}

حفلة الديك

نوّاف رضوان 8 مارس 2024
يوميات حفلة الديك
(سليمان منصور)
لا أعرف من أين، ولكنّني أخرجتُ لها جوازي الإسرائيليّ الكحليّ وناولتُها إيّاه. كان الحبر سائلًا وصورتي مشوّهة، وعلى صفحاته نصوص وخربشات تشبه اليوميّات التي أكتبها بخطّ يدي. لم تكترث، وكذلك أنا لم أقل شيئًا. سجّلتْ البيانات المطلوبة، وقبل أن تطلب منّي التوجّه إلى الغرفة في الطابق الرابع، فتحت الجارور في أسفل الطاولة وأخرجت منه مقصًّا فضيًّا ضخمًا ووضعته أمامي، وقالت بنبرتها الحازمة ذاتها:
ــ ضع هذا المقصّ تحت المخدّة قبل أن تنام.
لم أفهم مغزى كلامها، سألتُها عن السبب، فأجابت بثقة السلاحف المعمّرة:
ــ إذا استيقظتَ من نومك في منتصف الليل ورأيتَ الطفلة الصغيرة، اطعنها بهذا المقصّ. لا تصدّق دموعها، أو ابتسامتها، ولا تُشفِق عليها. اطعنها فور أن تراها. لن تموت إلّا بهذه الطريقة. إن لم تقتلها فسوف تقتلك، تذكّر ذلك جيّدًا.

***

أقول لنفسي مثلًا: ماذا لو أُحرقت جثّتي ووضعوا رمادها في علبة نوتيلا فارغة على الرفّ؟ حين ينام المرء مع امرأة ما، ألا يمكن اعتبار ذلك صلة رحم أيضًا؟ ماذا لو انفتحت السماء ليسقط منها الأموات؟ ماذا لو بدأ الأطفال يتساقطون ويرتطمون بحواف الأشياء؟ ماذا لو كان لديّ مهبل واسع ورحب؟ ربّما سأعلّق على مدخله لمبة جميلة!
ماذا عن أسناني التي ترقص في فمي؟ عن أصابعي التي تلعب في مؤخرة العالم بمهنيّة، عن جدّتي التي عادت من موتها بعد 5 سنوات فقط وهي تشتم الجميع بغضب، وماذا عن الشجرة الفخورة بنفسها؟ طيّب ماذا عن القلق المستقيم المصاب بثلاثة ديسكات في ظهره، وسرطان الرئة، واللون الرمادي الذي يخبّئ خلفه مقبرة كاملة؟

***

طلب شْلُومُو هويّاتنا، بينما كان ينظر إلُوهِيم إليّ مرتبكًا، أخرجت هويّتي الزرقاء، وأخرج هو هويّته الخضراء النظيفة.
فتح شْلُومُو الهويّة الزرقاء، حدّق في وجهي قليلًا، ثمّ فتح الهويّة الخضراء وحدّق في ضيفي.
ــ أنت إلُوهِيم؟
ــ نعم أنا هو.
ــ إيدك لفوق ووجهك للخيط خَبيبي!
رفعنا أيدينا فورًا، لا مجال لأيّ حركة خاطئة هنا، شْلُومُو غبيّ، لا تعبث معه لأنّه سوف يؤذيك، لا تضع يديك في جيوبك، سوف يجرحك، سوف يطلق عليك الرصاص في مؤخّرتك الطريّة إذا لزم الأمر، شْلُومُو بلطجي وما بيخاف الله.

***

كلّهم يتحدّثون عن الانحدار؛
في التلفزيون، والراديو، وفي مقهى السنترال.
الانحدار الانحدار الانحدار...
انحدار اقتصاديّ، وانحدار اجتماعيّ، وانحدار ثقافيّ.
أنا أيضًا انحدار شعريّ،
أعبّرُ عن عصر مرتبك وجبان،
ودكتاتوريّات مصابة بِعُسْر الهضم،
وأحرسُ الصدأَ الخفيف على حواف الكلام.

***

أكتبُ عن بقرة إسرائيل المجنونة وحليبِها الأسود.
أكتبُ عن شعب الله المختار،
عن شْلُومُو وهو يفجّر أدمغة الأطفال برصاص "التُّوتُو"
ويضحكُ مثل خلّاط أسمنت في منتصف تل أبيب.

*كاتب فلسطيني.

مقالات اخرى للكاتب

يوميات
8 مارس 2024

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.