}

محاكاة المبنى للمعنى.. الطريق وفيض الألم...

نعيم تلحوق نعيم تلحوق 20 سبتمبر 2022
آراء محاكاة المبنى للمعنى.. الطريق وفيض الألم...
كريستيان شلاو، تشيلي

 

 

يقول فلاح إيطالي يعمل في حقول العنب، إن نهاية العالم شأن يخصُّ الأغنياء، أما نحن الفقراء فيكفينا الوصول إلى نهاية الأسبوع...

العالم يدبُّ في هلاكه...كل شيء يبدو غريبًا حولك، لم أرَ شعبًا في العالم، الطحين أغلى أمنياته...

لقد بدا حاضرًا كلّ شيء، التحوّل في جهاز القيم المعدّ سلفًا... ربما بدأ الاشتغال على فلسفة أخرى غير الماء والقمح...هناك أماكن لم يتبدَّ فيها أن الأمن الغذائي سيكون حائلًا دون القيام بثورات مختلفة... تبدأ بالجوع ولا تنتهي بالنفط والغاز أو التسابق على الخروج من الأرض... لهذا لم يعد واحدنا بمقدوره أن يفكر ما إذا كانت الأزمة الأساسية هي أزمة عيش الأشخاص أو الكائنات الحية، وتلك التي هي على شفير الانقراض أو ذلك الإحساس بالرفاه للمطمئنين على سلامة ذكائهم... إنها بالواقع أزمة تصوّر لوجود الكائن الذي يحظى بشرف أن يصبح إنسانًا...

إنه التحوّل نحو مقولة الأقوى هو الأبقى... ربما هذا ما يحتاجه الكوكب ليستنبط أيديولوجية جديدة معيارها استخدام مادة زئبقية جديدة للتنفس الاصطناعي بعد الطبيعي... البحث عن كائن برتبة إنسان...

علامَ يتصارع البشر في ما بينهم..؟

ما هو الشرط الحقيقي لبقاء الكائن الجديد على مساحة تليق بناسها، إذا كانت الطبيعة لا تطعم أكثر من مليار بشري ليس تكوينهم من تراب، بل من ذهب.!؟ نعم من ذهب...

إنه "المليار الذهبي" الذي يسكن وثائق المحيطات المائية ومعاجمه؛ الرقم مكان الفكرة...

إذًا يبدأ البحث عن الرقم، عن الروبوت، بديلًا للإنسان في أقصى تجلياته الترابية مرورًا بنوازعه البشرية... وصولًا إلى رحلته الإنسانية...

وكيف سيكون العالم إذا بدأ مسكونًا بتجليات الرقم الذي يتحوّل بسرعة إلى فكرة وصورة وضوء...

هل العالم يعيش هوليوودًا جديدًا يمحو كل آثار التجليات القديمة بغية ابتكار هندسة رقمية حديثة للكون..؟

هل هو ما نسمّيه التصوّر المادي للوجود؟

وماذا نفعل بالقيم التي أرسى العالم القديم كل مفاهيمه في بناء تصوّراته عليها، جعلته يمضي أكثر من ستة آلاف سنة على الأقل..؟

لا أحد يعلم مَن يغيّر الطريق ولماذا؟

كتب محمد رشيد رضا يقول: "الثائر لأجل مجتمع جاهل هو شخص أضرم النيران بجسده كي يضيء الطريق لشخص ضرير".

يقابله قول لأحد شيوخ الصوفية بما معناه "ليست النجوم هي التي تضيءُ الطريق، وإنما الطريق هي التي تفعل ذلك".

إذًا المشكلة في الطريق؟ أو بالأحرى ما هو أو ما هي التي تضيء..؟

إشكالات وقع فيها العقل العربي دون أن نفهم الطريق والمسار الذي يدور فيه وعليه هذا العالم..؟

كل شيء جاهز، مصمّم يحمل في طيّاته أغلفة سرابية غير مفهومة الوجهة... إنها دائرة بالغة التعقيد لأنها تنقسم هي نفسها إلى دوائر ومثلثات ومربّعات ومستطيلات داخل الدائرة الواحدة...           

"العجلة من الشيطان يا صاحبي"...            

جملة ردّدها كثيرًا على مسمعي صديقي المخلوق الفضائي... الاثنان سكنا قلبي، خجل "وجد" وتمرّدها، وأن ما تكتبه أعلى من كعب ضفائرها المنسرحة والمجدولة بألف ويل، وأكبر من تفاحة الخطيئة... وتعنيف صديقي للأنثى التي تقرر أن تبتكر جسمًا يعلو جسدها...

تبدّى لي أن الفلسفة ليست عربية الوجه، كما يعتبر أبو حيان التوحيدي، لهذا هجم بعضهم على المعنى، والآخر على اللغة، وانقسمت العربية، بين الجملة الإسمية، والجملة الفعلية... وذهبنا في تأمل عميق لم ينتهِ توًّا...

كيف سنفهم "أفلاطون" في جمهوريته التي تقول إن الرياضيات والتفكير المجرد هو أساس التفكير الفلسفي 



هجم عبد القاهر الجرجاني على الجاحظ وأوسعه ضربًا في التجديد فوقعنا بين حسن الترجمة والنقل والرجوع إلى الكتب... فتبيّن أخيرًا أن صحة النقل ليست في صحة العقل... بل في صحة الربط بين عقلين أو لغتين... بين الظاهر والباطن عند التوحيدي، وقعنا في خلس النظر إلى أنفسنا والعالم... فاشتبهنا على أنفسنا والعالم...

جاء الشعر لينقذ اللغة من المتاهة، فاعتبر الجرجاني أن الشعر هو ما تذهب إليه النفس من التعليل والتأويل، لتجد مكانًا ترتاح فيه، أي أنه أعادنا إلى مثلثات فيثاغورس حول البرهان، وأن مجموع زوايا المثلّث يساوي مجموع زاويتين قائمتين. رغم أن البابليين أدركوا الأمر قبل ألف سنة من برهانه، لكن إليه يعود الفضل أنه بيّن مظهرية الأشكال والجبر الهندسي...

بربّك أيها الجرجاني، ماذا يعني لي كل هذا القول؛ أرض هي مركز الأشكال الكروية الأخرى.. وأنا ما زلتُ خائر المعدة، أحلامي صغيرة ومتعة التجريد في الرياضيات مثلها في الشعر، نظام كرات تمتدُّ من سهم قوس نمرود بابل حتى قدم لاعب الارتكاز الألماني "كيميش"، هو وحده يعرف أين يمكن أن تقع الكرّة وبين أقدام مَن...

إنه فيض الألم العتيق...

تعبنا من اللغة وعبثها، وما ومَن هي، وكيف سنفهم "أفلاطون" في جمهوريته التي تقول إن الرياضيات والتفكير المجرد هو أساس التفكير الفلسفي، وكذلك الأطروحات الجوهرية في العلوم والأخلاق... أيّة مقاربة اجتمع بها أفلاطون وفيتاغورس ليقولا لنا إن الكرات الدائرية هي عالم صوفي بامتياز، تبحث الروح عن مكان وجودها في العالم المادي؟

نحن نتكلّم هنا عن الهتك اللغوي...والإنزياحات "السيبوية" التي لمّا تزل تدفع بنا إلى مزيد من الألم والقتل...

و"بيرثا" تُسائل الحسين بن علي عن الخبز والجوع، وما إذا كانا "صوفيين" أو أن تشي غيفارا مسح الرؤيا بشغف مادي، فأرسى على مقولة "أيها الساجدون على عتبات الجوع، ثوروا فإن الخبز لا يأتي بالركوع"؟!!

فيزجره علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب كلٌ من مكانه: لو كان الفقر رجلًا لقتلته...؟ لكنهما قتلا نفسيهما واستراحا؟!!

لم تدرك "بيرثا" معنى جهاز لاسلكي أو صاروخ لغوي منحل أو شريط لاصق مغمور بأيدي "نوبل" خرّب كل الانزياحات المدفونة داخل تراب المعنى ولا الخيالات المتجوّلة في سماء الأغنيات، أنها ستشعل حربًا مسكونية بين آلتَيْ القتل والجوع... كان على هايدغر أن يستفيق من سباته ليقلع عين شوبنهاور ويصيح: لكثرة ما فكّرنا بالموجود نسينا الوجود، لماذا أنت تتشاءم من الركض خلف الأمل، ألست أنت من تكلّم عن طريق الإرادة والقوة وثبات المعنى..؟

أمام هذه المحاورة الصوفية، يظهر عليهما شكسبير سائلًا هل رأى أحدكما كيلوباترا التي جعلت القائد الروماني يُغرم بها من خلال أشرعة سفنها المعطّرة، لدرجة أن الرياح أغرمت بها... بالحق، حتى أنا يا سادتي هِمتُ برائحتها... ما الجدوى من رائحة عطر تضلّ الطريق؟..

"الرياضيات والموسيقى"، ينقّيان الروح، يا شاعر الخشبة، ردّ فيتاغورس من أعلى السلم الموسيقي: الهندسة هي علم الوجود الأبدي، إنها تكمن في دندنة الأوتار، والعدد هو سيد الأشكال والأفكار وسبب وجود الآلهة والشياطين، فالله خلقنا لنعرف ونتأمل... لا لنشمّ ونتنفس، فتأمل يا سيدي أبو ذر الغفاري، كم جائع استشهد باسمك، وكسب رهان الثورة على ظهور الفلاحين... والفلاح يزرع عرقه لكنه يحصد جوعه، كيف للّغة أن تستقيم؟!!

من نافذة البلاغة، إلى نافذة التقوى، ونافذة العقل، ونافذة اللغة، ونافذة الوجود، مرورًا بنافذة المفاضلة بين العقل والنفس والكلمة، إلى نافذة الحكمة، وصولًا إلى ساحة الوعي؛ عدت إلى عدمي لأبتكر جرحًا خارج الله... فأدركت حينها أن الوجود عبثي لا معنى له، وأن ساحة الصراع هي أن تستدلّ على جُرمك الأساسي في نهاية الأمر، لماذا أنا؟ لماذا كلُّنا؟ ما الغاية من وجودنا؟ ما المعنى من عبثيتنا؟ طالما اللغة لم تُجارِ المعنى، ولم تصل إليه، وطالما السقوط حتميّ على غير طائل؟!

ما هو المعنى من المعنى إذًا؟!

نوافذ كثيرة، لأبواب أكثر، ولا مخرج لهذا الضيق، وشعراؤنا اليوم كما الأمس، نسخة كربونية لا ارتداد فيها عن طبيعة الكتابة وجدواها... إنه الطريق- السرداب الذي لا نهاية له..!

تعالي يا "لؤى" نجمع كل تعبنا لنغادر هذه الأرض، ونهرب من كل هذا العبث اللغوي المنحل... لقد حيّرني ربي بما فعل... يبدو أننا خُلقنا كي لا نفهم شيئًا أبدًا... تعالي نجمع الآمنا وأحلامنا وأجسادنا ونغيب... إنها أرض الزئبق يا حبيبتي..

اهرُبي يا "مارال" وتجسّدي يا "نورا"، العالم اتساع ضيّق لنعبث فيه، واللغة لا تحتاج إلى حروف، اللغة تحتاج إلى معنى... وأنا خارجكما تمامًا... و"لؤى" تنتظر وحدها دون لغة... "لؤى" ناهبة المعنى...

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.