رأسي يرقص كصوفيّ عتيق... الدّوائر تزداد اتّساعا وهو يدور يدور محلّقا بعيدا عنّي منذ أيّام، البارحة داس على عيني اليسرى دون أن يدري فغامت نظرتي للضّوء القادم من نافذتي الغربيّة، لم أعد أكيدة إذا ما كانت رؤيتي من سوّل لي بالغيم أم أنّ السّماء شعرت بالبرد فجأة فتدثّرت بالرّماد.
طفلي يراودني عن قوتي... يأكل كلّه ويترك لي الفتات، ألتقط منه ما استطعتُ فيما تتسرّب البقيّة من بين أصابعي الجافّة... أظافري تكسّرت منذ أن بدأتُ أفقد الوزن، فلم أعدْ أعدّ عليها أطنان الهواء المأكولة آخر النّهار إذ أنّ ما تبقّى من الفتات لا يكفي حتّى لتَرَف العدّ.
أهادن وجهي الّذي أتركه كلّ صباح في المرآة كي لا يلتصق بي... أعِدُه يوميا قبل أن أنظر إليه بأنّي لن أنساه فيتسمّر أمامي... أنظر لكلّ شيء.. عداه: لوجبة إفطار طفلي... لواقي الشّمس.. لمفاتيح المنزل ودرجات السّلّم كي لا أنسى الأولى ولا أنزلق على الثّانية... لساعة هاتفي كي لا تتركني الحافلة وتهرب... أنساه... يقلّم أظافري بأسنانه وحيدا... يرتدي ألوانا كثيرة كي يقتل الوقت الّذي يقتلني بعيدا... يحادثُ الحائط وكومة المنظّفات وألعاب صغيري المتناثرة هناك وهناك... يمسح بقع الهواء الزائدة عن الحاجة... ينفخ في الهواء كي يسبح الوقت سريعا... أرجع للمنزل وصغيري... أمرّ عليه وقد غامت عيني اليسرى... أحدّق في المرآة بحثا عن إبهامي الّذي تركته كي يقلّمه وجهي... تغيم عيني اليُمنى... أكظم إبهامي.. يسيل الوقت من بين أصابعي... يبكي صغيري فأهرول إليه... يلحقني وجهي الضائع في المرآة لينزلق مع الوقت السّائل... يتشظّى... أهرب لبقيّة نومٍ ما... أقترضُ من النّوم وجها جديدا ألصِقُه مع وقتٍ آخر في طرف المرآة... ألملمُ رأسي الما زال يرقص مع وجبة إفطار صغيري الجديدة، علاقةِ المفاتيحِ، وغيمٍ في يمناي... فتخِزُني شظيّة ما...
ألملم ما فات من وجهي المتناثر حولي.. يسيل الوقتُ... أغرقُ... يغرق صوتي... وجهي الجديد في طرف المرآة ينتظر...

ورأسي لا يزال يدور...