}

تيريزا أرانغورين: أكتب من أجل تفكيك السردية الصهيونية

ميسون شقير ميسون شقير 12 ديسمبر 2023
تغطيات تيريزا أرانغورين: أكتب من أجل تفكيك السردية الصهيونية
تيريزا أرانغورين (elsaltodiario - Cristian Pirovano)

من بين كل أنياب هذا القتل وهذه الهمجية الصهيونية الطاعنة في بربريتها ووحشيتها، تظهر من قلب أوروبا أصوات أكاديمية وإعلامية تعري الحقائق وتفضحها وتعيد بعض الحق لنا، نحن الفلسطينيين. تيريزا أرانغورين صحافية إسبانية غطت معظم أماكن الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وشاركت في تغطية الحرب العراقية الإيرانية، كما غطت حرب الخليج عام 1991، وعملت مراسلة لقناة "تلي مدريد" التلفزيونية لمنطقة الشرق الأوسط، لمدة خمسة عشر عامًا (منذ عام 1989)، وهي أيضا مؤلفة كتاب "فلسطين... خيط الذاكرة" الذي نُشرت الطبعة الأخيرة منه، مؤخرا، من قبل دار كانتا أرابيا للطباعة وللنشر في مدريد، علمًا أن الطبعة الأولى من هذا الكتاب نشرته دار باراتاريا عام 2004، وصدرت الطبعة الثانية منه عام 2012 عن دار بلباو، والذي يحتوي على ذكريات وخبرات الصحافية وعلى المقابلات التي كانت قد أجرتها مع كبيرات السن الفلسطينيات اللاتي طردتهن الدولة الصهيونية من أرضهن في عام 1948. وقد حظي الكتاب بإقبال شديد من قبل القارئ الاسباني الذي شدّه هذا التضافر بين الحقائق والوثائق التاريخية التي تخص التاريخ الفلسطيني المعاصر، وبين القصص القادمة من ذاكرة الجدّات والأمهات الفلسطينيات اللاتي التقتهن الصحافية في أثناء تغطيتها للغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وهو الأمر الذي قدّم إلى القارئ الإسباني معرفة حقيقية عن ظروف الاستعمار الصهيوني لشعب أعزل، حيث أضافت القصص المروية المروعة في الكتاب، لحمًا ودمًا للتاريخ الذي يحاول العالم تناسيه. وقد جاء في بداية الكتاب: "لقد كنت في بيروت عند الغزو الإسرائيلي عام 1982. غادرت المدينة عندما كانت محاطة بالدبابات الإسرائيلية، عندما تُرك هناك الناس الذين كانوا جميعًا على وشك الموت. حينها طلبت مني صديقة فلسطينية أن أخبر العالم بما حدث ويحدث فعلًا للشعب الفلسطيني، وها أنا أخبركم".

هنا حوار مع هذه الصحافية الإسبانية:

(*) ما الذي دفعك، وأنت صحافية ومراسلة غطت معظم حروب منطقة الشرق الأوسط، إلى أن تكتبي كتابك "فلسطين... خيط من الذاكرة" عن فلسطين تحديدا؟

إن الذي دفعني هو إحساسي بضرورة رواية الواقع الفلسطيني بشكل أعمق وأكمل. وعلى الرغم من أن الصحافة مهمة جدًا لإخبار ما يحدث وهي شاهدة على ما يحدث إلا أن للصحافة حدودها التي يصعب تجاوزها، كما أن الأخبار وحدها لا تكفي لفهم الظلم الفظيع الذي كان ولا يزال يرتكب ضد شعب فلسطين. لقد كنت أدرك دائمًا أنه في حالة قضية الصراع في فلسطين، من الضروري جدًا معرفة أصل هذا الصراع، أي التذكير بـ "كيف بدأ كل شيء" لفهم أحداث اليوم، أي من الضروري التذكير بكل الأحداث التي كانت قد حدثت منذ عدة أشهر أو عدة سنوات والتي بالحقيقة ستستمر خلال أشهر وسنوات.

إن القضية الفلسطينية هي قضية قديمة، ولها تاريخ بداية، هو نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما ولدت الحركة الصهيونية في أوروبا وطلبت على الفور دعم الإمبراطورية البريطانية لمشروع استعمار أرض فلسطين. إن التاريخ الحديث لفلسطين برمته موثق بشكل جيد للغاية ولكن تمت "تغطيته" بشكل فعال للغاية. لدينا التعدادات السكانية وسجلات ملكية الأراضي التي تظهر إلى أي مدى كانت الدعاية الصهيونية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" مغالطة كبيرة اتبعها كثيرون آخرون، دائمًا بهدف "إنكار" وجود شعب فلسطين وتاريخه وثقافته وذاكرته، ومن أجل تفكيك تلك الكذبة الكبيرة، لقد كتبت هذا الكتاب، الذي، كما يشير عنوانه، يستند على ذاكرة الناس، وخاصة في مخيمات اللاجئين، الناس الذين أجريت مقابلات معهم منذ الثمانينيات، وعلى الوثائق التي لا تثبت وجود الفلسطينيين على مدى قرون من المجتمع الفلسطيني في أرض فلسطين فحسب، ولكن أيضًا تثبت رغبة وسعي الصهيونية بالتواطؤ مع بريطانيا العظمى لتدمير وإنكار هذا الوجود.
 


(*) هل تعتقدين أن التاريخ الذي روته لك الجدات الفلسطينيات يتقاطع مع التاريخ الحقيقي المعاصر لفلسطين؟

لا شك أن شيوخ ونساء فلسطين الذين عايشوا فظائع النكبة، وكذلك عايشوا الحياة قبل النكبة في أية بلدة أو قرية في فلسطين، هم وحدهم من يمثل الذاكرة الحية التي قاومت كل محاولات "محو" أسماء سكان فلسطين الحقيقيين، وأغانيهم، ومهرجاناتهم، وفن الطهو لديهم، وصفاتهم التي تنتقل من الأمهات إلى بناتهن، وإرادتهم التي لا تنكسر في العيش وعدم نسيان فلسطين التي كانت وستبقى موجودة في ذاكرتهم.

(*) برأيك ما الذي يجعل الانسان الأوروبي لا يعرف الحقائق ولا يستطيع أن يتخذ موقفًا عادلًا من القضية الفلسطينية؟

إن الذي يحرم الإنسان الأوروبي من اتخاذ موقف عادل تجاه القضية الفلسطينية هو كون الرواية الإسرائيلية القائمة على إنكار حقيقة فلسطين هي الرواية السائدة في الغرب. وذلك لأن إسرائيل أُنشئت في الأساس لتكون "ملحقًا" للغرب في وسط الشرق. ومن الواضح أن حقيقة إسرائيل هي استعمارية بشكل مطلق، على الرغم من أنها لا تُفسَّر بالأسباب الاستعمارية فقط. ففي الاستعمار الكلاسيكي، تسعى القوة الاستعمارية إلى استغلال موارد وعمل السكان المستعمرين، أما في الحالة الإسرائيلية، ما هو مطلوب هو "استبدال" السكان الأصليين بالسكان المستعمرين. ولهذا السبب تم تنفيذ الطرد الجماعي للسكان الفلسطينيين في عام 1948، لأن الصهاينة أرادوا "إفراغ الأرض من سكانها" وخلق واقع ديموغرافي جديد يمكن أن يشكل فيه اليهود الأغلبية.

(*) هل كنت تتوقعين أن يحصل الذي يحصل اليوم في غزة؟

لا، لم أكن أبدًا أتوقع أن يحصل شيء فظيع كمحاولة الإبادة الجماعية التي نشهدها، على الرغم من أن الابادة الجماعية التي تحصل اليوم في غزة هي استمرار لما كان قد بدأ مع نكبة عام 1948، وهي عملية مستمرة لطرد السكان الفلسطينيين إلى جانب التقدم المستمر لاستعمار الأراضي المحتلة، وخاصة الضفة الغربية والقدس الشرقية. لم أكن أتوقع ما يحدث في غزة، إلا أني الآن أعتقد أنه يستجيب لنفس المنطق، وهو سعي الكيان الصهيوني الدائم لإتمام عملية القضاء على الوجود الفلسطيني، أو بمعنى آخر، سعيه لإنهاء القضية الفلسطينية عن طريق الإبادة. وبرأيي الشخصي، إن هجوم حماس قد وفّر الذريعة لحملة الإبادة الفظيعة هذه، ولكن يجدر بنا أن نؤكد أن الحق في الدفاع عن النفس لا يعادل على الإطلاق الحق في الانتقام، وهو ما تمثّله إسرائيل. إن ما نشهده الآن هو نكبة جديدة لكنها أكثر إجرامًا من نكبة 48.

(*) كيف يمكن للعالم الغربي، الذي يدافع دائمًا عن حقوق الإنسان، أن يقبل هذه الإبادة الجماعية لأهل غزة المحاصرين منذ سنوات؟

إن نفاق العالم الغربي هو فضيحة حقيقية. لقد جعل السياسيون الأوروبيون مواطنيهم في حالة من الإحراج والعار، وفي بعض الحالات دعموا إسرائيل علنًا لمواصلة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف والمدارس والعاملين في المجال الإنساني والصحافيين... كل هذا بدعم متواطئ من بعض القادة الأوروبيين، والولايات المتحدة، لذا فإن أية سياسة حقيقية لحقوق الإنسان يجب أن تتطلب التنفيذ الفوري للعقوبات ضد إسرائيل، كما يجب أن تتطلب تنفيذا لسياسة العزلة الدبلوماسية والاقتصادية إلى أن تصبح الحكومة الإسرائيلية مستعدة للامتثال للشرعية الدولية، أي إلى أن تقبل بتفكيك المستوطنات في الضفة الغربية وبإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية. وللأسف نحن بعيدون جدًا عن ذلك، في الواقع، نحن نسير في الاتجاه المعاكس. ويجب أن نعرف أنه تحت أنقاض غزة لم تُزهق آلاف الأرواح فحسب، بل دُفنت أيضًا كل مبادئ وقيم القانون الدولي.

(*) برأيك إلى أي مدى يمكن للمراسل أو للصحافي أن يؤثر في الرأي العام الأوروبي؟

إن دور الصحافة في مناطق الحرب والصراع هو دور أساسي، وفي بعض الأحيان يكون الصحافيون هم الشهود الوحيدون على الفظائع التي ستبقى مخفية بدون عملهم، ولكن يجب أن أقول أيضًا أن جزءًا ممن يعملون في مهنة الصحافة يتخلى عن واجبه والتزامه الأخلاقي، فعلى سبيل المثال، عندما يتم نقل تصريحات الجيش الإسرائيلي وكأنها حقائق مثبتة، ويقول مثلًا صوت المراسل: "قصف الجيش الإسرائيلي عدة منشآت تابعة لحماس في غزة"، بينما تظهر لنا صور لعشرات الجثث من الأطفال والمدنيين الذين سحقتهم القنابل، إن هذه الممارسة هي التي تحول الصحافي إلى "ناطق رسمي" للخطاب الإسرائيلي، أي لقوة الاحتلال، وللأسف إن هذه الممارسة تتكرر بشكل متزايد وتفقد المهنة برمتها مصداقيتها.

(*) هل تعتقدين أن الفلسطينيين سينتصرون؟

لا أعتقد أنه سيكون هناك أي فوز، إذ أنه لا يمكن لأحد أن ينتصر بجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب ضد سكان غزة، ولا حتى المجتمع الإسرائيلي، مهما حاول السيد نتنياهو القيام بذلك. إن ما أؤمن به هو أن شعب فلسطين سيبقى، بعد الكثير من الألم والكثير من الدمار والكثير من الموت، وسيظل شعب فلسطين هناك، يحب الحياة، والصداقة، والشعر، والموسيقى، والضحك أثناء تناول وجبة عائلية، إنني أثق بأن شعب فلسطين سيستمر في الوجود والمقاومة، وهذا بالفعل هو شكل من أشكال النصر.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.