}

لماذا يهيمن العنف على "جائزة المرأة للخيال"؟

تغطيات لماذا يهيمن العنف على "جائزة المرأة للخيال"؟
إيزابيلا حمّاد وروايتها من ضمن القائمة القصيرة للجائزة

 

منذ أن تأسست "جائزة المرأة للخيال" (WOMEN’S PRIZE FOR FICTION) عام 1996، وهي تواجه الكثير من الانتقادات بشأن حصر التنافس بين الكاتبات بعد أن يئسن من الفوز في مضمار أوسع يهيمن عليه الرجال. غير أنها على مدار ثلاثة عقود تقريبًا، تمكنت من إبراز عدد من الأصوات المتميزة والأصيلة، أطاحت بالإدّعاء السابق، وأكّدت في الوقت نفسه، هدفها الجوهري المنصب على تعريف القارئ بخصوصية كتابة المرأة وقدرتها على التقاط الجوانب الأكثر شفافية وغموضًا من التجربة الإنسانية وهو ما جعلها بمرور الوقت، أعظم احتفال بالإبداع النسائي في العالم.

تُمنح الجائزة البالغ قيمتها 30 ألف جنيه إسترليني، علاوة على التمثال النحاسي "بيسي"، من صنع الفنانة جريزيل نيفين، إلى أفضل رواية مكتوبة باللغة الإنكليزية، نشرت في المملكة المتحدة، وذلك بناء على ترشيحات دور النشر لأعمال المرأة الاستثنائية وتقييم لجنة التحكيم المؤلفة هذا العام من الكاتبة مونيكا علي، رئيسة اللجنة، وعضوية كل من المبدعات أيوبامي أديبايو، لورا دوكريل، إنديرا فارما وآنا وايتهاوس.

شملت القائمة القصيرة لجائزة المرأة للخيال 2024، ستة عناوين لمبدعات من بلدان مختلفة، اثنان من أيرلندا، ورواية واحدة من كل من أميركا وأستراليا وفلسطين والصين، أي بما يغطي أربع قارات. بعضها تركز على ما يقوض العلاقات الأسرية وما يقيمها، والبعض الآخر يتضمن مسحًا لتاريخ بعض المناطق المشتعلة ومنها الثورة الصينية والحرب الأهلية في سيريلانكا والواقع القاسي للفن في ظل الاحتلال الصهيوني. لكل هذا، تؤكد مونيكا علي أن القراء "سينبهرون بالشخصيات، وتلك الكتابة المضيئة، والسرد الرائع. كل كتاب مقنع ومبتكر على نحو بديع، ويبقى في القلب والعقل لفترة طويلة بعد الصفحة الأخيرة".

صور متآكلة للشرق

تدور رواية "أدخل الشبح / Enter Ghost" للروائية البريطانية من أصل فلسطيني إيزابيلا حمّاد حول الممثلة سونيا ناصر في رحلة الرجوع إلى حيفا لزيارة أختها حنين بعد سنوات من الابتعاد عن فلسطين مسقط رأسها. وهناك يبرز الاختلاف بين الأختين، حيث عاشت إحداهما في ظل ظروف قاسية لا يحتملها بشر، بينما صنعت الأخرى عالمها على أرض بريطانية. سرعان ما تنغمس سونيا في إدارة فرقة محلية لإنتاج مسرحية "هاملت" في الضفة الغربية، مستفيدة من مأساة البطل الأسطوري وثورته المنتقمة في فحص العديد من الطبقات للهوية الفلسطينية، وتعقيد الحياة في ظل غياب الحريات وعلى خلفية الصراع الدائر في فلسطين المنكوبة. تقول لفريقها أثناء التمرين: "الخياران اللذان يراهما هاملت هما الموت أو الحياة. ما رأيكم في ذلك؟" ترد إحدى الممثلات: "هناك طريقة ثالثة. يمكنك أن تصبح شبحًا".

ترصد حمّاد بمهارة عناصر المسرح وجمالية صوت الممثل الداخلي، فضلًا عن الروابط التي تنشأ تلقائيًا وتتوطد بين فريق التمثيل بخيرها وشرها. ثم تظهر عدد من العقبات العنيفة أمام الفرقة، منها إهدار الوقت في تصاريح الدخول، وظهور جاسوس بينهم، والأهم من ذلك كله، حظر المسرحية باعتبارها نصًا يؤجج الرغبة في الانتقام وهو أكثر ما يخشاه أي مستعمر.  وسط كل ذلك، تبدأ الحياة التي عرفتها سونيا في الانهيار أمام احتمال مرعب للتحول إلى مناضلة والعثور على ذات جديدة في وطنها الأصلي.

كتبت هولي ويليامز في صحيفة الغارديان: "تأخذك الرواية إلى أعماق تجربة بطلها، بينما تفتح نافذة أوسع على حياة الفلسطينيين ونضالاتهم اليومية المرهقة". إنها بالفعل قصة عن الشتات والتهجير، تنسج التاريخ والسياسة والعلاقات الأسرية في طبقات للوصول إلى المقاومة المشتركة التي هي الهدف الحقيقي للفن. 

ثمة معاناة أخرى في قارة آسيا، تتناولها الكاتبة الفرنسية من أصول صينية أوب ري ليسكور في روايتها الأولى "نهر الشرق، نهر الغرب/ River East, River West". إنها قصة الهجرة المعكوسة من خلال فتاة مراهقة تدعى ألفا يراودها طموح جامح في الهروب إلى أميركا، أرض الأحلام، إلا أن زواج أمها المفاجئ من رجل أعمال صيني يقوض مثل هذا الطموح ويجعل السرد يتناوب بين زمنين وشخصيتين، ألفا وزوج الأم، ومن خلالهما، نتعرّف على مجتمع المراهقين بكل ما يهدده من إهمال وإدمان وتحرش، والأكثر مدعاة للفزع، إقدامهم على الانتحار بواعز من ضلالات العقل.

شملت القائمة القصيرة لجائزة المرأة 2024، ستة عناوين لمبدعات من بلدان مختلفة، اثنان من أيرلندا، ورواية واحدة من كل من أميركا وأستراليا وفلسطين والصين


يتسع السرد تدريجيًا كلما تضافر الصوت المزدوج كحوار بين جيلين ليشمل تاريخ الثورة الصينية وإشكالية المهاجرين من الشرق إلى الغرب التي تتعارض مع الازدهار الاقتصادي في الصين، وكذلك تأثير المغتربين الأميركيين والطريقة التي يتدفقون بها إلى البلاد من أجل إعادة تعريف هوياتهم واكتساب قيمة أكبر في بلد آسيوي. وعلى خلفية كل ما سبق تقوم ليسكور الذكية بتطوير شخصياتها الباحثة عن الانتماء والتحقق في عالم سريع التغير.

من الصين إلى الحرب الأهلية في سيريلانكا، نتعرف على طموح فتاة تدعى ساشي وُلدت في إحدى القرى وتحلم بأن تصبح طبيبة في رواية "ليلة بلا أخ / Brotherless Night" للكاتبة الأميركية فـ. فـ. غانيشانانثان، التي تنحدر من أصول تاميلية (إيلانكاي). ذات ليلة تندلع أعمال عنف ضد التاميل في المدينة، ويبدأ الغوغاء في اقتحام المنازل، وتشاهد ساشي وجدتها جارتهما تتعرض للضرب وتُترك في منزل يحترق، فتهرعان بقليل من المتاع هربًا من الفوضى بعد أن مات شقيقها الأكبر. وبرغم  السياسات العنيفة التي تورط فيها الجميع، تتمكن الفتاة من تحقيق حلمها، ولكن بعد أن فقدت الأخ. تقول أيوبامي أديبايو، عضو لجنة التحكيم: "إنه كتاب قوي يتمتع بالحميمية التي تتميز بها السيرة الذاتية، ويروي قصة لا تُنسى حقًا عن الحرب الأهلية السريلانكية".

حماقات من أيرلندا

في روايتها "طائر النمنمة، النمنمة / The Wren، The Wren" تروي الكاتبة الأيرلندية آن إنرايت قصة ثلاثة أجيال من النساء يتصارعن مع قانون الوراثة الذي هو "أكثر من سلسلة من الحمض النووي، بل حبل يرمى من الماضي، حبل ملتو غليظ، مملوء بالدم". وتعد الرواية في مجملها بمثابة شهادة على مرونة المرأة تجاه كل ما يعترضها من عواصف ووعود كاذبة على مر تاريخها. وكذلك استكشاف لطبيعة العلاقة بين الأم وابنتها حيث يكون الحب عنيفا ومؤلما في كثير من الأحيان، ولكنه متعاطف ومتسامح تحت السطح المضطرم.

تبدأ الحكاية بفتاة شابة تدعى نيل وهي تسعى لبناء حياة مستقلة بعيدًا عن علاقتها المعقّدة بأمها كارميل. لقد فشلت الأم فشلًا ذريعًا في تجسير الطريق إلى ابنتها لأنها من الجيل الذي عاش منطويًا على ندوبه. كان والد كارميل الشاعر الأيرلندي فيل ماكداراغ هو من تسبّب في تشويه ابنته قديمًا حين تخلى عن أسرته تاركًا زوجة تصارع مرضًا مزمنًا علاوة على الديون المتراكمة. وبرغم ضلوع الجد في المأساة، تجد نيل نفسها مشدودة إلى أشعاره كأنها تتحدث إليها مباشرة. لذلك تغادر منزل العائلة للبحث عن صوتها ككاتبة. إنها باختصار رحلة الجيل الثالث الذي رفض الانكفاء على إرث مسموم وقرر الاستشفاء في مكان آخر. كما أنها من زاوية أوسع رحلة الفنان بوجهيه المتضادين، كمبدع أصيل وإنسان مخيب للآمال. مثلما تحاول كارميل التوفيق بين صورتي أبيها؛ الشاعر العظيم، والأب الذي ترك ندبة في قلب ثلاث نساء هي وشقيقتها وأمهما المريضة، وفي كل مرة تبوء بالفشل. لكن رحيل الابنة يقلقل الماضي في محاولة أخيرة للتشافي. كتب فينتان أوتول في صحيفة الغارديان: "كل حيوية التوصيف التي يتوقعها قراؤها موجودة هنا، وكذلك الطرافة الساخرة والسريالية تقريبًا التي مزجت بها دائمًا ملاحظاتها الحادة عن الحماقة البشرية".

من أيرلندا أيضا ترشحت رواية "جندي بحار/ Soldier Sailor" للكاتبة كلير كيلروي. وهي عبارة عن مونولوج داخلي موجه من أم إلى رضيعها، وتأمل عميق في تجربة الجسد، والروتين القاسي التي تكابده الأم في رعاية الأطفال في ظل الظروف العالمية الجديدة. وبرغم الحزن الطاغي على صوت الأم، فإن القارئ لا يعدم الطرافة الشديدة والرقة والمشاعر الغامرة تجاه تلك الرابطة المعقدة.

تكتمل قائمة المرأة برواية "هذيان دوللي الذي لا يهدأ/ Restless Dolly Maunder" للكاتبة الأسترالية  كيت جرينفيل. تروي جرينفيل قصة كفاح جدتها دوللي التي ولدت في نهاية القرن التاسع عشر، وبحثها المضني عن الاستقلال. وتقدّم صورًا حية للقيود الرهيبة على تلك الفتاة ومحاولتها المستميتة في التخلص منها، مع الأخذ في الاعتبار مدى فداحة الثمن المدفوع في تلك الحالات. كتبت الناقدة كيرستن ترانتر: "تتألق الكتابة بموهبة جرينفيل في الصور الواضحة للغاية، ومزجها الرائع بين السيرة الذاتية والرواية والمذكرات في رواية تشير إلى الإمكانات العظيمة للفن الأدبي باعتباره المخلص والمعالج والطريق إلى الاستيعاب". 

أكثر ما يلفت في الكتب الستة المختارة لقائمة المرأة هذا العام، هو ارتفاع وتيرة العنف على كافة المستويات، واعتباره المهدّد الأساسي لطمأنينة الإنسان في كل زمان ومكان، سواء كان بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو حتى نتيجة لأعراف موروثة وضلالات تسيطر على الأذهان.

أما عن الفائز النهائي، فسيتم الإعلان عنه في حفل يقام في لندن يوم 13 يونيو/ حزيران المقبل، لينضم إلى قائمة المتوجات؛ ماجي أوفاريل؛ روث أوزيكي، وسوزانا كلارك وغيرهن من المبدعات اللائي التقطن بمهارة نطاقًا واسعًا من التجربة الإنسانية.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.