}

في التخييل السيرذاتي: أسئلة الكتابة وأبعاد الرواية (2/2)

إدريس الخضراوي إدريس الخضراوي 29 يونيو 2023
آراء في التخييل السيرذاتي: أسئلة الكتابة وأبعاد الرواية (2/2)
ليوناردو بادورا (Getty, Florida, 8/1/2018)

النوع الأدبي وهوية الـ أنا السّاردة

نلاحظ انطلاقًا من العنوان أن "رواية حياتي" لليوناردو بادورا [التي نواصل التطرّق إليها هنا في جزء ثان وأخير] تنطوي على ضرب من التحدّي بالنسبة للقارئ الذي يتوخّى تصنيفها أجناسيًا سعيًا لبناء القراءة الملائمة. صحيح أن كلّ عمل أدبي يتضمن من المكونات الفنية والخصائص الجمالية ما يكون له دور حاسم ليس فقط في وصف النص وتمييزه، وإنما أيضًا في تحديد طبيعة القراءة التي يتوخاها الكاتب. ومع ذلك، فإن هذه الرواية لا تكفّ عن توليد الأسئلة الإشكالية التي تجعل منها عملًا أبعد ما يكون من الرّواية، إذا فكّرنا في هذا المصطلح من زاوية ما هو جوهري فيه أي مبدأ التخييل، في مقابل أجناس أخرى تتقصّد إلى قول الحقيقة كما هي الحال في السيرة الذاتية أو الكتابة التاريخية.

والملاحظ أن العنوان "رواية حياتي"، وهو في صيغة مركب إسمي، يتكون من كلمتين: "رواية" التي تعني عملًا نثريًا تخييليًا ينهض على أساس المغامرة الفردية ويتميز بالطول قياسًا إلى القصة القصيرة، ولفظ "حياتي" الذي يُحيلُ إلى ما عاشه الشاعر هيريديا من أحداث ووقائع وتجارب وخبرات ملموسة لها تأثير عميق في تصوره لأناه وللعالم الذي لا يكفّ عن الانفتاح عليه. هكذا يُؤلفُ عنوان الرواية بين نقيضين: التخييلي والواقعي، الروائي والسيرذاتي، الأسطوري والتاريخي، وهو ما يقودنا إلى استنتاج مفاده أن رواية ليوناردو بادورا حتى وإن كانت تروي سيرة الشاعر الكوبي هيريديا، وسيرة فيرناندو الأستاذ الجامعي الذي اهتمّ بشعره، وكرّس له أطروحة جامعية تحت إشراف الدكتورة سانتوري، فإن العيّنات السيرذاتية ذات العلاقة ببادورا التي تطالعنا بين ثنايا السرد في صورة تعليقات أو مواقف أو انطباعات عن علائق الناس بالمدينة بلسان شخصيات أخرى مثل الكاتب ميغيل أنخيل صديق فريناندو، بما في ذلك كتابة بادورا بذاته لمذكرات هيرديا التي ليس لها وجود في التاريخ الأدبي، كل ذلك يلعب دورًا فاعلًا في تعديل التوقعات التي يبنيها القارئ للوهلة الأولى ارتكازًا على التجنيس الذي يحمله الغلاف، على أساس أننا لسنا بصدد رواية، وإنما إزاء عمل في التخييل السيرذاتي وهو ما يتيح الحديث عن الذات دون الوقوع في إسار الأنانية الضيقة، خاصّة سيرة فرناندو التي بواسطتها يتقاسم الكاتب مجموعة من الذكريات مع القارئ.

إذا كان القارئ الذي يتقصّد إلى دراسة أعمال بادورا، ورواية "رواية حياتي" على وجه التحديد، يجد نفسه مضطرًا للتوقف، فضلًا عن السؤال الأجناسي، عند مسألة هوية الأنا الساردة، والحدود التي تضبط علاقته بالمؤلّف الواقعي، فلأن السرد بضمير المتكلم غالبًا ما يحيل على المؤلف الواقعي، مما يفرض وضع موضع تساؤل التصورات التي فكّرت في السارد بوصفه مجرد كائن من ورق، ولا وجود له إلا داخل العمل، ولا يستمد مقوماته إلا من خلال القراءة. من هنا، إذا كان المحكي السيرذاتي لهيريديا يتعيّن بوصفه الحقل الذي ينشط فيه الفعل التخييلي بقوة، بحكم أن بادورا لم يعش في القرن التاسع عشر، وبالتالي لا يوجد أي مبرّر لإسقاط ملفوظات هيريديا على الكاتب الواقعي بالرغم من أن صوت هذا الأخير يندسّ في ملفوظات الشخصيات المتخيلة، فهو الذي اختلقها ووهبها الحياة داخل النص، فإن محكيات فرناندو، وهو معاصر للكاتب، توفّر أكثر من إمكانية للروائي كي ينقش في المادة الروائية عينات من سيرته الخاصّة، ومن تجاربه المعيشة. هذا البعد السيرذاتي يتعمق أيضًا من خلال الشخصيات التي تتحدث بضمير المتكلم، وتعكس مواقفها ولغاتها جوانب مختلفة من خبرات بادورا في الكتابة والحياة.

إذا أضفنا إلى تركيز الرواية على التجربة الذاتية، الضوء الذي تلقيه على السياق السياسي والتاريخي الذي يؤطر سيرتي هيريديا وفرناندو حيث يتمّ التفكير في كوبا من منظور عصرين مختلفين: نهاية القرن التاسع عشر التي تميزت بنهاية عصر العبودية، وبداية تصفية الاحتلال الإسباني للجزيرة، ونهاية القرن العشرين التي طبعها فشل الشيوعية كأيديولوجية متفائلة بمصير التاريخ، وتفكك الاتحاد السوفياتي، يتبيّن أن انتماء الرواية إلى النوع السّردي، يحقق لها ليس التماسك على مستوى الشكل فحسب، بل يدرجها أيضا ضمن أدب الالتزام. ومن المعروف في النقد المعاصر، أن الرّواية تعيّنت بوصفها النوع الأدبي الأكثر تمثيلًا للأحداث التاريخية والاجتماعية التي يكون فيها الإنسان فاعلًا أساسيًا، وضحية في الوقت نفسه. ها هنا يمكن، على سبيل المثال، أن نفكّر في الفيلسوف سارتر، وفي ذلك التقليد النقدي ذي الخلفية الماركسية الذي شدّد منذ باختين وصولا إلى لوكاش على اعتبار الرواية الشكل السياسي بامتياز.


في جدوى الأدب

تتعدد الإشارات الأدبية والتاريخية ذات الصّلة بالحقل الأدبي الكوبي الذي يعدّ بادورا من أشدّ الكتاب ارتباطًا به، وأكثرهم انشغالًا بالتاريخ والثقافة الكوبية في مسعى للإجابة عن سؤال ما الذي يعنيه أن يكون المرء كاتبًا كوبيًا ويعيش في كوبا. في هذا السياق، نلاحظ أن القارئ يحتل موقعًا مهمًا في ثنايا أعماله بصورة عامة، وفي هذه الرواية على وجه التحديد. ومن خلال الحوار الذي يجري بين الشخصيات حول الشعر والأدب، سواء بين هيريديا وأصدقائه من الشعراء والمثقفين في مطلع القرن التاسع عشر، أو بين فرناندو وأصدقائه من "شلة الساخرين" في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته وتسعينياته، تتبيّن أكثر من علامة يلمح من خلالها المؤلف إلى القارئ باعتباره وظيفة نصية أساسية تنهض بها الكتابة. من بين الأمثلة التي يمكن أن نسوقها من الرواية، التأملات التي أبداها فرناندو حول قصّة من القرن التاسع عشر تتحدّث عن أناس عاديين، يظهرون ويختفون بفعل رياح التاريخ، في حبكة يمكن من خلالها إجراء قراءة غير مباشرة للزمن الحاضر، لكنه وجد "في ذلك النص المر الواعد، حيث تعرض المأساة التاريخية لجنس محكوم بالعبودية والتمييز، ملامح عمل جلي قاطع، يحمل ميزة كبيرة طالما تمنى أن يتصف الأدب بها: القدرة على التحريك، بجمال وقوة"[1]. إذًا، انطلاقًا من هذا المنظور الذي يصدر عنه فرناندو، يمكن أن نتلمّس مفهوم ليوناردو بادورا عن الأدب كفعل يتطلّب الكثير من العمل، والأهمية التي يوليها للسياقات الاجتماعية والتاريخية التي تحيط بالحكاية، أكثر من الاهتمام بالقصّة في حدّ ذاتها. ولا شكّ في أن نقش السرد في التاريخي والاجتماعي هو أعقد من أن يختزل في مسألة الاختيارات الفنية الخاصّة بالكاتب، ففي كوبا حتى عندما لا يكون الكاتب منخرطًا في السياسة بالمعنى الصّريح، فإن عمله لا يكون بمنأى عن القراءة قراءة سياسية كما يقول ليوناردو بادورا[2].

ما نلاحظه هو أن الأفكار بخصوص مفهوم الأدب والغائية الاجتماعية التي ينهض بها تحضر بقوة في ملفوظات الشخصيات، خاصّة الشخصيات التي تنبض كلماتها بفكر الكاتب الواقعي، مثل ميغيل أنخيل الذي يحلم بكتابة رواية عن القرن التاسع عشر، لأن "الكاتب يكون أكثر حرية حين يمرّ وقت على الأحداث"[3]. لا ينطوي هذا المفهوم عن الرواية التاريخية على أي هروب من مواجهة الحاضر، أو تحلل من فكرة الالتزام بالواقع، بل هو يرتبط بأشد الارتباط عند بادورا بفلسفة معينة مفادها أن التاريخ يمكن أن يفهم على نحو جيد عندما يتم التفكير فيه من منظور الحاضر، وبهذا المعنى ليست العلاقة بالماضي مؤسسة على التقليد أو إعادة الإنتاج، بقدر ما هي محكومة بالسعي إلى بناء رؤية مغايرة للعالم وبلورة فهم مختلف يبدو فيه الماضي مشدودًا إلى الحاضر. "الكتابة وحدها تدلك على ما تريد كتابته، بل على المكان الذي تريد أن تبلغه، إن كنت تريد أو لا تريد أن تزاوج السياسة بالأدب، إن كنت كاتبًا ناجحًا أم فاشلًا، إن كنت تراقب ما تكتب أم إن غيرك سيراقب ما كتبت من بعد. قد تتشكك، قد لا تدري كيف تعبّر عن شيئ، كما يحدث مع إنريكه الآن. لكنّه كاتب، لذلك سيواصل الكتابة، وهذا هو خير ما يمكن للواحد أن يفعله"[4].

ينشقّ صدر الرواية على تأملات نقدية عميقة منها ما يتصل بقضايا التكريس والاعتراف الأدبي، وبما يعترض الكاتب من عقبات ومعضلات قد تخرج من دائرة الأدب لتتصل بالكراهيات والأحقاد والمؤامرات والدسائس. لنتأمل كيف تكشف الرواية عن الموهبة الشعرية لهيريديا التي تفتقت منذ مرحلة الدراسة بالجامعة عندما اقترح عليه صديقه (سلفستري ألفونسو) عرض كتاباته على رجل له شهرة عالم وهالة قديس، السيد باريلا أستاذ الفلسفة في معهد اللاهوت والعارف الحكيم الذي كان الجميع يتردد عليه لمعرفة الحقيقة. عندما قرأ باريلا كتابات هيريديا قال له: "قرأت أشعارك أيها الصديق الشاب، بعناية، وعليّ أن أعترف لك بشيء أدركته منذ أن قرأت أولى قصائدك، وستفرح بالطبع لسماع ما سأقول: أنت شاعر... ستعاني حسد الرجال، وستسمع أحكاما قاسية، وستشعر بالاحتقار وبالحقد، وستتعرض بالتأكيد للخيانة مرات ومرات، لكنك ستسمع الكثير الكثير من الإطراء وستكون محبوبًا ومكرّمًا".[5]  من خلال هذا الملفوظ، يتضح أن السرد يجنح أيضًا إلى الاستباق وهي حالة معاكسة للاسترجاع يشير فيها السارد، عل سبيل التوقع، إلى أحداث قد تتحقق في المستقبل، كالوضع الاعتباري الذي سوف يتمتع به هيريديا، وهذا ما توضّحه المذكرات منذ 1825 عندما ظهرت مجموعة أشعاره العتيدة التي استقبلت بحفاوة من قبل شعراء كبار من طراز الكاتب الإسباني الشهير ألبيرتو ليستا، والشاعر الغنائي الفنزويلي أندريس بيّو، "وهما من هما في عالم الشعر المكتوب بالإسبانية"[6].

ينتمي الاستباق إلى الطريقة ما بعد الحداثية في السرد التي يتعذّر معها "على القارئ أن يتأكد ما إذا كان حدث يتبع الآخر في ترتيب زمني؛ في بعض الأحيان من المستحيل حتى أن نحدد إذا ما قدّمت الأحداث في أي نوع من الترتيب الزمني على الإطلاق"[7]. وهذه هي الحال في هذه الرواية. عندما يتأمل القارئ السرد الاستباقي، يدرك أنه ليس من المستغرب أن يواجه هيريديا ضروب المعاداة حتى من قبل أصدقائه من شعراء كوبا الذين حاولوا أن يغطوا على عمله الشعري الذي بسببه وصف بأنه أهمّ شاعر رومانسي في أميركا، وأنه "غابة الشعر الكوبي البكر الكثيفة"، وبلغت سيول الحقد والضيق لديهم، بعد أن انتفعوا من شعره، حدّ أن قرروا تنحيته جانبًا، وقتله عن طريق النسيان، والمشاركة في اختراع أسماء شعرية وأعمال أدبية غير موجودة ومشكوك في نسبتها في تاريخ الأدب الكوبي، كما اخترع دل مونته وإيتشيباريا ودومنغو مؤلّف "مرآة الصبر" الذي لم يطلع أحد على مخطوطه، ونسب لسلفستري دي بالبوا (1644-1563) وهو كاتب أصله من جزر الكناري وقيل إنه كتب أول نصّ في الأدب الكوبي [8].

ينشقّ صدر الرواية على تأملات نقدية عميقة منها ما يتصل بقضايا التكريس والاعتراف الأدبي، وبما يعترض الكاتب من عقبات ومعضلات قد تخرج من دائرة الأدب لتتصل بالكراهيات والأحقاد والمؤامرات والدسائس

لا يمكن فهم التأملات التي تصور قدر "رجل الأدب، الفنان الغريب البوهيمي"[9]، كما يقول ركاردو بيجيلا، أو الذي يبدو له أن العمل الشعري ما عاد ملكه، بل أصبح، هو نفسه، مالك نفسه ومصيره، كما يقول هيريديا معلقا على مجموعته الشعرية، من دون ربطها بالسياق التاريخي والسياسي الذي يتموضع الكاتب في قلبه. فلا شكّ في أن بادورا الذي يتعين بوصفه روائيًا معروفًا على الصعيد العالمي، وبالنظر إلى اللغات العديدة التي ترجمت إليها نصوصه، وأشكال الاستقبال التي يحظى بها في كثير من الثقافات بوصفه كاتبًا عالميًا، هو أيضًا الكاتب الكوبي الذي يشعر بالهامشية في مجتمعه؛ فرغم الاعتراف الذي يحظى به عمله، والموقع الذي يشغله نصّه في الأدب العالمي، فهو المبدع الأقل حضورًا في الإعلام الكوبي. إن إدراجه هذه القضايا في ثنايا عمله الروائي، هو ضرب من التنبيه ليس فقط على موقعه في عالم الرواية وتماهيه مع أبطاله في مجموعة من الأفكار والتصورات عن الأدب وعن العالم، وإنما أيضًا على الغموض الذي يكتنف مسألة تكريس الأعمال الأدبية، وهذه إشكالية تشغل العديد من الكتاب ونقاد الأدب العالمي ممن يهتمون بسوسيولوجية الأدب. ويكفي ها هنا أن نشير، على سبيل المثال، إلى دراستين مهمتين فكّرتا في هذا الموضوع، إحداهما للباحثة الفرنسية باسكال كازانوفا بعنوان "الجمهورية العالمية للآداب"، والأخرى للباحثة الفرنسية من أصل مغربي كوثر حرشي: "لا أمتلك سوى لغة واحدة، ومع ذلك فهي ليست لغتي"، حيث اهتمت بدرس العقبة الكأداء التي يتعيّن على الكاتب الفرانكفوني أن يتغلب عليها لتحقيق الاعتراف الكامل في المؤسسة الأدبية الفرنسية.

من الواضح أن هذه الأسئلة الجمالية التي تحتفي بها روايات بادورا التي تتمرّد على التقليد السائد في النوع الأدبي، هي نتاج التنشئة الاجتماعية التي تلقاها الكاتب سواء داخل الأسرة، أو بواسطة التعلّم، وهذا ما يلمح إليه الروائي بلسان شخصياته. يعترف هيريديا في مذكراته بأن حبّه للأدب يعود الفضل فيه إلى تلك المرأة التي يقول إنها وهبته الحياة والكلمة: "أخذتني عصر يوم من أيام صيف عام 1807 الساخن، وأنا ابن أربع سنوات، إلى الحانوت الوحيد في مدينة (بنساكولا) لتشتري لي كتاب إيسوب الرائع في الحكايات الخرافية، وكان أول ما اقتنيته من الكتب في حياتي"[10]. كما أن بادورا يشير إلى هذا الأمر بوضوح في المقابلات التي أجريت معه حيث يعتبر عمله ثمرة المصادر الإبداعية والفكرية التي كونت أفق انتظاره، من فاريو فارغاس يوسا وغابرييل غارسيا مركيز وأليخو كاربونتييه وخوليو كورتازار إلى بول أوستر وجيروم دافيد سالينغر، الشيء الذي عمق لديه الوعي بأهمية إعادة كتابة الماضي انطلاقًا من وجهات نظر حوارية ومتعددة، والتفكير في أسئلة الرواية ورهاناتها وعلاقتها بالواقع من داخل الحكاية. ومهما تكن هوية الشخصيات الروائية متأبية على التحديد، ومن الصعب ادعاء التطابق الكامل أو النهائي بينها وبين المؤلّف الواقعي، ولئن كان من المؤكد أن كلّ كاتب هو نتاج العديد من السياقات التي تلعب دورًا أساسيًا في تكوينه، بما في ذلك التنشئة الاجتماعية، والعلائق بالأصدقاء، والانتماء للحقل الأدبي، والمصادر الفكرية والأدبية التي ينهل من معينها، فإن بادورا لا يتهرّب من أي نقاش في موضوع قلق التأثر، أو بخصوص مصادره الإلهامية، بل نجده يؤكد على الإسهام الخلاق لمجموعة من التجارب في تكوين شخصيته الثقافية. وعندما نتأمل قوله: "الكتّاب هم نتاج مجموعة متنوعة من التأثيرات. لا أحد يخترع أي شيء في الأدب، كل مؤلف يعيد إنشاء ما تم فعله بالفعل"[11]، نستطيع أن ندرك أن رؤيته للأدب تناصية، بمعنى أن الأدب يولد دائمًا من خلال النصوص والتجارب السابقة التي يتمثلها الكاتب، فتكون بمثابة الجسر الموصل إلى بناء معان جديدة ومختلفة في غموضها والتباسها، لكنها أشد ارتباطًا بواقع الأفراد الجمعي، وأكثر تجسيدًا لطريقتهم في رؤية العالم. بهذا المعنى، يُنظرُ إلى الأدب على أنه "مشايع على الصعيد الجمعي لأنه يحاول أن يري القارئ كيف عرّف ذلك الشعب نفسه تاريخيًا في العلاقة التاريخية لجميع الأجزاء التي ساهمت في كليته والعوالم المحيطة، وفي العلاقة المتبادلة بين تلك الكلية والعوالم المحيطة بها".[12]

ليوناردو بادورا و"رواية حياتي" بلغتها الأصلية 

التجذّر في الأرض بالرّغم من المنفى

لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا "رواية حياتي" مثالًا لافتا لأدب المنفى، لأن البطلين اللذين يدور حولهما السرد أرغما على ترك بلدهما كوبا بسبب الظروف السياسية والتاريخية الصّعبة والمعقدة. إذا كان هيريديا الذي نشط خلال عشرينيات القرن التاسع عشر حيث كانت كوبا تحت الاحتلال الإسباني، في الحركة من أجل استقلال كوبا وتحرير العبيد، قد أدين عام 1821 بالنفي الدائم، فإن فرناندو، الأستاذ الجامعي الذي لا تروق أفكاره النظام الحاكم، وبسبب الوشاية التي تعرّض لها، سيرغم، وهو في سن الأربعين، على ترك كوبا في سبعينيات القرن العشرين، بحيث لن يعود إليها إلا بعد ثماني عشرة سنة قضاها منفيًا بين أميركا وإسبانيا بعد أن طلب إجازة لمدّة شهر. ولمّا كان من البيّن أن هذه الرواية، شأنها شأن كتابة المنفى، تكشف من خلال المحكيات التخييلية والمرجعية عن الجهد الذي بذله كلّ من هيريديا وفرناندو للتغلب على المنفى السياسي الذي فرض عليهما، فإن الفرادة التي يتسمان بها، لا تكمن فقط في تجذرهما [بالمعنى الهايدغري] في الأرض الكوبية، وارتباطهما بأشدّ الارتباط بثقافتها من منظور يتسم بالكونية، ويرفض التبعية لمنظور ضيق إلى الثقافة الكوبية، بل تكمن أيضًا في إبداعهما المتعدد الذي يكشف عن شخصية مفكّرة ومتأملة سواء عبر الشعر أو المقال الأكاديمي، وفي الوحدة المتينة التي تجمع بين أفكارهما بالرّغم من أن هيريديا يندرج في سياق تاريخي ولّى وبات جزءًا من الماضي. لكأن ليوناردو بادورا يلفت نظر القارئ المحتمل إلى أن إعادة بناء الجزيرة على أسس الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية، وتحطيم مخلفات عصر الكولونيالية وتجارة العبيد، رهان يظل قابلا للتحقق بالتشبث بالماضي الذي يظلّ مستمرًا بالكلمات التي تعبّر عنه في الحاضر، ومن أجل المستقبل الذي لم يحن أوانه بعد.

لنقل إن الموضوعة المهيمنة في هذا النص الرّوائي هي المنفى الذي وصفه إدوارد سعيد بأنه "يجبر المرء على التفكير فيه ويا لها من تجربة فظيعة"[13]. فالإنسان في خضم الشرخ المفروض بينه وبين مكانه الأصلي، يبدو مشتتًا وضائعًا ومحرومًا من أي مكان يُيمّمُ النظر إليه، مما يولّد لديه الشعور بالشكّ والريبة في مدى صواب الاختيارات التي قد يقدم عليها. هذه هي حال فرناندو بعد أيام المنفى الأولى بميامي بأميركا عندما كان "معلقًا بين أن يحصل على الإقامة في أميركا أم لا"[14]، لكنّه عندما بات في دائرة العودة إلى الوطن، بعد أن وصلته رسالة آلبارو التي حملت إليه ذلك الخبر عن الرواية المفقودة الذي بلبل فكره، أخذ "يراجع نفسه ويتساءل إن كان لعودته من معنى"[15]. لعلّه الشعور ذاته الذي انتاب هيريديا اللحظة التي قرّر فيها النزوح بعيدًا، محرومًا من أشعاره، ومن دون أن يتحدث مع لولا، المرأة التي أحبّها وكان له معها ابن ولد ميتًا، ومضى في تلك الرحلة وسط الرياح والأمطار نحو بوسطن التي وصف وصوله إليها بالمعجزة التي حالت دون أن يتمزقوا أشلاء بين الشعب الحادة التي كانوا يبحرون في وسطها [16]. لهذا يستبدّ به الشكّ والتردّد فيما إذا لم يكن من الأولى مواجهة قسوة السّجن على العيش بعيدًا عن الأهل والأصدقاء. لا يستطيع بطل الرواية الذي يئن تحت سطوة هذه الأمكنة الغريبة والقاسية، أن يعرف ماذا يعني عندما يقول عن نفسه أنا موجود. ولكي يقربنا الروائي من قدره بوصفه منفيًا، منذورًا للارتحال الدائم والشعور بلامكان يأويه، فإنه يركز على هذا الشعور المضني الذي سيظلّ يلازم هيريديا حتى في المكسيك البلد الذي أراد أن يجعل منه وطنًا ثانيًا، لكنه لطالما يوصف فيه بالغريب مما يجعله دائم التفكير في الرّحيل من مكان إلى آخر. يقول هيريديا: "لقد صار اغترابي يبعث في نفسي الحزن أكثر فأكثر، وكنت أعلم أنني في كوبا، على الرغم من الاستبداد، سأحظى، على الأقل، بأجواء مناسبة، فأنا هناك أزداد شأنًا، بعد أن صاروا يعدونني شاعرًا عظيمًا، بل رائد الشعر الغنائي الكوبي"[17].

المنفى ليس هو الحرمان من معانقة أرض الوطن فحسب، وإنما هو أيضًا حرمان من اللغة التي عدّها هايدغر مسكن الكائن

منذ لحظة الوصول إلى ميناء بوسطن، يضاعف السّرد من وقع الشجن الذي يولده المنفى، ويعمّق الهوة بين الوطن الذي اقتلع منه الشاعر، والبلد الذي نزح إليه. يقول هيريديا: "لم أر نفسي قطّ، ولا أراها، أقرب إلى الموت مما رأيتها في تلك الأيام المشؤومة، حين اقتنعت بأنني ارتكبت خطأ فادحًا حين غادرت الجزيرة"[18]. من خلال العلاقة المتوترة بالأمكنة نتبيّن التأثير الحاسم للثقافة والانتماء في منظور هيريديا للعالم. إذا كان من الممكن "تعريف المكان على أنه هوياتي وعلائقي وتاريخي، فهذا يعني أن كل مكان لا يمكن وصفه بأنه هوياتي أو علائقي أو تاريخي، يمكن تحديده بأنه لا مكان"[19]. في لغة هيريديا يطرح بقوة هذا السؤال إزاء المكان. فرغم الدفء الذي أشاعه الأصدقاء الذين أحاطوا به في نيويورك بعد أن تمكنوا من الهرب إليها لحظة أن حلّ فرناندو السّابع البرلمان وحكم عليهم بالموت، واحتفلوا معه بعيد ميلاده العشرين، فإنّ هيريديا يشعر بأنه يختنق، ويتساءل ما إذا كان المنفى بهذا القدر من السّوء. إن ما يعمّق الشعور بالضياع والوحدة، هو أيضًا هذه الصورة عن هافانا المدينة الكوبية ذات الروح الخاصّة التي يفتقدها الشاعر، فهي النموذج المثالي الذي تتم على أساسه المقارنة بين المكان الأصل، والأمكنة التي يهرب إليها من أرغم على الرحيل والنزوح. هذه الهافانا التي يخيم على جاداتها الصخب، ويتخاطب أهلها بالكلام، ويتبادلون الصراخ، لا يلمس المنفي نبضها في المدن الأميركية، مثل بوسطن أو نيويورك أو فيلادلفيا، التي رغم الحداثة التي تبدو عليها في مطلع القرن التاسع عشر، فإنها لم تخفّف من قسوة الغربة التي تنشب أظافرها في صدر الشّاعر الذي لا يتوانى عن التفكير في الرحيل إلى المكسيك "طلبًا لإنقاذ حياته وباحثًا عن فضاء لهويته"[20]. هكذا، يتطلع هيريديا إلى مكان يتيح له التواصل بلغات يشعر أنها بمثابة المسكن الأول كالإسبانية والفرنسية، وليس الإنكليزية الوعرة التي ما كانت تستهويه. يقول: "كم يغيظني الآن نسق هذه المدينة الواحد وانتظام شوارعها وتشابه مبانيها، المتداخلة مثل أعشاش الحمام. صرت أحسّ بالضيق الذي يولده تراكم العمل المكرر، وبنفاق البروتستانتية المتحكمة، بينما كان غياب الصراخ في الشارع، والألوان في البيوت، والمحلات التجارية المتداخلة النتنة، وزحمة الناس السوقيين النشطين، يقول لي إن ذلك المكان ليس مكاني"[21]. بهذا المعنى، يكون المنفى ليس هو الحرمان من معانقة أرض الوطن فحسب، وإنما هو أيضًا حرمان من اللغة التي عدّها هايدغر مسكن الكائن.

الملاحظ أن المنفى الذي لم يكن اختياريًا بالنسبة للبطلين، فضلًا عن مسارات خطوط الهروب التي ترسمها الرواية التي من منفذ الشعور بالاقتلاع تغوص عميقًا في كلّ مظاهر الوجود الإنساني كالموت والحب والنهاية والانفتاح على العالم، كل ذلك يلقي الضوء على ضرب من التوتر بين توطيد الصلة من جهة مع مجتمع المنشأ والانتماء الذي اختاره الشاعر وطنًا منذ أيام الشباب: "في ذلك البلد المسحوق والفاسد، الحيوي والكريم، كلّ ما يحتاجه الشاعر من الفتنة ليطلق لإبداعه العنان"[22]، والرغبة، من جهة أخرى، في تكوين أنا جديد يتوخى التعايش والتبادل، لكنه لا يني يجد نفسه أمام الحقيقة المؤلمة: "فجأة تغير كلّ شيء: شعرت بخنجر يغرس في ظهري، وأيقنت في لحظة أنني كنت واهما حين ظننت أن المكسيك هو وطني الجديد، إذ لم يكن ظني ذاك إلا سرابا راح يتبدّد كالدخان من أمام عيني"[23].

تستنطق "رواية حياتي" هذا التجاذب من خلال المواقف العديدة التي يختبرها البطلان خارج الوطن، والتجارب القاسية التي يمرّان بها، خاصّة هيريديا الذي يظهر بمظهر من ألف الوداع الذي ما كان يعرف له نهاية، والرحيل، وترْك علاقات المودة والألفة. ومن ثم يكشف التوتر الذي يتولّد من الشعور بالاغتراب سواء في المنفى أو في الوطن، أن الاغتراب ما عاد يقترن بالمنفى، كما أن الوطن ما عاد هو المرفأ والسكينة، بل تتشابك مسارات التجربة في الموقعين[24]. لذلك لا يعود المنفي إلى الوطن، فحتى لو تحققت إمكانية العودة بالفعل، كما حدث لهيريديا وفيرناندو، فإنه لا يعود لأن الزمان والمكان اللذين يبحث عنهما باتا جزءًا من الماضي الذي يستحيل أن يتحقّق من جديد، وتتعذر إمكانية الاتصال به على أرض الوطن. هذا هو السبب، ربّما، في كون المنفي يشعر دائمًا أنه في غير مكانه أو خارج المكان بسبب ذلك الشّرط الذي من شدة ما هو مثقل بالاستبداد والقسوة ومصادرة الحقوق، بحيث لا يكترث بأولئك الذين يحشرهم ضمن ضحاياه، ويجعل من إمكانية عودتهم أمرًا مستحيلًا. ها هنا يتبيّن القارئ معالم فلسفة محددة يبسط ليوناردو بادورا تصوراتها من منفذ السرد الذي يشخّص العلائق المتوترة التي تشدّ بطلي الرواية لأرض الوطن، وللأمكنة البعيدة التي نزحا إليها تحت تأثير الطغيان والقهر والتسلط الأعمى. من العلاقة بالمكان تتحدّد خصوصية الإنسان بالقياس إلى الموجودات الأخرى. وحده الإنسان الذي يملك الوعي والعقل واللغة، يتميز بالقدرة على إدراك العالم وبناء علاقة معقدة معه، وإضفاء الطابع الموضوعي عليه. لذا، فذاتيته تمكنه ليس فقط من أن يكون في العالم، وإنما أيضًا من أن يتموقع بالضدّ معه. من منظور هذه الفلسفة التي يكمن رهانها في التطلع إلى معان فياضة، وفي بلورة أجوبة ممكنة عن السؤال عن معنى الحياة الإنسانية وغايتها وأهميتها، يتعيّن سؤال العلاقة بالمكان، بالإضافة إلى سؤال المنفى، بوصفهما سؤالين واقعين في صميم التجربة الجمالية المعاصرة، ومتجدّدين لأنهما لا يكفّان عن توليد أسئلة مغايرة تتفاعل مع السياقات المستجدة، والتطورات التي يشهدها فعل الكتابة والإبداع.

على سبيل التركيب

يتبيّن من هذه القراءة أن "رواية حياتي" التي راهن فيها بادورا على سرد قصة جذّابة، تتميز بمجموعة من السّمات تجعل منها مثالا للأدب العالمي، ومن بين هذه السّمات ما يلي:

  • ينهض السرد في الرواية على المذكرات التي ترسم السيرة الذاتية لهيريديا في كوبا، وفي بلاد المهجر التي اضطر للنزوح إليها بسبب سطوة الدكتاتورية الاسبانية. وبما أن المذكرات لا تقتصر على ما له علاقة بالمترجم لذاته وحسب، بل تسجل الوقائع المتعلقة بالعصر الذي عاش فيه والشخصيات السياسية والثقافية التي طبعته، فإن هذا البعد يضفي على الرواية طابع الشهادة عن حقبة بأكملها من تاريخ كوبا.
  • تحتفي الرواية بالماضي، لكنها لا تنظر إليه بوصفه مرحلة طويت وولت، بل تجعل منه الرحم الذي يتولد منه الحاضر بصورة جديدة سعيًا إلى المستقبل الذي لم يحن أوانه. بهذا المعنى يكون هذا النص إسهامًا في إعادة كتابة الذاكرة الكوبية من منظور يزاوج بين الذاكرة المكتسبة التي يتحدث من خلالها هيريديا، والتي هي ثمرة قراءات بادورا عن القرن التاسع عشر، والذاكرة الحية التي يختصّ بها فرناندو ابن القرن العشرين، كما يختلف عن المنظور الرسمي الذي يتسم بالإقصاء والتحيز.
  • تتسم الرواية بالحوارية وتعدّد الأصوات. وليس هذا غريبًا، لأن الرواية هي الجنس الأدبي الذي يعطي لتعدّد الملفوظات قدرًا أكبر من الاهتمام، كما بيّن ذلك ميخائيل باختين. رغم المساحة التي تحظى بها ملفوظات كلّ من هيريديا وفرناندو، فإن الأصوات المتخيلة الأخرى التي تتحرّك في عالم الرواية، سواء في عصر هيريديا، أو في زمن فرناندو، تضيء لغاتها على جوانب مختلفة من الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في كوبا. ومن ثم نرى أن هذه الرواية تؤشر إلى ضرب جديد من أدب الالتزام، بقدر ما يلتصق بالقضايا الأساسية ذات الصلة بالحياة الإنسانية، فإنه لا يضحي بالهوية الجمالية، بل يجعل منها نقطة ارتكاز أساسية لبناء المعرفة بالعالم، وبما لا تطاوله الخطابات الأخرى.

* ناقد من المغرب.
هوامش:

[1] رواية حياتي، ص:49.
[2] لمزيد التوسع: أنظر المقابلة التي أجرتها Radio france مع الكاتب بمناسبة مشاركته في مهرجان الآداب المرتحلة، على الرابط: https://urlz.fr/lnj9
[3] رواية حياتي، ص:217.
[4] رواية حياتي، ص:219.
[5] رواية حياتي، ص:61.
[6] رواية حياتي، ص281.
[7] مونيكا فودرنك: مدخل إلى علم السرد، ترجمة الدكتور باسم صالح حميد، دار الكتب العلمية، بيروت 2012، ص76.
[8] رواية حياتي، ص229.
[9] ريكاردو بيجليا: القارئ الأخير، ترجمة أحمد عبد اللطيف، دار المتوسط، ميلانو 2020، ص84.
[10] رواية حياتي، ص361.
[11] أنظر الحوار الذي أجرته الكاتبة ليسبيت كوتشوموف أرمون Lisbeth Koutchoumoff Arman مع المؤلف على هذا الرابط:  https://urlz.fr/liG2
[12] نغوغي وا ثيونغو: الكتّاب في السياسة: إعادة إشراك قضايا الأدب والمجتمع، ترجمة عهود بنت خميس المخينّي، دار الروافد للنشر، بيروت 2020، ص25.
[13] إدوارد سعيد: تأملات حول المنفى، ترجمة ثائر ديب، دار الآداب، بيروت 2004، ص117.
[14] رواية حياتي، ص15.
[15] رواية حياتي، ص17.
[16] رواية حياتي، ص248.
[17] رواية حياتي، ص317.
[18] رواية حياتي، ص253.
[19] مارك أوجيه: اللاّأمكنة. مدخل إلى أنثربولوجيا الحداثة المفرطة، ترجمة ميساء السيوفي، هيئة البحرين للثقافة والآثار، المنامة 2013، ص89-80.
[20] رواية حياتي، ص281.
[21] رواية حياتي، ص265.
[22] رواية حياتي، ص55.
[23] رواية حياتي، ص313.
[24] ماري تيريز عبد المسيح: منفى الوطن ووطن المنفى: تقاطع المسارات وآفاق المستقبل، ألف: مجلة البلاغة المقارنة، العدد 35، السنة 2015، ص85.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.