}

فيلم "أولاد حريم كريم": في الصراع بين الحنين والنقد

أريج جمال 28 سبتمبر 2023
آراء فيلم "أولاد حريم كريم": في الصراع بين الحنين والنقد
الفيلم يقع في المركز الثالث في قائمة شباك التذاكر!

في الأيام الماضية، أشعلت التصريحات العنيفة للمطرب المصري مصطفى قمر ضد الناقد الفني طارق الشناوي، جدلًا واسعًا في وسائل التواصل الاجتماعي. والاتهامات التي اتخذت طابعًا شخصيًا ساخرًا من الناقد المعروف، جاءت ردًا على ما أدلى به الشناوي من تقييم نقدي لفيلم قمر المعروض حاليًا ضمن موسم أفلام الصيف في مصر "أولاد حريم كريم"، وهو جزء ثان من فيلم قديم عُرض عام 2005، بعنوان "حريم كريم"، ومن المفترض أن أبناء شخصيات الفيلم السابق هُم من يؤدون بطولة هذا العمل الجديد، جنبًا إلى جنب مع أمهاتهم وآبائهم، تحت إشراف المخرج نفسه علي إدريس، وعن سيناريو للكاتبة نفسها زينب عزيز.

ملخص ما قال الشناوي إن "أولاد حريم كريم" يُخاصم سينما هذا العصر، وإن بطله المطرب الذي كان أحد نجوم جيل التسعينيات وبداية الألفية، يحاول من خلاله أن يستعيد وهجًا قديمًا يُثبت الواقع أنه فقده بالفعل، عدا عن حديث الشناوي عن بطلات العمل، التي رأى أنهن "مش مطلوبين قوي"، ما أثار استياء بُشرى، إحدى بطلات هذا العمل، والمُشاركة في إنتاجه، لتخرج هي الأخرى بمنشور، أكثر تهذيبًا، ضد الشناوي الذي لم يلتفت بحسب كلامها إلى المواهب الجديدة في الفيلم، وركز حديثه فقط على الجيل الأقدم.

ولعلّ العنف الذي واجه به مصطفى قمر رأي الناقد الفنيّ يُثير حقًا الاهتمام، بالنظر إلى المنتج النهائي الذي شاهدناه على الشاشة متمثلًا في الفيلم الجديد "أولاد حريم كريم"، وبالنظر إلى مستوى الموسم السينمائي الصيفي الحالي، وبالنظر، وهذا هو الأهم، إلى تفاعل المشاهدين مع المُتاح مشاهدته حاليًا من أفلام في دور العرض السينمائية بغض النظر عن مدى جودة أو سوء مستواها الفني.

سؤال الجِدّة

حين يصدر جزء ثان من فيلم سبق عرضه قبل خمسة عشر عامًا، فمن المنطقي أن نتساءل عن الغرض من إنتاج هذه النسخة الجديدة. وإن التساؤل عن الغرض لا يعني بالضرورة أن على صُناع الأفلام جميعًا أن يمتلكوا أسبابًا قوية أو رسائل سامية، قبل أن يشرعوا في تقديم أفلامهم. تمتلئ السينما المصرية التجارية بأفلام هدفها الوحيد هو التسلية أو الإضحاك. ولا أحد يُنكر أن الكلمة العليا عند شركات الإنتاج هي دائمًا لسينما الكوميديا، أو الملهاة، كما كانت تُسميها اليونان القديمة، وهي سينما خفيفة بطبيعة الحال. لكن الهدف المقصود هنا، هو الفكر، ما هو الفكر الذي تطوّر، أو الذي استُكمل بشكل ما، وحرّض على إنتاج هذا الفيلم، لا سيما أن الجزء الأول لم يحطم شباك التذاكر المصري آن عرضه، كما يحدث مثلًا مع الأفلام الأميركية التي تستنسخ هوليوود أجزاء ثانية وثالثة منها لاستثمار نجاحها التجاري. من جانب آخر، لم تتصدّر النسخة الجديدة من الفيلم بدورها الإيرادات، فالفيلم يقع في المركز الثالث في قائمة شباك التذاكر. وهذا النجاح المتوسط للفيلم، ربما ينتعش شيئًا ما، بعد الجدل الحالي.

كانت عُقدة "حريم كريم" 2005، أن كريم الحُسيني، الذي يلعب دوره مصطفى قمر، يُتهم زورًا من زوجته المحبوبة بالخيانة، وتُخفِق محاولات إثبات براءته أمامها بسبب الظهور المباغت والكوميدي لزميلاته منذ أيام دراسته الجامعية، إذ تجتمع النساء الجميلات على إغواء الشاب الساحر آنذاك، استغلالًا لسوء الفهم بينه وبين زوجته.

إلى جانب قمر، يؤدي أدوار البطولة في الفيلم الجديد: داليا البحيري، بسمة، علا غانم، خالد سرحان، عمرو عبد الجليل وبشرى، إضافة إلى مجموعة من النجوم الشباب منهم تيام مصطفى قمر، رنا رئيس، هنا داود، يوسف عمر، فؤاد عمر، وكريم كريم.

يحمل العنوان "حريم كريم" إشارتين، إحداهما ساخرة من المعنى وهو أن لكريم – يدل الاسم على شاب لطيف وعصري يصعب تصوَّره كسلطان - حريمًا يُعجبن به ويتهافتن عليه ويقبلن أن يصرن حريمًا له، والثانية تؤكد المعنى الأسبق موضع السخرية نفسه، وهو أن لكريم الاستثنائي فعلًا حريمًا يُعجبن به ويتهافتن عليه، حتى ولو كانت الحقيقة السينمائية أنه مهموم حقًا برضى زوجته.

تتضمن هذه الفكرة استفزازًا ما، لأنها تجيء بطبيعة الحال، من مجتمع ذكوري، يُمجّد الرجل الشهريار، أو بمعنى أكثر شمولًا، يُمجد الرجل، ويرفعه درجة عن النساء، وربما عدة درجات، بالأخص إن حبته الطبيعة بنوع من الوسامة، كالشُقرة والعينين الملونتين، وهي من العوامل التي صنعت نجاح مصطفى قمر في فترة التسعينيات.

والجمال ليس سُبة بكل تأكيد، على العكس، لكن في الفيلم أُحيط كريم بسيدات أيضًا جميلات ومُثيرات، وظل هو الذكر الوحيد المرغوب. من المُستغرب أن الجزأين من الفيلم، كتبتهما امرأة هي زينب عزيز. صحيح أنه ليس إجباريًا على كل امرأة أن تكون نسوية، ولا باحثة عن المساواة، لكن ما فات في الماضي بسبب افتراض حُسن نية الطرفين – من صُناع ومُشاهدين – ما زال بحاجة إلى مراجعة، ليس فقط من مقام نسوي أو حقوقي، لكن كذلك من منطلق الجِدّة.

حين يصدر جزء ثان من فيلم سبق عرضه قبل خمسة عشر عامًا، فمن المنطقي أن نتساءل عن الغرض من إنتاج هذه النسخة الجديدة؟


نوستالجيا لزمن مضى

كان صُناع الجزء الجديد من الفيلم، والمُتحمسون لإنتاجه، يعرفون بطبيعة الحال أن نقطة القوة التسويقية للعمل هي حالة النوستالجيا التي يُثيرها، الحنين إلى زمن مضى، يبدو الآن أكثر جمالًا وثراءً، فقط لأنه بعيد عنّا. لكن هؤلاء الصناع أغفلوا ربما أن نقطة القوة هنا، هي نفسها نقطة الضعف.

إن الجمهور الذاهب لمشاهدة الفيلم، أغلبهم بطبيعة الحال مِنْ أجيال يُشكِّل مصطفى قمر كحالة فنية بألبوماته وأفلامه الأقدم قسمًا من ذاكرتهم الفنية؛ مواليد الثمانينيات والتسعينيات. أولئك الذين حضروا 25 يناير 2011، والذين شهدوا بالضرورة التغييرات الاجتماعية والسياسية العنيفة والسريعة، التي غيّرت الأرض والأفق وحتى النجوم في سماء الفن، منذ ذلك الوقت. طاولت هذه التغييرات أيضًا المشهد الفني، والأغنيات، بل وحتى طبيعة وهيئة الفنانين. لم تعد هناك شرائط كاسيت نسعى لشرائها فور صدورها، الأنغام والكلمات وحتى الرقصات مُتاحة بسهولة ومجانًا على يوتيوب. بعض نجوم الغناء وحتى السينما الذين شغلونا كمُراهقين، تراجعوا عن صدارة المشهد، إن لم يكونوا اختفوا كُليًا، مع ذلك هناك مِن بينهم مَنْ يواصلون العمل، ولو من دون هالة النجومية القديمة.

إلى هذا، يبدو الحنين الذي يُثيره "أولاد حريم كريم" حنينًا مزدوجًا. هو حنين المُتفرجين، وهو كذلك حنين النجوم أبناء هذا الماضي البراق، على رأسهم مصطفى قمر، لكن أيضًا معظم ممثلي الجزء الأول باستثناء ياسمين عبد العزيز التي لم تشارك في الفيلم الجديد؛ حنينهم إلى النجومية، إلى نجاحات الشباك، واهتمام الإعلام، والشعور بالتواجد، وكلها مشاعر إنسانية طبيعية، قد يضاعفها هوس "الترند" الذي أكل الأخضر واليابس، وصار بحد ذاته هدفًا لبعض المشاهير، سواء من الفنانين أو غيرهم.

لكن الحنين كشعور أخَّاذ، يتغذى ضمنيًا على موقف رافض للواقع، رافض للحظة الحاضرة، مُفضلًا عليها الماضي، مُضخمًا من مزاياه إلى حد قد تضيع معه ملامحه الحقيقية. وقد يكون هذا هو موقف المُتفرجين اليوم إزاء الحال التي لا تسرّ للسينما التجارية المصرية، مع غياب صُناع السينما الكبار، وتضاؤل هامش الحرية الفكرية ما كرّس بدوره لأفلام "الملهاة" متوسطة المستوى على أفضل تقدير. لكنه على ما يبدو كذلك، موقف لبعض النجوم، الذين يصعب عليهم الرضى بالانزواء، أو الذين يشعرون بالعجز من ملاحقة التحولات الاجتماعية والفنية. ولعلّ مصطفى قمر، يقف إلى جانب هؤلاء، ليس وحده بكل تأكيد، فهذا الموسم شهد أيضًا عودة محمد هنيدي، أحد نجوم موجة المُضحكين الجديدة التي كثيرًا ما تحدَّث عنها وتفاءل بها وهاجمها بضراوة النقاد أواخر التسعينيات. في فيلمه "مرعي البريمو" طغى حنين هنيدي إلى أيام نجوميته الأولى إلى حد استحضر المخرج سعيد حامد شريك نجاحه الكبير في فيلمهما الشهير "صعيدي في الجامعة الأميركية"، لكن من دون أن يقوده هذا الحنين لقبس من أمجاد الزمن الفائت.

وكي لا نبتعد كثيرًا عن "أولاد حريم كريم"، نعود لنسأل هل استحقت التجربة رهانها، على جانب المتفرجين وعلى جانب الفنانين؟

تقييم نقدي

في هذا الجزء الجديد لا يدور الفيلم حول مصطفى قمر ووسامته، وتهافت النساء عليه فحسب، لكن السيناريست زينب عزيز تغزل قصصًا أخرى حول الحياة العاطفية للأجيال الشابة من أبناء جيل المُتيَّمين القدامي، خلق هذا الاختيار بطبيعة الحال نوعًا من الحيوية في الفيلم، وبرغم ضعف بعض هذه القصص أو الخطوط الدرامية، والإقرار بأن بعضها كان أفضل من بعض، فهي تحمل اعترافًا حقيقيًا بمرور الزمن وبانقضاء سالف الأوان.

إن المشهد الأخير في الفيلم، والذي يحكي بالصورة السعادة التي يعيشها الجميع بزفاف فتاة وشاب من أبناء هذا الجيل، السعادة اللطيفة والمُعدية، هي اعتراف آخر بالمستقبل، حتى وإن شاب هذا الاعتراف بعض العناد الطفولي المتمثِّل في التمسك بإظهار كريم الحسيني كرجل لا يُقاوم لصديقات الماضي، وإن كن بعضهن متزوجات أو سيدات مُتحققات مررن بتجارب حياتية تُبدد هذا الانقياد المراهق لحلم الماضي الشهرياري، إذ تصير المرأة مجرد واحدة من حريم كريم، وليست بطلة حقيقية في شريط حياتها.

أن يُحافظ "أولاد حريم كريم" على المركز الثالث في شباك الإيرادات الحالي، برغم ما قد يؤخذ عليه من أسلوب سينمائي يُمكن وصفه بالقديم، لا سيما في الطريقة التي نفذ بها المخرج علي إدريس أغنيات مصطفى قمر، وقد بدت أحيانًا مُقحمة في الفيلم، وفي الفكر الذكوري الذي ما زال ساريًا في الفيلم ويتبدى بوضوح في الخط الدرامي لعلاقة الشخصية التي أدتها داليا البحيري بزوجها الذي يتشكك في سلوكياتها لكنه هو يخونها ويتسامح الفيلم فلسفيًا وفكريًا مع خياناته- أن يُحافظ الفيلم بعد كل ذلك على هذه المكانة، يعني رُبّما أن الجمهور قد أحبّ شيئًا في هذه الخلطة، وإن تحفظ على مكوّنات أخرى بها وأعلن هذا في تعليقات صريحة، على الأقل في الحفل الذي حضرته. ولا يُمكن لهذا النجاح، أن يُرى بمعزل عن تواضع مستوى معظم الأفلام المشاركة في موسم صيف هذا العام السينمائي.

لئن مارس البعض الحنين ومجَّده، فهذا لا ينفي حق الآخرين في رفضه والتشكك في جدواه. أفلا تتسع السينما في النهاية للجميع؟

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.