}

تساؤلات سَمِجَة عن الأرض والإنسان

مي بركات مي بركات 13 فبراير 2024
سير تساؤلات سَمِجَة عن الأرض والإنسان
(ميسلون فرج)


أعترف، لدي مشكلة حقيقية مع الأرض- الجغرافية! ربما لو كنتُ أردنية أو تشيكية ستكون العلاقة معها أقل تعقيدًا، فقاموسي الهوياتي الذي أستخدم مفرداته عصي الفهم. أُفكر كيف تُفرض على الفلسطيني تساؤلات معقدة أخرى غير تلك التي تخز خاصرة إنسان القرن الواحد والعشرين؛ فبالإضافة إلى إشكالية الأسئلة الوجودية والمحاورة الثقيلة بين الحياة والموت وما يقع بينهما كالتدحرج نحو الشيخوخة، وتشتت المساعي واختبار صحتها بالفحص حينًا وقذفها إلى هوة اللامبالاة أحيانًا أخرى، تنهض في هذه المعمعة "الأرض" من مكانها كعِملاق عتيق يحشر نفسه في أقرب مقعد يجده، فتضع رِجلًا على أخرى، تُشعل سيجارة الوقت وتنفث – بثقلة دم- في وجهي كل ترابها قائلة: حلي أمري إن استطعتِ!  

هذا التحدي الذي يركض ويتمدد ويتقلص في رأسي، يُبعثر تركيزي المُشتت أصلًا عن الانشغال بقضايا أخرى مثل: الاحتباس الحراري، وشُح مصادر المياه، والزلازل والبراكين وأسس تربية الطفل في عالم طفولة مُستباح من التكنولوجيا وشبح ألوان الهويات الجنسية المُترصد، لتصبح ملهاتي كفلسطينية: الأرض، عفوًا، مُسميات الأرض.

لنفهم هذه الملهاة دعونا نتخيل سويًا: لو قلتُ فلسطين، فماذا تعني لكم؟ هل هي الوطن الفلسطيني؟ أم الدولة الفلسطينية؟ وهل الوطن الفلسطيني هو ذاته الدولة؟ وما يُعرف الوطن؟ وما يُعرف الدولة؟ أي ما الوثيقة المرجعية لكليهما؟ وهل تختلف دولة فلسطين عن الأراضي الفلسطينية؟ وفي أي سياق يُستخدم كل منهما؟ هل حدود الدولة الفلسطينية ثابتة؟ أم متغيرة مثل البرامج السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ وهل دولة فلسطين المعترف بها داخل هيئة الأمم المتحدة هي ذاتها دولة فلسطين الموجودة في مِخيال مؤسسات دولة فلسطين، عذرًا أقصد مؤسسات إدارة الأراضي الفلسطينية؟ وفي أي شيء تختلف دولة فلسطين الحالية عن دولة فلسطين الموجودة في البرامج السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية؟

هل شعرتم بالدوار؟ انتظروا، لا زال هناك المزيد.

لنُضيف على الأسئلة السابقة ملهاة أخرى: كيف أُعرف نفسي؟ إذا كنتُ فلسطينية أسكن في إحدى مدن الأراضي الفلسطينية أو دولة فلسطين، المُجتزأة من الوطن الفلسطيني، وسليلة مُهجّرين تعود أصولهم إلى إحدى قرى القدس تلك التي احتلت في عام 1948، لأن للقدس، كما تعلمون، قسمين: غربي وشرقي، الأول احتُل في عام 1948 والثاني في عام 1967، إذًا! فأصولي تعود إلى القسم الأول وليس الثاني من المدينة التي أطلقت عليها مقررات المجلس الوطني الفلسطيني في ثمانينات القرن المنصرم اسم "القدس الشريف".

ثم بعد كل هذه التعقيدات، يطلب مني سؤال آلي موجود على المواقع الإلكترونية تحديد مكان إقامتي، الذي تتنوع خياراته ما بين: الأراضي الفلسطينية ودولة فلسطين، وفي حالات أخرى لا يُعترف بهذه أو تلك، يكون الخيار المتبقي دولة اسرائيل.

إذًا، بالمُحصلة، من أنا؟

في قاموسي الهوياتي أنا: تراكم الجغرافيات المتغيرة والتاريخ، والإنسان المُنبثق عنهما، ووعد بلفور وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وفتوى محكمة العدل الدولية، ومواثيق منظمة التحرير الفلسطينية وبرامجها السياسية ذات النقاط العشر والخمس عشرة ووثيقة إعلان الإستقلال والقانون الأساسي وكل الغموض الوارد في هذا البند أو ذاك، وحقائق الإستيطان وحاجز قلنديا العسكري والطريق الطويل إلى القدس.

ببساطة، أنا كل هذه الفوضى.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.