}

فلسطين واليمن: علاقة جهاد وتضامن

صدام الزيدي صدام الزيدي 1 يناير 2024

يتتبع المؤلف الفلسطيني، مخلص يحيى برزق، في كتاب له بعنوان: "فلسطين واليمن علاقة ممتدة عبر الزمن" (دار الوعد للنشر/ صنعاء)، العلاقة بين فلسطين واليمن في سياقها الديني والتاريخي (والجهادي)، على امتداد 200 صفحة، مبتدئًا بإهداء إلى فلسطين: بحرها ونهرها، جبالها وسهولها، تينها وزيتونها، وثراها المخضب بدماء الشهداء الزكية. وإلى اليمن أيضًا: لأرضها الطيبة، وأهلها الطيبين، وللشعب اليمني بكل فئاته.
وينطلق كتاب برزق من فرضية تعتقد بأن "طلائع جهادية يمنية هي من سيحرر فلسطين ومسجدها الأقصى"، مقتبسًا أحاديث ومبشِّرات (في سياق ديني بحت)، كما يورد قائمة بالمصادر والكتب والفتاوى والشهادات التي استند إليها في تأليف كتابه.
ويقول المؤلف إنه عندما وطئت قدماه اليمن شعر بأنه قد اقترب كثيرًا من بلده، معددًا أسماء مدن ومحافظات يمنية تجول فيها وتحدث إلى أهلها، وأناشيد تضامنية مع فلسطين ترددت على مسامعه بصوت مجموعة من أطفال محافظة إب: (من إب الخضراء لأرض الإسراء... شلال الدماء يحرر أراضينا).
ولا ينسى أن يحيي تلميذه اليمني "صادق القُحّ"، الذي أقبل على دروس الفقه والقرآن بشغف ونهم لا نظير لهما، وكان من التلاميذ النجباء الأذكياء، وقلبه كان معلقًا بالجهاد على أرض فلسطين، فقد بكى بحرقة لاستشهاد البطل عماد عقل أواخر عام 1993، وأنشد له بصوته العذب في مهرجان خصص لدعم الجهاد في فلسطين. وصادق نفسه لم تمر سوى أيام إلا ويأتي نبأ استشهاده دفاعًا عن وحدة اليمن وسلامة أرضه.
وينوه المؤلف أن بلدًا كاليمن لا تجتمع أحزابه على شيء (في سنة تأليفه للكتاب بنهاية التسعينيات) مثل اجتماعها على قضية فلسطين، مبينًا أن القاسم المشترك بين جميع من تحدث إليهم في مناطق عدة بمحافظة إب، وفي محافظات مثل صنعاء وتعز وعدن وذمار وأبين وشبوه، هو السؤال الحائر: هل من سبيل للوصول إلى فلسطين لنشارك إخواننا شرف الجهاد على أرضها؟
يقسم المؤلف كتابه إلى عشرة فصول: فلسطين واليمن في القرآن الكريم؛ فلسطين واليمن في الأحاديث الشريفة؛ فلسطين واليمن عبر التاريخ؛ القبائل التي سكنت فلسطين وتعود لقبائل يمانية؛ أعلام المنتسبين إلى اليمن وقبائله؛ فلسطين واليمن زمن الصليبيين؛ فلسطين واليمن في العصر الحديث؛ جهاد واستشهاد لأجل فلسطين؛ علماء اليمن يدافعون عن عروبة فلسطين؛ أقوال ومواقف للتاريخ.

حنين إلى فلسطين

نزل بنو عامر اليمنيون في المرج الفلسطيني المنسوب إليهم: "مرج ابن عامر" (الصورة) 


يمثل الكتاب جهدًا مهمًا لباحث ما زال يحنُّ إلى أرض أجداده، فلسطين "التي لم تكتحل عيناه برؤيتها والسجود في محرابها"، كما يقول، لكنه يستعين بالكلمات لتحمله إلى كل بقاع فلسطين، إذ يهدي كتابه بكل حنين وشوق لـ: القدس ويافا والخليل، لغزة وحيفا والجليل، لنابلس وطولكرم وجنين، لبيت لحم ورفح وعكا، لرام الله واللد وأريحا، لخانيونس وبئر السبع وطبريا، لصفد والمجدل والناصرة، للرملة وبيسان وعسقلان، لكل مدينة وقرية وحارة وشارع وزقاق فيها، لكل حبة رمل من ثراها المبارك. ومثل ذلك، لليمن، التي تدعم قضية فلسطين بالمال والدعاء، وعلى وجه الخصوص: (طلائع مجاهدي اليمن الذين سيدخلون بيت المقدس محررين فاتحين مهللين مكبرين)، على حد تعبيره.




ونشير إلى كتابين آخرين صدرا لبرزق إضافة إلى كتابه هذا، أحدهما عن دار النشر نفسها، بعنوان: "الوعد من خيبر إلى القدس" (2000)، والآخر عن منشورات فلسطين في لندن (2001)، بعنوان "فضائل الشهيد يحيى عياش".
ينوه المؤلف إلى عمق العلاقة بين فلسطين واليمن، عندما هبت رياح مباركة من أرض فلسطين حملت معها الهدهد إلى أرض اليمن. ولتبدأ تلك القصة العجيبة التي تسلب الألباب بروعتها وجمالها، والتي تنتهي بإسلام بلقيس ملكة سبأ وقومها أجمعين: وبذلك شهدت هاتان البقعتان (المباركتان) تواصلًا عجيبًا خلده القرآن الكريم، وأشارت آياته إلى "ذلك البريد السريع الأمين الذي تم تدشينه بين فلسطين واليمن قبل أن يكون هنالك بريد، أو اتصالات".
ويرى المؤلف أن سورتي (النمل وسبأ)، من بين سور القرآن الكريم، سورتان جمعتا بين اليمن وفلسطين قبل 1400 سنة، غير أنه يذهب إلى القول إن "ما هو جدير بالملاحظة أن ذكر اليمن في القرآن ارتبط في أغلب الأحايين بذكر فلسطين".
ويقول المؤلف إن ذكر اليمن والشام ارتبط في كثير من أحاديث النبي (ص) بالجهاد في سبيل الله، منوهًا إلى ما أشار إليه المصطفى (ص) في أن اليمن مصدر دائم للمدد، وهو ما ثبت في التاريخ، إذ لم يخلُ جيش من جيوش المسلمين، في أي معركة، من أهل اليمن، حتى أن قبائل اليمن كانت العمود الفقري لجيوش الفتح المتجهة للشام والعراق، وليس هذا فحسب، وإنما كان لهم دور كبير في فتح الأندلس والاستقرار فيها، وكان منهم فاتح الأندلس موسى بن نصير اللخمي، وهو ينتسب لقبائل لخم اليمنية التي وفدت إلى جنوب فلسطين أواخر القرن الثاني الميلادي، وأصله من الخليل بفلسطين، كما أن قائد المسلمين، يتابع برزق، في فتوح بلاد الفرنجة، والذي كاد أن يفتح باريس هو عبد الرحمن الغافقي وهو من أهل اليمن.
ويسهب المؤلف في ذكر أحاديث للرسول المصطفى (ص) عن اليمن وفلسطين (الشام إجمالًا)، منها الحديث الشريف: اللهم بارك لنا في شآمنا، اللهم بارك لنا في يمننا. ويخصص حيزًا لاستعادة معارك وفتوحات إسلامية في الشام شارك فيها فاتحون يتحدرون من قبائل يمنية.
ثم ينتقل إلى الحديث عن القبائل التي سكنت فلسطين، وتعود إلى أصول يمانية، وهنا يشير المؤلف إلى أنه "معلوم أن العرب كافة ينحدرون من أصلين كبيرين هما قحطان وعدنان، وقد كان وطن قحطان باليمن، ثم تشعبت قبائله وبطونه من سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فكان من سبأ قبيلتي حِميَر وكهلان، وكان من أكبر قبائل حمير: قضاعة، ومن أكبر قبائل كهلان: طيء".
وفي استعراضه للقبائل المنتسبة لقضاعة من حمير وسبأ التي سكنت فلسطين يذكر قبيلة "بنو كلب"، ومنهم "بنو عامر"، الذين نزلوا المرج الفلسطيني المنسوب إليهم (مرج ابن عامر)، وهو من أخصب البقاع في فلسطين، وأوفرها إنتاجًا للحبوب، ويقع إلى الغرب من مدينة جنين في شمال فلسطين، وأيضًا عشيرة السراجين في قضاء بئر السبع، والهدبيات في جبل الخليل، وبنو عُليم، والفحيلية (الفحيلي)، ويعودون بنسبهم إلى قبيلة السرحان، ومنازلهم قضاء طبريا، وإليهم ينتسب الصحابيان زيد بن حارثة، ودحية الكلبي. وهنالك قبائل مثل "بنو عذرة"؛ "مسيكة"؛ "جهينة"؛ "بنو قدامة"؛ "بلي"؛ "شيبان"؛ "السكاسك"؛ "بنو جرم بن زبان"؛ "بنو بهراء". أما القبائل المنتسبة لطيء من كهلان من سبأ، فيشير المؤلف إلى: "بنو ثعل"؛ "آل سنيد"؛ "بنو لام"؛ "بنو ثعلبة"؛ "الرشايدة"؛ "بنو سنبس"؛ "شمّر"؛ "بنو جرم بن عمرو"، ومنهم "بنو جذيمة".




وهنالك قبائل منتسبة لجذام من كهلان من سبأ (قبيلة جذام)، وأخرى منتسبة لـ"لخم" من كهلان من سبأ (قبيلة لخم)، وقبائل منتسبة لـ"بني زُبيد" من كهلان من سبأ (بنو زُبيد) منهم الصحابي القائد عمرو بن معد يكرب الزبيدي الذي قاتل في معركة اليرموك. وثمة قبائل منتسبة لـ"كندة" من كهلان من سبأ (كندة)، وقبائل منتسبة لـ"الخزرج" من الأزد من كهلان من سبأ (الخزرج)، وقبائل منتسبة لـ"الأوس" من الأزد من كهلان من سبأ (الأوس)، وقبائل منتسبة لـ"الغساسنة" من الأزد من كهلان من سبأ (الغساسنة)، وقبائل منتسبة لبطون مختلفة من الأزد من كهلان من سبأ (قحطان وعك والعتيك وغافق واللهيب). كما يشير المؤلف إلى قبائل أخرى يمنية سكنت فلسطين: الصقر (الصقور)؛ زمان؛ آل جُميل (الجميليون)؛ السعايدة؛ شمّاء؛ حلبنات؛ حلفة؛ آل أُذار؛ مالك بن غيلان؛ الغشم؛ الهيتة؛ صهُوت؛ ظلومة.
أما اليمنيون الذين لبّوا نداء الجهاد في فلسطين فيشير المؤلف إلى: حسين العرادة؛ الحاج يحيى اليماني؛ الحاج مثنى حسين اليماني (1948) الشهيد محمد سعيد باعباد (أبو السعيد) (1970).
ويختم المؤلف كتابه بالإشارة إلى موقف علماء اليمن والفتاوى التي صدرت عنهم بشأن قضية فلسطين، ومنها "فتوى علماء اليمن المحرمة للتنازل عن أي جزء من فلسطين"، صدرت عام 1992، ومما جاء فيها: ونحن نعلن بما أخذه الله علينا من عهد وميثاق في بيان الحق أن الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقر اليهود على أرض فلسطين، أو تتنازل لهم عن أي جزء منها، أو تعترف لهم بأي حق فيها.
ويشير المؤلف أيضًا إلى فتوى (أخرى) لعلماء اليمن "تحرم التطبيع مع اليهود وإعادة توطينهم في اليمن"، وهي فتوى موقعة من أكثر من 300 عالم يمني في أبريل/ نيسان 2000. كما يشير إلى فتوى ثالثة موقعة في مايو/ أيار 2001، هي في الأصل "بيان جمعية علماء اليمن تجاه ما يجري على الشعب الفلسطيني من حرب إبادة من قبل الصهاينة".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.