}

"الجمال العظيم" بالأدب.. ما مصير بطلات الروايات غير الجميلات؟

لوسيندا روزنفيلد 10 يناير 2022
ترجمات "الجمال العظيم" بالأدب.. ما مصير بطلات الروايات غير الجميلات؟
ميلان كونديرا ورواية "كائن لا تُحتمل خفته"



منذ مدة ليست ببعيدة، أعدت قراءة رواية ميلان كونديرا "كائن لا تُحتمل خفته" (1984)، التي تدور حول حيوات جرّاح شبق يدعى توماس وعشيقاته خلال فترة ربيع براغ. لم أكن قد قرأت الكتاب منذ أوائل عشرينيّاتي. لكنني أتذكر كونه بالغ الرومانسية، وكنت أتطلّع لمعرفة كيف صمد كل هذه المدة.
كان أول ما لاحظته أن أيًّا من الشخصيتين النسائيتين الرئيسيّتين، تيريزا وسابينا، لم تكن لها أي هوية مميزة عدا عن امتلاك جاذبية جنسية ظاهرة خاصة بها. يجعل كونديرا من سابينا رسامة، لكن غالبًا بغايةِ جعلها بين الفينة والأخرى تمسك فرشاة الرسم وهي لا ترتدي إلا الملابس الداخلية. من جهة أخرى، تيريزا، زوجة توماس الأصغر سنًا، النادلة المؤقتة، تمضي أيامها وهي لا تفعل شيئًا سوى التحسّر على زوجها الخائن.
أمّا ما ينقص الكتاب فكان واضحًا بالقدر ذاته: في عالم كونديرا التخييلي، لا وجود تقريبًا للنساء "غير الجذّابات". والشخصية الوحيدة غير الجميلة في هذه الرواية هي الطالبة التي ينصرف إليها أستاذ جامعي يدعى فرانز، بعد أن تتركه سابينا، لا تُمنح حتى اسمًا، بل يُشار إليها ببساطة على أنها "الفتاة ذات النظارات كبيرة الحجم"!. أما الحالة الأكثر مجانيّة فتتبدّى عندما يصادف الراوي امرأة بدينة في المنتجع الصحي، فيصفها المؤلف على أنها "رفٌّ لأربعة أكياس"، وروحها، لو كانت تعكس جسدها، "فلا بدّ من أن تكون شديدة البشاعة". وهي أيضًا لا تحصل على اسم.
لكن، إن كان تشييئ كونديرا لشخصياته النسائية يمثّل تطرّفًا، وأكثر كتبه شهرة قد نُشِر منذ حوالي أربعين سنة، فإن استعراضًا خاطفًا للأدب والتخييل الغربيين يُظهر أن غريزة جعل البطلات الروائيات "مثيرات" لها تاريخ طويل؛ وتاريخٌ لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا. في واقع الأمر، إن عددًا مدهشًا من كتبنا المسمّاة "كتبًا عظيمة"، من "الأوديسة"، إلى "الكوميديا الإلهية"، ومن "مدام بوفاري"، إلى "آنا كارنينا"، ومن "تِس من عائلة دوبرفيلز"، إلى "الأخت كاري"، و"بيت الفرح"، تُبرز مجاز "الجمال العظيم" الذي يبدو حتميًّا. في المقابل، فإن قلّةٌ من الكتّاب الكلاسيكيين، ذكورًا أو إناثًا، ذهبوا إلى حدّ إبراز شخصيات نسائية رئيسية غير جميلة؛ مع بضعة استثناءات قليلة جديرة بالملاحظة.




في رواية "جين إير"، تصوّر شارلوت برونتي بطلتها التي تحمل الرواية اسمها على أنها صغيرة الحجم، وغير لافتة للعين، سابكةً قصة جين ليس كرحلة خروجٍ من الفقر والقنوط وحسب، بل كذلك كرحلة انتقال من حالة اللامرئية غير المرغوب بها إلى قابلية التمييز. علاوة على ذلك، في نقلة تبدو مذهلة في حداثتها، وفي أولّ لقاء فعليّ بين جين وسيدها الجديد، تُصوّر برونتي السيدَ روشيستر على أنه الشخص "الظاهر للعيان". في هذا اللقاء، وعند إدراك روشيستر فجأة أن جين تحدق فيه، يسألها إن كانت تجده وسيمًا. وبعد أن تقرّ جين بأن الإجابة هي "لا"، ويشعر روشيستر بالإهانة، تحاول جين أن تتراجع عن إجابتها: "كان يجب أن أشير إلى أنه ليس من السهل إعطاء إجابة مرتجلة لسؤال يخصّ المظهر؛ وأن الأذواق تتباين في أغلب الأحيان؛ وأن الجمال ليس ذي أهمية كبيرة، أو شيئًا من ذلك القبيل".



"الجمال ليس ذا أهمية كبيرة؟!" يحتجّ روشيستر. وتعترض جين مرة أخرى. لكنّ انكشافَ حقيقةِ أن زوجة روشيستر الأكبر سنًا، المختلّة عقليًا، والغامضة العرق، بيرثا، مخبأةٌ عن الأنظار في العليّة، يبرز يفاعة جين (وبياضها)، جاعلًا احتجاج روشيستر الأكثرَ معقولية بين الرأيين.
على نحو مماثل، تصوّر جين أوستن بطلةَ روايتها "كبرياء وتحامل"، إليزابيث بينيت، على أنها أكثر موهبة بلسانها مما هي بمظهرها؛ في بداية الرواية، على الأقل. فعند لقائها أولّ مرة، يصف السيد دارسي إليزابيث (ليزي) على أنها "مقبولة، إنما غير جميلة بما يكفي لتغريني".




لكن، وقبل مرور عشرين صفحة، تغيّر أوستن نبرتها، معيدةً تشكيلَ ليزي, على الأقلّ في عيون دارسي, على أنها "امرأة جميلة" ذات "عينين حلوتين". بالمثل، وفي حين يكون وجه إستر سامرسون البائسة من رواية ديكنز "البيت الموحش" مشوّهًا بسبب الجدري، تتلاشى الندوب في آخر الأمر، وعندئذ يوافق الطبيب العطوف، آلان وودكورت، على الزواج منها، رغم كل شيء.

بلزاك وروايته "ابنة العم بِت"




من بين روايات القرن التاسع عشر، وحدها رواية بلزاك "ابنة العم بِت" (1846)، تمنح دور البطولة لامرأة قبيحة بصورة ملحوظة؛ امرأة، فوق ذلك، تبقى على ذلك الحال طوال الرواية. توصف "بِت"، البطلة التي يحمل العنوان اسمها، بأن لها "حاجبين كثيفين يلتقيان في المنتصف في خصلة شعر"، و"شاماتٍ عديدة على وجهها الطويل الشبيه بوجه القرد". بِت عاملةُ تطريز، فقيرة وساخطة، وهي "عانس" تخطط لانتقام مدروس من ابنة عمها الفاضلة، الجميلة، والمتزوجة زواجًا سعيدًا. مع هذا، يبدو أن بلزاك لا يلقي أحكامًا على تآمر بِت بقدر ما يلقي على تصرفات شخصياته الأكثر وسامة. فهو، بدلًا عن ذلك، يقدّم أفعالها على أنها معادلٌ لنهجِ المجتمع القائم على الصفقات، حيث يؤدي الصبا والجمال وظيفةَ رأس المال؛ ويتربّص الفقر، التهميش، والاغتراب، بأولئك الذين يفتقرون إلى تلك الصفات (أو أصولها الموروثة). فنرى المؤلف يشير ببرود: "... لقد أحبطَ بِت الشعورُ بمدى ضآلة أهميتها في الصراع العظيم من أجل البقاء الذي يخوضه الناس والأحزاب والمشاريع التي جعلت من باريس جنة وجحيمًا في الآن ذاته". لكن، وعلى الرغم من العنوان، قبلة الأنظار الفعليّة لرواية "ابنة العم بِت" هي في الحقيقة المحظية الجميلة والمكيافيلية السيدة فاليري مارنيف التي تستدرج وتدمّر كلّ من في طريقها، بمن فيهم بِت نفسها، في آخر المطاف.

توني موريسون وروايتها "العين الأشد زرقة"




أما في القرن العشرين، فيمكن الإشارة إلى واحدة من رواياته ذائعة الصيت: "العين الأشدّ زرقة"؛ رواية توني موريسون الأولى المؤلمة التي تعود لعام 1970، وتدور حول الاعتداء الجنسي, وفقر السود في أوهايو بعد الكساد الكبير، والتي قد تكون، مثل رواية "ابنة العم بِت"، الاستثناءَ الذي يثبت القاعدة. يتمحور الكتاب حول الفتاة بيكولا بريدلوف التي تنتهي، بسبب العنصرية المُستَدخلة، إلى تأليه صورة مؤمثلة للأنوثة البيضاء كما تجسّدها فتاة جديدة في المدرسة. العنوان هنا مستوحى من أمنية بيكولا الواهمة ما بعد الصدمة بأن تستيقظ ذات يوم وتجد أن عينيها قد صرْنَ أفتح لونًا بصورة سحرية. "تلك فتاةٌ صغيرة قبيحة تُنشد الجمال"، تكتب موريسون. "فتاةٌ صغيرة سوداء البشرة أرادت أن تخرج من حفرةِ سوادها وترى العالم بعينين زرقاوين". بالنسبة إلى بيكولا، يحمل الجمال وعدًا بتجاوز كلٍّ من المجتمعِ العنصري الذي تعيش فيه وسوءِ المعاملة المروّعة من قبل عائلتها ذاتها؛ تلك التي سبّبتها إحباطاتُ الفقر والتحامل.
من المدهش، بالنظر إلى التغييرات المجتمعية الهائلة في الخمسين سنة الماضية، أن نلاحظ أن قلّة فقط من الكتّاب المعاصرين يصارعون مسألة الجمال و/أو ابتكروا بطلةً لا تمتلكه. علاوة على ذلك، في المرات النادرة التي يصادف فيها القارئ بطلةَ روايةٍ تكون أقلّ من أن يُقال عنها جميلة، فإن ذلك غالبًا ما يكون في أجناس الرواية الرومانسية، أو ما يُدعى "كتب الشاطئ" الخفيفة، كما يكون "العيب" المُشار إليه بمثابةَ حملٍ إضافيّ. وفي بعض الروايات التي كتبتها نساء, مثل "من الناحية الإيجابية"، "منعطفات خطيرة أمامنا"، "إذا كان الفستان ملائمًا"، تبحث السيدات المتحمسات عن "الرجل المناسب"، ويتعلمن، في الوقت ذاته، كيف يحببن أنفسهن ومقاساتهن الكبيرة. من جهة أخرى، وحتى في الروايات التي حازت على إعجاب النقاد, مثل "مرثيات وطن"، حكاية إياد أختار الذاتية التخييلية عن حياته كمسلم في أميركا، تُصوَّر النساءُ الشابات مرارًا على أنهن مجموع الأجزاء المرغوبة من أجسادهن؛ أحيانًا إلى حدّ التشوّه. في "مرثيات وطن"، يقدم الراوي الحبيبةَ الرئيسية على النحو التالي: "كانت آشا حسنة المظهر، ملساء، من دون أي نتوء، أو خدشِ موسٍ، ابتداءً من مرتفعِ عظم العانة، وحتى أسفلِ مدخل مهبلها". ثم، بعد ست صفحات، يتحدث المؤلف بالتحديد عن "اللون العسلي المتلألئ لعينيها المتباعدتين"، "شفتها السفلى المُبرطمة"، و"البهاء القاحل لجمالها"؛ قبل أن يتابع الوصف ليتطرق إلى "جذعها القصير". كذلك، يمنح أختار تناولًا مماثلًا للعشيقة الوحيدة الأخرى المسماة في الكتاب؛ امرأة تدعى جوليا تُقدَّم على أنها ذات "شعر أسود كالغراب وجمالٍ ذئبيّ". وبعد ساعات من اللقاء، تطلب جوليا من الراوي: "ضاجعني كما لو كنتُ حثالة". (ملاحظة للمؤلف: ما من امرأة خارج فيلم إباحي، أو استيهاماتِ روائي ذكر يجلس وحيدًا في شقته، تتفوه بمثل هذه الجملة لشخص يكاد يكون غريبًا).
مع هذا، يمكن ملاحظة أن هذه الظاهرة ليست محصورةً بالكتب التي كتبها رجال، أو الكتب المُهلَّل لها من قبل المؤسسة الأدبية. ففي الرواية الأكثر مبيعًا لعام 2020، "حيث يغني جراد البحر"، للكاتبة ديليا أوينز، التي تتناول لغزَ جريمة قتل حدثت في نورث كارولينا منتصف هذا القرن، تُصوَّر بطلة الرواية، الفتاة البريّة التي يفهم القارئ أنها ربّت نفسها في مستنقع، على أنها فاتنة الجمال. (الاقتباس هنا كما التالي: "انظري إلى نفسك؛ جميلة للغاية. امرأة... كان مندهشًا من مدى تغيّرها؛ ملامحها مصقولةٌ أكثر وتعلق في الذهن، عظام وجنتيها حادة، شفتاها ممتلئتان...").




السؤال هنا: كيف يسعنا أن نفسّر هذا الهوس المستمرّ بالجمال الأنثوي؟ هل هو ببساطة نتاج الاقتصاد؟ يكتب معظم الروائيين هذه الأيام وهم يأملون علنًا بأن يرغب منتج ثري باختيار كتبهم/ كتبهنّ لصناعة مسلسلٍ محدود الحلقات. ومن الإنصاف القول إن هوليوود لا تتخصّص بالممثلين القبيحين، أو البدينين.
أو قد تكون المسألة أعمق من ذلك. فربما يدرك الكتّاب والجماهير بديهيًا، على الرغم من ثورة عمل النساء ومئتي سنة من النشاط النسوي، أن الفتيات والنساء لا يزلن يُقيَّمن من قبل الآخرين، ويتعلمّن أن يقيّمن أنفسهن، وفق مظهرهنّ قبل كل شيء. ولا ننسى أن الشخص الأكثر نفوذًا في الولايات المتحدة منذ أقل من سنة كان صاحب مسابقة جمال مع ميلٍ لتخصيص نقاط إضافية للنساء اللاتي قابلهن.
لكن، دعونا لا نلقي باللوم كلّه على دونالد ترامب، أو حتى على الرجال. فمع تحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى أداةِ التفاعلِ الرئيسية بين الأشخاص، والاقتضاء الضمني فيها بأن نكون "مستعدين للكاميرا" في جميع الأوقات، يمكن القول إن الجمال الأنثوي اكتسب مزيدًا من الأهمية وحسب؛ أهميةٌ حفّزتها جوقةٌ إغريقية من المدائح الضحلة على نحو مُستفز. ها هنا، على سبيل المثال، بضعة تعليقات على سيلفي بملابس علوية عارية البطن كنت قد شاهدتُها مؤخرًا على صفحة الإنستغرام الخاصة بابنتي المراهقة: "أنتِ كاملة حرفيًا"، "هل يمكنني أن أكون أنتِ؟"، والأسوأ بينها بالنسبة إليّ: "يا للجسد".
في النتيجة، ما هو الشيء "العظيم" في "الجمال"، إن كان مثل ذلك الشيء موجودًا؟ وكيف يمكن للروائي المعاصر، بعد إطلاق هاشتاغ "أنا أيضًا" MeToo#، وحركة "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter)، سنة من الكوارث المناخية، ووباء عالمي جعلنا جميعًا محتجبين خلف الكمامات، أن يتعامل مع مسألة المظهر الأنثوي في كتبه، أو كتبها؟
يتوقع القراء بالطبع، ويرغبون، بقدرٍ معين من الوصف البصريّ للشخصيات التي يقابلونها على الورق. لكن، سيكون من التجديد أن نرى مزيدًا من الروايات، لا سيما من قبل مؤلفين ذكور، لا تجعل البطلةُ و/أو الحبيبة الرئيسية فيها الرجالَ معقوديّ اللسان بلمح البصر؛ من غير أن يعوقها ذلك إطلاقًا عن عيش حياة حافلة وامتلاك حياة داخلية غنية؛ بل العكس تمامًا. (فيما إذا كانت رواياتي قد استجابت لتلك المناشدة، فذلك أمر أتركه للآخرين ليقرّروه. وإذا ما وضعنا العنوان جانبًا، فإن روايتي "الجميلة"، هي في المقام الأول روايةٌ عن الوسوم التي تُثقَل بها الأخوات). في المقابل، إذا كان لا بدّ لبطلة الرواية أن تكون ذات "جمال عظيم"، فقد يُظهر المؤلف، مثلًا، أن ذلك لا يصبغها أتوماتيكيًا بفضيلةٍ دراميةٍ متأصلة في ذاتها؛ فضيلة تتعهد بالعمل بدلًا من شخصيتها. وسيكون من المثير للاهتمام أيضًا أن نرى إلى أي درجة استخدمت تلك البطلة مظهرها لصالحها و/ أو عانت، شعرت أنها مُصنَّفة، مُختزَلة، أو مجرَّدة من إنسانيتها، بسببه.
لقد كان كتاب توني موريسون "العين الأشد زرقة" هو من دعا الجمال الجسدي، بالإضافة إلى الحب الرومانسي، "الأفكارَ الأكثر تدميرًا في تاريخ الفكر البشري".
ولم أقرأ بعدُ عملًا من الأدب التخييلي المعاصر يفسّر هذه الحقيقة المؤلمة.

لوسيندا روزنفيلد: (1969- ). روائية أميركية. مختصة في الأدب المقارن من جامعة كورنيل. لها خمس روايات منها "ما رأته"، و"سعيدة لأجلك"، و"الجميلة". تكتب في "نيويورك تايمز"، و"النيويوركر". تعيش اليوم في نيويورك.
رابط النص الأصلي:
https://lithub.com/whither-the-plain-female-protagonist-on-great-beauty-in-literature/

ترجمة: سارة حبيب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.