}

مجلة "أنفاس".. الثقافة أفقًا لتجديد الكتابة ومقاومة التحجر

إدريس الخضراوي إدريس الخضراوي 11 نوفمبر 2021

 

إذا استعرضنا القضايا النظرية والنقدية التي أثارها تكوّن الأدب المغربي الحديث في ضوء العلاقة المتوترة بين الثقافة والسّلطة، خلال سنوات الستينيات التي تميّزت، سياسيًا، "ببداية القطيعة بين الحكم والمعارضة المنبثقة عن الحركة الوطنية"[1]، والاقتناع المتزايد لدى المثقف المغربي بالحاجة إلى مشروع ثقافي يقضي بتغيير جذري للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تُرهقُ حياة الشعب، وثقافيًا، باتساع الوعي بأهمية إعادة كتابة تاريخ الآداب العربية، وإعادة تقييم الآداب الوطنية وتوسيع مفهومها من منظور يَستفيدُ من سياق ما بعد الاستعمار في التشديد على أسئلة الالتزام، ودور الكاتب في التعبير عن قضايا المجتمع الساخنة، وعلى العلاقة بين الأدب والمجتمع، إذا استعرضنا هذه القضايا نقول إنها طُرِحت في الستينيات من قبل كتّاب شباب ينتمون إلى جيل جديد هو جيل ما بعد الاستقلال الذي عَمِلَ في هذا السّياق نفسه، فوعى بأنّ "قيمته هي في أن يُدرك حقيقته الخاصّة، أي المسار التاريخي الصاعد، وأن يعبّر عن هذا التصاعد، وينضمّ للقوى المجتمعية المهيأة موضوعيًا لإحداث التغيير"[2]، فهبّ يبذل الجهد من أجل إرساء أسس أدب مغربي جديد يُمثلُ ثورة عاتية على الجمود الذي طبع الأدب التقليدي، كما يؤسّس لمرحلة مختلفة لها مقوماتها الفنية وقواعدها الجمالية، ونظرتها المغايرة للأدب ودوره ووظيفته في المجتمع، وقد استند كتاب هذا الجيل إلى فهم متقدّم بشأن ماهيّة القضايا النقدية والثقافية الرّئيسة التي يَتعيّنُ أن تكون موضع نقاش وتفكير وتأمّل، وفي مقدمتها سُؤالُ الأدب المغربي الذي شأنه شأن الأدب في العالم، يَحتاجُ إلى إعادات نظر دائمة في ضوء الحاضر. ومن بين العلامات الدّالة على هذا الفهم الذي يتعيّن بوصفه انعطافًا، ليس فقط ما كتبه عبد الكبير الخطيبي: "إن الأدب الحقيقي هو استجواب لكل الأدب، ونقد شديد للكتابات السّابقة، وبلورة لأعمال جديدة"[3]، وإنّما أيضًا الرؤية الجديدة للكتابة والفنّ لدى هؤلاء الكتاب والمبدعين الشباب والتي كان من أهمّ مرتكزاتها الاهتمام بالثقافة الوطنية على اعتبار أنّ "تحرير الثقافة الوطنية واستعادة قيمتها الإبداعية وإعادة قراءة التاريخ وتقديم سردية تدمج جميع المكونات الثقافية والاجتماعية، كان يعني أيضًا بناء الهوية المغربية على التعددية واحترام المواطنة"[4].

إذا استعرضنا ذلك كلّه، لوجدنا أن المجلات التي ظهرت في المغرب منذ فترة الستينيات التي اقتضت أن يكون دَورُ هذا الجيل طليعيًا من حيث الدعوة إلى التجديد والتبشير بقيم أدبية جديدة مستفادة من الاطلاع على الآداب الغربية وثقافاتها، مثل "دعوة الحق" (1957)، "مجلة للقصة والمسرح" (1963)، "أقلام" (1964)، (Poésie toute 1964)، (Eaux vives 1965) وsouffles (1966) و lamalif  (1966)، بالإضافة إلى "اتحاد كتاب المغرب" الذي تأسّس بمبادرة من عبد العزيز الحبابي سنة 1961 ومجلته "آفاق" (1963) التي لا تزال تصدر حتى الآن، وكذلك المجلات التي ظهرت لاحقًا وفي طليعتها "الثقافة الجديدة" و"البديل" و"الزمن المغربي"، هذه المجلات التي تعيّنت من العلامات الفارقة ليس فقط بين زمنين سياسيين؛ ما قبل الاستقلال وما بعده، وإنما أيضًا بين زمنين أدبيين؛ ما قبل الأدب المغربي الجديد وما بعده، قد شكلت المنبر المثالي الذي احتضن تلك القضايا وشَجّعَ النّقاش حولها، كما وفّر لها إمكانيات إضفاء الشّرعية والتداول بين مجموعة من المثقفين والمبدعين الذي تقاسموا الوعي بالكتابة على أنها الشّكل المثالي للمقاومة، ولتأكيد المسؤولية الاجتماعية للكاتب.

من هنا قد يَصحّ القول إنّ المجلات المغربية التي أطلّت على ما يَتبلورُ في حقل الأدب العالمي منذ منتصف القرن الماضي من تجارب إبداعية وفنية طليعية، استطاعت أن تنهض بدور محوري في مرحلة ما بعد الاستقلال التي طبعتها تحولات متسارعة، في ما يخصّ إعادة النّظر في المفهوم التقليدي عن الأدب، وفي تكريس الأدب المغربي الجديد بتشجيع ناشئة الشعراء والكتاب بما ينشر في هذه المجلات من إبداعهم، وأيضًا في تأسيس الخطاب النظري عن الأدب، وكيفية قراءته والمتاع النظري والمعرفي الذي في الإمكان استثماره في القراءة والتأويل، بالإضافة إلى بناء الثقافة الوطنية المضادّة من منطلق الوعي بأنّ الإبداع الثقافي يَقعُ في قلب المعركة من أجل تصفية الاستعمار، والتحرّر من عواقبه النفسية والاجتماعية والاقتصادية[5]. وفي دراسة حديثة تكرّست للإضاءة على رهانات المجلات الثقافية المستقلّة في المغرب خلال الستينيات أوْضَحَ الباحث الإسباني Gonzalo Fernández Parrilla أنّ "ميدان الإنتاج الثقافي ظلّ تابعًا للسّلطة خاصّة خلال الحقبة الاستعمارية، وقد لعبت المجلات [المغربية] دورًا فريدًا في التقريب بين الثقافي والسّياسي. وعلى الرّغم من الأهمية التي تكتسيها المجلات الثقافية، فإنّه غالبًا ما تمّ تجاهلها كمصدر أساس في التاريخ الأدبي والثقافي"[6].

أفصحت مجلة "أنفاس"  منذ عددها الأول عن موقفٍ مضاد عبّر عنه الشاعرُ عبد اللطيف اللعبي بالقول إنّ الأدب السائد "يكادُ لا ينجحُ في تلبية حاجتنا إلى أدب يَحملُ ثقل قضايانا الحالية"



1-   تشكيل جماعة "أنفاس"

تأسّست مجلة أنفاس "Souffles" سنة 1966 واستمرّت إلى سنة 1972 حيث توقفت عن الصدور بسبب الأحداث والتوترات السياسية والاجتماعية التي عرفها المغرب خلال السبعينيات. وتعدّ من المنابر الثقافية الجيدة التي ظهرت في العقد الستيني، واكتسبت مَكانةً محترمة بوصفها مجلّة طليعية متعددة الأصوات، ووثيقة ثقافية متميزة بما لها من توجّه ثقافي وأدبي جريء، وبما نهضت به من دورٍ مؤسّس على نظرة ثاقبة وتشخيص دقيق للواقع الثقافي والسّياسي من قبل كتابها، في إرساء رؤية جمالية لأدب مغربي جديد يتصادى مع الأسئلة والقضايا المطروحة في الواقع الاجتماعي، وهي أسئلة، بالرّغم من مُرور أكثر من نصف قرن على مواجهتها، فإنها لا تَزالُ تَتمتّعُ بالرّاهنية كما تدلّ على ذلك مجموعة من الكتابات والنقاشات التي تَتناولُ المسألة الثقافية في المغرب[7]، وَيَتلمّسُ (=الأدب الجديد) في الحداثة التي كانت أمواجها تهبّ على العالم العربي مَكانَهُ المميّز. والحداثة يُمكنُ أن تُفكّر ها هنا بالمعنى الذي يُشيرُ إليه محمد برادة، أي "كأفق لمقاومة التحجّر والانغلاق والماضوية، وكاستشرافٍ لتجديد الكتابة والتفكير وبِنياتِ السّياسة والتنظيم المجتمعي، وكأداة للنقد العقلاني الهادف إلى إقامة توازن بين الدولة والمجتمع المدني"[8].

يكفي أن نتأمّل ما كتبه الباحث المغربي عبد الرحمان طنكول: "لم يخطر ببال أحد حينئذ أن مجموعة من الشعراء والفنانين الشباب، الذين تحلقوا حول مجلة صغيرة كانت مفعمة بالرغبة في إحداث اختراق عميق في هاتين الكتلتين المتجانستين، وفي الوقت نفسه فتح منافذ إلى مسار مختلف في المجال الثقافي إلى إبدالات وطرائق أخرى للتعبير، وممارسات أخرى للقراءة والفعل، وضروب من الاستكشاف للواقعي والخيالي وفقًا للاهتمامات الوطنية والدولية"[9]، كي يتبيّن أن قراءة "أنفاس" تضعنا إزاء لحظة فارقة انتاب فيها الكتاب الشباب إحساس حادّ جارف. وعليه، فهذه المجلّة المناضلة Militante التي بدت من عتبتي الغلاف والعنوان مَفتوحةً على أفق واسع من المعاني والرّموز والدّلالات، وتعيّنت، للوهلة الأولى، بوصفها مجلة الأدب المغاربي، لتغدو لاحقًا، ابتداء من سنة 1969 مجلة ملتزمة ناطقة باسم حركة سياسية ذات خلفية ماركسية لينينية عرفت في الأدبيات السياسية المغربية بحركتي "إلى الأمام" و"23 مارس"، تعدّ، بلا شكّ، من الأعمال الكبرى التي يَستطيعُ المرء أن يتبيّن من القيم الجمالية التي أرهصت بها نصوصها، والقضايا النقدية والنظرية التي أثارتها، فضلًا عن مصيرها المتحرّك، مَسارَ جيل من المثقفين المغاربة في مرحلة كان الكاتب المغربي، كما يقول إبراهيم الخطيب، "مطالبًا بتسييس كتابته، وجعلها تثير بكيفية صريحة المشاكل السياسية ووجهة نظر الرأي العام تجاهها"[10]. ولمّا كانت هذه المجلة قد استطاعت، رغم مرور أكثر من نصف قرن على توقفها، أن ترسّخ القيم الحداثية التي دعت إليها في مجالات الفن والأدب والثقافة بصورة عامّة، فإن الالتقاء بها يكتسي رمزية خاصّة، إذ يَنطبقُ عليها ذلك الوصف الذي خَصَّ به الباحث الجزائري بشير ربّوح النّصوص الكبرى في الثقافات العالمية حينما اعتبر أنها (= النصوص الكبرى) "تحملُ مقدرة لا نهائية على توليد المعاني والدلالات، وتَستطيعُ أن تَطْرحَ أسئلةً جديدةً على ذاتها وعلى قارئها وشارحها، ويُمكنُ أن تُحدث مُنعطفًا في الفكر، فهيّ حمّالةُ بُذور الثورة والتغيير، وتُشكّلُ مرآة بالنّسبة للعقول التي تدّعي أنها امتلكت الحقيقة وأدركت معنى اليقين، فهي تُحدثُ فينا خلخلة في الأفكار التي غدت يقينيات لأننا استسلمنا إلى الكسل، واستمرأنا ما كان مُتحكّمًا ومُتداولًا في سقف عصرنا الفكري"[11].

بالنّظر إلى الأهمية التي انطوت عليها مجلة "أنفاس" - بغضّ النّظر عن توتراتها الداخلية العديدة- في تاريخ الأدب المغربي الحديث، من حيث الإسهام الإيجابي في تحرير الكتابة من قُيود التقليد والجمود، والاحتفاء بالمعاني المبتكرة التي تبذر التشكك في القيم الثابتة المستقرة في مسعى للانفلات منها، فقد أفصحت منذ عددها الأول عن موقفٍ مضاد عبّر عنه الشاعرُ عبد اللطيف اللعبي بالقول إنّ الأدب السائد "يكادُ لا ينجحُ في تلبية حاجتنا إلى أدب يَحملُ ثقل قضايانا الحالية، ومشاكلنا الجديدة تمامًا، في مواجهة الفوضى والثورات الجامحة التي تجتاحنا"[12]، وأيضًا في النّضال من أجل مشروع مجتمعي بديل، وهذا ما ألمحت إليه الباحثة كنزة صفريوي عندما كتبت: "لقد اتخذ كتّاب "أنفاس" مواقف مُختلفة من موضوع الالتزام السياسي. لكنهم كانوا يُدافعون عن المشروع المُجتمعي نفسه. مشروع تقدمي، معارض لمشروع السُّلطة. وسواء أكان ذلك من خلال الانشغالات الفنية التي عبروا عنها، أو فيما بعد من خلال المواقف المتشددة التي تبناها بعضهم، فإنهم رسموا في المجلّة ملامح مغرب آخر"[13]. وما نُلاحظهُ هو أنّ البصمة العميقة والمستمرّة للمجلّة على الإبداع المغربي والمغاربي، والدينامية التي أحدثتها في الحقل الثقافي، لا تَتَلاءمُ والأعمال القليلة التي كتبت عنها، أو تناولت الأسس الفكرية والإستطيقية التي انطلقت منها، في مسعى للكشفِ عن الأثر الذي حفرته في جسد الإبداع الثقافي المغربي من منظورٍ حداثي بدا فيه مفهوم الأدب، بوصفه مُكونًا من مُكونات الثقافة الوطنية، مُختلفًا أشدّ ما يَكونُ الاختلاف من حيث مصادره الجمالية، ومن حيث قدرته على الامتزاج بمغامرة الإنسان ومصيره والعالم الذي يتحرّك فيه، ليس فقط عن المفهوم المستمدّ من التقليد، وإنّما أيضًا عن المفهوم الذي كان متداولًا في الإبداع العربي الحديث، وكانت الكتابة الواقعية تُمثلُ نقطته المرجعية الأبرز[14].

لقد أجاد محمد برادة في بيان التأثير الذي أحدثته مجلة "أنفاس" Souffles عندما كتب: "استفاد أصدقاؤنا وزملاؤنا الكتاب بالفرنسية من اتصالاتهم المباشرة بما كان يتحقق في الأدب، وخاصة الأدب الفرنسي: الحركة السوريالية، الكتابة المبتكرة منذ بداية القرن العشرين"[15]. ويُضيفُ برادة: "على أي حال، وهذه في رأيي نقطة أساسية، كان هناك اختلاف في الوضع والموقف بين أولئك الذين عبروا بالفرنسية ومن يكتبون بالعربية. كان الكتاب بالعربية أكثر ارتباطًا بتأثيرات المشرق. قرأوا النصوص المترجمة، وخاصة جان بول سارتر، سيمون دي بوفوار، ألبير كامو، أندريه جيد... لكنهم ظلوا أكثر ارتباطًا بالسّياق الاجتماعي والسّياسي. من هنا ميلهم إلى تبني أسلوب الواقعية والواقعية الجديدة. بينما اختبر أصدقاؤنا هذا الأمر بشكل مختلف كانوا أكثر ميلًا نحو التجديد خارج الإطار الواقعي"[16].

وبما أن مجلة "Souffles" جعلت من اللغة الفرنسية، اللغة التي اختارها مجموعة من الكتاب والشعراء المغاربة للتعبير عن رؤيتهم الفنية والفكرية لواقع جديد يتخلّص من رواسب الحقبة الاستعمارية ويتحرّر من قيودها، قبل أن تَخوضَ في مرحلة لاحقة تجربة جديدة تمثلت في نشر المجلة باللغتين الفرنسية والعربية وبافتتاحيتين مختلفين، فقد مكنهم هذا الاختيار، في البداية، من الاطلاع على التجارب الإبداعية الطليعية سواء المكتوبة باللغة الفرنسية أو المترجمة إليها، وهذا ما تجسّد بقوة في هيئتها التحريرية التي ضمّت مجموعة من المبدعين ذوي المواهب الإبداعية الثرة الغزيرة الرؤى والأحلام، القادمين من حقول مختلفة كالأدب والسينما والفن التشكيلي، مما ينمّ عن تصور جديد للأدب يتجاوز حدود المادة الأولى فيه أي اللغة. وحالما يَتأملُ المرء النصوص والأعمال المنشورة منذ العدد الأول الذي ظهر في آذار/ مارس 1966، سوف يَتبيّنُ من غير مشقّة أن تحولًا أكثر قوة واتساعًا كان يتشكّل ليس على مستوى تصور هذه الحركة للأدب من حيث أن دوره محوري وحاسم في التعبير والكشف والتعرية وحسب، وإنّما أيضًا على مستوى المقترح الجمالي الذي يُولدُ من رحم نصوص وأعمال إبداعية تنطوي على أسرار من الجمال وقوة الكشف والتطلع إلى المجد الأدبي، مما يُضيءُ على شعور كُتابها وهم يتأملون التجارب الإبداعية الكبرى في الثقافات الإنسانية بالحاجة إلى كتابة جديدة جامعة تتخطّى الحدود والمواضعات الأجناسية التقليدية، وترسّخ الأدب بوصفه عملًا فنيًا أهمّ ما يميّزه "خصوصيته، تفرّده، تجسّده، ولكن ليس في ذلك شيء سحري أو ديني أو يتعذّر على الفهم. إنه متصل بكليّة الإنسان وبالتاريخ موضوعيًا وذاتيًا"[17].

علينا أن نُسجّلَ بأنّ الوعي المتزايد بضرورة تأسيس أدب مغربي جديد مسألة أعمق وأوسع من أن تفهم من زاوية الربط بين تاريخ الأدب والواقع السياسي، لأن البنيات التحديثية كما يقول محمد بنيس[18] لم يكن المغرب قبل الاستقلال يفتقدها، ولم يأت الاستقلال بما يغيرها، بل ما أسهم، برأيه، في تغييرها هو "اتحاد كتاب المغرب العربي" سنة 1961 ومجلته "آفاق" (1963). لقد شكّل الوعي بالتجديد أيضًا هاجسًا لدى مجموعة من الكتاب المغاربة الشباب الذين يكتبون بالعربية، ويكفي ها هنا قراءة مجلتي "مجلة للقصة والمسرح"، و"أقلام" اللتين تأسّستا قبل "Souffles"، كي يتبدّى للمرء السعي الجاد نحو كتابة جديدة مُلتزمة تتبلورُ في ارتباط وثيق بهموم ومشاكل الناس.

من أهمّ الأعمال النقدية التي تناولت بالدرس والبحث مشروع مجلة "أنفاس" Souffles، ومساراتها  دراسة الباحثة المغربية كنزة صفريوي 



2.   
كنزة صفريوي قارئة مجلة "أنفاس"

من أهمّ الأعمال النقدية التي تناولت بالدرس والبحث مشروع مجلة "أنفاس" Souffles، ومساراتها، والاستقبال الذي حظيت به داخل المغرب وفي العالم العربي، وأيضًا في أوروبا وأفريقيا وأميركا وآسيا، من منظور يُركّزُ على حركة الأفكار والإبداع الثقافي في علاقتهما بالصّراعات السّياسية التي كانت جارية في تلك الفترة، دراسة الباحثة المغربية كنزة صفريوي بعنوان: La revue Souffle 1966-1973 Espoirs de révolution culturelle au Maroc  (مجلة أنفاس: آمال ثورة ثقافية بالمغرب) والتي يجدُ فيها القارئ عرضًا مكثفًا، وبسطًا لمادة تاريخية غزيرة تلقي ضوءًا كثيفًا على هذه الحركة الإبداعية والثقافية، والسّياق السياسي والثقافي والاجتماعي الذي تشكّلت فيه، والأهداف التي سعت إلى تحقيقها. ويعدّ هذا الكتاب الذي يتميز بالقيمة التوثيقية والرؤية النقدية المتبصّرة، في الأصل أطروحة جامعية تكرست لمجلة "أنفاس"، وقدمتها الباحثة لنيل الدكتوراه في الأدب المقارن من الجامعة الفرنسية، لكنّ تزامن صدور الكتاب في طبعته الأولى سنة 2012 مع الاحتفالية التي نظمتها مؤسّسة اللعبي للثقافة بمرور 50 سنة على صدور العدد الأول في مارس 1966، أعطى هذه الدّراسة قيمة مضاعفة، سيّما وأن صاحبتها، وهي إعلامية وناقدة أدبية، تمكّنت من الاطلاع على أرشيف واسع وغني يتعلّقُ بمغرب ما بعد الاستقلال، ما أتاح لها أن تضيء على جوانب مختلفة من اهتمامات هذه الحركة الثقافية غير المسبوقة في المغرب المعاصر، وأن تُقدّم سردية ضافية لما شكّل مغامرة "أنفاس" الثقافية والإنسانية[19] على حدّ تعبير مديرها المسؤول الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي.

من هذه الزّاوية، نَعتقدُ أنّ قراءة العمل النقدي والثقافي الجادّ الذي أنجزته الباحثة صفريوي والذي جاء في قسمين تناول أولهما تاريخ حركة Souffles، بينما تكرّس الثاني لـ Souffles بوصفها مشروع مقاومة، إضافة لمقدّمة وخاتمة مطولة وحوارات مع أبرز مُؤسّسي المجموعة وكتابها، بعد التحولات التي عرفها الأدب المغربي الجديد منذ تبلوره خلال فترة ما قبل الستينيات بقليل، والجماليات التي تفاعل معها أو تشرّب من معينها ما أكسبه نغمة جديدة قيل الكثير في مديحها، يُتيحُ لنا، في هذا الزّمن المختلف الذي هو زمن العولمة، الاقتراب من المناخ السّياسي والثقافي الذي تحرّك فيه جيلٌ من المبدعين المغاربة الشباب من طراز عبد اللطيف اللعبي، محمد خير الدين، مصطفى النيسابوري، الطاهر بنجلون، محمد برادة، أحمد المجاطي، عبد الكبير الخطيبي، عبد الجبار السحيمي، إبراهيم الخطيب، محمد العربي المساري، محمد شبعة، محمد مليحي...، الذين اعتبروا في الواقع "أن المغرب المستقلّ يَجبُ أن يخضع للسؤال والتحديث، ولذا سيكون من الضروري من أجل القيام بذلك البدء بعملية تطهير واسعة"[20]، لذلك لم يكتفُوا، متأثرين بقراءة سارتر وفانون وإيمي سيزار وغرامشي، بالمحاجة ضدّ الانحباس الذي شهده المغرب بعد الاستقلال، أو الذهاب بعيدًا في الكتابة عن الواقع ومُواجهة أقفاص السّلفية والسّلطوية التي كان من نتائجها حسب عبد الله العروي أن "حُبسنَا في دائرة مغلقة وانحصر فعلنا في إعادة إنتاج الموروث، وبتنا عاجزين عن تحقيق النقلة المرجوة"[21]، وإنما تنبّهوا أيضًا من خلال تحليلاتهم إلى الدّور الطليعي للثقافة الوطنية في المعركة من أجل البناء الديمقراطي، وأيضًا من أجل الحرية والكرامة، لأنّ الثقافة منظورٌ إليها بوصفها "إسمنت الدولة- الأمّة"، لا يَنحصرُ تأثيرها في عالم الأفكار، بل يمتدّ بقوة إلى ميدان الحياة العملية.

لعلّ ما يلفت الانتباه أيضًا لهذه الحركة الثقافية، هو هذا اليقين الذاتي الذي يتحدّث به فريق المجلّة عن القيمة النقدية للثقافة. لقد ألحّوا، وهم قرّاء جيّدون لعمل فانون، على أنّ المهمّة الرئيسة للكاتب بوصفه مثقفًا، تَكمنُ أساسًا في المقاومة التي ليست، في واحد من أبعادها الرئيسة، سوى الإصغاء لنبض الواقع الاجتماعي، والتعبير عن التعددية الصوتية التي تَحملُ في صميمها هموم الناس ومشاغلهم في الحياة اليومية. ولا بأس من التذكير بأنّ أبعاد مجلة Souffles لا يُمكنُ إدراكها دون استحضار سارتر وفانون وإيمي سيزار وغرامشي وجيد وأندريه مالرو.. الذين تنطوي كتاباتهم على نمط من التفكير الثاقب الذي يحوّل الأفكار إلى أداة رئيسة للمقاومة، ذلك أن هذه المجلّة هي حلقة ضمن مشروع ثقافي طموح كان يتطلّعُ إلى التأثير في ثقافات العالم الثالث، خاصّة المجتمعات التي تُكافحُ ضدّ القهر والاستبداد، وتتطلّع إلى أن تنعم بالحرية، وذلك من خلال إعادة بناء مفهوم الثقافة الوطنية على أساس أن الثقافة محرّك أساس لدينامية التخلّص من الاستعمار، فهي التي تُبلورُ الوعي الشعبي وتُوجّهُهُ. ولقد كان المغرب حديث العهد بالاستقلال بحاجة إلى تعيين ذاتي ليس فقط بعيدًا عن الهيمنة الاستعمارية التي اتخذت أشكالًا جديدة، وإنما أيضًا بعيدًا عن الفهم المنغلق للتراث. وهذا ما ألمع إليه دانييل ريفي عندما قال: "الاستقلال الحقيقي لا الصوري يعني بالدّرجة الأولى تحرير الفرد المغربي من القهر، من استبداد حكام المخزن، ومن الاستغلال الطبقي، أكان من طرف المغاربة، أو الفرنسيين. ومعروف أنّ الأول أقسى وأفظع من الثاني"[22].

كتب عبد الرحمان طنكول: تحلق مجموعة من الشعراء والفنانين الشباب حول مجلة صغيرة كانت مفعمة بالرغبة في إحداث اختراق عميق 


استهلت كنزة صفريوي كتابها بسؤال مركزي: لماذا نقرأ مجلة أنفاس اليوم؟ ومن أجل بناء جواب ملائم، استدعت الناقدة مجموعة من الأفكار والمعطيات النقدية والتاريخية المستمدّة من أرشيف واسع يرتبط أشدّ ما يكون الارتباط بالمجلّة وتاريخها، والسياق الذي اشتغل فيه محرّروها وكتابها. ويُمكنُ أن نتبيّن من خلال الفهرس الببليوغرافي أن المادّة العلمية التي تمكنت الباحثة من الاطلاع عليها والاستفادة منها تَنتظمُ ضمن اهتمامات وانشغالات واسعة ذات قيمة نظرية ومنهجية ليس فقط بالنسبة لهذه الدراسة، وإنما أيضًا بالنسبة لدراسة الواقع السياسي والاجتماعي للمغرب في تلك المرحلة. ومن أجل استخلاص فكرة واضحة عن العمل التركيبي المميز الذي نهضت به الباحثة، في الإمكان إدراج هذه المادّة المرجعية الواسعة ضمن عناوين ثلاثة: أولها يتضمّنُ الأعمال التي شكّلت مرجعية رئيسة لمجلّة Souffles، وأغلبها يندرجُ في سياق اهتمامات ما بات يُعرفُ بحقل دراسات ما بعد الكولونيالية الذي يعرّفه بيل أشكروفت على أنه ذلك المشروع الذي "يشمل كل ثقافة تأثرت بالعملية الإمبريالية منذ اللحظة الكولونيالية حتى يومنا الحالي"[23]، وفي هذا السياق تندرج أعمال كل من إيمي سيزار، فرانس فانون، ألبير ميمي، سارتر، وأيضًا الدراسات حول تاريخ المغرب، والسياق السياسي المغربي، والشّهادات حول المرحلة التي برزت فيها مجلّة "أنفاس"، فضلًا عن الدراسات بخصوص القومية العربية والعالم الثالث والاشتراكية. أما الثاني فيشملُ الأعمال التي تَندرجُ ضمن ميدان النظرية الأدبية، ويستوعبُ هذا العنوانُ الدراسات العامة والدراسات حول الأدب العربي، والدراسات حول مجلّة "أنفاس" وكتابها، والدراسات حول الأدب الكولونيالي في المغرب، والدراسات حول الأدب المغاربي باللغة الفرنسية، فضلًا عن الأعمال حول السينما والفنّ التشكيلي. أما العنوان الثالث فيضمّ الأعمال السوسيولوجية والأنثربولوجية، وهي أيضًا أعمال متشعبة بحيث تغطي اهتمامات واسعة كالوضعية اللغوية، ومفهوم الثقافة، والثقافة المغربية ومفاهيم الأمّة والهوية والتقليد والتراث والمتخيّل الجماعي. وعليه، يُمكنُ القول إن هذه الدّراسة الموثقة والمدعومة بترسانة نظرية ملائمة ومتماسكة، تعدّ من الأعمال القليلة غير المسبوقة في النقد الثقافي المقارن الذي يتناولُ مجلّة قيل في مديحها الكثير، وإن لم تسلم من النقد، خاصة منذ سنة 1969 وهي المرحلة، المنعطف في تاريخ المجلّة حيث توارى الهاجس الثقافي والأدبي لصالح الالتزام السياسي أو الأيديولوجي وهو ما بدا جليًا من الأسماء الجديدة التي أثثت مشهدها من حركتي إلى الإمام و23 مارس.

من المؤكّد أنّ تتبع المجهود النقدي الرّصين الذي بذلته الباحثة للإجابة عن السّؤال المنطلق، يجعلنا نتلمسُ أكثر من علامة تعطي لقراءة صفريوي المشروعية والقيمة النظرية والثقافية، خاصّة عندما يتعلّق الأمر بمجلة ثقافية وأدبية مختلفة، أصرّت على أن تَجعلَ من العمل على اللغة، ومن الاهتمام بالكتابة ومختبرها وعملية تجديدها، وكذلك من البعد الشفوي الذي تجسّده الثقافة الشعبية، أحد الرهانات الكبرى التي يتعيّن على المثقف المغربي أن يكسبها. وعليه، في الإمكان أن نتبيّن من النظرة الثاقبة لهذه الباحثة أن "Souffles" لم تكن مجرّد مجلّة للأدب المغاربي، وإنّما كانت تعبيرًا قويًا عن مشروع ثقافي متكامل، من أهمّ عناوينه تحرير العقل المغربي من رواسب الهيمنة الاستعمارية، وإعادة بناء الهوية الوطنية المتأصّلة في تنوع وتعدّد مكوناتها، وإدماج الإبداع الأدبي والثقافي في المغامرة الحداثية. ومن العلامات الدّالة على فرادة الأسلوب الذي تميزت به المجلّة، بحسب الباحثة، أن فريقها الذي تكوّن من الشعراء عبد اللطيف اللعبي ومصطفى النيسابوري ومحمد خير الدّين، ومن فنانين تشكيليين أمثال محمد شبعة ومحمد مليحي وفريد بلكاهية، أعطى نفسه منذ البداية اسم "مجموعة أنفاس" Groupe de Souffles ما مثّل أقوى دليل على التمسك بفكرة المشروع، والتشديد على الاختلاف والتميز عن المشاريع الأخرى. لقد حملت المجلّة التي شكّلت أيضًا منبرًا لحركة سياسية طليعية خاصّة بعد سنة 1969، قيما ثورية، ذلك أنها نادت بمواطنة حقيقية وكاملة بحيث لا تضمنُ فقط الحق في الحرية، وإنما أيضًا حقّ الشعب في التعليم والثقافة والذاكرة. وعندما يضعُ المرء هذا المشروع الثقافي الذي نذر له مؤسسو المجلّة فترة مهمّة من حياتهم، في سياق العقد الستيني مغاربيًا وأفريقيًا وعالميًا حيث كان مثقفو العالم الثالث يخوضون معارك عاتية ضدّ الاستبداد والقهر، وضدّ الهيمنة الرأسمالية، سوف يتبيّنُ لماذا شكّل ظهور هذه المجلّة لحظة فارقة في الفكر والإبداع الثقافي المغربي. إن قراءة متبصّرة للأفكار التي بلورتها المجلّة حول الثقافة الشعبية والهوية والانتماء والقومية وإعادة قراءة التاريخ، في ضوء مجموعة من المفاهيم النقدية المعاصرة حول السّرد والأمة التي تَتَخللُ أعمال مجموعة واسعة من مفكري ما بعد الكولونيالية من طراز إدوارد سعيد، هومي بابا، فريديرك جيمسون ونيكولا بانصيل وآخرين ممن يشدّدون على الهجنة حيث الإفصاح عن ضروب الاختلاف، وتفاعل الخاص والعام، الذاتي والجماعي، الواقعي والخيالي[24]، تفضي لا محالة إلى تلمّس ذلك الضرب من الجدّة التي اتسم بها مشروع المجلّة، والتي يبدو معها ما لهذه المفاهيم من أبعاد دنيوية تتأبّى على أيّ منظور ذي طبيعية ناجزة أو نهائية.


كتب محمد برادة عن بيان التأثير الذي أحدثته "أنفاس": "استفاد أصدقاؤنا الكتاب بالفرنسية من اتصالاتهم المباشرة بما كان يتحقق في الأدب، وخاصة الأدب الفرنسي"



3.   
تركيب

مرّ أكثر من نصف قرن على ظهور أنفاس "Souffles"، تلك المجلة التي احتضنت أسماء كبرى في الأدب المغربي الحديث من طراز محمد خير الدين وأحمد بوعناني وعبد الكبير الخطيبي والطاهر بن جلون ومحمد برادة، وبُذِلَ في صياغتها جهد مُضنٍ، وأثارت من النقاش والجدل حول الثقافة والأدب والالتزام والأيديولوجيا ما يُمكنُ وصفه بأنّه بعيد عمّا هو متوقّع أو معروف في الفضاء الثقافي المغربي والمغاربي، لكنّنا عندما نُمعنُ النّظر في قراءة كنزة صفريوي لمشروعها الثقافي والمجتمعي الذي دافعت عنه بصلابة استثنائية، أو في ما كتب عن المجلّة، نَجدُ أن "أنفاس" التي دخلت منذ 2010 بانتيوم التراث الثقافي المغربي، هيّ أكثر من نافذة على الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية. وليس هذا فقط لأن فريقها امتلك نظرة ثاقبة عن الثقافة الوطنية، تلك النّظرة التي تأسّست على فكرة كون الثقافة سياسية (La culture est politique)، وأن "الثقافة المستقلة حقًا لا تعطي إحساسًا بالانتماء فحسب، بل تَمنحُ أيضًا الشعور بالتماسك والانسجام"[25]، وهي الفكرة التي تقاسمها كلّ المشاركين في المجلّة، وبلوروها من خلال النصوص والمقالات التي كانت تُنشرُ فيها، وإنما أيضًا من خلال المشروع المجتمعي الذي دافعت عنه وناضلت من أجل ترسيخه، وهو مشروع تَقعُ الحداثة في صميمه.

لقد أراد مؤسّسو "أنفاس" تحطيم المرايا التي رأوا أنّ الإنسان المغربي محبوس في داخلها، ولهذا شكّلت الحداثة والصراع من أجلها رهانًا أساسيًا بالنسبة لهم، فلم يروا في المواقف المضادّة للحداثة شيئًا آخر غير مؤامرة خطرة يقوم بها أناس يقفون ضدّ الحرية والاستنارة، وضدّ الأفكار التقدّمية من كل نوع. هذا ما يُمكنُ أن يستشفّه المرء من انفتاح المجلّة على مختلف الأشكال التعبيرية والفنية كالأدب والمسرح والفن التشكيلي والسينما، والثقافة الشعبية. هذا التوجّه الذي نافحت عليه المجلة هو الذي نبّه عليه عبد الرحمان طنكول في تقديمه كتاب "فصل متوهج: أنفاس بعد 50 سنة" عندما كتب: "العودة المتعدّدة لـ "أنفاس"، من هذا المنظور، هي الإمكانات المختلفة لفهم كيف أن المجلّة تواصل العودة إلينا في أشكال وحقائق جديدة. لأنه، بعيدًا عن التقييم النقدي، مهما كان مفيدًا وضروريًا، سيكون من الأهمّ التساؤل عن السيرورة التي تعيشها المجلة، كما تَحملُها أنفاس أخرى لا يُمكنُ أن تخنقها أي رقابة أو حد"[26]. لنقل، إن ما تميّزت به هذه المجلّة التي ولدت بعد تعاون وحوار مثمر بين مجموعة من المثقفين المغاربة الشباب، شعراء وفنانين تشكيليين، هو أنها اندرجت منذ تأسيسها في سياق دينامية تحرّر المغرب كدولة مستقلّة منذ سنة 1956. ولما كانت "الحقبة الاستعمارية التي حملت المثل العليا العصرية، قد جعلت علاقة السّكان الأصليين بالحداثة تنطوي على مشكلات معقدة. فالعنف والحداثة في هذه المرحلة كانا مترابطين"[27]، فإن الوعي بهذا التوتر كان يعني بالنسبة للعديد من الكتاب والمثقفين المغاربة البحث عن أفق آخر للكتابة تتعيّن فيه أكثر من مجرّد اختزال لغناها في الـ "ردّ بالكتابة". إنها التزام ومغامرة وبحث عن الحرية، ما يجعل من الكتابة فضاء للنطق والإفصاح يختزن من العلامات والرؤى ما يتيح للذات أن تتحرر من الهيمنة التي لطالما أمعنت في حرمانها من أن تُمثّلَ نفسها، وأن تعي وضعيتها ودورها في الحياة.

*كاتب من المغرب.

 

هوامش:             

[1] - خديجة صبّار، الحداثة في المشروع الفكري لعبد الله العروي، المركز الثقافي للكتاب، بيروت 2017، ص75.

[2] - محمد برادة، الجيل الموتور، مجلة أنفاس، العدد 10-11، السنة 3، الدورة 2-3، 1968، ص4.

[3] - Abdelkabir Khatibi, avant-propos, Souffles, numéro double 10-11, 1986, p4.

[4] - Kenza Sefrioui, La revue Souffle 1966-1973 Espoirs de révolution culturelle au Maroc, Préface de Abdellatif Laabi, Editions Sirocco, Casablanca 2014, p.

[5] - أنظر كتابنا: الكتابة النقدية عند محمد برادة المرجعية والخطاب، دار أفريقيا الشرق، الدار البيضاء 2020، ص231.

[6] - Gonzalo Fernández Parrilla, The Challenge of Moroccan Cultural Journals of the 1960s, In, Journal of Arabic Literature 45 (2014), p.106.

[7] - لمزيد التوسّع أنظر الملف بعنوان: أي دور للثقافة في النموذج التنموي؟، في: مجلة الربيع: مركز محمد بنسعيد أيت إيدر للأبحاث والدراسات، العدد 10، السنة السادسة، 2020.

[8] - محمد برادة، تحولات مفهوم الالتزام في الأدب العربي، مجلة نزوى، العدد 25، يناير 2001، ص20.

[9] - Abderrahman Tenkoul, Souffles : naissance et dissidence, In, Une saison ardente Souffles 50 ans après, Editions du Sirocco, 2016, p.125.

[10] - إبراهيم الخطيب، الرواية المغربية المكتوبة بالعربية الرغبة والتاريخ، مجلة أقلام، العدد 4، فبراير 1977، ص4-5.

[11] - بشير ربّوح، المساءلة النقدية لمفهوم الميتافيزيقا في فضاء اللغة عند مارتن هايدغر، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، سلسلة أطروحات الدكتوراه، بيروت 2020، ص11.

[12] - عبد اللطيف اللعبي، في: كنزة صفريوي، المرجع السابق، ص43.

[13] - Kenza Sefrioui, La revue Souffle, Op, Cit, p.139.

[14] . أنجز الأستاذ عبد الرحمان طنكول سنة 1981 بحثا أكاديميا تناول أثر مجلة أنفاس في الثقافة والأدب المغربي، وهو أطروحة لنيل دكتوراه السلك الثالث من جامعة إكس أون بروفونس بعنوان: الحركة الشعرية والفكرية لأنفاس، أشرف عليها الأستاذان أنطون رايبو وجون رايمون.

[15] - Mohamed Berrada, in, Kenza Safrioui, La revue Souffle 1966-1973 Espoirs de révolution culturelle au Maroc, op, cit, p.306.

[16] - ibid, p.306.

[17] - إدوارد سعيد، بين الصّدفة والحتمية كتاب الإستطيقا للوكاتش، في: تأملات حول المنفى 2، ترجمة محمد عصفور، دار الآداب، بيروت 2020، ص51-52.

[18] . محمد بنيس، الشعر في زمن اللاشعر، دار توبقال، الدار البيضاء 2016، ص115.

[19] - Abdellatif Laabi , in La revue Souffle 1966-1973 Espoirs de révolution culturelle au Maroc,op, cit, p.7.

[20] - Lahcen Mouzouni, Le roman marocain de langue française, Editons Publisud, Paris 1987, p.11.

[21] - عبد الله العروي، في: خديجة صبّار، الحداثة في المشروع الفكري لعبد الله العروي، م م، ص67.

[22] - دانييل ريفي، في: الحداثة في المشروع الفكري لعبد الله العروي، ص75.

[23] - بيل أشكروفت- غاريث غريفيت- هيلين تيفن، الرّدّ بالكتابة. النظرية والتطبيق في آداب المستعمرات القديمة، ترجمة شهرت العالم، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2006)، ص16.

[24] - Homi K Bhabha, Les lieux de la culture, Une théorie postcoloniale, Traduit de l’anglais par Françoise Bouillot, Editions Petite Payot, Paris 2019, p.255.

[25] - Kenza Safrioui, La revue Souffle, p.147.

[26] - Abderrahman Tenkoul, Prologue, In Une saison ardente Souffles 50 ans après, Editions du Sirocco, 2016, p.16.

[27] - Khalid Zekri, Modernités arabes De la modernité à la mondialisation, Editions La croisé des chemins, Casablanca 2018, p.235.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.