}

عن قائمة "البوكر" الطويلة وجائزة "راثبون فوليو": ثقافات مختلفة

سناء عبد العزيز 31 مارس 2023
أعلنت جوائز راثبون فوليو عن الفائزين النهائيين في فئاتها الثلاث يوم 27 مارس/ آذار، وحسب التوقعات، فاز الديوان الأول للشاعرة الغانية المولودة في بريطانيا فيكتوريا أدوكوي بولي "هادئ"، بنبرته المتوازنة، وشحنته المتوترة في ثنايا عبارته الهادئة، واشتغاله على جرس الكلمات بما يجعل رنينها يدوم طويلًا في أذن القارئ، والأهم من ذلك كله منظوره الجديد والذكي للأنوثة السمراء في بريطانيا، الذي بقدر ما يسبر أغوار اليأس، ينتصر دائمًا للتفاؤل: "إذا كان وجعك حيًا في داخلي/ فلا بد من أن تكون فرحتك كذلك". إنه كما قالت عنه لجنة التحكيم "ثورة هادئة في كتاب ـ دقيق وجاد ومرن".
في فئة الخيال، فازت رواية "وحوش مخيفة"، للكاتبة الأسترالية المولودة في سيريلانكا، ميشيل دي كريتسر، وهي عبارة عن روايتين بضمير المتكلم، واحدة تدور أحداثها في عام 1981، والأخرى في المستقبل القريب البائس. اختر ما شئت لتقرؤه أولًا، فهذه هي طريقة دي كريستر في تشكيل الرواية الجديدة، ورؤيتها الديمقراطية لرغبة القارئ. وصفتها لجنة التحكيم بأنها "عمل عبقري مؤلف على نحو رائع... إنه كتاب يزعجك ويقلقك ويبهرك ويسعدك... ويجعلك تضحك بشدة".
أخيرًا، فازت مارغو جيفرسون في فئة الكتب الواقعية بتشريحها المذهل لتكويننا الواعي، أو اللاوعي، في "بناء الجهاز العصبي". والجميل أن الجائزة أعلنت جيفرسون كفائزة على كل الفائزين، وبالتالي ستحصل على 2000 جنية إسترليني عن فوزها الأول في فئتها، و30 ألف جنيه استرليني عن فوزها النهائي على كل الفئات، وهو ما استحدثته راثبون فوليو هذا العام، واستهلت بجيفرسون كأول من يفوز بالجائزة. ويبدو أن هناك تغييرًا آخر سيجرى على فوليو، فقد أعلنت أيضًا في حفل الجوائز عن حاجتها لراع جديد، بعد أن تخلت شركة راثبون عن دورها الذي استمر لسبعة أعوام، وذلك بدءًا من العام الجديد.

فاز الديوان الأوّل للشاعرة الغانية ـ البريطانية فيكتوريا أدوكي بولي "هادئ" بالجائزة الأولى في راثبون فوليو
سيرة ذاتية مزاجية
يصنف كتاب جيفرسون على أنه تاريخ اجتماعي وسيرة ذاتية وكتاب نقدي في الوقت ذاته، وهي الحائزة على جائزة بوليتزر للنقد في عام 1995. ولا شك في أن "بناء الجهاز العصبي" يحقق الأنواع الثلاثة، وربما يتجاوزها ليضيف شكلًا جديدًا إلى الرواية. لكن السيرة الذاتية هي التي انطلق منها السرد، وراح يبحث عن طرائق تصلح لحكيها، فإذا بها تتطرق إلى كل هذا.
يبدأ الكتاب بحلم مزعج، جيفرسون وحدها على خشبة مسرح تمد ذراعها عن آخره، وفجأة توجه إصبع الاتهام إلى نفسها، يعقبه بحث مكثف عما تتكون منه "أناها": "ما الذي صنعني وشوهني؟". تتساءل ويتولد من سؤالها سؤال آخر؛ كيف يمكنك كتابة سيرة ذاتية وأنت تشعر بالاستياء من السلطة؟ ثم تنتقل إلى رسالة كتبتها إلى والدتها الراحلة مقتبسة سطورًا من أغنية إثيل ووترز، من هنا ندرك أن جيفرسون لأجل أن تروي سيرتها كان عليها أن تتفحص الأجزاء التي تألفت منها الصورة لتعيد ترسيم الحدود وهو ما تطلب فحص الأمور المفروضة والمختارة والموروثة وكل ما يعتمل داخلنا ويشكل نسيجنا العصبي وكتلتنا الدماغية، وبالتالي هويتنا المفترضة.
في تلك المذكرات، تتابع جيفرسون ما كانت قد بدأته في كتابها "نيجرولاند/ Negroland" الفائز بجائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية عام 2016 في فئة السيرة الذاتية، حيث نشأت وسط البرجوازية السمراء في شيكاغو. وحرص والداها على إلحاقها هي وشقيقتها دينيس بمدرسة الباليه لتتعلم التوازن. قالت عنه أنيتا سيثي في الأوبزرفر آنذاك: "تستكشف جيفرسون بشكل رائع كيف تداخلت تجربتها الشخصية مع السياسة، من حركة الحقوق المدنية إلى النسوية، وكذلك التاريخ قبل ولادتها".
تكتب جيفرسون عن اكتئاب والدها، ومسيرتها المهنية، وأمورها العاطفية بأسلوب يتأرجح بين السيرة والنقد، ويستكشف الأنوثة السمراء من خلال فحص أيقونات ثقافة البوب التي نشأت معها، طارحة أسئلة حول تراثها والمجتمع الأميركي المتميز. تقول أبهراجيوتي تشاكرابورتي، في مراجعة في الغارديان: "تذكرني دائمًا بشيء تقوله إحدى الشخصيات في "مدن لا مرئية" لإيتالو كالفينو: ليس الصوت هو الذي يهيمن على القصة: إنها الأذن".
يطرح الكتاب فكرة إعادة توطين "الثقافة الأميركية"، ويسرد من خلالها كيف تشكلت حساسيتها الفنية من خلال التقارب الخيالي مع أولئك الذين "لن يتخيلوك": الروائيون البيض الذين كانوا متعالين، أو غير مبالين بالنساء السمراوات، ونظرة الذكورة من العرق نفسه تجاه المرأة، وثقل التاريخ بوقائع وأحداث من سوء المعاملة أو اللامبالاة.

"إلغ جدولك كي تقرأني"...
مارغو جيفرسون بكتابها "بناء الجهاز العصبي" فازت على كل الفائزين

تكتب جيفرسون بضميري المتكلم والمخاطب، وتتخذ من صيغ الأمر والنهي والاستفهام وسائل أساسية للتأثير في وعي القارئ، وهو ما يكشف عن جانب من طبيعتها القيادية التي تستنكف البقاء في الظل باعتبارها امرأة وسمراء. وهذه الأوامر توجهها في كثير من الأحيان إلى نفسها؛ توقف! لملم نفسك! تقول مولي يونغ في صحيفة النيويورك تايمز: يعد إصدار الأوامر إحدى تقنيات جيفرسون. "واصل القراءة"، "لا تشفق عليه"، و"لِمَ لا". وكذلك الاستعانة بالخطابات، ودعوات العمل، وكلمات الأغاني، والأمثال، والتعليقات التوضيحية، ودفتر يومياتها، ومقتطفات من كتاب عدة منهم شارلوت برونتي، كاثرين مانسفيلد، إيدا ب. ويلز، تشيسلاف ميلوش؛ وتلميحات إلى بيكيت، وروبرت لويس ستيفنسون، ودانتي.



من المؤثر جدًا أن تلمس الحساسية الشديدة لدى فنان، شخصية جيفرسون الحساسة جدًا يسهل التعرف عليها من خلال ذلك المزيج الرائع الذي ينم عن تكوينها وإحساسها بالفن، تتذكر في جزء من الكتاب حين تستعيد حفنة من ألبومات إيلا فيتزجيرالد من مجموعة والديها. وكيف كانت تنزعج في سن المراهقة عندما ترى مدى تعرق وضخامة فيتزجيرالد على أغلفة الألبومات والإعلانات التلفزيونية. لم تستطع التوفيق بين الصوت وحقيقة أن فيتزجيرالد كانت لديها غدد نشطة. وهي تعيد التفكير في أمر انزعاجها، نعرف كثيرًا عن العلاقة بين النساء السمر والتعرق والعمل والسحر.
تقول يونغ: "أتردد في أن أنسب وعي جيفرسون الذاتي المدروس كليًا إلى الجنس، أو العرق، أو الطبقة. كل هذه المكونات مهمة إلى حد كبير، ولكن من الصحيح أيضًا أن بعض الناس يولدون واعين بأنفسهم، وبعضهم يؤول إلى هذه الحالة، بينما بعض آخر لا يفعل ذلك أبدًا (نعلم جميعًا عينات من ذلك الشذوذ الخارق للطبيعة، الإنسان الواثق من نفسه). لا أقول هذا للتغاضي عن خصوصية حياة جيفرسون، ولكن لوضعها في تقليد فني يتضمن إميلي ديكنسون، وفريدا كاهلو، وإنغمار بيرغمان؛ إنه تنقيب في الذات لا يعرف الهوادة، وبريء تمامًا من الانغماس في ذاته.




ذكرت لجنة التحكيم المؤلفة من إيلا سميث، وجاكي كاي، وجاي جوناراتني: "إن (بناء الجهاز العصبي) كتاب ممتع ومؤثر للغاية، لا مثيل له؛ قراءة مثيرة وسخية ومفعمة بالحيوية ومدهشة تعيد تشكيل الثقافة، وتصحح التاريخ، وتعيد توظيف كل ما تلمسه، وتمرر هذه العطايا من الابتكار والتجديد إلى كل من سيقرأها".
وهكذا نستطيع من خلال كتاب جيفرسون الفائز بالجائزة الكبرى في نسخة فوليو الجديدة أن نتعرف على طريقة جديدة لتشريح الذات تمكننا من بناء جهازنا العصبي بعيدًا عن التوترات.

القائمة الطويلة لجائزة البوكر الدولية:
نافذة واسعة على ثقافات مختلفة...
أعلنت جائزة البوكر الدولية التي تمنح مناصفة بين الكاتب ومترجمه عن قائمتها الطويلة لعام 2023 في منتصف مارس/ آذار، وهي قائمة تم اختيارها بعناية من بين 134 كتابًا تقدمت بها دور النشر المختلفة للفوز بالجائزة البالغ قيمتها 50 ألف جنيه استرليني. وتتضمن 13 عملًا مترجمًا من 11 لغة، تغطي أربع قارات؛ أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأميركا اللاتينية، منهم ثلاث لغات تترشح لأول مرة، وهي البلغارية، والكتالونية، والتاميلية، تقول عنها الروائية الفرنسية المغربية، ورئيسة لجنة التحكيم، ليلى سليماني، إن قائمة اليوم "تحتفل بتنوع الإنتاج الأدبي، وتعدد أطيافه".
انضم إلي سليماني في لجنة التحكيم المترجم أوليم بلاكر، وتان توان إنج، الروائي الماليزي الذي تم اختياره في القائمة القصيرة في البوكر من قبل، وبارول سيجال، كاتب وناقد في نيويوركر؛ وفريدريك ستودمان، المحرر الأدبي في فايننشال تايمز.


ثنائيات نادرة
تعاني الكاتبة الكاريبية ماريز كوندي (89 عامًا) من اضطراب عصبي تنكسي أفضى إلى تعثر في الرؤية والكلام، غير أن الإبداع لا يعدم وسيلة للإعراب عن نفسه، لهذا أملت كوندي روايتها "الإنجيل وفقًا للعالم الجديد/ The Gospel According to the New World" على زوجها المترجم ريتشارد فيلكوكس، واستقبل الزوج كلمات زوجته المتلعثمة بمنتهى الأناة والصبر، وراح يترجمها إلى الإنكليزية، فأصبحت كوندي بذلك أكبر كاتبة في تاريخ الجائزة.
تدور رواية كوندي حول الطفل المعجزة باسكال، بالغ الحسن والجمال، بشعره البني المحروق، وعينيه الخضراوين. ونظرًا لاختلافه وملكاته المذهلة يشاع عنه أنه ابن الله، ومن ثم تبدأ رحلته من مجتمع إلى آخر بحثًا عن أصوله الحقيقية، هل هو حقًا ابن الله، وما هي، إذًا، طبيعة مهمته؟ هل سيتمكن من تغيير مصير البشرية؟ وماذا سيكشف إنجيل العالم الجديد؟ كوندي وفيلكوكس هما أول فريق عمل مؤلف من زوجة وزوج يتم إدراجهما في القائمة الطويلة للجائزة، لكن كوندي وحدها سبق ترشيحها للبوكر عام 2015.
تتضمن القائمة ثنائيًا آخر مؤلفًا من الكاتب الألماني كليمنس ماير، ومترجمته كاتي ديربيشاير، اللذين تم ترشيحهما من قبل في قائمة البوكر القصيرة عام 2017، وترشحا هذا العام برواية ماير الأولى "بينما كنا نحلم / While We Were Dreaming"، وتتناول مجموعة من الفتيان، ريكو، ومارك، وبول، ودانيال، كانوا في عمر الثالثة عشرة عندما سقط جدار برلين في خريف عام 1989، وعاشوا في لايبزيغ وقت إعادة التوحيد، هؤلاء الصبية أرادوا أن يقتلوا الوقت بالتجول كل ليلة في الشوارع، وإثارة الشغب، وسرقة السيارات، ولكن في سريرة أنفسهم يتوقون إلى الحب الحقيقي والحرية الأكيدة.
ولد ماير عام 1977 في هاله، ويعيش في لايبزيغ في ألمانيا، وكما كثير من المبدعين بدأ حياته بأعمال متواضعة كحارس أمن، وسائق رافعة شوكية، وعامل بناء، قبل أن يصبح كاتبًا معروفًا.

لحراس الأمن مكان في قائمة البوكر
الكاتب الأوكراني أندريه كوركوف المولود قرب لينينغراد عام 1961، كان بدوره حارس سجن قبل أن يصبح روائيًا معروفًا. في الفترة الأخيرة، أعلن كوركوف عن موته، بعد احتجاجات كثيرة على كتابته، وها هو يبعث من جديد بترشيح روايته "جيمي هندريكس يعيش في لفيف/Jimi Hendrix Live in Lvivis"، من ترجمة روبن وولي، في قائمة البوكر 2023. ترسم حكاية كوركوف صورة حنونة لواحدة من أكثر مدن العالم إثارة للاهتمام، مدينة لفيف العالمية، غربي أوكرانيا، وسط أجواء غرائبية تنتمي للكوميديا السوداء والواقعية السحرية.
في هذا الصدد، يلقي "غوز" في كتابه "وقوف متثاقل/ Standing Heavy"، بترجمة فرانك وين، نظرة ثاقبة فريدة على كل ما يمر تحت ناظري حارس الأمن من خلال تجربته كطالب غير موثق في باريس، وذلك في خضم المشاحنات السياسية في مساكن الطلاب بكوت ديفوار، والمشهد المتغير باستمرار لسياسة الهجرة الفرنسية، حيث يحاول جيلان من الإيفواريين شق طريقهم كعمال ليس لديهم أوراق رسمية، ويضطرون للعمل في ورديات مطحنة الدقيق كحراس أمن.
تعد أيضًا مجموعة المقالات الواردة في "المبنى التاسع/ Ninth Building" للكاتب الصيني زو جينغزي، بترجمة جيريمي تيانج، سيرة ذاتية عن حياة المؤلف في الصين في أثناء الثورة الثقافية، تبلور تجاربه كصبي في بكين، ثم كمراهق منفي إلى الريف. وفيها يلتقط زو جانبًا من الثورة الثقافية نادراً ما تم تناوله، وهو الملل، وإهدار حياة الشباب في ظل النظام، فضلاً عن روح الدعابة التي تصاحب مثل هذه المواقف اليائسة. يحظى زو بتقدير كبير في الصين كروائي، وشاعر، وكاتب مقالات، وكاتب سيناريو، وكاتب مسرحي.
أدرجت كذلك أماندا سفينسون، المترجمة السويدية لروايات إلي سميث، بملحمتها العائلية "نظام مبهر حد العماء/ A System So Magnificent It Is Blinding"، بترجمة نيكولا سمالي، وتدور حول مفاهيم الإرادة الحرة، والتسامح، والترابط، مثيرة عددًا من الأسئلة من مثل: هل نحن أحرار في تقرير مصائرنا، أم أننا مجرد جزء من نظام خارج عن سيطرتنا؟

تناقضات الأمومة وهمومها
تشمل القائمة الطويلة ثلاثة كتب عن الأمومة بمعالجات مختلفة، منها الرواية الرابعة والثاقبة للكاتبة المكسيكية غوادالوبي نيتل "ما زلت ألد/ Still Born"، التي ترجمتها من الإسبانية روزاليند هارفي، وتستكشف أحد القرارات الأكثر أهمية في الحياة؛ هل بوسعي إنجاب طفل وتحمل مسؤوليته (أم لا)؟ ترسم نيتل صورة لامرأتين؛ ألينا ولورا، تفضلان الاستقلال بعيدًا عن التزامات الأسرة والأطفال، حتى أن لورا تقوم بتعقيم نفسها، ولكن متى كانت قرارتنا نهائية لا تقبل المفاوضة مع المستقبل، فإذا بألينا على غير توقع تحن إلى فكرة الأمومة، وهنا تدرك المرأتان مع مضاعفات الحمل المعروفة مدى تعقد عواطفهما.
هنالك أيضًا "بولدر/ Boulder" للشاعرة والكاتبة إيفا بالتاسار، بترجمة جوليا سانشيز من الكتالونية، وتدور حول امرأتين متحابتين تبلغ إحداهما 40 عامًا، وتقرر الإنجاب قبل أن تفوتها الفرصة، لكن صديقتها تنهشها الغيرة بعد كل هذا الحب، مع التغيرات التي تطرأ على جسد الأخرى واستنساخ حياة جديدة داخل رحمها.





على نحو آخر، تدور الرواية النرويجية "هل ماتت الأم/Is Mother Dead"، للكاتبة الأكثر مبيعًا، فيجديس هورث، بترجمه شارلوت بارسلوند. تطرح الرواية الأمومة من منظور الابنة، بعد وفاة الأم، باعتبارها قاتلة! تقول جوانا إن "الأم تستطيع أن تقتل، أو تكاد تقترب من القتل"، وتتلاعب بتهجئة الكلمتين بالنرويجية، "mor" mord""، التي تعني إحداهما الأم، بينما تعني الأخرى القتل! تعود جوانا، التي أصبحت أرملة مؤخرًا، إلى أوسلو بعد غياب طويل للتحضير لعرض استعادي عن فنها الذي يتخذ من الأمومة موضوعًا له، وقد أحدثت بعض لوحاتها الأكثر إثارة للجدل شرخًا دراماتيكيًا بين هذه العلاقة الملتبسة.

حين يغزو الماضي حاضرنا
يأخذنا بيرومال موروغان في روايته القوية والمقنعة "محرقة/ Pyre"  ترجمة أنيرودهان فاسوديفان إلى ريف تاميل نادو في الثمانينيات، حيث يواجه الزوجان؛ ساروجا وكوماريسان، تمييزًا عنصريًا يهدد حبهما بعد أن تزوجا في بلدة صغيرة جنوب الهند، ويخفيان سرهما الخطير المتمثل في كونهما ينتميان إلى طائفة مختلفة، وإذا اكتشف القرويون ذلك، وما تجرآ عليه بالأمس، فلا شك أنهما سيتعرضان لمخاطر لا قبل لهما بها، فهل يتكفل الحب بإنقاذهما؟ في "حفلة عيد الميلاد/ The Birthday Party"، التي كتبها لوران موفيجنييه، وترجمها من الفرنسية دانيال ليفين بيكر، تبدأ الأحداث التي لا يمكن تفسيرها في تعطيل الحياة الهادئة للقرية الصغيرة: رسائل مجهولة، تهديدات، ومع حلول الليل، يطارد الغرباء المنازل، ويطلقون العنان لسلسلة مرعبة من الأحداث. زمن الرواية يوم واحد في قرية صغيرة معزولة في فرنسا، ورغم ضيق المكان وحدود الزمان تكشف لنا ببراعة الأسرار التي نخفيها عن الآخرين، وعن أنفسنا، ومدى تأثر حاضرنا بتقلبات ماضينا.
قرية أخرى نائية في كوريا الجنوبية هي مسرح أحداث المجموعة القصصية "حوت/ Whale" لتشون ميونغ كوان، بترجمة تشي يونغ كيم، وتلقي ضوءًا جديدًا على التغييرات التي مرت بها كوريا في انتقالها السريع من مجتمع ما قبل الحداثة إلى مجتمع ما بعد الحداثة، من خلال نساء غريبات الأطوار؛ جيومبوك المرأة التي تبحث عن الإثارة منذ أن شاهدت لأول مرة حوتًا في المحيط؛ ابنتها الصامتة، تشونهوي، التي تتواصل مع الأفيال؛ وامرأة عوراء تتحكم في نحل العسل بصفارتها، فأي نوع من النساء هؤلاء!
من البلغارية، ترجمت أنجيلا روديل ببراعة رواية جورجي جوسبودينوف "ملجأ الزمن/ Time Shelter"، التي تفترض علاجًا للزهايمر في مصحة يطلق عليها "عيادة الماضي"، كل طابق منها يستنسخ عقدًا من الزمن بتفاصيل دقيقة، وينقل مرضاه إلى الوراء في أوقات مناسبة. ومع نجاح المهمة، سرعان ما يتوافد الناس على تلك العيادة بأعداد مهولة حتى الأصحاء منهم باعتبارها "ملجأ زمني"، يضمن لهم الهروب من أهوال الحياة الحديثة، ويبدأ الماضي في غزو الحاضر، وتتفجر المشكلات.
وهكذا، تفتح القائمة الطويلة للبوكر الدولية 2023 نافذة على ثقافات متنوعة تشمل الحكاية الخيالية الكورية، والرعب الفرنسي، والإنجيل الكاريبي، والميلودراما الهندية، والملحمة الإسكندنافية، وغيرها من الروائع التي ربما نستكشفها لأول مرة، وهو ما يجعل مهمة لجنة التحكيم في اختيار القائمة القصيرة 18 أبريل/ نيسان المقبل، من المهام الصعبة، والأصعب منها اختيار الفائز النهائي في الحفل الذي يقام في سكاي غاردن في لندن يوم 23 مايو/ أيار، سيما وأن فوز كاتب ما يعني بالضرورة فوز مترجمه، ذلك الجندي المجهول في تلك العملية الإبداعية الرهيبة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.