أولًا، أن عمر الرواية العربية - كان في ذلك الحين - ما يزال في أول الشباب، وبالتالي لم تتكوّن فيها، بشكل كامل وصارم، الأساليب والمدارس بحيث يمكن التصنيف باطمئنان أن هذا كلاسيكي وذاك حداثي... وهكذا.
ثانيًا، أن الرواية العربية ستظلّ بحاجة إلى تراكم وإلى إضافات متعددة ومتنوعة. ولذا فإن المطلوب بقاء مناخ الرواية ديمقراطيًا ومفتوحًا، ما يكفل كتابة روايات جيدة ومتنوعة تبرّر القول بوجود هذا الجنس الأدبي ورسوخه وأيضًا باحتمالاته الإيجابية القادمة. وطبقًا لذلك، فالروائيّ برأيه لا يكبر على جثة آخر، خاصة إذا كان روائيًا مثله أو سابقًا عليه، وربما العكس هو الأكثر صحة، لأن الأول يمهد للآخر، يفتح له الطريق، يساعده في بلورة صيغ وأساليب جديدة، وبهذه الطريقة وحدها يتولد مناخ روائي يؤدي إلى التفاعل وتبادل الخبرات وتطوير الأساليب.
وقد صدر له، عام 1992، كتاب مستوحًى من هذه الرؤية بعنوان "الديمقراطية أولًا... الديمقراطية دائمًا".
وبقي يرى في الديمقراطية حلًا للواقع العربي بشروط هذا الواقع، والتي تحدّدها على الوجه الآتي:
- ليست ذات مفهوم واحد، وهي بالدرجة الأساسية اعتراف بالآخر وبأن الحقيقة ليست ملك أحد بعينه أو لها شكل ثابت ودائم، ولذا لا بد من وجود الآخر ومن مشاركته ومن التطور والتغير تبعًا لتغير الظروف وموازين القوى، وهي عبارة عن تراكم مستمر وعن إضافات يسهم فيها الجميع.
- الديمقراطية طريقة للتعامل تستند إلى المساواة والعقلانية والاحتكام إلى رأي الأغلبية، وهي تحكم النظام والقانون دون تمييز، وهي الحقوق والواجبات بالمقدار نفسه.
- الديمقراطية هي القانون ودولة المؤسسات، أي يجب أن يتمتع الإنسان بحق التعبير والمشاركة والاعتراض ضمن صيغة واضحة ودائمة، وهي حق الإنسان في الرقابة على السلطة وفي تبديلها وفي نقدها، من دون أن يدفع ثمنًا استثنائيًا للرأي الذي يبديه أو الموقف الذي يتخذه.
الثالث، سبب التزامن مع إحياء ذكرى نكبة فلسطين.
ففي ذكرى النكبة الخمسين (1998) كتب منيف شهادة خاصة بعنوان "فلسطين في الذاكرة"، أنهاها بالعبارات التالية:
"إن القضية الفلسطينية لا تعني الفلسطينيين وحدهم، وقد رأينا انعكاس ذلك في كل شبر من الأرض العربية، ومناطق أخرى أيضًا. كما أن هذه القضية لا تعني الأنظمة والجيوش وحدها أو بمفردها، وإنما تعني كل مواطن عربيّ، وهذا يقتضي أن يكون لهذا المواطن رأي وله مشاركة، مما يتطلب الديمقراطية وممارستها فعلًا، وأية حجّة لتأجيل سؤال الديمقراطية مصادرة للحلّ الحقيقيّ. كما أن هذه القضية تتطلّب الدخول إلى العصر في الفكر والتنظيم والممارسة اليومية لأن خصم اليوم لا يُحارب بعقل أو أساليب القرون الوسطى، ولأن شروط المرحلة تختلف عن السابق اختلافًا نوعيًا".
دخل منيف معترك الكتابة الروائية مدفوعًا برؤية كون هذا الجنس الأدبيّ "عبارة عن صيغة من صيغ اكتشاف العالم ومعرفته بشكل أفضل من أجل التعامل معه ضمن قوانينه الحقيقية، وأيضًا لكي نراه دون عمليات تجميل". غير أن هذه الرؤية، التي جاءت رواياته مستبطنة لها عاكسة لملامحها، لم تبقَ مكتفية بذاتها، على ما يمكن أن يستثيره ذلك من تقدير قارّ، وإنما نحت كذلك منحى التأشير إلى الدلالات المضادة داخل ذلك العالم.
وعندما مُنح منيف "جائزة القاهرة للإبداع الروائي" فور إنشائها قيل فيه ضمن براءة لجنة التحكيم إنه "كاتب عربي جمع بين الإبداع والالتزام القومي والإنساني، وحوّل الالتزام إلى قضية فنية، قبل أن تكون شيئًا آخر. وفي وحدة الالتزام والإبداع أعطى نصًّا أدبيًا واسعًا متعدد المرجعيات يتضمن السيرة الفردية والسيرة الجماعية وسيرة المكان الطويل والأمكنة الضيقة والمغتصبة وسيرة الزمن العربي الحديث المنفتح على النور مرة وعلى الظلمات مرات أخرى، وأدرج الحكاية في البنية الروائية وسرد مصائر من غُيّبت مصائرهم، ومزج بين المُتخيّل الطليق والتوثيق التاريخي".