}

عن نقد الأب في الثقافة العربية

مها حسن 7 سبتمبر 2023
آراء عن نقد الأب في الثقافة العربية
رمضان عبد المعتمد، مصر

أنغام الآن

وضعت أنغام يدها على معضلة كبيرة في علاقة المرأة بالرجال، بسبب خلل علاقتها الأولية مع والدها، حيث صورة الأب لدى الابنة، هي المعادل الذي سيحكم خياراتها العاطفية اللاحقة.

بكلمات بسيطة، دون مصطلحات كبرى، تحدثت أنغام مع الإعلامي أنس بوخش، أنها رأت موقفًا عنيفًا من والدها أثَّر في نفسيتها منذ الصغر، لافتةً إلى أنه اعتدى بالضرب على والدتها أمام عينيها، وقالت بما معناه: "لو كان الأب، هو النموذج الصحيح للأبوة، فإنني كابنة، أخرج مشبعة، شبعانة حب شبعانة دفا شبعانة بنوة.."، وقصدت أنها حين تُشبع حاجاتها العاطفية من والدها، فسوف، حين تكبر، وفي علاقتها مع الرجل،  لن تبحث عن نموذج الحب الذي تتطلبه البنت من والدها، بل سوف تبحث عن مستوى آخر من العاطفة، تلك التي تربط المرأة بالرجل. وتقول: لو ماعنديش "تقصد النموذج السليم للأب".. أي حاجة تيجي تمام. أي أنها بأي رجل يدخل حياتها، لتكملة النقص العاطفي.

أنغام التي سمعتها لأول مرة في أغنية" يا طيب"، وكانت الأغنية تؤثر بي، وترسم لي صورة الأب الطيب، حيث غنتها أنغام مع والدها.

قالت أنغام في حوارها هذا إنها تحاول مسامحة والدها لكنها تعجز عن ذلك، مؤكدةً أنها غير مضطرة إلى الكذب وادعاء مسامحته.

أعتقد شخصيًا أن كلام المطربة أنغام يستحق التوقف، لأن لدينا مشكلة كبيرة في العالم العربي، في التعاطي مع علم النفس وأفكاره المنتشرة والمقبولة في الغرب، مع درجات الحساسية المختلفة في العالم العربي، حول شكل العلاقة الاجتماعية الرائجة، وأثر العادات والتقاليد العربية المختلفة عن أوروبا: معقل النظريات النفسية الحديثة والثورات العلمية وأرض مؤسسي نظريات علم النفس.

محمود سعد سابقًا

أثارت تصريحات الصحافي محمود سعد عن مشاعره صوب أبيه كثير من الانتقادات، لأن العلاقة العائلية وخاصة صورة الأب والأم، في المجتمعات الشرقية، تعتبر مقدسة ومشوبة بكثير من التكتم والكذب والإدعاء.

قال محمود سعد في حسابه في فيسبوك متحدثًا عن والده، الذي لا يحبه، وأوضح سعد بأن هذا الإحساس تولد لديه على كبر: "تربية أمي نجحت ونجحنا في مهنتنا وأخواتي طلعوا ظباط كبار وصورتنا كويسة، ومحدش يحس إن مفيش أب، لكن لحد دلوقتي لما أسمع حد يقول أصل أبويا علمني أو كان بيقولي بضايق، وحصلتلي على كبر، ومكنتش أحس بكده وأنا في الأربعينات".

يبدو أن الصحافي الشهير تأخر حتى استطاع التعبير عن مشاعره، وذلك لأن البيئة العربية عمومًا، لا تقبل هذا النوع من المكاشفات، وكالمتوقع، فإن رد جمهور محمود سعد، في غالبيته، كان الصدمة من تصريحاته ومطالبته بالاعتذار، وأنهم لم يعودوا يحترمونه.

حدة تعليقات القراء في مواقع التواصل على تصريحات الصحافي، تُشعرنا بحجم الترهيب النفسي الذي يمارسه العوام، أعني الرأي العام لشريحة العاديين من البشر، المحافظين، الصارمين، بل والتكفيريين الذهنيين، يصل إلى مستوى التخويف والترهيب، ويساهم في الاستمرار في العيش في بيئة كاذبة، ترفض المكاشفة والشفافية.

تأخذنا تصريحات الصحافي الذي صار على مشارف السبعين، والذي اشتغل في الصحافة، المهنة الأكثر ملامسة للتعبير عن الرأي، والقمع النفسي الجمعي الذي يتعرض له أي صوت مخالف للسياق الاجتماعي المطلوب، إلى تفكيك فعل المكاشفة الذهنية والنفسية في العالم العربي، خاصة وأن أكثر الرهابات والاضطرابات النفسية التي يعانيها البشر، متأتية من مرحلة الطفولة، والعلاقة مع الوالدين، وخصوصًا العلاقة مع الأب، مصدر الكثير من الأمراض النفسية في العالم.

قتل الأب والتعارض الأخلاقي في الموروث العربي  

يتحدث محمد عابد الجابري عن "دفن الأب"، ويقول بأن العالم العربي يعاني من أزمة قيم، وذلك في أحد حواراته، حول العقل الأخلاقي العربي، ويتوقف لدى عبارته التي استخدمها في كتابه "نقد العقل العربي": "لم يقتلوا بعد في أنفسهم أباهم أردشير"، ليشرح معنى أردشير "‘تنطوي على شيء من الرمزية‘، وهو ‘قتل الأب‘ بالمعنى الذي شاع بعد فرويد".

يبدو التعارض جليًا، وفق مقال لفتحي المسكيني، الذي يتساءل: ولكن كيف يمكن قراءة كتاب عن "العقل الأخلاقي العربي" يعتقد مؤلّفه أنّ أفضل تلخيص له هو "قتل الأب"؟ يعني قتل الأب عنده أوّلًا التخلّص من فكرة "الاستبداد الشرقي" بوصفه فكرة "غير إسلامية" بل جاءت إلينا من "الموروث الفارسي الذي يحتل أردشير موقع المرجعية والرمز". ويخلص المسكيني في مقاله إلى أن: "قتل الأب" في الحقيقة ليس مشكلًا متعلّقًا بالاستبداد أو أخلاق الطاعة؛ كما شرح الجابري في مقابلته، بل هو مشكل أخلاقي. ومن السهل صياغة الصعوبة وكأنّها مشكل "سياسي". 

كتب كافكا رائعته "رسالة إلى الوالد" قبل أكثر من مائة عام، ليظهر حجم الألم والمعاناة التي عاشها الطفل فرانس، في ظل أب متسلط مهيمن


عقدة الأب من فرويد إلى الأسد

تحدث عالم النفس الشهير فرويد مطولًا عن عقدة الأب، التي تشير إلى الأفكار المرتبطة بصورة الأب، والتي يحملها أحدنا.

ارتبط المفهوم بداية بالحديث عن علاقات الرجال وكذلك النساء، مع آبائهم، ومشاعر الخوف وانعدام الثقة.

وعقدة الأب، بحسب يونغ أيضًا، يعاني منها الكثير من الأطفال الذكور والإناث، وهي تختلف عن عقدة أوديب، المرتبطة بالحالة الجنسية، ورغبة الطفل في أمه، ومنافسته لأبيه، أو عقدة إلكترا، المعاكسة، حيث رغبة الطفلة في والدها، وغيرتها من أمها.

وهذه العقد ترافق المرء حتى سنوات متأخرة من حياته، إذا لم يشتغل عليها، تؤثر على حياته، وهناك الكثير من الدراسات حول الشخصيات الشهيرة في العالم، والتي كانت نماذج للديكتاتورية وحب السلطة، بسبب غياب الأب العاطفي، وعقدة الأب.

أما في الأدب، فقد راجت نظرية قتل الأب، إذ تحدث فرويد أيضًا، في دراسته "دوستويفسكي وقتل الأب" عن ظاهرة قتل الأب في الأدب، عبر عدة نماذج منها "الأخوة كرامازوف" لدى دوستويفسكي.  

من النماذج الشهيرة في الأدب، يتفوق كافكا، الذي كتب رائعته "رسالة إلى الوالد" قبل أكثر من مائة عام، ليظهر حجم الألم والمعاناة التي عاشها الطفل فرانس، في ظل أب متسلط مهيمن... لنفهم كقراء، أن حالة المسخ التي عاشها بطل كافكا، لم تكن من خيال محض، بل متأتية من علاقة كافكا بأبيه، حيث كان يعامله كحشرة.

يحضرني كذلك مثال سارتر، الذي فقد والده في سن مبكر، وكبر دون أب، الأمر الذي ربما جعله حرًا متخلّصًا من عبء السلطة الأبوية.

في السياسة العربية المعاصرة، والثورات الأخيرة، كان يمكن تجنب الكثير من الدماء التي سالت، خاصة في سورية، لو تمكنت الثقافة من التسرب إلى السياسة، وفصلت النقد عن الأخلاق. أذكر، كالكثير من السوريين، حين وصل بشار الأسد إلى السلطة، بدا حيويًا وقابلًا لتقبل التغيير، وفتح هامشًا صغيرًا للحراك المدني، لم يكن مسموحًا به في حقبة حكم والده، ولكن بشار الأسد سرعان ما بدأ بالتراجع عن صورة الرئيس الشاب القادم من الغرب، وبدأ بإغلاق المنتديات المدنية وباعتقالات للمثقفين والناشطين، ليؤكد بأن أبيه خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه، لينتهي الأمر، حتى اللحظة وهي ليست النهاية، لا بتكرار نموذج أبيه في الحكم، بل بتجاوز قمعية الأب، حالمًا بتوريث الحكم لابنه الصغير، الوريث الأخلاقي للبنية الحاكمة ذاتها، ومدرسة القمع المدعوة بالأبد.

نعم، في سورية التي عشت فيها، كنا ندعوه، بالأب الخالد... وهذا الوصف هو أعلى درجات الاستبداد التي قد تمارس على الأبناء.

لا يُنكر أحدنا بالتأكيد وجود نماذج لآباء ساهموا في صناعة صورة إيجابية للأب، كالعلاقة بين حورس وأبيه أوزريوس، الذي تشوهت عينه في القتال، فأعاد الابن إلى أبيه عينه، ليستعيد بصره. لكن نقد الأب على الأقل، يجب أن تكون حالة مسموحة بها، ومقبولة اجتماعيًا ولا تتعارض مع الأخلاق، ليتمكن الأبناء من النمو، ألم يقل المثل العربي "إن كبر ابنك خاويه"؟ هذه الأخوة، أو الشكل المختلف بين الأب والابن، والذي يكون بين الأخوة، يُبنى على الكثير من المكاشفة والمصارحة، حتى تتقوى العلاقة أكثر، فالنقد يحمي ولا يخرب، وهذا ما تحتاجه مجتمعاتنا: النظرة الجديدة إلى مفهوم النقد.

إحالات:

https://www.youtube.com/watch?v=lP3lmHGDNlk

https://www.aljabriabed.net/n42_01jabri.htm

 https://rb.gy/f9r3o

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.