}

شجرةٌ لا عالمَ أوسعُ من قلبها

روشن علي جان 8 أكتوبر 2024
شعر شجرةٌ لا عالمَ أوسعُ من قلبها
حمود شنتوت، سورية


أيتها الشجرة

لماذا لم تجيبي على رسائلي؟

لماذا ضيّعتِ بريد المطر؟

هل تشابهت عليك الجهاتُ؟

فراهنتِ على بياض القلب 

هل ما زالت الزرازيرُ

تنقرُ فروتكِ بكلّ بهائِها الغضِّ؟

أيتها الشجرة

هذه الأسدافُ أمنياتٌ مستحيلةٌ

طفولةُ حلمٍ يرتجفُ على الهوامش

وهذا السّهلُ المُزنّرُ بهلوسةِ السُمّاق

مرآتكِ المركونةُ في الخَدَر

أغيري على طائراتِ طفولتكِ

لتتجمهرَ الفراشاتُ على سجيّتها

حيث الفراديس قصائد لا يشبهها سواكِ

أيتها الشجرة

صديقانِ حائرانِ أنا وهذا الطّينُ المنسوبُ إليَّ

نُعاركُ ظلِّينا تحتَ سماءٍ تتنكّرُ للشِّعرِ

نتعاطى الأحلامَ بصوتٍ عالٍ

علَّ الغابةَ تُمطرنا بيفاعتها

يا ذاهبةً للنارِ بختمِ الأزهار

مدينةٌ أنا لكِ

لحفيفٍ منفعلٍ يتبعُ نداءَ روحك

لنبضٍ يُظلّلُ الغصنَ بكبريائه

فلمّيني بقيافتكِ ريثما تؤوبُ الآهةُ

بالبختِ

واحرصي أن تؤاخي نهرًا تورّطَ بكِ

يا النّورانيّةُ

المباركةُ 

ببهاءِ اليشْبِ

الهواءُ النزق لم يكن يومًا غريمكِ

بل أهواءُ رعاياكِ المفتونة بإكليلِ الجبلِ

فهل ما زلتِ تتساءلين عما يجولُ في خاطرِ الهواء؟

وكيفَ بوسعهِ أن يؤرّقَ تنّورتكِ العشبيّة

أما كنتِ تدركينَ أن للفصولِ هواجسها؟

وأنها ستنكركِ يومًا

وكأنّكِ لم تكوني دانة القلبِ

هل أرّقتكِ الجنادبُ

فاستنفرتِ السكينةَ 

وسمّرتِ أشجانكِ؟

مرارًا حذّرتُكِ أن لا تنتظري العدمَ

مُدرّعةً بالصبرِ

كان غروركِ يعبقُ في ثيابي

وكان السّديمُ الليلكيُّ يُعَرِّكُ هضابًا

تتألّقُ بكِ وتتبعكِ

كنتِ تتشائمينَ كلما مرّ طيرٌ

مهموما بجوارِ أطيافكِ

يا ابنةَ الحرائقِ المضمومةِ بعُرى القلوبِ

بالأمس سمعتكِ تهمسينَ لقطارِ النّملِ

أنّ اليعاسيبَ الطنّانةُ قصيدة رومانسية

أهداها ألبير كامو لحبيبتهِ

وأنّ الغرانيقَ التي تحفظُ منحنياتَكِ الساحرة

مجازفات عشيقاتٍ

يغتسلنَ بماء الزهرِ في لوحاتِ عنايت عطار

ترنّمي...

ليشيدَ بي مصِيفُكِ

وليأخذني الغموضُ حيثُ لا عالمَ

أوسعُ من قلبكِ

ترنّمي...

لأنثرَ شهوةَ التّرابِ على دكّةِ فجركِ

ولتُفصِحَ عني أكوازٌ يحمدُها الصنوبر

أزيحي هديرَ الجوارحِ السُندسيّةِ

لأدحرجَ على ذهولكِ فِقهَ الطّينِ

مثاقيلَ الغروبِ

قبسَ الأرضِ المحروثةِ للتوِّ

طفرةَ اللّهاثِ المرِّ

حصّةَ الدّمِ المُتوّجِ 

كأبديّةٍ فوقَ بحيرةِ وان

ارفعي نخبَ صبايا الكُرد

حتى يغرق الفجر في عذوبته

ارفعي الكؤوسَ عاليًا

لأنقشَ الضراوةَ على فرحٍ يمرُّ خفيفًا

على ربيعٍ مترفٍ يجيءُ من مَتنِ القصيدة

خدّرتني الوشاياتُ

خدّرني طيشُ الكرومِ 

خدّرتني أوهام المائييّنَ

خدّرني التوتُ الجّزراويّ

خدّرتني البتلاتُ الهاذية

خدّرني الناي

ارفعيها 

لأرى الشّرودَ المُنتعشَ يقرأُ نعاسكِ

صلصالكِ طعنةُ التّيهِ فَصُدّي اللّهيبَ 

لا أفياءَ إلاكِ مشرّعة على غريزةِ الزهرِ

فلا تطبقي عيناك

ريثما أُبادلُ المفاتيحَ بأمومةِ الأرضِ

لا تنامي 

ريثما تروّضني وصيفاتك بكرمشةِ التّين

وريثما أنضوي كقبلةٍ

في طلعِ وردتكِ المُستكينة

أنا ضالّتكِ

وعولكِ إذ تصفنُ بالأُلفة

شغفكِ المائسُ على حنينِ بذرة

سمفونيتكِ الرابضة في لهاثِ الحطّاب

أبنوسكِ المنهكِ من بطشِ الرّيحِ

أنا أحزانكِ الضاربةُ عميقًا 

في جلدِ الأرض

وأنتِ الضّوءُ في نافذتي

أيتها الشجرة

نكايةً بالفأسِ أغبطكِ..

 

* شاعرة سورية.

قصائد اخرى للشاعر

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.