}

"جائزة كانديل للتاريخ" لدراسة عن صدمة الصين بعصر ماو

سناء عبد العزيز 18 نوفمبر 2023
تغطيات "جائزة كانديل للتاريخ" لدراسة عن صدمة الصين بعصر ماو
تانيا برانيجان
أعلنت الهيئة المانحة لـ"جائزة كانديل للتاريخ" عن الفائز النهائي لعام 2023، في حفل أقيم في مونتريال مساء 8 نوفمبر/ تشرين الثاني. وهي جائزة تمنح سنويًا لكتاب صدر باللغة الإنكليزية، شرط أن يكون له تأثير عميق في مجال التاريخ. ويُقال إنها أغنى جائزة أدبية للتاريخ غير الروائي في العالم، إذ يحصل الفائز على ما قيمته 75 ألف دولار أميركي، بينما يحصل المرشحون في القائمة القصيرة على 10 آلاف دولار، اعترافًا بالتميز.
في هذا العام، منحت جائزة التميّز لكل من كيت كوبر عن كتابها "ملكات عالم ساقط: النساء المفقودات في اعترافات أوغسطين"، و"تاريخ البطاريات من أجل مستقبل الطاقة النظيفة" للكاتب جيمس مورتون تورنر، بينما ذهبت الجائزة الأساسية إلى تانيا برانيجان، مؤلفة كتاب "الذاكرة الحمراء: العيش والتذكر والنسيان للثورة الثقافية الصينية" الصادر عن دار فابر آند فابر، وهو الكتاب الذي نشر في أميركا بعنوان "الحياة الآخرة للثورة الثقافية في الصين"، وأدرج في القائمة القصيرة لجائزة بيلي جيفورد التي من المقرر أن تعلن عن الفائز بها خلال أيام، ولو حدث ذلك، ستحصل  برانيجان على مبلغ الـ 50 ألف إسترليني علاوة على جائزة كانديل القيَّمة.
المثير للاهتمام أنه في عام 2019 فازت جوليا لوفيل بجائزة كانديل أيضًا عن كتابها "الماوية: تاريخ عالمي". فما الذي انطوت عليه تلك الحركة من أحداث وأسرار حتى تفوز بالجائزة مرتين؟

أي طريق للخروج من هنا
يدور كتاب برانيجان حول ثورة ماو الثقافية بين عامي 1966 و1976، أكثر العقود اضطرابًا، العقد الذي قسم الصين إلى قسمين، كما تعتقد الكاتبة، التي كتبت تقول "لقد أرهب العنف والكراهية الأمة، وأباد كثيرًا من ثقافتها، وقتل قادتها ورموزها الفكرية". ومع أن سياسة القوة المفرطة قصد بها ماو تدمير المعارضين له داخل الحزب الشيوعي، "فقد كانت أيضًا حملة أيديولوجية لإعادة تشكيل قلوب الناس وأرواحهم. ومن يستعصي منهم على القولبة يتم التخلص منه. لقد أدى الجنون بتلك الحركة إلى طمس المعابد والآثار وإغلاق المدارس والجامعات، وتمزيق الأواصر بين العائلات والأصدقاء".
تعتمد برانيجان على القصص المجهولة التي راحت تجمعها من أفواه الناس على مدار سبع سنوات قضتها في الصين كمراسلة لصحيفة الغارديان، ومنها قصة امرأة تدعى فانغ تشونغ مو. ذات مساء من عام 1970، أعلنت عن تمردها على الثورة، بعد أن تحملت تعذيب زوجها وضربه وإذلاله على يد فتيان الحرس الأحمر لكونه "رأسماليًا". آنذاك كانت تشونغ مو تتفق معهم على مبادئ عدالة التوزيع، بل إنها استنكرت على زوجها أن يستأثر لنفسه بشيء، ولكن ما إن تمادوا في ضربه حتى تحول لون بوله إلى اللون الأحمر، اعتراها الخوف. بعد ذلك تحملت سنوات من الاستجواب في مكان عملها بناء على اتهامات بأن والدها كان مالكًا لعقار. لقد عانت من كل هذا من دون أن تتمرد ولو لمرة واحدة على العنف المستشري في أرجاء الصين نتيجة لفوضى ماو، مهندس العالم.
في تلك الليلة من عام 1970، وهي تغسل ملابسها في بيتها، اندفعت لا إراديًا تسب ماو وسنينه السوداء، ولحسن الحظ أو لسوئه، لم يكن هنالك من يسمعها سوى ابنها. لكن هذا كان كافيًا تمامًا. لقد حذرها صغيرها على الفور: "إذا عارضت عزيزي الرئيس ماو، فسوف أحطم رأس كلبك". وفي الصباح كان قد أبلغ عنها. وبعد شهرين من الاستجواب والتعذيب أعدمت الأم.



لم يذهب أورويل بعيدًا إذًا في ديستوبيته "1984" عن المجتمع الذي تحول أفراده إلى عين واسعة للأخ الأكبر يرى فيها ما يجري في الدهاليز البعيدة، وفي أخص العلاقات، حيث يحيق بك الشر من كل اتجاه حتى من الداخل، فهناك ما يسمى بشرطة الأفكار.
لكن كتاب برانيجان ينتمي إلى التاريخ الحقيقي، إنها قصص لأشخاص عاشوها بالفعل. كان معظمهم في سن المراهقة في ذلك الوقت، وكان بعضهم من أبناء النخبة السياسية، وكما غيرهم استجابوا لنداء ماو بأن "يصبحواعسكريين" وشيئًا فشيئًا تصاعد حماسهم للحرس الأحمر، ومعه تصاعدت وتيرة العنف التي طفقوا يمارسونه على معلميهم وأبويهم بلا هوادة، تحت شعار تدمير "الأشياء الأربعة القديمة": الأفكار القديمة؛ الثقافة القديمة؛ التقاليد القديمة؛ العادات القديمة.

آفة حارتنا النسيان
يستكشف كتاب "الذاكرة الحمراء" سوء الفهم الجمعي لتلك الفترة المفصلية في تاريخ الصين. وكيف تم إدراج المجتمع بأكمله في صنفين: مرتكبو الثورة السابقون وأحفادهم، وضحايا الثورة السابقون وأحفادهم. لكن الحقيقة تبدو في عين برانيجان مراوغة في ظل التقلبات والمنعطفات الكثيرة التي شهدها الحدث الجلل لدرجة أن العديد من الأشخاص كانوا جناة في وقت ما وضحايا في مكان آخر. والمثير للضحك أن البعض أتيح له التنقل بين الفئتين؛ يومًا ضحية ويومًا جلاد.




عدد من الجناة، بمن في ذلك زعيم الصين الحالي شي جين بينغ، تعرضوا لاحقًا للتنديد من هول ما فعلوه، وتم إرسالهم إلى معسكرات إعادة التأهيل في المجتمعات الريفية لسنوات. ولم ينه هذه الفوضى المدمرة سوى موت ماو والإطاحة بعصابة الأربعة.
تكشف الذاكرة الحمراء عن أربعين عامًا من الصمت أعقبت الصدمة وما تزال تؤثر على الصين حتى يومنا هذا، الضحايا يبحثون عن العدالة أو الاعتراف، والجناة يشعرون بالحنين إلى شبابهم الوطني الذي في ما يبدو أشبع رغبة مخيفة تحت الجلد البشري. تشير برانيجان إلى أنه في حين أن الهستيريا والتعصب في ذلك الوقت "شكلا الصين الحديثة"، إلا أن الأحداث نادرًا ما تتم مناقشتها اليوم ـ حتى مع استمرار صدى الصدمة بعمق.
ما الذي تتوقعه عقب ارتطام رأسك بصخرة، لابد أن تستغرق وقتًا في الإفاقة، وحين تفيق، هل تثق بما يدور في رأس موجوع ليروي ما حدث بدقة؟ تستكشف برانيجان الطرق المختلفة التي يتم بها باستمرار "انتشال" الذكرى من قلب ضلالات الزمن، وليس الطرق التي اتبعت لمحو ذاكرة أمة بأكملها، وذلك عبر سلسلة من القصص المؤثرة تكشف عن الندوب العميقة التي خلفتها الثورة الثقافية في جميع أنحاء البلاد وأدت إلى مقتل "ما يصل إلى مليوني شخص بسبب خطاياهم السياسية المفترضة ومطاردة 36 مليون آخرين"، منهم مدرسة على أيدي طلابها، وآباء على أيدي أبنائهم.
تصف رئيسة لجنة التحكيم والمؤرخة، فيليبا ليفين، دراسة برانيجان الحساسة لتأثير الثورة الثقافية على حياة ونفسية جيل كامل في الصين بأنها من الأعمال التي لا بد أن تؤثر على أي قارئ، كما أثرت على لجنة التحكيم، وأضافت: "لقد تفاجأنا بأنفسنا جميعًا غير قادرين على التوقف عن التفكير في هذا الكتاب الاستثنائي"؛ "تأثرنا بوصفها المدهش لشدة الصدمة والطريقة التي اتبعتها لنقل ذلك". في الصدد نفسه، صرح الكاتب آدم جوبنيك، عضو لجنة التحكيم، بأن قراءة الكتاب "مؤلمة" و"مؤرقة": "تطاردني الذكريات التي يثيرها، وكثير منها فظيع؛ فمؤلمة لأنه تم طمسها أو تشويهها من قبل الحزب الشيوعي الصيني في السنوات التي تلت ذلك. ومؤرقة بسبب وجود تلك التصدعات العنيفة في نسيج مجتمع يحاول أن يشفي نفسه بنفسه، بينما تترك وراءها دائمًا ندبة".
تروت باول، عضو آخر من لجنة التحكيم، كتب يقول: "تشعر وكأنك قادر على لمس الأشخاص الذين تتحدث معهم تقريبًا"؛ "تشعر كما لو أنهم يتحدثون إليك، كما يمكنك أن تشعر بالتردّد والتوتر الناتج عن هذه المقابلات بطرق غير عادية. إنها أنثروبولوجيا تاريخية، ولكن بطريقة شعرية. إن مهارتها في رواية قصتهم وجعلهم يروونها معها ـ هي ما يجعل هذا الكتاب قويًا للغاية".
انضم إلى باول، وجوبنيك، وليفين، في لجنة التحكيم المؤرخون ماري فافرو، وسول سيرانو، وكول ثراش.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.