمون أو قد يظلل العبوس وجوههم النحيلة من كثرة السهر، عوالمهم لا تبالي لا بالشاب ولا بالعجوز ولا بالسيدة ولا بالمتدين.

لماذا زوكربيرغ

أنت متكيف مع الوضع الذي أتيته صدفة لتسريع الصدر والفكر. الأعلى والأسفل. لتتزاحم عليك، أقصد علينا، الصدف وآخر الأخبار. نحن نحتاجك دائما لأنك من يربط ويشتت. من يقيم ويقعد ولا راد لأمرك الجاثم.

هل نقول كانت الحياة قبلك جميلة يا مارك؟

حيث اللوح والقلم والرسائل الحميمية المزينة بقلب ونبال بألوان حمراء تتساقط.

حيث التأنّي في اتخاذ القرارات الحاسمة كالزواج وربط علاقات والقيام بردات فعل سياسية أو اجتماعية كان المتحكم فيها هو تباطؤ الوقت لا غير.

لمعة أخرى أقسى ما يمكن أن يؤثثها هو عشبة أو حبة أو إبرة تبدأ بالوهم وتنتهي على سرير المشفى أو في قبر منسي تجاهل أهله وضع سياج ترابي أو إسمنتي عليه.

هل الحياة هادئة تماما معك ومع الآخرين؟

زرقة الفيس وتعدّد مداخله تلاطم الناس بأشيائها: اللحى والعري وترقرق الكلام والصراخ والمقاطعات ...

هو جدار إذن. جدار شخصي جدا يواجهنا في كل وقت وحين، ساعة القلق ولحظة الجلوس لطاولة العشاء، في بيوت العبادة وفي المراحيض وحتى في اللحظات الأكثر حميمية. هات الفيسبوك الخاص بك تقول لك قبل السلام.

سطوة الشاشات وإعادة البرمجة الذهنية وبرمجة الأعصاب تدخلها بلا منازع فتزرع الفتنة أو الغضب أو الثورة الناقصة.

في الافتراضي النهري أو على سطح ناري تتربع ويتربع معك مليارات البشر دفعة واحدة في الأرض والسماء وما بينهما وأنت تقود القطيع.

وفي القريب سنسحب عنا الرؤيا من أجل الرؤية. سيموت خيال داخلنا ليتحول الخيال المرئي إلى سد يحجب الشكل ومصيره.

وهكذا يا مارك زوكربيرغ سيعوض اللاهث قدرات الرجال القتالية على الأسرة إلى بالونات هوائية فارغة المنبت والشفرة الدائمة تشد الاسم إلى تاريخ ميلاده وتقذف بالكل صوب جهات تبدو مجهولة في العالم السفلي للذات.

نحن نخاف المجهول أكثر من خوفنا من الموت. أكثر من خوفنا من الجحيم. المجهول أفظع والحلم يبرد ثلجنا. وأزرقك وهمنا الضروري هل هو ضروري.

أو فلنقل: ما مصيرنا بعدك يا مارك؟

 

 

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.