}

الجوائز الأدبية الفرنسية: الأدب والضجيج الإعلامي

إسكندر حبش إسكندر حبش 13 نوفمبر 2023
تغطيات الجوائز الأدبية الفرنسية: الأدب والضجيج الإعلامي
جان بابتيست أندريا الفائز بغونكور 2023 (7/11/2023/فرانس برس)

بالنسبة لأي كاتب، يشكل الفوز بجائزة أدبية رمزًا لاعتراف كبير بالعمل الذي أنجزه، ولكنه أيضًا يسلط الضوء على أهمية كبيرة في حياته المهنية. فالجوائز هذه لا ينتظرها المؤلفون فقط، بل أيضًا بائعو الكتب بقدر ما ينتظرها القراء. إذ سوف يجدون فيها ما يدفعهم إلى القراءة المستهدفة، أو ربما تثير عندهم أفكارًا لهدية ما. بيد أن التأثير الأكبر يخص الكاتب، إذ يتيح له الفوز بجائزة، أولًا وقبل كل شيء، "صنع اسم"، وتسليط الضوء عليه ما من شأنه أن يشجّع القراء وزملاءه في المهنة على متابعة منشوراته اللاحقة عن كثب.
فلو أحببنا، مثلًا، أن نتحدث عن البلدان التي تمنح جوائز أدبية، لوجدنا أن تلك العائدة للرواية، تبدو "اختصاصًا" فرنسيًا بامتياز. إذ تمنح فرنسا كل عام أكثر من 2000 جائزة أدبية. رقم فلكي من دون شك، لكنه حقيقي وواقعي فعلًا، ما يجعل فرنسا الدولة الوحيدة في العالم التي تكافئ أعمال الكتابة بجميع أنواعها أكثر من غيرها. لا شك في أننا لو حاولنا إدراج قائمة كاملة، لاستغرق الأمر وقتًا طويلًا، لذا سنختصر الأمر هنا على الأكثر شهرة منها، وهي: جائزة الأكاديمية الفرنسية، وغونكور، ورونودو، وفيمينا، وميدسيس، وأنترالييه، وهي جوائز تمنح مع بداية الموسم الأدبي، بدءًا من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام.
هي الأشهر، إذ يكفي أن ننظر فقط إلى كلّ ذاك الضجيج الإعلامي الذي يسبق الإعلان عنها، (بدءًا من نهاية شهر أغسطس/ آب من كلّ عام، والذي يستمر لفترة أخرى، بعد عملية الإعلان هذه، وهي التي تنتهي في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني). والمقصود بالجوائز الأدبية هنا هي تلك التي توزع مع بداية خريف كل عام في العاصمة الفرنسية، والتي يطلق عليها أحيانًا اسم "جوائز الخريف"، أو جوائز "الدخلة الأدبية"، من حيث أنها تكافئ الروايات التي تصدر مع بداية شهر سبتمبر/ أيلول، والتي تشكل الموسم الأدبي، بمعنى آخر، هي جوائز غونكور، ورونودو، وفيمينا، وميدسيس، وأنترالييه (الجوائز الخمس الكبيرة)، بالإضافة إلى جائزة الأكاديمية الفرنسية.
هذا الموسم ينتظره جميع العاملين في مجال الأدب، إذ لا يشكل "اعترافًا" بكاتب ما فقط، ليجد نفسه تحت "أضواء المجد" ـ لفترة محددة بالطبع، إذ ثمة عدد من أصحاب الجوائز هذه دخلوا في النسيان، ولا أحد يتذكرهم، إلا إن أعدنا البحث في أرشيف الجائزة، مع العلم أن بعض الفائزين بها تبقى أسماؤهم خالدة، كمارسيل بروست على سبيل المثال، الذي حاز غونكور عام 1919، لكن "خلوده"، لم يكن بسبب الجائزة فقط، بل من جراء مشروعه الروائي الضخم "البحث عن الزمن الضائع" ـ بل إنه يشغل دور النشر بالدرجة الأولى التي تحاول جاهدة الفوز بواحدة منها، بكونها تؤثر بشكل كبير على عمليات البيع. فكل كتاب فائز لا بدّ له أن يشهد تضاعفًا في عملية انتشاره من خلال البيع، أي ما يعني قوة اقتصادية ما (إن جاز القول) بكونها تزيد نسبة الأرباح. هذه الأرباح، تساعد الكاتب الفائز أيضًا، عبر حقوق المؤلف، الذي يجد فيها كسبًا إضافيًا، بعيدًا عن قيمة الجائزة المادية، والتي لا تشكل ذاك المبلغ الكبير، بل ربما هو مبلغ رمزي في واقع الأمر، كما هي الحال مع جائزة غونكور، أبرز جوائز الخريف.
فقيمة جائزة غونكور المادية لا تتجاوز اليوم صكًا بقيمة 10 يورو، بل أهميتها في ما تمارسه من تأثير على عملية البيع. في مقابلة صحافية أجريتها ذات يوم مع الروائي الفرنسي ميشيل تورنييه، وكان يومها رئيسًا لأكاديمية غونكور التي تمنح الجائزة، قال إن كاتبًا يفوز بهذه الجائزة قد يجد أنه كسب من كتابه ما يفوق المليون يورو. كيف؟ "في كثير من الأحيان يصل رقم المبيع من نسخ الكتاب الفائز إلى أكثر من 500 ألف نسخة (المعدل الوسطي 400 ألف نسخة)، فلو حاز 2 يورو على كل نسخة، لوصلنا إلى هذا الرقم". والطريف في الأمر، أن عددًا من الكتّاب، في السنين الأخيرة، لا يقبضون قيمة الشيك، بل يضعونه في إطار ويعلقونه في منازلهم، للذكرى، مثلما نشرت مجلة "لوبوان" (الفرنسية) تحقيقًا منذ سنوات قليلة.
في أي حال، غالبًا ما اتهمت لجان التحكيم ـ وهي ثابتة في مجملها، لا تتبدل بعض أسمائها إلا عند وفاة أحد أعضائهاـ أو استقالته ـ بأنها تحابي دور النشر الكبيرة، فغالبية هؤلاء الأعضاء ينشرون في هذه الدور، وهي غاليمار، وغراسيه، ولوسوي، التي تفوز عادة بغالبية الجوائز (على الرغم من رداءة بعض الكتب)، لدرجة أنه انتشرت من نهاية ثمانينيات القرن الماضي عبارة "غاليغراسوي" التي تصف الجائزة، ومعناها أن الكتب التي كوفئت منشورة عند هذه الدور (غاليمار، وغراسيه، ولوسوي). ربما هذا الاتهام، الحقيقي في الواقع، دفع لجان التحكيم في العقد الأخير، إلى اختيار فائزين لا ينشرون في هذه الدور، بل أصبحوا يبحثون عمّا ينشر في دور أخرى.

غونكور
موسم الجوائز الفرنسية، شارف هذا العام على نهايته، بعد أن أعلنت غالبية النتائج (إذ تبقى جائزة أنترالييه، التي ستعلن يوم 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي). جائزة غونكور (أعلنت يوم 7 نوفمبر الحالي)، وهي بالطبع الجائزة الأشهر منحت إلى جان باتيست أندريا (Jean – Baptiste Andrea) عن روايته "انتبه لها" (Veiller sur elle) الصادرة عن منشورات l’Iconoclaste. في روايته الرابعة هذه، يصور المؤلف قصة حب بين ميمو، النحات الفقير الذي يعاني من مرض التقزم، وفيولا، الوريثة الغنية والمتمردة؛ تدور أحداث الرواية في مرحلة تاريخية من مراحل إيطاليا التي كانت تتجه نحو الفاشية. يبلغ الكاتب المولود في مدينة كان الفرنسية 52 عامًا، وكانت بداياته في السينما، حيث أخرج وكتب سيناريو فيلم Big Nothing، وهو من بطولة ديفيد شويمر، أحد الممثلين الرئيسيين في مسلسل Friends.
منذ صدورها في نهاية شهر أغسطس/ آب، حظيت رواية جان باتيست أندريا بإشادة كبيرة من النقاد والجمهور، حيث بيع منها 50 ألف نسخة. ومن المفترض أن تلعب جائزة غونكور دورًا كبيرًا في زيادة مبيعاتها، والتي تصل في المتوسط، كما أسلفنا، ​​إلى 400 ألف نسخة. وحتى أنه يمكن أن تصل إلى مليون نسخة، مثلما هي الحال مع رواية "L'Anomalie"، للكاتب هيرفيه لو تيلييه التي حاز الجائزة عام 2020، بينما على سبيل المثال وصلت أرقام العام الفائت التي فازت بها بريجيت جيرو عن روايتها "Vivre vite" إلى 300 ألف نسخة فقط.




صادف هذا العام مرور 120 عامًا على تأسيس غونكور، وهي تكافئ لأول مرة دار النشر المستقلة L'Iconoclaste، التي أنشئت عام 1998. ربما قرارها هذا، وبعيدًا عن الرواية، يكرم مؤسسة الدار والناشرة صوفي دي سيفري، التي توفيت في مايو/ أيار الماضي، التي تعاونت مع الفائز في إصدار كتبه السابقة. في أي حال، فإن أكاديمية غونكور لم تخرج هذا العام أيضًا عن المسار المعتاد في اختيار رواية ذات سرد تقليدي، ربما لضمان نجاحها في المكتبات. في حين، مثلًا، أن رواية "سارة وسوزان والكاتبة" لإريك راينهارت، التي وصلت إلى المرحلة النهائية للجائزة، والتي كانت الأوفر حظًا وفق المقالات الصحافية والتكهنات التي سبقت الإعلان، كان من الممكن أن تكون خيارًا أكثر جرأة بفضل نهجها المبتكر في الشكل والأسلوب.

فيمينا

نيج سنو وروايتها الفائزة بجائزة فيمينا "نمر حزين"


في اليوم السابق على غونكور (6 الحالي)، فاز كتاب آخر من أكثر الكتب مبيعًا مع بداية الموسم الأدبي هذا بجائزة فيمينا (Fémina)، وهو كتاب "نمر حزين" (Triste Tigre) للكاتبة نيج سنو/ Neige Sinno، الصادر عن منشورات P.O.L والذي أعيد طبعه مرات عدة لغاية الآن، وبيع منه بالفعل أكثر من 80 ألف نسخة. تروي فيه الكاتبة، وهي مدرسة ومترجمة تبلغ من العمر 46 عامًا، تأثير حالات الاغتصاب التي ارتكبها زوج والدتها في حقها، وهي بين سن السابعة والرابعة عشرة. حين صدوره وصفته الصحافة بأنه جولة أدبية عميقة وعملية استبطان قوي، عادَّةً الكاتبة شخصية مليئة بالأمل والمثابرة: إذ أوضحت أنها عانت من رفض عدد من دور النشر إصدار الكتاب قبل أن تجد واحدة توافق على نشر هذا "الجسم الغريب". لا شك في أن الرهان قد نجح مع هذه الكاتبة التي تعد واحدة من الاكتشافات الأدبية المهمة هذا العام.

رونودو

آن سكوت وروايتها الفائزة بجائزة رونودو "الوقحون"


جائزة رونودو، التي تعد نفسها الجائزة المضادة لغونكور (تعلن عادة بعد لحظات من إعلان غونكور) فاجأت الجمهور الذي كان يتوقع الاحتفاء بسورج شالاندون عن روايته الغاضب (L’Enragé)، أو غاسبار كونيغ عن رواية حُمص (Humus)، أو ليليا حاساين عن رواية بانوراما (Panorama). بيد أن أسلوبًا كتابيًا أكثر تحفظًا هو الذي أقنع هيئة المحلفين أخيرًا، وهو أسلوب الكاتبة آن سكوت (58 عامًا) عبر روايتها "الوقحون/ Les insolents". تدور أحداث الرواية، الصادرة عن منشورات كالمان ليفي، حول أليكس، القرين المتخيل للكاتبة، وهي مؤلفة موسيقية تقرر ذات يوم مغادرة باريس لكي تذهب إلى أرض بعيدة تائهة. في الثامنة والخمسين من عمرها، يبدو أن آن سكوت عاشت ألف حياة. بعد أن مرت بلندن، كانت عارضة أزياء، وعازفة طبلة في فرقة بانك، وترددت كثيرًا على مشهد الليالي الباريسية تحت الأرض، واستقرت في النهاية في بريتاني.

ميدسيس

الكاتب الكندي كيفن لامبرت الفائز بجائزة مديسيس عن روايته "لتبق فرحتنا"


مُنحت جائزة ميدسيس (أو ميديشي باللفظ الإيطالي إن أردنا) نهار الخميس 9 نوفمبر/ تشرين الثاني للكاتب الكندي (يكتب بالفرنسية) كيفن لامبرت/Kevin Lambert عن روايته "لتبق فرحتنا"/ Que notre joie demeure، وبذلك يتم تكريم هذا النجم الصاعد في الأدب الكيبيكي للمرة الثانية هذا العام. إذ سبق لهذا الكاتب البالغ من العمر 31 عامًا أن فاز بجائزة ديسمبر في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول، وهي جائزة أدبية مرموقة أخرى من جوائز الخريف، وهي تروي قصة سقوط مهندس معماري متهم فجأة بمطاردة الفقراء من مونتريال. وقد فاز كيفن لامبرت في جولة الاقتراع الثانية بستة أصوات مقابل أربعة للكاتبة المغربية سلمى المومني عن روايتها "وداع طنجة".





من خلال كتاباته الغامرة، يأخذ كيفن لامبرت القارئ إلى أسرار الطبقة الحاكمة "المحروسة" جيدًا. في هذه الرواية الثالثة، يقدم صورة تنويرية لأقوياء هذا العالم، من خلال صورة بطلته سيلين والمقربين منها. صدرت الرواية في شهر أغسطس/ آب الماضي في منشورات Editions du Nouvel Attila، وذلك بعد عام من طبعتها الكندية في منشورات Héliotrope.

الأكاديمية الفرنسية

دومينيك باربيريس الفائزة بجائزة الأكاديمية الفرنسية عن روايتها "طريقة للحب"


أولى الجوائز التي وزعت هذا العام كانت نهار الخميس في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، وهي "جائزة رواية الأكاديمية الفرنسية الكبرى"، التي تأسست عام 1914، وتعد من قبل كثيرين واحدة من أهم الجوائز الأدبية، لكون الأكاديمية ترى أن الكتاب المختار أهم رواية صدرت خلال العام المنصرم، وتبلغ قيمتها 10 آلاف يورو، وفازت بها الكاتبة دومينيك باربيريس/ Dominique Barbéris، عن روايتها "طريقة للحب/ Une façon d’aimer"، وذلك من عملية الاقتراع الأولى بنتيجة 14 صوتًا مقابل 6 لأنطوان سينانك، و4 لساره شيش.
وقيل عن الرواية إنها تصور، ببراعة وحساسية، ثراء المرأة الداخلي، وتسلط الضوء على رغبات خفيّة وسحر بعض الروابط من خلال نقل القارئ إلى أفريقيا الآسرة ما بعد الحرب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.