}

آني إرنو: فتاة صفاقس الصغيرة

إسكندر حبش إسكندر حبش 3 أكتوبر 2023
ترجمات آني إرنو: فتاة صفاقس الصغيرة
(Getty)

 

تقديم

قد يكون موعد اقتراب الإعلان عن جائزة نوبل للآداب هو ما جعلني أنقل إلى العربية، الآن، هذا الحوار كما النص الذي يليه، للكاتبة الفرنسية آني إرنو، التي ستغادر "عرشها" الذي توجت عليه، طيلة العام المنصرم، بعد أن فازت بالجائزة في العام الماضي 2022، لصالح كاتب (ة) آخر، سنتعرف إلى اسمه (ها) يوم الخميس، بعد غد، في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي.

فعلى الرغم من كلّ ما يمكننا قوله عن نوبل للآداب، تبقى هي الجائزة الأهم في عالم الأدب، وبرغم "خلافات" البعض وتكهناتهم ورغباتهم في تتويج فلان أو علان، سيكون الاسم الجديد حاضرا في مشهدنا الأدبي، طيلة عام مقبل، كي نتناقش معه (أو نكتشفه أو نقرأه أو نترجمه) لغاية أن يأتي كاتب (ة) آخر ويحل مكانه، لنعاود الكرّة في لعبة الرغبات والتكهنات.

السبب الثاني الذي دفعني إلى هذه الترجمة، أن الحوار كما النص نُشرا بعد حيازة الكاتبة، الجائزة، بمعنى أنهما حديثان، ويكملان مسيرة الكاتبة التي لم تتوقف عن التفكير بالكلمات، لذا لم تكن الجائزة نهاية المشوار، بل هي محطة من محطات حياتها المليئة بالكتابة.

نُشر الحوار في مجلة (The Walrus) الكندية، بتاريخ 14 تموز/ يوليو من العام الحالي 2023، وقد أجرته أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة "ويسترن أونتاريو" كارين شفيردتنر (Karin Schwerdtner)، والملفت للنظر فيه أنه يدور حول ثيمة واحدة: رسائل القراء (الورقية والإلكترونية) التي تصل إلى الكاتبة، وردودها عليها، بينما كتبت إرنو نصها هذا بمناسبة مشاركتها في مهرجان "تاوبوك الأدبي" الذي أقيم في صقلية في حزيران/ يونيو الماضي، وقد اندرج المهرجان حول موضوع "الحرية".  

*****

الحوار: نوافذ غير متوقعة

(*) منذ أن نُشر مقالك "قراءات شغف بسيط" عام 1994، وأنت تؤكدين أن النقاد والصحافيين "غير قادرين على الانتباه إلى القراءة الحقيقية، وتحديد المكانة التي سيشغلها القارئ في النص، وطريقة استخدامه". الطريقة الوحيدة التي يمكن للكاتب من خلالها تقييم هذه القراءة الحقيقية إلى حدّ ما هي التحدث مع القراء، وقبل كل شيء، تلقي الرسائل وقراءتها. إن الرسائل، التي تساعدك على فهم كيفية استقبال كتبك، لها أهمية أساسية بالنسبة لك.

إن تكبد القراء عناء الكتابة إليّ، فأنا بالتأكيد مدينة لهم بشيء ما، بالمقابل. بالنسبة لي، الرد على رسائل القراء هو واجب أؤديه بكل سرور. لقد أعطتني الرسائل الكثير من المشاعر، خاصة تلك التي عُرضت عليّ فيها قراءات شخصية وحساسة. هذه ليست شهادات فحسب، بل أيضًا ردود على كتبي. هذه القراءات تأتي من تجربة كل شخص.

(*) عندما تقولين "رسائل شخصية وحساسة"، هل تفكرين في الطريقة التي سيؤكد بها القراء على ما يتردد في كتبك؟

إن مصطلح الرنين ذو صلة بتفسير المدى الذي لمس فيه الكتاب، بين القراء، شيئًا من حياتهم وتاريخهم. تشكل الرسائل التي تشير إلى هذا الرنين نوعًا من النافذة غير المتوقعة. نافذة على ما يمكن أن يعكس تجربة القارئ أو رحلته في الكتاب. ألاحظ أشياء، على سبيل المثال، لم أعتقد أنها مهمة. جميع الرسائل ثمينة، وأنا أحرص على الاحتفاظ بها، في صناديق، غالبًا صناديق الأحذية. قبل حصولي على جائزة نوبل، كان لدي صندوقان أو ثلاثة صناديق سنويًا...

(*) هل تحتفظين أيضًا ببريدك الإلكتروني؟

نعم ولكن بدون طباعتها. ولأنني أملك عنوان البريد الإلكتروني نفسه منذ سنوات، فيمكنني العثور على آثار لمراسلات جارية مع أشخاص اختفوا الآن في صندوق البريد الخاص بي. رسائل البريد الإلكتروني هذه على وجه الخصوص، لا أريد حذفها على الإطلاق. سواء كانت رسائل [ورقية] أو رسائل إلكترونية، فإن مراسلات القارئ هي بالنسبة لي دليل على أن الكتب موجودة للآخرين غيري. عندما أنتهي من كتاب، عندما أخرج منه، لا أعرف ما هو. إن القراء هم الذين سيخبرونني عنه بطريقة معينة. الرسائل في حد ذاتها تظهر ماديًا أن كتبي التقت بأشخاص آخرين، بجمهور. لذا، فإن الاحتفاظ بهذه الأدلة أمر مهم بالنسبة لي. ولو أعطيتها، كما يفعل بعض الكتاب، للمكتبات أو الجامعات، لأصبحت هذه الرسائل شيئًا آخر، موضوعًا للدراسة مثلًا. بمعنى آخر، ستفقد ما كان يتعلق بي، وهذا أمر عاطفي للغاية.


(*) هل القراء على استعداد أحيانًا ليعترفوا لك عبر الرسالة؟

أحيانًا يكون لدي انطباع بأن القراء يكتبون لي أشياءً لا يمكنهم قولها. يمكننا أن نتحدث عمّا لا يوصف، في هذه الحالة. أنا أيضًا شهدت ما لا يوصف. ما لا يوصف هو كل ما نشرته في كتابي الأول "الخزائن الفارغة" (العار الاجتماعي، الإجهاض السري)؛ كما في "ذاكرة فتاة" أيضًا. ولعل ما لا يوصف هو قبل كل شيء عدم معرفة كيفية كتابة شيء ما. بالنسبة لي، ما لا يوصف هو مشكلة في الكتابة. أفكر في القارئ الذي كان يرسل لي رسائل منذ أكثر من عشر سنوات والذي انتهى به الأمر إلى أن يأتمنني على سره، وهو سر رهيب. قال كل شيء في رسالة. وفي حالته، يجب أن نتحدث بالأحرى عن الرقابة الداخلية. لأنه طلب مني بعد ذلك أن أكتب مكانه، وهو ما لم أستطع فعله.

هذه ليست حالة معزولة. يبدو لي، في الواقع، أنه باقتباس – بتعديلها – جملة من أندريه بروتون: "لقد تبعتني قصص النساء والرجال في مساراتها". أتذكر، في صيف العام 76، كنت أكتب كتابي الثاني [ما يقولونه أو لا شيء]، كنت وحدي في الجبل، في استوديو. طبيبة تخدير، كانت أجرت عمليات إجهاض باستخدام طريقة كرمان عندما كانت لا تزال محظورة، جاءت لرؤيتي في أحد أيام الأحد مع شريكها وابنتها. لقد أخبرتني بأشياء كثيرة عن حياتها وكلفتني بكتابة تحررها النسوي. لم أفعل ذلك بشكل مباشر، لكنني فكرت فيها بألم عندما انتهيت لتوي من رواية "المرأة المتجمدة" وعلمت بانتحارها [في عام 1980].

(*) في مقابلة مع بيير لوي فور في العدد الجميل جدًا من L'Herne المخصص لك، تقولين، في إشارة إلى رواية "السنون"، إنك فوجئت بالذهاب "إلى نهاية المشروع الذي [كنت] مقتنعة به" وأنه لن يجد قراء، وهو ما أكسبك، على العكس من ذلك، الآلاف منهم. وتقولين: "لقد سعدت بهذه المُلكية الحيّة الجماعية". هل يمكنك تعريف هذا "الملكية الحية" لنا؟

تعكس هذه الصيغة ما تقوله الرسائل التي أتلقاها غالبًا: "كل ما تكتبينه، أتشارك وأشعر به". من خلال ربط الأفكار، من خلال تقديم قطع من أرشيفاتي، أشاركها، إذا جاز التعبير. على سبيل المثال، عندما قررت محررة "العودة إلى إيفتو" إعادة طبع هذا الكتاب، أضفت مقدمة وأعطيتها مقتطفات من يومياتي. لذا نجد فيه صورًا ورسائل إضافية كتبتها إلى ماري كلود، صديقة الطفولة التي أتحدث عنها في ذاكرة فتاة. تعطي هذه الرسائل صورة عن حاضري في ذلك الوقت. أعدت قراءة ما كتبته وقلت إنني لن أغير كلمة واحدة منه: هذا ما شعرت به، وهذا أيضًا ما زلت أشعر به.

(*) عندما عهدتِ بمائة رسالة وصلتك إلى آن ستراسر، الباحثة المهتمة في ذلك الوقت باستقبال "السنون" و"ذاكرة فتاة"، كنت قد حددت: "في بعض الأحيان يكونون قراء مخلصين ولكن ليس بينهم صديق أو صديقة" أو قريب، ولا كاتب أو كاتبة، ولا صحافي أو ناقد أدبي: إذا جاز لي أن أقول ذلك، فهم قراء "عاديون". هل كنت تتحدثين عن أولئك الذين كانوا يقرؤون لك لفترة طويلة؟

القراء المخلصون هم الذين راسلوني منذ كتبي الأولى. هناك قراء يعيشون اليوم في دور رعاية المسنين. ولا يزال البعض يكتب لي. في بعض الأحيان، يتولى أطفال الأشخاص الذين كتبوا لي سابقًا المهام عن أهلهم أو يتصلون بي بعد وفاة أحبائهم، وهو أمر مؤثر جدًا بالنسبة لي.

(*) في كتابك الأخير "الشاب" (2022)، نقرأ: "قبل خمس سنوات، قضيت ليلة حرجة مع طالب كان يكتب لي لمدة عام [...]". سبق لك في "استخدام الصورة"، مع مارك ماري، أن تطرقت إلى مسألة رسالة تؤدي إلى لقاء. في رأيك، ما هو المكان الذي تحتله رسائل القراء في عملك؟

العلاقة مع مارك ماري، المتوفى الآن (أبلغني بوفاته طبيب القلب الذي كان يتابعه والذي كتب لي رسالة)، جاءت في الوقت الذي لم تعد فيه الرسائل كافية بالنسبة لي، التقيت به بالفعل. علاقتنا بدأت حقًا بمراسلة واستمرت طوال مدتها، ربما لأننا لم نكن نعيش معًا أو في نفس المدينة.

(*) في وقت قريب من نشر "الحدث"، كتبت: "الأمر اللافت للنظر تمامًا في رسائل النساء اللاتي مررن بتجربة الإجهاض، السري، أو الحقن المجهري، هو أنه دائمًا، بالنسبة لهن أيضًا، يمثل "حدثًا" في حياتهن الخاصة. ولكن، على العكس من البريد الذي كان يصلك حين نشرت كتاب "شغف بسيط" [في عام 1991]، كانت الرسائل تلتزم بأسرار موجزة. إن مواجهة التجربة الشخصية مع النص لا تنتج قصة فردية، ولا وصفا، ولا تؤدي إلى الكتابة. هل سيتغير هذا الآن؟ ماذا قالت رسائل النساء عنها خلال السنوات القليلة الماضية؟

عندما صدر الكتاب عام 2000، لم تتضمن رسائل القراء أي شهادات. لقد حدث تغيير منذ عشرين عامًا، ربما بسبب MeToo [تشير الكاتبة إلى هاشتاغ حول رواياتها] ولكن أيضًا بسبب الفيلم الذي تمّ اقتباسه منه والذي يظهر الواقع. قد تكون النساء اللاتي قد يشعرن بالحرج من رواية قصصهن أكثر استعدادًا للقيام بذلك.

(*) خلال محادثة غير منشورة يعود تاريخها إلى عام 1992، قلت فيها: "[عندما] يقرأني الناس، لن أكون الشخص الذي كتب في ذلك الوقت، [...] الماضي هو رسالة ميتة بالنسبة لي". أخيرًا، هل يمكنك شرح فكرة الرسالة الميتة هذه؟

يبدو ماضيي وكأنه حقبة ماضية، تم تصويره في الفيلم. لدي انطباع بأنني أمضي قدمًا وأرى تجربتي تتساقط في الصور خلفي، مثل الطرس...

(*) يعود هذا الانطباع لنجده في "الشاب"، حيث تفكرين في ما عشته مع هذا الشاب ليس كتكرار، أو تكرارا لماضيك، بقدر ما هو إعادة كتابة للماضي: "[مثل] طرس غريب ومستمر".

نعم، مثل إعادة كتابة الماضي. حتى لو لم أكن متأكدًا من أنها صيغة جيدة، لدي انطباع بأنني أعيش كتبي وأكتب حياتي. هذا ما يظهر في يومياتي الحميمة. لن أنشر هذا الكتاب خلال حياتي ولكنني لن أضع أي حظر عليه، ولا فيما يتعلق بمسودات النصوص أو الأوراق، وبعضها متاح للاطلاع عليها بالفعل في المكتبة الوطنية الفرنسية. في يومياتي الحميمة، حاولت دائمًا البقاء ضمن ما جعلني أبدأها: ببساطة، التعبير عما شعرت به، من دون احتمال كتابة مذكرات جميلة. يومياتي ليست المكان المناسب أيضًا، كما هي الحال بالنسبة للبعض، لنوع من التفكير الأخلاقي والفلسفي والفكري. إنه التقاط الحاضر في وضعية العفوية الكاملة.

(*) ولنا أن نتصور أنك اليوم، وخاصة بعد حصولك على جائزة نوبل، لم تعودي تستطيعين تحمل هذا النوع من العفوية التامة في مراسلاتك الإلكترونية؟

مخاطبة الآخرين، أيًا كانوا، برسالة أو عبر البريد إلكتروني، لا أراني أتمتع بحرية كتابة يوميات حميمة. أتبع قواعد معينة ولم تغير جائزة نوبل شيئًا. باستثناء ذلك، أصبح تلقي المزيد من رسائل البريد الإلكتروني والرد عليها نشاطًا يستغرق وقتًا طويلًا وأنا أميل إلى الرد لفترة وجيزة وفي وقت لاحق. ومع ذلك، لا أحب ترك رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بي دون إجابة. إن إدراكي اليوم أنني لم أفتح العديد من الرسائل في صندوق الوارد الخاص بي بعد يجعلني أشعر بالذنب.


نص: فتاة صفاقس الصغيرة

على شاطئ إحدى الجزر في أرخبيل قرقنة قبالة سواحل صفاقس، تم اكتشاف طفلة صغيرة تبلغ من العمر حوالي ثلاث سنوات في 24 كانون الأول/ ديسمبر الماضي. لقد ماتت غرقًا. كانت ترتدي سترة وردية اللون وجوارب طويلة.

وبخلاف آلان الصغير، هذا الطفل السوري الذي يبلغ العمر نفسه، والذي كان ممددًا أيضًا على أحد شواطئ تركيا في أيلول / سبتمبر 2015، مرتديًا قميصًا أحمر وسروال برمودا أزرق، والذي انتشرت صورته حول العالم وأثارت مشاعر هائلة، بقيت فتاة صفاقس الصغيرة، مجهولة، مثل العديد، من الأطفال البالغين، وعائلات بأكملها، الذين بحثوا عن الفرار. ما من أحد تحدث عنها في الصحافة الفرنسية قبل هذه المقالة التي نشرت في شباط/ فبراير الماضي على موقع إحدى الصحف الإلكترونية وكتبته المراسلة نجنة إبراهيم. لا أعرف إذا كانت الصحف الإيطالية، أو الأوروبية بشكل عام، قد نقلت هذا الاكتشاف. كذلك فعلت الصحف التونسية، إذ أصبح من الشائع جدًا أن يقوم الصيادون بإحضار الجثث الهامدة في شباكهم. علاوة على ذلك، لم يعد الحرس الوطني يتحرك حتى عندما يكون المهاجرون الغرقى من السود. لم تعد فتاة صفاقس الصغيرة، التي كانت سوداء اللون، والتي عُثر عليها غريقة على الشاطئ، حتى قصة إخبارية في الصحف، في حين احتلت قطة سحقها قطار سريع (TGV) في محطة مونبارناس في باريس، في 23 كانون الثاني/ يناير، احتلت ولفترة طويلة أعمدة صحيفة "لو فيغارو". وحده موت المهاجرين الجماعي لا يزال مذكورا في وسائل الإعلام – لكن إلى متى؟ - بلامبالاة عامة.

عندما طُلب مني أن أتحدث عن مناطق الحرية، فكرت في فتاة صفاقس الصغيرة. بمبدأ الحرية هذا المنصوص عليه في عدة مواد من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وفي فرنسا، في واجهات المباني العامة، وهو مبدأ يتوقف عند الحدود. ليس للجميع وليس لكل شيء. ولأن البضائع تنتقل بسعادة من قارة إلى أخرى، يبدو أن الحرية هي في المقام الأول حرية الأشياء والمال. لا يتمتع البشر بهذا الحظ، خاصة عندما يكونون فقراء وسود أيضًا، لأن هناك انتشارًا غير معترف به ولكنه فعال للأعراق. إن الأفارقة في جنوب الصحراء الكبرى، الذين عوملوا لعدة قرون كسلع، لم تعد لديهم هذه المكانة حتى على طوفهم الغارق: لا تحيد سفن الشحن التجارية عن طريقها لإنقاذهم. لقد أصبحت أوروبا حصنا، وجزيرة لامبيدوزا، على بابها، معسكر اعتقال ضخم، بينما الدول الأخرى في صمت مطبق.

تبدأ اللاإنسانية مع الصمت. نحن الآن في خطر جماعي من اللاإنسانية في أوروبا. لقد أصبح السكان محاطين أكثر فأكثر بظل هائل لا شكل له، يثيره العديد من الأحزاب، مثل وعد بالسلطة المستقبلية، وقد اخترق كل شيء. إنه يتلخص في كلمة واحدة: الهجرة. فهل حان الوقت، قبل فوات الأوان، لندرك أن هذا الظل غير موجود؟ قبل أن تعتقل الشرطة المهاجرين – آه، لكنهم يفعلون ذلك بالفعل! - قبل أن يعتقلوا من يساعدهم؟ لقد كانت هناك دائمًا هجرات اقتصادية وفكرية. النورمانديون، الذين أتيت أنا منهم، وصلوا إلى صقلية. اليوم، ربع السكان الفرنسيين هم من المهاجرين أو من أصل مهاجر. وبعيدًا عن إفقار البلد المضيف، يشارك الرجال والنساء، ثم الأطفال، في تكوين الثروة. إن الجمعيات والمتطوعين الذين يسعون جاهدين لمساعدة المهاجرين يدركون أنهم اكتسبوا قوة داخلية ورؤية إنسانية من الخطأ أن تستغني عنها الدول الأوروبية.

في صيف 2016، وبمناسبة الاحتفال ببيان فينتوتيني الذي يعتبر أساس الفيدرالية الأوروبية، طلبت مني إحدى الصحف الإيطالية أن أكتب شيئًا. وكما هي الحال اليوم، لا أستطيع أن أفعل أي شيء سوى الإشارة إلى اختفاء مئات المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط. وإلى احصائية أيضًا: منذ بداية ذلك العام، توفيت 68 امرأة في فرنسا، قُتلن على يد شركائهن، من دون أن يتصدر الأمر عناوين الأخبار بأي شكل من الأشكال، فقط مجرد أخبار متفرقة. وبين الأمرين، ثمة لامبالاة تجاه هذه الحقائق المشتركة، والصمت الذي يعني، إن لم يكن الحياة الطبيعية، فعلى الأقل الاعتياد على مواقف لا تطاق.

وبعد سبع سنوات، سأدلي بملاحظة مختلفة. كسرت النساء الصمت. إذا كنت أبحث عن مناطق الحرية اليوم، فإنني أجدها في كلمات النساء. لقد أثيرت هذه الكلمة في جميع أنحاء العالم، كما لم يحدث من قبل في التاريخ، ضد العنف الجنسي الذكوري ولكن أيضًا ضد أشكال الهيمنة السياسية والدينية. وقد تمّ استنكار الظالم باعتباره لا يطاق. لقد ازدهرت ثلاث كلمات: المرأة، الحياة، الحرية، وقد انضم الرجال إلى النساء في النضال الذي لا يعني قمعه من قبل أصحاب السلطة، النهاية. لأن هذه الثورة النسوية الجديدة مقدّر لها أن تصل، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، إلى جميع البلدان وتشكك في الأسس البطريركية التي قام عليها هذا المجتمع، مثلما كتبت سيمون دي بوفوار قبل 70 عامًا، بواسطة الرجال ومن أجل الرجال. ومن الملح أن نخترع عالمًا لا يموت فيه الفتيات والفتيان الصغار قبالة سواحل صفاقس.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.