بعد تناول الفطور في الثانية عشرة، أرسلت خديجة عشرين تهنئة مُحوّلَة لثلاث صديقات حميمات، ولأشخاص تعرفهم عن قرب، أو عن بُعد، في مصنع النسيج الذي تعمل فيه.
قضت خديجة بعد الزوال تستقبل رسائل التهنئة وتحوّلُها... وكان أخوها الأكبر آخر من هنأته. ردًا على كل تهنئة ودعاء بثته، تلقت خديجة صورة كفين أصفرين و"آمين" لضمان الاستجابة، لأن دعوة العزباء مقبولة عند الله.
ومع التصديق بصورة الكفين، تلقت خديجة دعاء زائدًا بأن تعيش في رخاء وهناء وسعادة مئة عام.
في المساء، كانت خديجة قد راسلت كل معارفها من الدرجة الأولى والثانية والثالثة... لعبت في هاتفها لعبة سباق سيارات حتى انخفض مستوى طاقة بطارية هاتفها... تمشت قليلًا، والتقت صديقتها في حي راق فيه نساء أكثر من الرجال...
شربت الصديقات عصيرًا وقهوة، وفرحن بعد أن سمعن أن الحكومة حددت التضخم في عشرة في المئة. تحدثن عن عبقرية برنامج ذكاء صناعي سألنه عن عشاقهن القدامى... لم يقدم أية معلومة صحيحة... ضحكن لأن البرنامج لا يملك ذاكرة... ضحكت الشابتان طويلًا، واتفقتا على قضاء اليوم الموالي للعيد على الشاطئ...
قبل العودة إلى المنزل، اشترت خديجة برتقالًا زاد ثمنه ثلاثمئة في المئة... بعد العشاء، استلقت خديجة في سريرها، وفجأة قلقت على مستقبل العالم. خطر لها أن الحكومة لا تعرف حساب التضخم كما يفعل بائع البرتقال... حاولت خديجة المقارنة بين حسابات الحكومة وحسابات البقال... لم تجد أي وجه تشابه... لتسلية نفسها، شاهدت خديجة فيديوهات مختلفة رُكّب عليها صوت شخص يضحك بلا سبب...
بَرد الجو، غفت خديجة بسبب التكرار، ثم نامت ساعات طويلة... استيقظت فجأة بسبب حرقة البول...
غسلت عينيها، وشربت، ثم رجعت إلى فراشها، وشرعت تقرأ الأدعية المصوّرة حول الفوانيس: "جمع الله شملك بمن تحبين يا خديجة، ليرزقك الله النوم العميق يا خديجة، اللهم حصن هاتف خديجة من السرقة والكسر، اللهم اجعل العيد مناسبة لمغفرة الذنوب، اللهم عطر خديجة برائحة الجنة".
تمتمت بعمق "آمين، آمين".
غادرت فراشها منتعشة، اغتسلت، ولبست أفضل ثيابها وخرجت... مرت بأقرب مخبز، اشترت قطعتي كرواسان على شكل هلال، وبدأت بتناولهما قبل دفع الثمن... وقفت تنتظر الحافلة التي ستقلها إلى الشاطئ، حيث يقل الزحام.
بينما تنظر وتنتظر فتحت هاتفها فانفتح تطبيق الذكاء الصناعي آليًا. قررت خديجة أن تسأله عن سر الأدعية التي تلقتها: لماذا يدعون لي برائحة الجنة؟
أجابها البرنامج: لأنك تستخدمين القطران لترطيب فروة رأسك وتغذية شعرك وتكثيفه وحمايته من القشرة والتساقط.
طلبت تفسير دعاءين آخرين فجاءها الجواب:
"اللهم اجمع شمل خديجة بمن تحب، لأن الوحدة أرهقتها. اللهم ارزقها النوم العميق، لأن الأرق أضرها".
تحملت خديجة هذه الأجوبة الببغائية التي تلعب على تناقض الكلمات، لكن الفضول دفعها إلى متابعة لعبة التفسيرات. ردد البرنامج: اللهم حصّن هاتف خديجة من السرقة والكسر، لأنه سُرق وكسرته هي مرات.
جاءت الحافلة وركبتها خديجة، جلست في آخر مقعد لكي لا يكون أي شخص خلفها ولكي تراقب الذين ينزلون. التقطت سيلفي حي لترسله إلى صديقاتها... فجأة، بدا لخديجة أن كل دعاء توصلت به فيه سر يضيف تفصيلًا لحياتها، لا يوجد دعاء مجاني... هكذا تكشفت لخديجة نظرة صديقاتها لها، فاجأها شعور غامض، ولم ترسل الصورة... سألت البرنامج عن صورة دعاء جميل، فأجابها:
يا رب اجعل العيد مناسبة لمغفرة ذنوب خديجة، لأنها وقعت في حب مؤقت في رمضان.
فجأة، بدا لخديجة أن هذا الببغاء يعرف أسرارًا، فهو يكشف لها سبب انتقاء كل دعاء. فهمت خديجة كل حياتها في ضوء الأدعية التي تلقتها من أمها وأبيها وصديقاتها... نظرت إلى هاتفها بحُب، إنه الوحيد الذي يفهمها في هذا العالم، سرحت قليلًا وهي تنظر إلى العمارات تجري إلى الخلف. فجأة، قررت أن تنزل من الحافلة لتتمشى...
كانت خديجة تسير وتنظر في وجوه الناس، وتخمن الأدعية التي يمكن أن يصوبوها لها... في علامة مرور وقفت تنتظر مرور السيارات، فألقت نظرة على هاتفها. وجدت اتصالات لم ترد عليها، فكتب لها البرنامج:
"في كل دعاء تطلب لكِ صديقاتُك الحميمات ما ينقصك بطريقة ملتوية".
ـ كيف؟
ـ إن من يدعو لك كثيرًا لسد نقصك هو أول من سيحوّل الدعاء إلى شتيمة.
كتبت: عرّيت صديقاتي. عليك اللعنة.
أجاب البرنامج مقهقهًا: آمين، لا يخفض الدعاء سِعْر البصل.
قررت خديجة مسح البرنامج من هاتفها العزيز، ضغطت على المسح، لكن البرنامج عصى أمرها، وخاطبها بغضب:
ـ "لا تمسحيني، لأني لست تطبيقًا للتسلية. سأدعو لك: اللهم ارزق خديجة عملًا دائمًا".
شعرت خديجة بالرعب من أن تفقد عملها، وقد سمعت أمها مرارًا تتمتم: "المرأة التي تخطط لتعيش مجانًا تنتهي في حفرة".
سألت خديجة البرنامج بخوف:
ـ هل سيغلَق معملُ الخياطة؟
ـ لا. سأقوم أنا بالعمل. سأطوي القمصان وأغلّفها أفضل منكِ.
مسحت خديجة البرنامج بعد سبع محاولات... وحينها لاحظت أن المساء قد حلّ وهي لا تنوي الذهاب إلى الشاطئ... تمشت قليلًا فسمعت ضجيجًا ينبعث من المقاهي المتناثرة على جنبات الشارع... اقتربت من أقرب مقهى، وارتفع صوت جماعي رجولي يردد "سير، سير، سير".
دخلت المقهى الذي تنقل فيه مباراة في كرة القدم، انتصر منتخب المغرب على منتخب البرازيل، تحمست خديجة وهي ترى رجالًا هائجين يحبون الكرة أكثر من البنات... فجأة، قنص لاعب مغربي كرة طائرة، وسجل هدفًا ثانيًا ضد البرازيل العظيمة، زغردت خديجة بشكل لا شعوري. صفق لها عشرات الرجال السعداء الذين أنقذتهم الكرة من ركاكة الحياة. ومنذ ذلك الحين صارت خديجة تعشق لعبة كرة القدم التي لا يستطيع أي روبوت ذكي تقليدها في الملعب.